المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الشعارات الرنَّانة و التطبيق



أهــل الحـديث
17-09-2012, 06:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان محبة النبي صلى الله عليه وسلم بن الشعارات الرنانة والتطبيق وهي لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله نشرها فضيلته بتاريخ اليوم في جريدة الشرق القطرية



بسم الله الرحمن الرحيم

محبة النبي صلى الله عليه وسلم بين الشعارات الرنَّانة و التطبيق
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن الله قد أوجب علينا محبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، بل حُبُّه وتوقيره لابد أن يكون أكثر من حبنا وتوقيرنا لآبائنا وأمهاتنا و أولادنا و الناس أجمعين ، قال صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين ". رواه البخاري (14) ومسلم (44 ) من حديث أنس -رضي الله عنه-
قال ابن بطال–رحمه الله-:"ومعنى الحديث،والله أعلم:أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول - صلى الله عليه وسلم- وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين،لأن بالرسول استنقذ الله أُمته من النار وهداهم من الضلال".شرح ابن بطال (1/66)
بل أن محبته صلى الله عليه مُقدَّمة حتى على محبة النفس ، قال عمر الفاروق-رضي الله عنه-للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله،لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي،فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"لا و الذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"،فقال عمر-رضي الله عنه-:فإنه الآن و الله لأنت أحب إلي حتى من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر". رواه البخاري(6257)من حديث عبد الله بن هشام -رضي الله عنه-
لكن ينبغي أن نعلم أيها الأحبة أن محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تكون أعلى من محبة الله جل جلاله ولا مثلها ، فمحبة الباري سبحانه وتعالى لا تدانيها محبة أي مخلوق حتى لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" ومحبة الرب تعالى تختص عن محبة غيره في قدرها وصفتها وإفراده سبحانه بها، فإن الواجب له من ذلك كله أن يكون أحب إلى العبد من ولده ووالده، بل من سمعه وبصره ونفسه، التي بين جنبيه، فيكون إلهه الحق و معبوده أحب إليه من ذلك كله، والشيء قد يحب من وجه دون وجه، وقد يحب بغيره وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده، ولا تصلح الألوهية إلا له". الجواب الكافي (ص 142)
ولمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الكرام ثمرات يقطفها المسلم فيتلذذ بها في الدنيا و الآخرة بإذن الله ، فمن ثمرات حب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الدنيا العاجلة:
-تذوق طعم الإيمان،فعن أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان:أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله،وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".رواه البخاري (16 ) ومسلم (67)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبة له،فمن أحب شيئا أو اشتهاه إذا حصل له مراده، فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى،..ثم قال:فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة و الفرح يتبع كمال محبة العبد لله ، وذلك بثلاثة أمور : تكميل هذه المحبة ، وتفريعها ،ودفع ضدها. فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... وتفريعها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ودفع ضدها أن يكره ضد الإيمان –الكفر- كما يكره أن يقذف في النار ".مجموع الفتاوى (10 /205)
-مرافقة نبينا صلى الله عليه وسلم في الجنة،فعن أنس- رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله متى الساعة؟ قال:"وما أعددت للساعة؟"، قال:حب الله ورسوله،قال:"فإنك مع من أحببت" .
قال أنس-رضي الله عنه-:"فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشدَّ من قول النبي صلى الله عليه وسلم :"فإنك مع من أحببت".
وقال أنس -رضي الله عنه- : فأنا أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر و عمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل أعمالهم ". رواه البخاري (5815)، ومسلم (2693)
وعلينا نحن أيضا أن نفرح أيضا بهذا الحديث ، ونقول كذلك : ونحن نحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر و عمر وكل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونرجو الله أن نكون معهم ويجمعنا بهم في الجنة وإن لم نعمل مثل أعمالهم، فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه.
فبعد أن عرفنا أيها الأحبة أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم نَتاجها ضعفين في الدنيا والآخرة بعون الله رب العالمين ، فيجب أن نعلم أنها ليست مجرد شعارات تُردد ولا كلمات رنانة تُذكر ، بل لها علامات وقرائن لا بد من وجودها حتى يصدق على من ادَّعاها أنه حقيقة يحب رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي عياض –رحمه الله- : " اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته ، وإلا لم يكن صادقاً في حبه ، وكان مدعياً" .كتاب الشفا (2 /22)
وهذه أيها الكرام أهم العلامات التي ينبغي أن تتوفر فيمن رفع راية محبة النبي صلى الله عليه وسلم :
-الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، وذلك باتباعه في جميع أحواله ، قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران:31]
قال القاضي عياض –رحمه الله- : " فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه ، وأولها الاقتداء به ، واستعمال سنته ، و اتباع أقواله وأفعاله ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه". كتاب الشفا (2 /22)
وقال الشيخ السعدي -رحمه الله-:"أي:ادعيتم هذه المرتبة العالية ، والرتبة التي ليس فوقها رتبة ،فلا يكفي فيها مجرد الدعوى ، بل لا بد من الصدق فيها ، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، في أقواله وأفعاله ، في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن ، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى ، وأحبه الله وغفر له ذنبه،ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته ، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى ، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله ، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها ، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها ، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق ، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله ، وما نقص من ذلك نقص ".تفسير السعدي (ص 128)
- إحياء سنته صلى الله عليه وسلم ونشرها بين الناس بالدعوة إليها على بصيرة،قال صلى الله عليه وسلم:" بلغوا عني ولو آية ".رواه البخاري (3274 ) من حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- .
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :"فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم والله سبحانه قد أمر رسوله أن يبلغ ما أنزل إليه، وضَمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ الله وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم لهم وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا، وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو، لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه".جلاء الأفهام (ص 415)
-نصرة سنته صلى الله عليه وسلم بالغالي و النفيس،و الذب عنها وعن أهلها المتمسكين بها في أي مكان ، من تحريف الغالين، وانتحال المُبطلين ، وتأويل الجاهلين، ورد شبهاتهم، وبيان أكاذيبهم للناس.
-الإكثار من ذكره صلى الله عليه وسلم وذلك بالصلاة والسلام عليه في كل وقت ، قال تعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) [ الأحزاب :56]
ومن الأمور التي تعين على كثرة ذكره صلى الله عليه وسلم كذلك قراءة سيرته وتدبرها ،والشوق لرؤيته صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: "لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب،واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه،ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه،وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه،ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره واستحضار محاسنه". جلاء الأفهام (ص447)
- محبة أهل بيته و كل أصحابه (رضي الله عنهم )و الدفاع عنهم، وعداوة وبُغض كل من عاداهم وأبغضهم.
فهذه أيها الأحبة أهم العلامات التي على كل من رفع شعار محبة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون متحليَّا بها ، ملازما لها ، ولكن ليحذر المحب للنبي صلى الله عليه وسلم أشد الحذر من أن يُجاوز المحبة إلى الغلو ، فيُثبت للنبي صلى الله عليه وسلم ما هو خاص بالباري سبحانه من الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات ، فقد حذر صلى الله عليه وسلم من ذلك، فعن عمر– رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تُطرُوني – المبالغة في المدح- كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبدٌ، فقولوا : عبد الله ورسوله ". رواه البخاري ( 3445)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزقنا وإياكم محبة نبينا صلى الله عليه، ومحبة سنته ، ومحبة أهل سنته ، وأن يوفقنا لتحقيق الأسباب الموصلة لذلك، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير.


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي