المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما بكت السماء .....



أهــل الحـديث
12-09-2012, 08:50 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





بسم الله الرحمن الرحيم







عندما بكت السماء .....





كتبتها


أم عبد الرحمن بنت خليل







كانت أمي كالأمهات الحنونات التي لا يهنأ لها العيش إلّا بعد أن ينعم أولادها بالراحة والشبع والنظافة، فما أراها دخلت غرفتها إلّا بعد أن تتأكد أنّ الجميع قد استغرق بالنوم، لا تنسى أن تغطّي هذا، وتقبل هذه ، وتسوي منامة ذاك ...





أمي ، نشأتُ محبًّا لها طائعاً ، كم أفرح عندما أجد أنّنا نحن مصدر سعادتها، كنا نَكْبَرُ بين يديها والعناية الإلهيّة تحمينا، ونشعر ببركة دعائها يحفّ بيتنا الصغير، إذا أرادتنا الأوائل في صفوفنا، فنحن لها، وهي التي تقف بجانبنا بمعاونة أبي الحنون، لنكون كما تريد وكما ينبغي أن نكون حبًّا وكرامة، كنّا نعتقد أنّ الحياة أم وأب وإخوة. يلبّي الآباء رغبة أبنائهم، كما يسعى الأبناء لإرضاء والديهم بتنفيذ ما يتمنون. في الشتاء المدارس والدراسة والرحلات العائلية، فرحتي كانت إذا وقع اختيار أمي عليَّ لأرافقها الى سوق أو زيارة عائلية، وسعادتي لا تُوصَف إذا طلبت مني أن أقف إلى جانبها لمساعدتها في الأعمال المنزلية. وكنتُ أتدخّلُ عليها لتركن إليَّ بالاهتمام بأختي الصغيرة؛ أطعمها، وأُلاعِبها، وأشتري لها الحلويات...





في الصيف الدورات الدينية والمعاهد العلميّة، أتلذّذ بوجودها إلى جانبي تُراجع لي الآيات وتشرحها لي، وأنظر لعينيها المرهقتين، فأَجِدُها تقاوم النعاس والتعب إلى أنْ تجدني قد وعيت وحفظت، تربت بيدها الحنونة على رأسي وهي تقول: ( يا رب تكون وأخوتك من الصالحين )، كانت أعذب الأناشيد لديها سماعي وإخوتي نتغنّى بالقرآن، وكلّ واحد منا يجوّد ويسعى للإتقان إذا كانت هي بالباب ليفوز بابتسامتها العذبة ومن ثم هديتها الموعودة...





مرت السنون بأمان وهناء.... لكننا لم نعد صغاراً.. غريب، طالما سمعت أمي الحنون تقول: ( يا ليتكم تبقون صغاراً ).. لماذا؟ لم أكن أدرك سبب العذاب الذي تعانيه من ورائنا، لم أكن أدرك سبب تورّم جفنيها في الصباح، عندما نستيقظ .. كنت أول ما أفتح عيني أتمتع برؤيتها وهي توقظني وأبتسم، ما لي اليوم لا أحب أن تلتقي عيناي بعينيها؟





ما لي اليوم أراها منهمكة بالأعمال المنزلية فلا أقرب، بل أتسلل لغرفتي قائلاً: ( يا رب لا تطلب مني شيئاً )





ما لي اليوم أراها تحمل صحن الطعام تلاحق أخي الصغير لتطعمه، فأتغافل وكأنّ الأمر لا يعنيني.





ما لي أراها تدرّس أختي الصغيرة وهي تقاوم النعاس فلا أقول لها : ( عنكِ يا غالية ).



ما لي أتفّف وأتضجّر إذا طلبت مني مرافقتها الى سوق أو زيارة عائلية ..؟





يا ترى أليست أمي هي أمي التي كانت منذ سنوات مضت؟



كانت لا تفتأ تذكِّرني :هل صليت؟ ولأخي ولأختي أيضاً، لا تمل، تقول: لا تنم دون أن تصلي! إيّاك والأغاني! إيّاك ورفاق السوء!



وتقول لأخي: ( قُمْ عن الحاسوب! كفاك لهواً اليوم.. قُمْ وصلِّ، الدنيا رمضان، لا تضيّع حسنات صيامك..





اترك جهازك الخلوي الله يهديك! يا بني قُمْ وساعد أباك.. )



وفي اليوم التالي أيضاً نفس الكلام: ( الصلاة يا أولاد! إنّه يؤذن، لبّوا النداء الله يهديكم! ) وكل واحد مشغول، بماذا؟ بلعبة الكترونية ينزلها، أو مباراة رياضية يتابعها أو مكالمة هاتفية مع ... لايريد قطعها، أو مشاهدة فيلمٍ لا ترضى عنه أمي،

كم سمعتها تقول: ( والله سأتغَضَّب عليك إذا أحضرت مرة أخرى أفلاماً )، تأخذ الأقراص وتتلفها أو ترميها بغيابنا، المسكينة؛ كم كانت تنادي ولا حياة لمن تنادي، لم تعرف أمي أننا ما عُدْنا هؤلاء أولئك الصغار الذي إنْ قالت لهم: ( انتهوا توقفوا...)، انتهينا وتوقفنا..





إلى أن جاءت تلك الليلة عندما استيقَظَتْ بغفلةٍ منّا ورأت بين يديّ أخي جهازاً الكترونيًّا كانت قد منعته من اقتنائه ولكنه اشتراه رغماً عنها، أمسكته، بل نزعته من يده بقوة وبدأت تسحقه بقدمها وهي تصرخ بأعلى صوتها: ( لن أسمح لهم أن يأخذوا مني أبنائي.. لن أرضى أن أرى أبنائي أمام عيني يضيعون )، وصراخ قوي ما عُدْتُ أفهم الكلام، حاولنا إيقافها أنا وأبي فلم نستطع، أمسكت بالمطرقة وصار تكسِّر جميع الأجهزة الالكترونية، وانهارت المسكينة!... وسارعنا بها الى المستشفى حيث قاموا باعطائها المهدئات والمسكنات، وهي مستلقية مغمضة العينين، ظلَّت على هذه الحال ثلاث أيام بلياليها دون أن تفتح عينيها والأجهزة الطبية تحيط بها من كل جانب..





وقفت على رأسها أمسح على شعرها ...ونظرت إلى أخي عند قدميها يقبلهما... والصغير ينادي: ماما استيقظي، ألا تريدين أن تذهبي معي الى البيت؟.. وأختي ممسكة بيدها تبكي بصمت.... بكيت، لم أتمالك نفسي، قلت لها : قومي يا أمي انظري لم يعد هناك ما يشغلنا عنكِ، لا الحاسوب ولا الهاتف ولا المباريات ، أمي لقد صلّينا بالمسجد جماعة مع أبي، أختي لبست جلبابها الذي اشتريتيه لها ،وأخي كسّر جميع أقراص الأغاني والأفلام، أرجوكِ عودي، لقد عادت الملائكة لتحفّ بيتنا من جديد...





ووالدي يذهب ويجيء ولا يعرف ماذا يعمل؟ عائلته مجتمعة في غرفة صغيرة حول السرير الأبيض، ولا يَسمعُ إلا همساً وبكاء. أين الأمان؟ أين السعادة؟ أين الهناء؟





اغرورقت عيناي بالدموع، ثم سمعتُ دقات خفيفة على النافذة، التفت، فإذا هي قطراتٌ من الدمع تساقطت عندما بكت السماء!!