المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التربية الكائن الحي



معلم
01-09-2012, 04:10 PM
التربية كائن حي، لم لا وهي تستهدف بناء الإنسان الذي كرمه الله من جميع الجوانب، حيث تبني عقله بالمعرفة، وبطريقة التفكير المستنيرة والراقية، كما تبني عقيدته لتكون صافية نقية دون شوائب تؤثر فيها، التربية تبني شخصية الفرد في سماتها، وخصائصها لتوجد فرداً متزناً بعيداً عن الاضطراب، لديه مشاعر إيجابية نحو ذاته، ونحو الآخرين، ونحو بيئته التي لا بد له من المحافظة عليها، وحمايتها من أن تدمر. وإذا كانت التربية في هذه الأهمية، فهل وصفها بالكائن الحي مبالغ فيه؟ كنت في مجلس مع بعض الزملاء، وذكرت هذه العبارة فكانت ردود الفعل متفاوتة، منهم من أيد، ومنهم من عارض، وقد حاولت أن أبين لهم لماذا التربية كائن حي؟ ومتى تكون كائناً حياً؟ التربية كائن حي لأنها في الأساس تتعامل مع كائن حي ألا وهو الإنسان هذا الكائن الذي يتغير، وينمو، ويمر بمراحل عدة منذ ولادته، وحتى وفاته ''ثم نخرجكم طفلاً لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئاً''، وهي كائن حي في حد ذاتها لأنها تتغير من وقت إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وتتغير حسب المجالات التي تستخدم فيها. أما متى تكون كائناً حياً فهذا يختلف باختلاف المجتمعات، وهذا ما نلمسه من فروق بين المجتمعات، حيث الفروق شاسعة بين بعضها بعضا، إذ نجد مجتمعاً متقدماً راقياً تظهر آثار التربية المتقدمة على سلوك أبنائه، وعلى تنظيم حياتهم في المجالات كافة، كالزراعة، والصناعة، والاقتصاد، وجوانب التنمية كافة، في حين نجد آثار التربية المتخلفة واضحة في مجتمع آخر، حيث فيها من الموارد الطبيعية الشيء الكثير، ولكن لأن التربية القائمة في ذلك المجتمع لم تأخذ بأسباب التغير، والتحول، وبقيت على حالها، لذا بقي وضع المجتمع على حاله في أوضاعه المزرية حيث الفقر، والجهل، والمرض، وكثرة الجرائم، والفوضى التي تضرب كل مجال من مجالات الحياة. عند الحديث عن التربية ككائن حي لا نحصر الحديث في التربية الرسمية كما في المدارس، والجامعات فقط، بل إن هذا يشمل قنوات التربية الأخرى كافة، كما في المنزل، أو وسائل الإعلام، وما تثيره في عقول ونفوس أبناء المجتمع. التربية المنزلية، وتربية الإعلام هي في الوقت ذاته نتاج العملية التربوية الرسمية، فالأب، أو الأم، أو معد البرنامج الإذاعي، أو كاتب المقال هو مشروع تربوي صغير ينعكس مستواه التربوي على أبنائه، أو على قرائه، أو مستمعيه، ومشاهديه. ولكي تكون التربية كائناً حياً فاعلاً بشكل مثمر لا بد لها من التجديد في ذاتها، وذلك في الفلسفة التربوية التي تأخذ بها، وفي المعرفة التي تقدمها، وفي مناهجها، وطرق تدريسها، وفي تقنياتها، وفي بيئتها العامة، وفي تدريب وتطوير عناصرها العاملين فيها. التربية ككائن حي يتطلب الأمر عدم ممانعة التغير، والوقوف في وجهه طالما أنه لا يخرق الثوابت التي ارتضاها المجتمع لذاته. من خصائص التربية الحية المرونة، وتقبل الجديد، بل، والسعي وراءه، كما أن من خصائصها بعد الأفق، والتفكير، وعدم الانغلاق على الذات، والأخذ بمبدأ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها. التربية الجامدة في فكرها، وآليتها تفتقد خاصية الكائن الحي، ولأن آثارها تكون مدمرة، إذ لا نمو، ولا تغير يحدث في مجتمعها، وهذا ما نلمسه جلياً في مجتمعات استمرت عقوداً بل قروناً، وهي تعاني في معيشتها، وفي العلاقات بين مكوناتها الاجتماعية رغم أن عناصر القوة، والثراء، والعيش الكريم متوافرة، لكن تخلف تربيتها أفقدها إمكانية الاستفادة من هذه العناصر. حقاً التربية كائن حي متى استشعر المسؤولون عنها والقائمون عليها هذه الحقيقة، وعملوا على هذا الأساس، وجعلوا أجهزتها في حركة دائبة، ونشاط كالمؤتمرات، والندوات، وورش العمل، والتدريب، فهل نعي هذه الحقيقة ونعمل في ضوئها؟
المصدر: حملة السكينة