المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المتوارون خلف شيوخهم



أهــل الحـديث
13-09-2012, 05:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المتوارون خلف شيوخهم
التواري خلف الشيوخ صفة كاشفة ابتلي بها فِئام من الناس منذ قرون الى يومنا هذا . وهو داء ثقيل طال أمده في المجتمعات المسلمة ، وقد صفق الهمج الرعاع لشيوخهم واحتموا بظهورهم، وأفسحوا لهم المنابر وقدموهم على الأفاضل الأكابر .
وقد يكون التواري لعلة قلبية، أو لظرف زماني أو مكاني، أو للملازمة أو لعائق لا يعلم سببه الا صاحبه .
والتواري خلف الشيوخ ضد الاصطفاف خلف الشيوخ . وهذه الصفة الاخيرة هي من نصرة الحق وتكثير سواد أهل العلم وتقوية لنفوذ المصلحين .
والتواري خلف الشيوخ غايته غمط الحق والتحزُّب المقيت ومغالبة الخصم، ولو كان نور الحق ساطعا في جبينه . وقد قال الله تعالى عن اخوان المتوارين : " فمن بدَّلهُ بعدما سمعه فإنما إثمهُ على الذين يبُدِّلونه " ( البقرة : 181) .
• مقاصد التواري خلف الشيوخ :
1--التقليد والمحاكاة :
يعمد البعض الى التواري خلف الشيوخ من أجل تقليدهم ومحاكاتهم، إما بسبب الانبهار والاعجاب بهم أو بسبب نفوذ شيوخهم عليهم ورغبة في عدم الافتئات عليهم . وقد شرح العلامة ابن خلدون( ت: 808هـ ) رحمه الله تعالى ، هذا المعنى بعبارات لا مزيد عليها
حين قال : " إن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيِّه و نحلته و سائر أحواله و عوائده ، و السبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أولما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك و اتصل لها اعتقاداً فانتحلت جميع مذاهب الغالب و تشبهت به و ذلك هو الاقتداء ،أو لما تراه و الله أعلم من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية و لا قوة بأس ، إنما هو بما انتحلته من العوائد . و المذاهب تغالط أيضاً بذلك عن الغلب ، و هذا راجع للأول، و لذلك ترى المغلوب يتشبه أبداً بالغالب في ملبسه و مركبه و سلاحه في اتخاذها و أشكالها بل و في سائر أحواله . و انظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائماً و ما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم. وانظر إلى كل قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زي الحامية و جند السلطان في الأكثر ، لأنهم الغالبون لهم حتى أنه إذا كانت أمة تجاور أخرى و لها الغلب عليها، فيسري إليهم من هذا التشبُّه و الاقتداء حظ كبير، كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة ، فإنك تجدهم يتشبهون بهم في ملابسهم و شاراتهم و الكثير من عوائدهم و أحوالهم ،حتى في رسم التماثيل في الجدران و المصانع و البيوت، حتى لقد يستشعر من ذلك الناظر بعين الحكمة أنه من علامات الاستيلاء و الأمر لله .
و تأمل في هذا سر قولهم : العامة على دين الملك، فإنه من بابه، إذ الملك غالب لمن تحت يده و الرعية مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه، اعتقاد الأبناء بآبائهم و المتعلمين بمعلِّميهم " .

2-ضعف اليقين :
يعمد البعض الى التواري خلف شيوخهم، بسبب ضعف يقينهم واعتمادهم على ظواهر الامور دون تحري صحة الدليل والطمأنينة الى الحجة . ومن الأمثلة على ذلك العلامة الزمخشري ( ت: 538هـ ) الذي صمد في التواري خلف شيخه العلامة الجشمي( 494هـ) عاملهما الله بعدله ، وجدَّد الدعوة الى المذهب الاعتزالي بكل جلد وتفاني .
وقد صنف تفسيره ( الكشاف ) لهذا الغرض . وقد قال العلامة البلقيني ( ت: 868هـ ) رحمه الله تعالى : " استخرجت من الكشاف اعتزالا بالمناقيش " !! .
وقد كان الزمخشري يُقدم العقل على الاجماع والقياس، ويعرض عن صحيح الأدلة ،وينبز أهل السنة بأنهم حشوية ومُشبِّهة . وقد قال في هجاء أهل السنة :
لجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمُر لعمري موكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه .

3- التعلُّق بالذوات :
من أدواء الناس العجيبة التعلق بالذوات والهيام بهم وبمنطقهم وسمتهم، ولو كان ذلك مجانبا للحق ومخالفا للدليل . ومن الأمثلة على ذلك تعلق القبوريين والصوفيين بشيوخهم كابن عربي(ت: 638هـ ) والحلاج(ت: 309هـ) والسهروردي(ت : 586هـ ) عاملهم الله بعدله ، المحادِّين لدين الله المدنسين لجناب التوحيد ، وأتباعهم كثير في هذا العصر لا كثرهم الله . وكذلك التعلق بالمشايخ المنتسبين الى أهل بيت النبوة وأوليائهم من الغلاة المبتدعة ممن خالفوا الدليل ، نسأل الله العافية .

4-التعصُّب للمذهب :
التواري خلف الشيوخ من أجل التعصب للمذهب، سمة بارزة في التأريخ الا من عصمه الله . ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في ترجمة "أصبغ بن خليل المالكي"(ت:
273هـ ) سامحه الله، أنه كان يقول : " لئن يكون في كتبي رأس خنزير، أحب إليّ من أن يكون فيها مصنف أبي بكر بن أبي شيبة " . فقد كان معروفا بتعصبه للمالكية
ونافرا عن صحبة أهل الحديث . وقد كان ذلك بسبب المنافسة بين المدارس الفقهية التي قلَّ فيها الانصاف وما زال أثرها قائما الى اليوم .


5- التفرد بالغرائب :
يتوارى البعض خلف شيوخهم من أجل تفردهم بالغرائب وتنميقهم العبارات والمصطلحات واستحداث طرائق جديدة في معالجة مسائل العلم والفقه .
والتحديث بالغرائب يورث الجرأة على نقد المسائل الشرعية والتكلف في فهمها
والنيل من العلماء بلا بينة أو برهان . وقد حدث هذا للفقيه الأصولي : محمد بن احمد ابن رشد (ت: 595هـ) رحمه الله تعالى ، الذي عكف على كلام أرسطو وترجمه الى العربيه وزاد عليه زيادات كثيرة . وكان قد نشأ بين الكُلابية المبتدعة ، وقرأ كتب الفلاسفة وتأثر بهم .
وقد قال الامام الذهبي ( ت: 748هـ ) رحمه الله تعالى :" لا ينبغي أن يُروى عنه".
وقد كان السلف يُمنعون من الإكثار من الحديث في دولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد - بل هو غَضٌّ لم يشب - ، فما الظن بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا ، مع طول الأسانيد وكثرة الوهم والغلط ؟ .
ومن التواري خلف الشيوخ ما نراه اليوم من التفاخر بمن يطلق عليهم" المفكرين الاسلاميين" ممن تخرجوا في مدارس الاستعمار واحتضنهم المستشرقون المستعربون ، فعادوا الى ديار المسلمين بوجه كالح مظلم لتنفيذ مآرب المدارس الغربية العفنة، وجذب الهمج الرعاع لمحاضراتهم وندواتهم .
وعلاج ذلك الداء لا يكون الا بالتعلق بالله تعالى وكثرة المناجاة واللهج بالاستغفار ثم الخلوة بالنفس ومحاسبتها على النيات والمقاصد . ولا ريب أن من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له .

فيا من له عقل وقلب : الزم غُرز العلماء وأقبل على المحجة البيضاء، فإن الليل قصير والصبح قريب . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

المصادر :
1- المسائل الاعتزالية في تفسير الزمخشري/ لصالح الغامدي .
2- مقدمة ابن خلدون/ ص/ 114 .
3- سير أعلام النبلاء /الذهبي / 21/307 .
4- منهاج السنة النبوية / ابن تيمية / 1/354 .
5- الثقات الذين ضُعفوا في بعض شيوخهم / للرفاعي / ص/ 33 .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة
http://lojainiat.com/main/Author/2083