المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (3) محبة العبد لله جل جلاله



أهــل الحـديث
05-09-2012, 06:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة بعنوان محبة العبد لله جل جلاله وهي تتمة لمقالة الخوف من الله ومقالة الرجاء لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وسدد خطاه نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم



بسم الله الرحمن الرحيم



(3) محبة العبد لله جل جلاله

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين.
أما بعد:
قد مر معنا أيها الأحبة الأفاضل أن المؤمن الموحد هو الذي يجمع في قلبه بين الخوف و الرجاء و المحبة لتحقيق عبادة ربه سبحانه، فلا غنى له عن واحدة من هذه المقامات.
ولقد جمع الله عز وجل بين هذه المقامات الثلاث، فقال جل وعلا ( أؤلئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) [الإسراء:57]
يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله-:" فابتغاء الوسيلة هو: محبته الداعية إلى التقرب إليه، ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف فهذه طريقة عبادة وأوليائه، وربما آل الأمر بمن عبده بالحب المجرد إلى استحلال المحرمات ويقول المحب لا يضره ذنب ".بدائع الفوائد (3 / 522)
ويقول الشيخ السعدي -رحمه الله- :"وهذه الأمور الثلاثة ، الخوف ، والرجاء ، والمحبة ، التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده ، هي الأصل والمادة في كل خير ،فمن تمت له تمت له أمور ، وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور" .تفسير السعدي (ص 461)
وقد تكلمنا في المقالين السابقين عن منزلتي الخوف و الرجاء وبيَّنا مكانتهما، وأنهما لا ينفكان عن قلب المؤمن الصادق.
أيها الأفاضل لكي يتقوى أساس الإيمان في قلوبنا لابد فيه من عبادة أخرى، وهي من أعظم المنازل ألا وهي منزلة المحبة .
فالعبد المؤمن يحب خالقه سبحانه المُنعم عليه،ويُقدم حُبَّه على سائر المحاب،قال تعالى( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله)[البقرة :165]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :قوله ( والذين آمنوا أشد حبا لله )أي : من أهل الأنداد لأندادهم لأنهم أخلصوا محبتهم له، وهؤلاء- الكفار- أشركوا بها ،ولأنهم – المؤمنون- أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه، والمشركون أحبوا من لا يستحق من الحب شيئا، ومحبته عين شقاء العبد وفساده وتشتت أمره". تفسير السعدي (ص 80)
وقال صلى الله عليه وسلم :" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" .رواه البخاري ( 16) ومسلم (67) من حديث أنس -رضي الله عنه-
قال الإمام النووي –رحمه الله- :" هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام " . الشرح على مسلم ( 2/13)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبة له، فمن أحب شيئا أو اشتهاه إذا حصل له مراده، فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى،...ثم قال : فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة و الفرح يتبع كمال محبة العبد لله ، وذلك بثلاثة أمور : تكميل هذه المحبة ، وتفريعها ، ودفع ضدها .
فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... وتفريعها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ودفع ضدها أن يكره ضد الإيمان –الكفر- كما يكره أن يقذف في النار " .مجموع الفتاوى (10 /205)
لقد عرف أيها الأحبة سلفنا الصالح مكانة المحبة وأنها جوهر العبادة فسعوا لكسبها وحثوا الناس على تحقيق أسبابها، فأقوالهم في هذا الباب مستفيضة، فهذا العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- قال لابنه عبد الله لما حضرته الوفاة:
"إني موصيك بحب الله عز وجل وحب طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، فإنك إذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك ". شعب الإيمان للبيهقي (413)
وقال الحسن البصري –رحمه الله- :"من عرف ربه أحبه ، ومن عرف الدنيا زهد فيها،و المؤمن لا يلهو حتى يغفل ، وإذاتفكر حزن" .الهم و الحزن لابن أبي الدنيا ( 93)
أيها الكرام إن الذنوب تُنقص محبة الله في القلب ، لكن لا تُزيلها بالكلية ، إلا إذا كانت الذنوب ناتجة عن نفاق، فلا تنافي ارتكاب المعاصي وثبوت المحبة في القلب .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- :" والذنوب تنقص من محبة الله تعالي بقدر ذلك، لكن لا تزيل المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب ،ولم تكن الذنوب عن نفاق كما في صحيح البخاري (6780) عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- حديث حمار – اسمه عبد الله- الذي كان يشرب الخمر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليه الحد فلما كثر ذلك منه لعنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا تلعنه فإنه يجب الله ورسوله )وفيه: دلالة علي أنا منهيون عن لعنة أحد بعينه وإن كان مذنبا، إذا كان يحب الله ورسوله، فكما أن المحبة الواجبة تستلزم لفعل الواجبات وكمال المحبة المستحبة تستلزم لكمال فعل المستحبات، والمعاصي تنقض المحبة".قاعدة في المحبة (ص 72)
أيها الأحبة الأفاضل إن محبة الله لا تنال بمجرد الادعاء و التمني بل لابد لها من شروط ومستلزمات ، فما أسهل الدعوى و أعز المعنى .
فمن أهم مستلزماتها توحيد الله والإخلاص له بجميع أنواع العبادة ، و أيضا متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) [آل عمران:31]
يقول الإمام ابن القيم–رحمه الله-:" فجعل سبحانه متابعة رسوله سببا لمحبتهم له، وكون العبد محبوبا لله أعلى من كونه محبا لله،فليس الشأن أن تحب الله، ولكن الشأن أن يحبك الله فالطاعة للمحبوب عنوان محبته".روضة المحبين (ص 266)
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-:"أي:ادعيتم هذه المرتبة العالية ، والرتبة التي ليس فوقها رتبة العالية ، فلا يكفي فيها مجرد الدعوى ، بل لا بد من الصدق فيها ، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، في أقواله وأفعاله ، في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن ، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى ، وأحبه الله وغفر له ذنبه ، ورحمه وسده في جميع حركاته وسكناته ، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى ، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله ، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها ، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها ، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق ، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله ، وما نقص من ذلك نقص ".تفسير السعدي (ص 128)
فالمحبة الصادقة لرب العالمين هي الموصلة لتحقيق العبودية إذا ما قُرن معها الخوف و الرجاء، وهي الأصل لأن محلها القلب فإذا استقرت فيه حركت الجوارح في مرضاة الله وطاعته، فإذا حققها العبد زاد إيمانه وقوي يقينه واطمئن قلبه بإذن خالقه سبحانه.
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر". مدارج السالكين (1/517)
فالله أسأل لي ولكم أيها الأحبة بعد أن عرفنا أُسس العبادة ( الخوف و الرجاء و المحبة) أن يرزقنا صدق العبودية ويعيننا على تحقيقها فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



أبو عبد الله حمزة النايلي