تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النفس طمَّاعة فلنروِّضها على القناعة



أهــل الحـديث
12-09-2012, 05:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان النفس طماعة فالنروضها على القناعة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله ورعاه فيها كلمات نفيسة وفوائد بديعة لمن أراد طمأنينة القلب وراحة البال نشرت هذه المقالة في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



النفس طمَّاعة فلنروِّضها على القناعة

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين.
أما بعد:
إن من عدل الباري سبحانه وتعالى وحكمته أنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء من أمور الدنيا، قال تعالى ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ...) [ الزخرف:32]
قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله- :"تفاوت الناس في الأرزاق، والحظوظ سنة من سنن الله السماوية الكونية القدرية ، لا يستطيع أحد من أهل الأرض ألبتة تبديلها ولا تحويلها بوجه من الوجوه " .أضواء البيان ( 8 / 35)
فالمؤمن يقنع بما قسم الله له فيما يتعلق بأمور الدنيا، لكنه يحرص دائما على الزيادة من الأعمال الصالحة التي تكون سببا بعون الله للفوز بالجنة ، وهذا امتثالا لقوله تعالى(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين) [ آل عمران:133]
إن من طبيعة نفس الإنسان أيها الأحبة ،حب الازدياد من الأمور الدنيوية مهما أوتي ، فعن أنس –رضي الله عنه- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يَمْلَأُ جَوْفَ ابن آدَمَ إلا التراب وَيَتُوبُ الله على من تاب ". رواه البخاري ( 6075) ومسلم (1048) و اللفظ له .
قال الإمام النووي–رحمه الله-:"فيه ذم الحرص على الدنيا وحب المكاثرة بها والرغبة فيها،ومعنى (لا يملأ جوفه إلا التراب): أنه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره".الشرح على صحيح مسلم (7/139)
لكن المؤمن الموحد من خصاله القناعة في أمور الدنيا الفانية فهو يعلم أن هذه الدار هي دار ممر ، لا دار مستقر ، فنراه يجاهد نفسه على دفع هذا الحرص ويرضى بما كتب الله له، ويُسلم بما قُسم له،ويشكر الله جل جلاله على ما رزقه ويسأله المزيد من فضله ، قال صلى الله عليه وسلم :" كن ورعا تكن أعبد الناس،وكن قنعا تكن أشكر الناس...".رواه ابن ماجة (4217) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-
قال المناوي-رحمه الله-:"لأن العبد إذا قنع بما أعطاه الله رضي بما قسم له وإذا رضي شكر فزاده الله من فضله جزاء لشكره وكلما زاد شكرا ازداد فضلا".فيض القدير( 5/52)
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أيها الأفاضل من أقنع الناس وأزهدهم في أمور الدنيا وأرغبهم في الآخرة ، ولقد عُرضت عليه الدنيا فأباها لعلمه بزوالها وعدم بقائها ، ولهذا أثنى صلى الله عليه وسلم على من تحلى بالقناعة و الزهد في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم :"طوبى لمن هُدي للإسلام ، وكان عيشه كفافا وقنع ". رواه الترمذي (2349) من حديث فضالة بن عبيد –رضي الله عنه- وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله-
قال المباركفوري -رحمه الله-:"(وكان عيشه كفافا )أي لا ينقص عن حاجته ولا يزيد على كفايته فيبطر ويطغى، ( وقنع ) :كمنع أي رضي بالقسم، ولم تطمح نفسه لزيادة عليه".تحفة الأحوذي (7/13)
أيها الكرام إن القناعة لا تمنع التاجر من إنماء تجارته، و لا العبد من السعي لكسب رزقه ، بل هذا مطلوب،حيث به تتم الاستعانة على أمور دنياه والاستغناء عن سؤال الناس ، والنفقة في سبيل الله ليجد بعون مولاه في أخراه .
لكن ليس من القناعة أن يتسخط العبد من قلة ما رُزق ، لأن ذلك في الحقيقة تسخط على الرازق جل جلاله ! .
ولا أن يشكو لمخلوق مثله ضعف رزقه، لأن ذلك في الحقيقة شكوى على الخالق سبحانه وتعالى لخلقه!.
أيها الأفاضل إن كل من التزم القناعة نال بإذن الله السعادة،ومن قلت عنده فلن يرضى بمال مهما كثر،ولا بمركب مهما كان نوعه ،ولا بطعام مهما أشعبه، ولا بشيء من أمور الدنيا، ولن يحصل هذا على السعادة ، لأنه يُمنِّي نفسه أن يُصبح أعلى من الناس في كل شيء !ولن يحصل له هذا أبدا إلا بإذن الله.
فعلى كل مسلم أن يحمد الله على الصحة والعافية،و على ما رُزق ويرضى بما قسم له ، ويتذكر أنه مهما كان فقيرا فمن الناس من هو أفقر منه ، ومهما كان مريضا فمن الناس من هو أمرض منه ، وهذا كله عدل من الله و حكمة، فليحمد لله على كل حال.
وفي ختام هذه الذكرى أيها الأحبة الكرام أحببت أن أذكر لكم بعض ما جاء عن سلفنا الصالح (رحمهم الله) في الحث على التحلي بالقناعة و التحذير من الطمع ، لعل الله بجوده و كرمه ينفع بها قارئها وكاتبها ، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .
فمنها :
-قال أبو سليمان الداراني –رحمه الله- :" إن قوما طلبوا الغنى فحسبوا أنه في جمع المال ، ألا وإنما الغنى في القناعة ...". الزهد الكبير للبيهقي ( 79)
-وقال ابن الجوزي-رحمه الله-:"من قنع طاب عيشه،ومن طمع طال طيشه" .سير أعلام النبلاء (21/372)
-وقال قائل :" الحر عبد ما طمع و العبد حر ما قنع " . سير أعلام النبلاء ( 14/489)
- وقال قائل :" وأنت أخو العز ما التحفت القناعة " . عيون الأخبار لابن قتيبة ( 3/206)
-وقال الشاعر :
هي القناعة لا ترضى بها بدلا فيها النعيم وفيها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن و الكفن . تفسير القرطبي(13/314)
فالله أسأل أيها الأحبة أن يرزقنا وإياكم القناعة لننال السعادة في هذه الدنيا ، وأن يجعل هذه الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا فهو سبحانه قدير،وبالإجابة جدير .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله حمزة النايلي