المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر وذكريات من أرض البركات



أهــل الحـديث
12-09-2012, 11:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم




خواطر وذكريات من أرض البركات...




كتبتها
أم عبد الرحمن بنت خليل





أن يعيش الانسان مترفعاً عن عالمه الدنيويّ المتدني، ويسمو بروحه وقلبه الى العالم العلويّ العليّ المترفع حيث الملائكة والروح، العابدين الذين لا يفترون عن العبادة- التي لأجلها خلقوا- ولا يملون ولا يستنكفون...هناك حيث العرش العظيم والربّ الكريم الذي على عرشه استوى ...هناك حيث الملأ الأعلى... أن يعيش أياماً قليلات ، وسويعات بسيطات يتفيء تحت ظل العبادة والطاعة، ويتنعم بنسيم الخشوع والتذلّل والتّضرع، وأن يهرب من حرِّ المعصية وشؤم الذنب ،وفحيح الفتن ولسع الشهوات...ذاك أسمى ما يتمناه المؤمن من هذه الدنيا الفانية ..لولا نعيم الامتثال للطاعة ما وجد المؤمن حلاوة العيش وبرده...



من غير حول منك ولا قوة، تجد نفسك وقد اختارك الله لزيارة بيته العتيق،من بين الخلق كلّهم ،ناداك أنت أيّها الضعيف، ليفرح بتوبتك ويسمع إلحاحك ويعطيك ما سألت،-هنيئاً لك كم حُّرمها الكثيرون.- فلبيت مسرعاً ، وأعددت العدّة وعزمت أمرك وعلى ربك توكلت، وحقيبتك جهزت... رغم المعوّقات ، رغم القلق والفزع من الطريق وخطورته، رغم عذاب السفر ومشقاته، رغم الأبواب التي صدّت بوجهك ، رغم ما عانيتً ...وجدت نفسك بمكة والجميع من حولك يهنؤونك على السلامة، سبحان الله!! ..ولسانك لا يفتر يدعو "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك..."مفكراً بأسرارها، متأملاً معانيها الآن والآن فقط.وأنت تردي ثياب الاحرام، تاركاً وراءك زينتك وعطرك وكل ما يربطك بماديات المتع والهوى، هي وراؤك، وهمّك الوحيد تلبية نداء الرحمن..."الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم"، رواه ابن ماجه وصححه الألباني .



فهمت يا ربّ معنى لبيك اللهم؛ أي تلبية بعد تلبية لندائك ،هنا ما وجدت إلا الإقرار بألوهيتك لا شريك لك، أدركت أن الحمد وحده لك، لا حمد على النعم صغيرها وكبيرها إلا لك، وما ملكت من حطام الدنيا ضائع أمام ملكك يا مالك الملك،





من غير عناء ولا مجهود بالرغم من زحام الحرم، تجد نفسك قد جذبت للكعبة جذباً، ناظراً الى الحجر الأسود ممنناً نفسك باستلامه متذكراً قول الرسول صلى الله عليه سلم :"والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق". ( رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع ).



يلفت النظر أثناء الطواف تلك الوفود التي تأتي من كل مكان، وفود متماسكة قويّة. رجالٌ تحميها من كل جانب، لا يستطيع أحد خرق صفوفها. يا ترى لو كان المسلمون في الخارج كما هنا أَوَتُخْرَق الصفوف ويتكالب عليها الأعداء؟



يلفت النظر بكاء من حولك من الطائفين، وألسنتهم تدعو بلغات مختلفة خاشعين، متذللين، تشعر تجاههم بعاطفة جيّاشة غريبة كأنّهم إخوانك وأهلك ، يعبدون من تعبد ويلجأون بدعائهم الى من إليه تلجأ، يا ترى لو كان المسلمون في الخارج على قلب رجل واحد كما هنا هل سيقدر عليهم حكام ظلمة وطواغيت مردة ؟



يلفت النظر بالطواف أيضاً صورة برّ الوالدين؛ متمثلاً بشاب يُمسك يد والده الشيخ الكبير، ويبعد عنه كل ما يؤذيه، وكذلك الشابة التي تجر والدتها بالعربة ،راضية من غير تذمر مبتسمة، تقبل عليها كل فترة سائلةً: هل أنت بخير؟ هل تريدين شيئاً؟ يا ترى أليست أمك في الخارج هي نفسها التي تمسك يدها هنا وتحنو عليها؟ يا ترى لو كان المسلمون دائمي البرّ بوالديهم ألن يأتينا النصر ببركة دعائهما " الله يرضى عليك "؟




يلفت النظر الحجاب الشرعي للنساء، هناك، سبحان الله!! تحس وكأنه حجاب الصحابيات، لا ضيق على الجسم ولا بنطال ولا حجاب عال كأسنمة البخت المائلة، ولا لباس مطرز ولا ملون و مزين بألوان الطيف السبعة ولا عطور فوّاحة ولا تبرج سافر ..يا ترى لو نساء أمة محمد حجابها في الخارج هكذا: عفيفات، طاهرات، مستقيمات، هل ستظل رجالنا تائهين عابثين همهم النظرة والهمسة أم ستسمو أحلامهم وأهدافهم لاسترداد مجدنا الضائع؟



كأن الواحد منا قد انحدر من عصره ومن بلده وعاش بفكره وقلبه في أرض الرسالة وتشعر بأقدام النبي وصحبه قد وطأت هذا المكان فيشتد الحنين وتدافع الأشواق ويكثر الدعاء أن احشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .



هناك بالسعي عند الصفا ستذكر قول الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فان الله شاكر عليم} ستذكر قصة ابراهيم عليه السلام مع هاجر وابنهما الرضيع وهما وحدهما وابراهيم منطلق وصوت هاجر عليها السلام بأذنيه يدوي :آالله أمرك بهذا؟ قال:نعم..فقالت الصابرة المحتسبة الموقنة برحمة الله:"حسبي...قد رضيت بالله إذن لا يضيعنا..." وولّى ابراهيم عليه السلام ،وعندما توارى عن نظرها دبّت به عاطفة الأبوة وحنان الزوج فرفع يديه داعياً{ربنا اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} فيهتف قلبك قبل لسانك بالحمد لله وأنت ترى ما حولك من العمران وزمزم والناس أولي أفئدة تهوي الى هذا البيت العتيق..تحمد الله، وانت ترى بركة دعاء أبينا ابراهيم.. .يتجلى بكل ما وقع عليه بصرك.



عندما تسعى بين الصفا والمروة، تعجب من قوة تلك المرأة الضعيفة المنهكة الجائعة العطشة، كيف ركضت؟ كيف صبرت على منظر وليدها الذي جعل يتلوى من الجوع والعطش؟ وصراخه يملأ تلك الفلاة المقفرة، ظلّت تسعى وتركض الى أن سمعت صوت الماء، وقالت لنفسها : صه ! تريد الإنصات. استبشرت ورنت ببصرها والدموع تنفر من عينيها الى وليدها وإذ الماء ينفر تحت قدميه، نعم صدقت !! الله لن يضيعنا، زمزم!! : خير ماء على وجه الأرض."إنّها مباركة، إنّها طعام طعم وشفاء سقم"( حديث رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب )



.هناك...عند الصفا أو المروة ستقف رافعاً يديك أن يا رب :كما أنقذت ولد هاجر من الموت، كما استجبت لتلك المرأة الضعيفة دعاءها ورجاءها استجب لي، ونجنا وأبناءنا وأبناء المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن واحمِ أولادنا من موت القلوب المحدق بهم من كل جانب ،أنت ولينا إليك نشكو بثنا وحزننا .. يا ربّ أنت القادر على أن تنقذنا مما نحن فيه . يا رب اكشف عنا العذاب انا مؤمنون، أنت القوي ونحن الضعفاء،فلا تهلكنا بما فعل السفهاء منا ،اللهم انصر الاسلام وأعزّ أهله واجعل دائرة السوء على من أراد بالمسلمين والإسلام شراً وخُذْه أخذ عزيز مقتدر، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .