المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (1) الخوف من الله



أهــل الحـديث
01-09-2012, 05:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة الكرام هذا هو الجزء الأول من مقالة شيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وسدد خطاه وهي بعنوان الخوف من الله نشرها فضيلته بتاريخ اليوم في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



(1) الخوف من الله

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
إن قلب المؤمن أيها الأحبة ينبغي أن يكون في سيره إلى الله جامعا بين مقام الخوف ومقام الرجاء ومقام المحبة حتى يكون متوازنا في عبادته ،قال تعالى ( أؤلئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا) [الإسراء:57]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"وهذه الأمور الثلاثة ، الخوف ، والرجاء ، والمحبة ، التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده ، هي الأصل والمادة في كل خير ،فمن تمت له تمت له أمور ، وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور " .تفسير السعدي (ص 461)
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف ، والرجاء جناحاه فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر". مدارج السالكين (1/517)
أيها الأفاضل إن الخوف من الله عز وجل وخشيته في السر و العلن من صفات المؤمنين، فهم يخشون الله وحده ، لا يخافون معه غيره ، قال تعالى( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) [ آل عمران :175]
قال الشيخ السعدي – رحمه الله-:"وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله".تفسير السعدي (ص 157)
وقال الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" الخوف علامة صحة الإيمان ، و ترحُّله من القلب علامة ترحُّل الإيمان منه ". مدارج السالكين ( 1/515)
فما أحوجنا أيها الكرام لملء قلوبنا بالخوف من الكبير المتعال، فالقلب ما دام مستشعرا روح الخوف من الله فإنه يظل عامرا بالإيمان و اليقين مبتعدا عن الكبر و العجب و الرياء و الحسد وسائر المعاصي .
أيها الأحبة إن ضعف أمة الإسلامية اليوم وتفرق كلمتها وتسلط الكفار عليها لهو نتيجة فقدان وازع الخوف من الله في قلوب أفرادها ، فبعد أن اختفى الخوف من الله في القلوب كثرت البدع و المعاصي و نتج عن ذلك التعدي على حدود الله و الأمن من عذابه سبحانه ، قال تعالى( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون (45)أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين(46)أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم)[النحل: 45-47]
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-:" هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي ، من أن يأخذهم بالعذاب على غِرَّة وهم لا يشعرون ، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم ، أو من أسفل منهم بالخسف أو غيره، وإما في حال تقلبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم ، وإما في حال تخوُّفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين الله في حالة من هذه الأحوال،بل هم تحت قبضته،ونواصيهم بيده،ولكنه رؤوف رحيم ،لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يمهلهم ويعاقبهم ويرزقهم وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه،ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات التي تضرهم،ويعدهم بذلك أفضل الكرامات،ومغفرة ما صدر عنهم من الذنوب .
فليستح المجرم من ربه أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع الحالات،ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل،وأنه إذا أخذ العاصي،أخذه أخذ عزيز مقتدر،فليتب إليه،وليرجع في جميع أموره إليه ، فإنه رؤوف رحيم .
فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة ، وبره العميم ، وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم ، ألا وهي تقواه ، والعمل بما يحبه ويرضاه " .تفسير السعدي (ص 441)
إن الخوف من الله أيها الكرام كان شعار الملائكة والأنبياء و الصحابة و الصالحين، قال تعالى(ويسبح الرعد بحمده و الملائكة من خيفته)[ الرعد :13]
وقال تعالى ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) [الأنبياء :90]
ووصف سبحانه أنبياءه بالبكاء إذا تليت عليهم آياته ، وأعظم أسباب البكاء الخوف من الله ، قال تعالى ( إذا تتلى عليهم ءايت الرحمن خروا سجدا وبكيا) [مريم:58]
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-:" أي :خضعوا لآيات الله ، وخشعوا لها،وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة ، ما أوجب لهم بالبكاء والإنابة والسجود لربهم ،ولم يكونوا من الذين إذا سمعوا آيات الله خروا عليها صما وعميانا".تفسير السعدي (ص 496)
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- ذاكر أسباب بكاء النبي صلى الله عليه وسلم :" وكان بكاؤه – صلى الله عليه وسلم- تارة رحمة للميت،وتارة خوفا على أمته وشفقه عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية ".زاد المعاد ( 1/183)
وكذلك كان هذا حال الصحابة (رضوان الله عليهم)، قال العرباض بن سارية –رضي الله عنه- : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها وصية مودع فأوصنا. قال :" أوصيكم بتقوى الله ، و السمع و الطاعة ...". رواه أبو داود ( 4607) وصححه العلامة الألباني
قال الإمام ابن رجب–رحمه الله-:"(وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون):هذان الوصفان بهما مدح الله المؤمنين عند سماع الذكر،كما قال تعالى(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا)[الأنفال:2]وقال سبحانه (ألم يأن للذين امنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)[الحديد:16]... ".جامع العلوم والحكم (ص 260)
ومما ينبغي علينا أن نعلمه أن الخوف من الله إذا زاد عن حده المشروع أصبح قنوطا ويأسا من رحمة الله وبالتالي صار مذموما.
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله-:"والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فان زاد على ذلك بحيث صار باعثا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات، والإنكفاف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات،كان ذلك فضلا محمودا،فان تزايد على ذلك بأن أورث مرضا أو موتا أو هما لازما، بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل، لم يكن محمودا ".التخويف من النار ( ص 19)
وقال ابن القيم –رحمه الله- :" الخوف المحمود الصادق ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل ، فإن تجاوز هذا خيف منه اليأس و القنوط" . مدارج السالكين ( 1/514)
أيها الكرام إن الذي يجب أن يقابل في القلب مقام الخوف مقام الرجاء ، و العبد كما يخاف عذاب ربه عليه كذلك أن يرجو رحمة خالقه ، فلابد عليه أن يجمع بين هاتين المنزلتين العظيمتين في قلبه.
فما هو الرجاء ؟ وما هي أهميته ؟ وما علاقته بالخوف ؟ هذا ما سنجيبكم عنه بعون الله في تتمة المقال ، سائلين الله الكبير المتعال أن يرزقنا وإياكم خوفه و رجاءه ومحبته في السر و العلانية ، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي