المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (2) الرجاء



أهــل الحـديث
03-09-2012, 06:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي بعنوان الرجاء نشرها فضيلته بتريخ اليوم في جريدة الشرق القطرية وهي متممة لمقالة سابقة نشرت بعنوان الخوف من الله أنقلها إلى هذا الملتقى حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



(2) الرجاء

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن المؤمن أيها الأحبة عليه أن يجمع في عبادته كما تقدم بين الرجاء و الخوف، فإن غلَّب الرجاء فَقَدَ من قلبه الخوف وأمن مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، و إن غَلَّب الخوف فَقَد من قلبه الرجاء ووقع في طريق القنوط واليأس و لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
ولهذا فإن المؤمن الصادق هو من جمع بين هاتين العبادتين في قلبه قال جل جلاله( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه ) [ الزمر:9]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :" أي في حال عبادته خائف راج ولابد في العبادة من هذا وهذا ". تفسير ابن كثير ( 4/48)
ولقد بوب البخاري في صحيحه (5/2374):" باب الرجاء مع الخوف ".
قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله- :" أي استحباب ذلك فلا يقطع النظر في الرجاء عن الخوف، ولا في الخوف عن الرجاء، لئلا يفضي في الأول إلى المكر – أي أمن مكر الله- وفي الثاني إلى القنوط، وكل منهما مذموم ،والمقصود من الرجاء أن من وقع منه تقصير فليحسن ظنه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: (من علامة السعادة أن تطيع وتخاف أن لا تقبل،ومن علامة الشقاء أن تعصي وترجو أن تنجو)". فتح الباري(11/301)
وللتلازم بين هاتين العبادتين نلاحظ أيها الكرام أن اسم الرجاء غالبا ما يأتي في النصوص الشرعية مقترنا بالخوف ، قال تعالى ( أؤلئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا )[الإسراء :57]
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- :"لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء فبالخوف ينكف عن المناهي وبالرجاء يكثر من الطاعات".تفسير ابن كثير ( 3/ 48)
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور–رحمه الله-:"وذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالاً له وخوفاً من غضبه". التحرير والتنوير ( 15/140)
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في سياق الموت فقال : كيف تجدك؟ فقال : أرجو الله يا رسول الله و أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن ، إلا أعطاه الله ما يرجو وآمَنَه مما يخاف ". رواه ابن ماجة ( 4261) من حديث أنس –رضي الله عنه- وحسنه العلامة الألباني –رحمه الله- .
أيها الأفاضل إن ثمرات المقتطفة من عبادة الرجاء لا تختلف عن ثمرات المكتسبة من الخوف ، إذ أن كليهما يؤذيان إلى العمل و السعي لمرضات الله و فعل الخيرات والابتعاد عن المحرمات ، فالرجاء يفتح باب الأمل لصحابه و يُبعد عنه القنوط و اليأس ، قال تعالى ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر :53]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله-:"(قل)يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين الله مخبرا للعباد عن ربهم : (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) بإتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب ، والسعي في مساخط علام الغيوب،( ولا تقنطوا من رحمة الله)أي: لا تيأسوا منها فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا ، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها ، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان ، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن ،ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده واعلموا ( إن الله يغفر الذنوب جميعا ) من الشرك ، والقتل ، والزنا ، والربا ، والظلم ، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار . ( إنه هو الغفور الرحيم ) أي : وصفه المغفرة والرحمة ، وصفان لازمان ، ذاتيان ، لا تنفك ذاته عنهما ، ولم تزل آثارهما ، سارية في الوجود ، مالئة للموجود ،تسح يداه من الخيرات ، آناء الليل والنهار ، ويوالي النعم والفواضل على العباد في السر والجهار ، والعطاء أحب إليه من المنع ، والرحمة سبقت الغضب وغلبته .
ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب ، إن لم يأت بها العبد فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة ، أعظمها وأجلها بل لا سبب لها غيره،الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح والدعاء والتضرع والتأله والتعبد ، فهلم إلى هذا السبب الأجل ، والطريق الأعظم . تفسير السعدي(ص 727)
أيها الأحبة الكرام قد يتساءل كثير منا عن الفرق بين الرجاء و التمني ؟
فيجيبنا الإمام ابن القيم – رحمه الله – فيقول :"و الفرق بين الرجاء و التمني أن التمني يكون مع الكسل ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد ، و الرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل .
فالأول : كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها.
والثاني : كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها ويرجو طلوع الزرع ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل" .مدارج السالكين (2 /35 ) .
ومما ينبغي أن نعلمه أنه كما أن الخوف منه ما هو محمود و منه ما هو مذموم ، فكذلك الرجاء منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم ، يقول الإمام ابن القيم-رحمه الله -:"والرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان ونوع غرور مذموم.
فالأولان : رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه، ورجل أذنب ذنوبا ثم تاب منها فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.
والثالث : رجل متماد في التفريط والخطايا، يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب". مدارج السالكين ( 2 / 36)
فالرجاء المحمود هو الذي يصاحبه العمل وتكون معه المجاهدة في فعل الطاعات والابتعاد عن المحرمات، قال الإمام البيهقي-رحمه الله-:"وأفضل الرجاء ما تولد من مجاهدة النفس،ومجانبة الهوى،قال الله عز وجل(إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم )[البقرة:218].شعب الإيمان (2/8)
أيها الأحبة الكرام كما أن الخوف من الله ورجاءه لا ينفكان عن قلب المؤمن ، كذلك ينبغي أن تكون محبته لخالقة سبحانه ، فالمؤمن يحب الله سبحانه ، ويحب من يحب الله جلا جلاله ، ويحب كل عمل يقربه إلى باريه جلا وعلا ، يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وهذه الأمور الثلاثة ، الخوف ، والرجاء ، والمحبة ، التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده ، هي الأصل والمادة في كل خير ،فمن تمت له تمت له أمور ، وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور " .تفسير السعدي (ص 461)
فما معنى محبة الله ؟ وكيف يكتسبها المؤمن ؟ وما علاقتها بالخوف و الرجاء ؟ هذا ما سنجيبكم عنه في تتمة المقال بعون الله الكبير المتعال ، سائلين الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا لنا ولكم أن يجمع في قلوبنا خوفه ورجاءه ومحبته ، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي