المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنا كفيناك المستهزئين



أهــل الحـديث
15-09-2012, 12:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي بعنوان إنا كفيناك المستهزئين يرد فيها فضيلته على كل من تطاول على النبي الكريم صلى الله عليه وسلموهي في جريدة الشرق القطرية



بسم الله الرحمن الرحيم



إنا كفيناك المستهزئين

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد أنقذنا الله تعالى من النار في الآخرة وأخرجنا من الظلمات الى النور ببعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعصم بإرساله أرواحنا وأعراضنا وأموالنا في الدنيا العاجلة ، وأوجب لنا بإتباعه الفلاح الأبدي و النعيم السرمدي كما وعدنا سبحانه وتعالى
لكن أعداء الدين الإسلامي الحنيف أيها الأحبة من الكفار و المنافقين قديما وحديثا غاضهم ما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من البينات و الهدى، فحاولوا تشويه الإسلام وتصويره على أنه دين إرهاب وغير ذلك من الشبهات الباطلة التي حاولوا لصقها بالإسلام ، فردهم على أعقابهم خائبين ، لأن هذا الدين وحي من الله وهو سبحانه من تكفل بحفظه ،فانقلب عليهم كيدهم وانتشر الإسلام في أنحاء العالم وازداد عدد الداخلين فيه ، فله سبحانه الحمد و المنة على ذلك.
لكن أعداء الله لم يهدأ لهم بال ولم يقر لهم قرار ولم يستقر لهم حال لما رأوا الناس بفضل الله يدخلون في دين الله أفواجا، فلحقد دفين في صدورهم نطقت به أفواههم و أقلامهم حاولوا بشتى الطرق و الوسائل وبزخرفة شيطانية تشويه صورة خير المرسلين الذي بعثه الله رحمة للعالمين، لعلمهم أن الطعن في سيد ولد آدم أجمعين والاستهزاء به هو طعن في الدين الحنيف الذي أرسله به رب العالمين، فتارة نراهم – أخزاهم الله – يصورونه للناس برسومات مزعومة ! وحاشا وكلا أن يكون كذلك، وتارة يجسدونه في أفلام ساقطة ! وهو صلى الله عليه وسلم أطهر وأكرم من هذا كله ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .
إن هؤلاء! أيها الأحبة ، لم يعتبروا عند ارتكابهم هذه الأفعال الدنيئة بما جرى لأسلافهم من عقوبات لما تعرضوا لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بالاستهزاء، ولشخصه الكريم بالازدراء، فعن أنس-رضي الله عنه – قال :كان رجل نَصْرَانِيًّا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فعاد نصرانيا، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كَتَبْتُ له، فَأَمَاتَهُ الله فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ وقد لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ،فقالوا: هذا فعل محمد وأَصحابه لما هرب منهم نَبَشُوا عن صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فحفروا له فأعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وقد لَفَظَتْهُ الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نَبَشُوا عن صاحبنا لما هرب منهم فَأَلْقَوْهُ،فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد لَفَظَتْهُ الأرض فَعَلِمُوا أَنَّهُ ليس من الناس فَأَلْقَوْهُ".رواه البخاري( 3421) واللفظ له ، ومسلم (2781)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"فهذا الملعون الذي افترى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دفن مرارا ،وهذا أمر خارج عن العادة يدل كل أحد على أن هذا عقوبة لما قاله وأنه كان كاذبا، إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا،وإن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد،إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا،وإن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ومظهر لدينه ولكذب الكاذب،إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد".الصارم المسلول على شاتم الرسول(2/ 233)
وما حدث لأسلاف هؤلاء من الذل و الهوان ، هو ما سيحدث بإذن الله لكل من تطاول على مقام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعدهم عاجلا أو آجلا ، إذا لم يبادروا بالتوبة بالدخول إلى الإسلام ،وهذا مصداق قوله جل جلاله ( إنا كفيناك المستهزئين ) [ الحجر :95]
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وهذا وعد من الله لرسوله – صلى الله عليه وسلم-، أن لا يضره المستهزئون ، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة ، وقد فعلالله تعالى، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، إلا أهلكه الله ، وقتله شر قتله " .تفسير السعدي (ص 435)
وكذلك قوله تعالى ( إن شانئك هو الأبتر ) [ الكوتر :3]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :" أي إن مبغضك يا محمد – صلى الله عليه وسلم- ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع " . تفسير ابن كثير ( 4/560)
فالله جل جلاله وعظم سلطانه وعد بنصرة أنبيائه المرسلين و عباده المؤمنين ، ولن يخلف سبحانه وعده فهو أصدق القائلين ، حيث قال سبحانه ( إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا) [غافر:51]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : " المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم ، كما فعل بقتلة يحيى و زكريا وشعياء ، سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر، وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود فسلط الله تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم، وأظهرهم الله تعالى عليهم، ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام إماما عادلا وحكما مقسطا، فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود، ويقتل الخنزير ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام ،وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم" . تفسير ابن كثير (4/84)
أيها الأحبة الكرام ، إن مما يعجب منه المرء العاقل من هؤلاء الكفار ! لو أن أحدا من المسلمين استهزأ برجل يعدونه رمزا للقومية أو الوطنية أو التطور ، لقامت ثائرتهم ،ولشنُّوا عليه حربا إعلامية ولرفعوا عليه القضايا في المحاكم الدولية !!
فلماذا إذا يتعرضوا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوة المسلمين وأسوة الموحدين؟!
لكن إذا عرف السبب بطل العجب ، لقد غاضهم كما ذكرنا اتساع رقعة الإسلام و ازدياد عدد المسلمين ، ورجوع كثير من المسلمين ولله الحمد للتمسك بدينهم الحنيف ، فانفجر بركان حقدهم الذي كان مدفونا في صدورهم وبدا ذلك من أفواههم وأقلامهم وما تخفي صدورهم أكبر ،قاتلهم الله أنى يؤفكون .
إن الإنكار على من استهزأ بمقام النبي صلى الله عليه أيها الأفاضل واجب على كل المسلمين ، كل بحسب استطاعته حكاما ومحكومين، وبحسب الضوابط الشرعية ، ومن لم يستطع أن ينكر بلسانه وقلمه،فعليه أن ينكر بقلبه وذلك ببغض أعداء الله ، وتعظيم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في قلبه تعظيما شرعيا لا غلو فيه.
ولا يكون الإنكار بالتخريب و القتل و الحرق وترويع الآمنين،حتى وإن كانوا من الكفار الذين دخلوا ديار المسلمين مستأمنين ، فعلينا أن نتقيد بتعاليم ديننا الحنيف في مثل هذه المواطن ولنرجع إلى علمائنا الربانين الناصحين لمعرفة ضوابط الإنكار ، فهم حفظهم الله ونفع بهم المسلمين ،جمعوا بين حب المصطفى صلى الله عليه وسلم والحث على نصرته، وتقدير المصالح العامة .
وفي الختام أيها الكرام ، ينبغي أن نعلم يقينا أن من أعظم أسباب تسلط أولئك الكفار علينا حتى وصلوا للاستهزاء بإمام المسلمين وأسوتهم صلى الله عليه وسلم، ضُعف تمسكنا بتعاليم الإسلام عقيدة وعبادة وتعاملا ، فعلينا أن نرجع لتحكيم كتاب ربنا و السير على هدي نبينا صلى الله عليه وسلم و معرفة سنته و إحيائها بين المسلمين إذا أردنا النجاح و الفلاح بعون الله ، وسيهابنا أعداء الله بعد ذلك بإذن الله .
فأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يردَّنا و المسلمين إليه ردا جميلا ، وأن يرزقنا وإياكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم محبةً مشروعة لا غلو فيها ، ومحبة سنته ، ومحبة أهل سنته ، وأن يُذِّل كل من تطاول على هذا الدين الحنيف أو على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ويُريَّناالله فيه عجائب قدرته فيكون لمن بعده عبرة وآية ، فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي