المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ورقة: "الجانب الايماني في تلقي السنة النبوية" \ مؤتمر النص الشرعي



أهــل الحـديث
05-09-2012, 04:31 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


هذه ورقة قدمها الباحث الشرعي الأردني المتخصص في علوم السنة عصر محمد النصر في مؤتمر النص الشرعي الذي انعقد في عمان-الأردن عام 2012 مــ

الجانب الايماني في تلقي السنة النبوية :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين, وبعد:
فإن الناظر في الحركة الفكرية المعاصرة يرى قصورا كبيرا وظاهرا في التعامل مع السنة النبوية ، من حيث ترك العمل بها او وصفها بما لا يليق ، كادعاء معارضتها للعقل او عدم صلاحيتها للاحتجاج في بعض القضايا والمسائل ، هذا فضلا عن الالفاظ التي قد تطلق تعبيرا عن تضعيف حديث او لبيان عدم صلاحيته للاحتجاج بحجة ضعفه او مخالفته للذوق او العقل ، وهذا في واقع الامر يمثل ضعفا في الجانب الايماني في تلقي السنة النبوية .
ان كلامنا عن الجانب الايماني في تلقي السنة النبوية يقوم على الجانب الوجداني الذي يستشعره المسلم و تغذيه المهابة والتعزير والتوقير، الا ان هذا الوجدان يقوم على اسس علمية, وقواعد منهجية ، وهذا الامر يظهر لنا من خلال الآتي :
ان من اعظم نعم الله على الناس ان بعث فيهم انبياءه ورسوله فمهدوا الدلائل واوضحوا البينات ، وعرّفوا الناس ربهم ومعبودهم ، فكان الايمان بالله ورسوله اصل العلم الالهي ومبدأه ودليله الاول عند الذين ءامنوا .
حيث جعل الله تعالى –برحمته وفضله – لانبياءه ورسوله آياتٍ يُعرفون بها ويَتميزون عن سائر اصناف الناس ، وهذا شأن ما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم .

وكما تمييز الانبياء والرسل بأحوالهم تميزوا كذلك بأخبارهم ، ومن مظاهر ذلك :
انها حق وصدق ، لا يستقر بها خطأ ولا تشتبه بباطل ولا تصدر الا عن علم ، وانها متوافقة غير متعارضة يجب الايمان بها والعمل بمقتضاها ، وانها باقية ما بقي الليل والنهار ، عليها مهابة ولها نور .
وهذه المظاهر لها مقومات اوجبتها ، فمن ذلك :
ما جبل الله عليه الفطر المستقيمة والعقول السليمة من قبول الحق ومعرفته واستشعاره ، وهذا ما يعبر عنه بالاضطرار ، وهي حالة وجدانية .

ومنها : "ما يعود الى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي ان يعامل كرجل عادي يجري عليه ما يجري على سائر الناس ، بل رجل أكرمه الله واتصل بوحي ، واطلع على المغيّبات ، كما تميز عن بني الانسان بأنواع من المعارف والكرامات, وان روحه سمت باتصالها بالملأ الأعلى ، ففاض منها النور والعلم والحكمة والمعرفة .
ومن كانت هذه حاله ومعارفه فمن البدهي ان يكون في بعض اخباره ما تستغربه العقول وتحار به ، فلا تطلع على بعض جوانبه الا بالرجوع اليه والتسليم لحكمه".
ومنها : ان اخبار الانبياء باقية ببقاء الامة التي بعثوا فيها ، فان من سنن الله في الامم ان يبعث فيها من يجدد ما اندرس من الدين ، وفي هذه الامة الامر اظهر ، فقد تكفل الله بحفظ الذكر من كتاب وسنة ، فتبقى اخبار نبينا عليه الصلاة والسلام متجددة بتجدد الايام وتغيّر الازمان لا يعتريها نقص ولا يلحقها تبديل او تغير .
قال ابن القيم – رحمه الله - : لا يجوز ان يكون الكذب على الله ودينه وشرعه مشتبها بالوحي الذي انزله على رسوله وتعبد به خلقه بحيث لا يتميز هذا وهذا "
وقال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي –رحمه الله - :" ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم ، وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الاكيدة في الجد والتشمير لحفظ السنة وحياطتها بان له ما يحيّر عقله ، وعلم ان ذلك ثمرة تكفل الله بحفظ دينه ، وشأنهم في ذلك عظيم جدا ، فهو عبادة من اعظم العبادات واشرفها "
الا ان ثمت مسائل اشكلت على كثير من الناس خصوصا طوائف المتكلمين ، وهي :
جدلية العلاقة بين العقل والنقل ، ومنها قضية المسلمات في هذا الدين.
كيف تعالج الاشكالات الواردة في الاحاديث .

اما المسألة الاولى ، وهي : جدلية العلاقة بين العقل والنقل .
فقد ظلم بعضُ الناس نفسَه عندما توّهم وأوهم غيره ان ثمت اشكالات في العلاقة بين العقل والنقل وان في النقل ما ترده العقول ولو صح سنده ، وهذا على اعتبار عدم التلازم –عند من يقول بهذا – بين السند والمتن ، وليتضح ما في هذه المسالة من بعد عن الصواب ، أقول :
ان الاصل في العلاقة بين العقل والنقل التوافق والتجانس لا الاختلاف والتضاد, قال تعالى :" الا له الخلق والامر ".
والعقل خلق من خلق الله ، والوحي من امر الله فكلاهما يرجعان الى اصل واحد ، وما كان من عند الله لا يختلف او يتعارض ، فان حصل تعارض يكون هذا الخلق –وهو العقل – قد خرج عن مقتضى جبليّته فحال بينه وبين مراد الله حائل ، او ان الامر – المتمثل بالسنة – نقل بطريق لا يصح .
وهنا انبه على ان العقل قد يطلق ويراد به المعلوم وهو ما يصح ان يسمى بالعقل المكتسب وهذا العقل عرضة للتغير والتبديل على اعتبار الثقافة, والبيئة,وما يغذى به ، ومن هنا كان اعرف الناس بالسنة هم اهل الحديث حيث يعيشون معها في ليلهم ونهارهم, وحلهم و ترحالهم ، وكان من ابعد الناس عن السنة هم المتكلمون لما يغذون به عقولهم .
وهذا العقل هو الذي يُتصور الخلاف بينه وبين النقل لما تقدم ، و اما العقل الجبلي فلا يتصور ان يخالف النقل لما تقدم .
- واما قضية المسلّمات :

فإن من عرف حقيقة الوحي وحقيقة العقل ادرك ادراكا بيّنا ان تسليم العقل للنقل –الوحي- امر ضروري لا يمكن ان ينفك عنه ، وهذا الذي مضت عليه القرون الاولى من عمر الامة ، فقد علموا " ان قدم الاسلام لا تثبت الا على ظهر التسليم والاستسلام " وبذلك سعد السلف وصعدوا .
وان كان اظّهار هذا الامر ليس مراد لي الآن بقدر ما اريد ان ابين ان هذا التسليم مبني على اصل قويم وهو كالآتي :
" ان المدخل الى المسلمات في هذا الدين العظيم يقوم على ركائز ، تبدأ بالايمان بالله سبحانه والتعرف على صفاته التي لا يشاركه فيها احد ، وفي مقدمتها انه هو الخالق ، وانه على كل شيء قدير .
والايمان بالرسول- صلى الله عليه وسلم- المرسل ، وصدقه وامانته، والايمان
بأن ما يخبر به عن ربه وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وكل هذه قد دعي العقل دعوة صريحة الى التفكير فيها والتأكد منها قبل الايمان بها ، وامثلة ذلك كثيرة جدا منها:
قوله تعالى :" أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ "(النحل:17) الاية
وقوله تعالى :" هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ "(لقمان:11 ) الاية .
فاذا حصل الايمان للعقل بعد التفكر والتدبر ، فقد اخبره الوحي بأمور لا سبيل للعقل الى ان يصل اليها من تلقاء نفسه لانها ليست مما يقع في محيط رؤيته ولا تجربته الذي آمن بصدقه وصدق كل ما يجيء من عنده ، وهي في الوقت نفسه مما لا يملك العقل دليلا حقيقيا ينفيها ... فوجب عليه ان يسلم بها "
واما المسألة الثانية : وهي كيف تعالج الاشكالات الواردة في الحديث النبوي:

فأقول : ان الواجب على المسلم المؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدقه ان يبحث في طرق الاحاديث واسانيدها ، وصحة مخرَجِها ، لا في امكان وقوعها او سلامتها عن المعارض العقلي او الذوقي ، بل يؤمن بالخبر متى صح ويرد ما اشكل عليه فهمه الى عالمه والمتكلم به .
قال الامام احمد –رحمه الله - :" ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك واحكم له فعليه الايمان به والتسليم له "
هذا وللاستشكال اسباب ، منها :
وهو امر قد تقدم الكلام عليه عند بيان علاقة العقل بالنقل وقلنا ان الخلاف الذي يحصل غالبا بين العقل والنقل يكون مرده الى مقومات هذا العقل – المكتسب – وعوامل بناءه ومكتسباته .
يقول الشيخ السباعي:" ان استغراب العقل شيئا امر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس" .
وهذا الموروث من الثقافة قد يصبح عند البعض عامل قصور يحول بينه وبين فهم الحديث.
ومن اسباب الاستشكال – وهو داخل فيما مضى- ان يعتقد المتلقي للحديث اعتقادا يخالف محتواه ، فمثل هذا يصعب عليه الايمان به او العمل بمقتضاه .
ومنها : عدم استحضار الاحاديث الواردة في الباب الواحد ، فقد يكون ما غاب عنه من الاحاديث هو مفتاح فهم ما استشكله من الاحاديث.
وهذا الاستشكال الوارد في الاحاديث على درجات فمنه ما يزول بأدنى نظر اذا توفر القصد والارادة ، الا انه قد يرتفع الى حد الاستنكار ، وحق مثل هذا الا يرد ، وانما يكون النظر في امرين :
الاول : معنى النص ، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر.
الثاني : سبب الاستنكار ، فكثيرا ما يجيء الخلل من قبله .
وبالجملة " فوجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفوا وانما هو امر مقصود شرعا ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمحص ما في الصدور وييسر للعلماء ابوابا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات "

وبعد هذا العرض احسب ان ملامح الجانب الايماني في تلقي السنة النبوية قد ظهرت وتجلت بما يعين على حسن فهمها والتعامل معها .
والله اعلم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه .