المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خبر الواحد المتلقَّى بالقبول



أهــل الحـديث
12-09-2012, 08:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه ومَن تبع هديه


... وبعد ،،،


فقد اتَّفَقَتْ كلمةُ علماء الأصول على وجوب العمل بخبر الواحد الذي تلقَّته الأمة بالقبول، وإنما وَقَعَ الخلافُ بينهم في إفادته للعلم والقطع بصدقه. فمنهم مَن قال إنه يفيد العلم، ومِنهم مَن نفى ذلك. وقد اجتهدتُ في أن أجمع شتاتَ المسألة مِن كُتُب الأصول وأُحَقِّق نِسبةَ الأقوال إلى أصحابها، والكمال لله وحده. وقبل أن نستعرض أقوال العلماء، نُمَهِّدُ بالكلام عن تقسيم العلم وتقسيم الأخبار لدى الأصوليين. والله الموفق.


تقسيم العلم
اختلفت آراء العلماء في تفاوت العلم مِن حيث الضرورة والاكتساب: فمِنهم مَن قال إن العلم لا يكون إلاَّ ضرورياً، وعلى هذا القولِ إمامُ الحرمين وغيرُه. ومِنهم مَن قال إنَّ مِنه ما هو ضروريٌّ ومِنه ما هو مكتسبٌ، وهو قول الجمهور.
1- العلم الضروري: هو الذي يقع مِن غير نظرٍ ولا استدلالٍ، ويُسمَّى أيضاً العلم اليقيني.
2- العلم المكتسب: هو الذي يقع بالنظر والاستدلال، وهو منحطٌّ عن اليقين. ويُسمَّى أيضاً العلم النظري وعلم الظاهر. [يُنظر: البحر المحيط للزركشي 1/58 فما بعد]
وأَقْدَمُ مَن وقفتُ على تقسيمه للعلوم هو الكرخي [ت 340 هـ] إذ يقول في أصوله (ملحقة بتأسيس النظر للدبوسي ص166): ((الأصلُ: أنه يُفرَّق بين العلم إذا ثبت ظاهراً، وبينه إذا ثبت يقيناً)). اهـ


تقسيم الأخبار
قسَّم العلماءُ الأخبارَ إلى قسمين: متواتر، وآحاد. إلاَّ أن الحنفية ومَن وافقهم استحدثوا قسماً وسطاً بينهما أسموه المشهور والمستفيض، وهو ما ارتفع عن درجة الآحاد وانحطَّ عن درجة المتواتر. فصارت القسمة ثلاثية:
1- المتواتر: وهو ما نقله جمعٌ عن جمعٍ يمتنع تواطؤهم على الكذب.
2- المستفيض: وهو خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول، ويُسمَّى أيضاً المشهور.
3- الآحاد: وهو ما لم يتواتر ولم يستفِض.


إفادة المتواتر للعلم اليقيني
جمهور الأصوليين على أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري اليقيني، وخالفهم في ذلك أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي فذهب إلى أنه يفيد العلم المكتسب لا الضروري فقال (التمهيد 3/25): ((إن خبر الله سبحانه وخبر رسوله أقوى مِن أخبارنا، ثم العلم الواقع عن ذلك مكتسبٌ مِن جهة الاستدلال لا مِن جهة الضرورة. فأَوْلَى أن تكون أخبار غيرهما كذلك)). اهـ


إفادة الآحاد للظن
ذهب العلماءُ إلى أن خبر الواحد المجرَّد لا يفيد العلم بل الظن، وخالفهم في ذلك ابن خويزمنداد المالكي [ت 390 هـ] فقد ذَكَرَ عنه المازريُّ في كتابه "إيضاح المحصول" (ص442) أن خبر الواحد عنده يوجب العلم الضروري بأسبابٍ تقوِّيه وتعضده كعدالة الراوي وصدقه. ثم قال: ((فمجموع أمثال هذه الأحوال يراها كالقرينة المضامة لخبر الواحد المقتضية للعلم الضروري)). اهـ وقد نَسَبَ ابنُ خويزمنداد هذا الرأيَ إلى مالك، ولم يوافقه أهلُ المذهب عليه. وقال به أيضاً ابنُ حزم الظاهري [ت 456 هـ] فذهب إلى أنه يفيد العلم اليقيني، فقال في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" (1/124): ((ثبت يقيناً أن خبر الواحد العدل عن مَن مِثلُه مبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقٌّ مقطوعٌ به موجبٌ للعمل والعلم معاً)). اهـ