المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ورقات مشرقة من زيارة الشيخ عبد العزيز الطريفي إلى (الأردن).



أهــل الحـديث
01-09-2012, 02:11 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا وحبيبنا محمد، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمّ التسليم، وعلى وآله وصحبِه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد.
إن منْ مِننِ الله وفضلِه أن يرزقَ طالبُ العلم منافثةَ الخيار من الناس، ومعايشةَ من يرجو لهم ويرجون له كل خير ومَن يعدُّ كلماتِه عدًّا حتى لا يبوحَ إلا بما يحبُّه الله ويرضاه.
وإنّ من رحمةِ الله وتوفيقهِ على طالبِ العلم أن يُرزقَ مجالسةَ الكبار من أهلِ العلم، فيتعلمَ منها مكارم الأخلاق، ويحتذي من طيبِهم ونفحاتهم الإيمانية والعلمية، ويرنو بعينهم إذا لحظ، ويتكلم بلسانهم إذا لفظ، ولا يكون هذا إلا من كان قعيدهم ونجيَّهم.
وقد شرفنا من شهر سناؤه، وبان وقاره، وحسنت أثاره، فضيلةُ الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطريفي في زيارة مباركة دامت خمسة أيام، هي من أزكى الساعات، وأطهر الأوقات، تكلّفنا للنطقَ بنغمته، ونتحلّى بحِليتِه، ولكن أنّى أن نحاكيَ من طلعَ من قِنوه، واخضرَّ من عوده.
وقد زاولَه في سفرتهِ هذه الأخُ الحبيب / أ. د ، تراهُ مع الشيخ كأنهما عودا أراكة، من شدّة ملازمته، والأخ الكبير/ فهد الطريفي، بينه وبين الشيخ مشيج لُحمة ووشيجُ وصلة، والأخ الشيخ/ باسل الفوزان، حبيبُ الشيخِ وخِلبُه.
ذهبتُ إلى المطارِ مع أحد الأحباء لنستقبلَ الشيخ – حفظه الله ورعاه -، حتى إذا أتيتُ بغيتي اضـطربَ قلبي، وطغت دقّاتُه، فلم أكُ أظن أني سأرزق برفقةِ عالم يدعى بـ (فتى الكهول) تراهُ كالقلم يسكتُ إن أُوقف، وينطقُ إن سار، فلا ترى له مجارٍ في مضمار، وسأقتصُّ –بإذن الله- في (الحلقة الأولى) ما يستحق الكتابة، على سكيكةٍ واحدةٍ دون شطط.
أولاها: ما أن قفَلنا راجعينَ في " السيارة " من المطار حتى بدأَ الشيخ يقرأُ وردَه من القرآن، حتى إذا فرغَ منه بدأ بالتسبيح والتحميد، حتى إذا فرغ بدأ يصلي وردَه من الليل، فللهِ درُّه ! لم يعقْهُ أنّه ضيفٌ مقابل ما عليه من أورادِه اليومية.
ثانيها: لا يحدّثنَّكَ مَن غرُب شخصه عن سمتِ الشيخِ ومهابته، رجلٌ صمّيت سكّيت سكّين، قد رزقَ السمتَ الصالح، والهدي الصالح، فإن تكلم أعربَ غير معجم، مصرحا غير مزحزح، وجلا أغباش المسألة، وحسر لثامَها وظلامها، وتراه ينبُش مدفونها، ويسفِر عن قناعها.
ثالثُها: الكرم، إني أرى لزاما على كثير من المتصدرين للناس دعاةً وعلماءَ أن يكون من ذوي اليدِ الطولى، دون أن ينظروا إلى ما في أيدي الناس، ومن استغنى عن الناس أغناهُ الله، ومن حوجَ إليهم استعملَهُ الناس، والشيخ – حفظه الله – لا يرتحل إلا على حسابه الخاص، بل ويشترط على رفقائه أن يكونوا على حسابِه الخاص، وهذه صفةٌ عزيزة فيمن يسافر من المشايخ وطلابِ العلم، فتجدهم يشترطون أفخم الفنادق، وأفخم السيارات، وربما أحضر أهلَه للنقاهة والنزهة، وأعرفُ من أصدقائي مَن كان يشحدُ من النّاس حتى يستقبل ذلك الشيخ، لأنه لم يدع شيئًا إلا أراده واشترطَه مع أنه من الأثرياء!!
رابعها-وأهمها-:التجرّد، فتجد الشيخ يمسح جميع الخلق من بينِ عينيه، كما يسمح الترابَ عن جبهتِه ثم يفتي في المسألة دون توانٍ أو إيلاء، وهذا عام في مسائله الفقهية والحديثية والعقدية، بل ومع الجماعات فلا يحبُّ أن يلقّب بهذه الألقاب (السلفي- السروري- الإخواني) التي أصبحت شكيمتها الاهتمام بالألقاب كالهرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسدِ دون عملٍ بما يُنسبون إليه.
ومما يصحبُ هذا التجرد: صراحتُه، دون أن يجاملَ أحدًا، لأي شيء كان.
خامسها: التبسم، مع أنه (ألوى) لا يميل إلى مزاح، إلا أن ابتسامتَه مع ندرتها تفوق كل ابتسامة، ودُعابته مع عزتِها تفوق كل دعابة، وقد حدثنا الشيخَ برجلٍ أقام سؤالا وقيمة جوابِه ألفُ دينار، فقام أحد الحاضرين وأجابَ السؤال، فلما أراد أن يناوله الجائزة أخرج دينارًا واحدا، وقال: أردت ألف دينار عراقي! فما ردّ الشيخ إلا بقوله: هذا كذب هذا كذب، يجب أن يعطيه ما تعورفَ عليه.
سادسها: التفنن، فإن تكلم في الفقه وعرض أقوال الأئمة وأدلتهم وترجيح المحققين وذكر الإجماعات ومن شذ في المسألةِ، قلتَ: لا يحسن غيره، وإن تكلم في أسانيد الحديث أو التفسير وأورد طرقه وعلى من مدراه ومن صححه وضعفه من أهل العلم، قلتَ: لا يحفظُ غيره، وهكذا في علم العقيدة وبالأخص الفلسلفة الشرقية والغربية وتأثر العلمانية والليبرالية بهم، وكثيرًا ما يدلّل بالأدلة العقلية، ويأتي بأمثال تشهد الفطر على صحتها؛ ليقيم بها دليلا شرعيًّا، وما كتاب " العقلية الليبرالية " عمن قرأه ببعيد!.
ومما يصحب هذا التفنن: ما أنعم الله عليه من سرعة البديهة، وقوة الحفظ، وسرده للآيات والأحاديث والآثار كأنما قبة صخرة بهيئة كتابٍ تتحدث، لقد أسلب النفوس والألباب، وابتزّ العقول.
هنيئًا له، قد بلغ الغاية العليا، والأمد الأبعد، والمطلب الأسهب، والنهاية القصوى.
سابعها: العمل ثم القول، ابتُلينا من أنفسنا ومن غيرها من كثرة ما نتكلم، وقلة ما نعمل، ولم نر من الشيخ -حفظه الله- إلا الاهتمام بالعمل ثم الحث عليه، ويكفي أن أذكر لك موقفين:
الأول: من الأسئلة التي كانت موجهة للشيخ، " كم تحفظون من الأسانيد؟! " فما أكمل السائلُ سُؤْله، حتى أجابه: مشّي مشّي! وكان السؤال بعد كلام طويل عن حظوظ النفس والشهرة والرياء.
الثاني: يقول الشيخ: لا أكتبُ كتابًا إلا بعد أن أرى الحاجة الماسة إليه، وحين ألفت " الاختلاط " و " الغناء في الميزان " وغيرهما مما يمس بالواقع، ساءني ما أراه من كثير من أساتذةِ الجامعات ودكاترتها، أين هم عن طريق الدفاع عن حمى الإسلام ودعاةِ التغريب ودعاةِ الاختلاط؟ لماذا المشايخ والمفتون هم من تُلصق بهم التهم فقط؟ ... فحضرتُ في مئة وخمسين جامعيًّا من الأساتذة والدكاترة، وكنتُ أشدّ ما أكونُ عليهم من تخلّفهم وتعذّرهم لدخولهم قضايا الأمة المعاصرة.
ثامنها: اهتمامُه باللاجئين السوريين، فكنتُ لا أضعُ له شيئًا فيه لقاءٌ مع جرحى أو مجاهدين سوريين إلا أبدى كامل رغبته للقاء بهم، فكان يجلس مع الجرحى ويوجههم ويبشرهم بالنصر القريب وبفضائل أهل الشام وينصحهم بتعلم مهمات الدين، حتى يبلغوا إخوانهم من هم في الداخل، ودخلنا مرة على جرحى والتلفاز بعواره بادٍ، فاشتدّ نكيره وقال: أنتم مجاهدون، فماذا تفعلون؟!
ومما قاله بعد أن ذهبنا سويًّا لمخيم " الزعَتْري " – وهو مخيم يقيم فيه اللاجئون السوريون -: لا يستبطئن أحدكم أن يكونَ له مثل ما كان لهؤلاء اللاجئين، فاحمدو الله واشكروه قبل أن تفقدوا النعم وأنتم لا تدرون!.
تاسعها: ومن خصاله: عدمُ السخط والغضب لأمرٍ دنيوي، فمن يجالسْه لا يكاد يرى ذكر الدنيا على لسانِه، ومنها: البساطة وكره التكلف في الملبس والمأكل والمشرب، ومنها: حبّه لطلابِ العلم، فقد كانوا يجتمعون بعد الدرس حوله ويلتفّون دون أن يردّ أحدًا منهم، أو يعنّفه في الإجابة، وأذكر في أحد دروسِه وقد كان يستحضر حديثًا، فجاء أحد الطلبة بأولِه، فاشتد نكيره وقال له: ألا تراني أتحدث؟!
فكانت على صاحبنا أشد من الرمي بالنبل، حتى إذا انتهت المحاضرة أقبل إليه الشيخ المربي وقال له: سامحني!، أي صفاتٍ هذه؟ أي خصال هذه؟ الطلبة بحاجة إلى العطفِ والحنان من مربيهم أكثر من شدته وعنفه.
وإليك هذا الموقف الدالّ على وفاءِ الشيخ لرفقائه، فقد ذهبنا صباح الثلاثاء الماضي إلى منطقة حدودية مطلة على بحيرة طبريا، وجبال الجولان، وكان برفقتنا أحد (...) ولم يكن للجيش أن يأذنَ له بالدخول، فاضطرب الحديث نصف ساعة حتى بتّ شيخنا أمرَه، وقال: الجميع يرجع! لن ينقصنا لو لم نر الجبال، فقلنا له: يا شيخ، هوّن عليك، الجماعة ينتظروننا، قال: لا لا، الجميع يرجع.
ولم يكن لنا أن نخالف أمرَ الشيخ، ولم يكن له أن يترك رفيقه لنزوة من نزوات الدنيا، فلما رجعنا توقفنا على جبل مطلّ، فإذا هو أجمل من مكاننا الأول المعدّ للجلوس.
وإليك – أيضا – هذا الموقف الدال على تواضع الشيخ ومحبته للناس: فقد كان للشيخ سائق طوالَ رحلتِه في الأردن، فلخدمتِه واعتناءه بالشيخ ورفقتِه يطلبُ منهُ شيخُنا أن يقبل رأسَه .!!
ومن خصاله: تقديره أهلَ العلم حق قدرهم، فقد سُئل الشيخ عن مسألة في التعدد، فقال للسائل: سل الشيخ إحسان، فلا يُعلى عليه في هذا الباب!، وسئل مسألة دقيقة في " أسماء الله الحسنى " فلم يجبِ السائلَ جوابًا شافيًا، فقال للشيخ إحسان: ما نظركم في هذه المسألة؟!
ومن مواقفه: أن أحد رفقاءِ الشيخِ كان يكلمنا عن حافظةِ الشيخ عبد العزيز ويقول: سيتعجب الحضور من استرساله في الحديث، فالتفت الشيخ: ألا تدعون كثرة الكلام؟!
وإن نسيتُ فلا أنسى مشايخنا أهلَ اربد، فقد علمونا درسًا في التواضع وتقدير أهل العلم، لأنهم حضروا دورة الشيخ الطريفي كاملةً، في حين جائتني رسائل من بعضِ طلاب العلم يقولون: نخبة الفكر شرحتها قديمًا لطلابي، وأريد شيئًا جديدا!! بل وكنت خلال تنقلي مع الشيخ أقرأ عليه كتاب " الجهاد " من أخصر المختصرات، وهم يستمعون لما يشرحه، ويحرصون على تدوين الفوائد، وسؤاله ومناقشته.
وممن كان لمثله حقٌّ أن يسجَّل: عندما أوقفَ حسابُه، صوّر لنا بعض رفقائه أن الشيخ غضبان ومتضايق، فلما لقيناه سألناه عن ذلك، فقال: لم أعلق قلبي به أصلا فلا أهتم، ينبغي للمرءِ أن يعلّق قلبَه بالله عزوجل.

للهِ درّ الشيخ!

ما أحلمَه وأوقره، وما أرشدَ رأيه، وأقصد هديَه، وأرجحَ عقلَه، وأوفر علمَه، وأصوبَ إصابتَه، وأقوى صرامتَه، وأسكن سكينتَه، وبضدّها تتبين الأشياء، فقد رأينا من لو وُزن عقله بريشة لرجحت، وإن عودل عقله بشرارة لعدلت ومالت.
هذا من حيث اتصال الشيخ مع من معه، ومع طلابه في الدورة، أما طلابُ الدورة فقد انتظمَ شملُهم وتهيأ أهلُ عمان والزرقاء والعقبة وجرش والمفرق والرمثا للقاء هذا الجبل الأشم، فقد قابلوا دنو الهمة بسمو الدرجة، ووضيع الشيمة برفيع الرتبة، وكانوا أجمل صورة أمام الشيخ يمكن للمصور أن يصوّرها، وكانت ساعات قد افتقدها كثير من الحاضرين، من الجو الإيماني، والجو العلمي، فبين صائم وقائم ومذاكر وقارئ للقرآن، وقد حدثني أحد مشايخي أنه ندم على نومه في بيتِه ولم ينم مع الطلاب!.
وقال لي أحد مشايخي: منذُ زمن طويل لم أشمّ هذه العبق، فقد كانت دورة رائدة في بابها.
وأما شرحُ شيخنا عبد العزيز فقد لمّ شعثَ المسائل، وأعادَ ما انهدَم بناؤُهُ، وداوى ما فيه شربِه السُّقم والصدْع، فكانَ لمن مالتْ عقيدتُه أن تستقيم، ولمن كثر جهلُه أن يرتدع، ولمن وهنَ عظمُه أن ينجبر، فكانَ أن خبتْ نارُ الهيجاء، ووضعتِ الحربُ أوزارها، والفضلُ لله أولا وآخرا.

وقفةٌ مع أبي مالك!

قبل أن يأتي الشيخ لهذه الدورة، عرضت عليه أسماء كثيرة من أهل العلم إن أحب اللقاءَ بهم، فاختار اثنين: الشيخ الدكتور عمر بن سليمان الأشقر – رحمه الله – والشيخ محمد أبو مالك شقرة – حفظه الله -، لكن هُرعنا حين جاء الخبر بوفاةِ الشيخ عمر، وما بقي إلا الشيخ شقرة –حفظه الله- فجئناهُ مع شيخنا ظهر يوم الأربعاء، وأخذ عبد العزيز بعكازه، ليتكأ الشيخ شقرة على يدي الشيخ عبد العزيز.
ومما تدمعُ له العين ما حصل بينهما من أن قبّل الشيخ الطريفي رأس الشيخ أبي مالك، فأراد الشيخ أبو مالك أن يقبلَ يد الشيخ الطريفي.
وقد قال الشيخ عبد العزيز له: مذْ عقلتُ وأنا أتمنى رؤيتك، والحمد للهِ أن يسرها اليوم.
جلسنا في بيته ما يقرب من ساعة ونصف، حدثنا فيه فضيلة الشيخ أبي مالك عن الشيخ الألباني وبعض من التقى به من الكبار كسيّد قطب، وكمحمود شاكر، وأحمد شاكر، - رحمهم الله أجمعين- وذكر الشيخ أبو مالك حبه الكبير لابن القيم الثاني الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد – رحمه الله- وقال للشيخ: كتابه (الشيخ حراسة الفضيلة) من أفضل ما ألفه.
وكان لشيخنا عبد العزيز مشاركة في لقائه للشيخ أبي مالك، فقد حدث شيخَنا الشيخُ صالح آل الشيخ عن جدّه الشيخ محمد بن إبراهيم ... تجد القصة هنا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=291043
والقصة الثاني: كانت عن الشيخ سليمان بن حمدان، فقد كان رجلا لا يخاف في الله لومة لائم، وكان الإمام ابن سعود يحبه ويجلّه، وهو من أهل حريملا استوطنَ مكة مفتيًا، وكان قرينه الشيخ محمد بن إبراهيم، فلما أراد الإمام تحريك المقام لتوسعة الحرم، أذنَ الشيخ ابن إبراهيم والشيخ المعلمي، وغيره من علماء الأمصار، وفارت فائرة علماء الهند والباكستان، حتى صلى الإمام ابن سعود في الحرم المكي، وبجانبه الشيخ سليمان بن حمدان.
فقال له ابن سعود: ما تشوف أهل باكستان يمنعون توسعة المقام! فقال له الشيخ سليمان: وراك ما تنقل الكعبة في الرياض؟! قال له: وأنت معهم فيما يقولون؟ قال: نعم، فحرَد ابنُ سعود وأترِعَ قلبه بالغضب، وألف ابنُ حمدان كتابًا ردّ فيه على الشيخ ابن إبراهيم، سماه (الرد الأوفر على المفتي الأكبر) وكان السببَ في عدم تحريك المقام!.
قال الشيخ عبد العزيز: حدثني بها الشيخ محمد الشدي قبل اثني عشر سنة –رحمه الله-.
وكان مما حدثنا بها من طرف الشيخ سليمان بن حمدان، أن الشيخ محمدًا الشدي جاءه في درسِه من حريملاء إلى مكة، فإذا هو وصاحبه في الدرس يكلمون بعضهم، فغضب الشيخ سليمان –وكان لا يحب ذلك في الطلبة- فقال: اخرجا ولا ترجعا! فما كان من مناص إلا أن يخرجوا ويسألوا القارئ على الشيخ؛ علهم يجدون محيدًا مما قاله، فأخبرهم القارئ أن يتخفيَا خلف سارية، فإذا انقضى أسبوع جاءا إليه، ويكون الشيخ قد نسيهما، ففعلا ما قاله، حتى حضرا أمامه بعد الأسبوع، فإذا بالشيخ طيلة درسه يجحظُ ببصره حتى فرغَ منه.

(رحيل شيخنا عبد العزيز)

فلما أفدَ رحيلُ شيخنا، وأزفَ خروجه، هرعت العيون بالمدامع تجري، وكبّل القلبُ أساه، وكأني أسلّم عليه مودعًا لأكبر على نفسي أربعا، فلا أظنني أعود لألتقي به.
سلمتُ عليه مقبلا لرأسه ويديه بعد أن خصني بنصيحة خاصة، قائلًا لي: اصدق الله يصدقْك، وأكثر من أعمال السر.
وقلتُ له: لا تنسني من دعائك الصالح، وسلمت على رفقائه بعد قضاء ساعات جميلة في طاعة الله، أسأل الله أن لا يضيعها هباءً منثورًا، وأن يتقبّل كل عمل ساهم في إنجاح هذه الدورة، التي قلبت أوراقا كثرة لدى طلاب العلم في الأردن، وردّت إلى كثير منهم روحَ العلم، وروح التلمذة، وروح لقاء العلماء المخلصين، فصفة " العلم " مع " الإخلاص " قلّ أن يجتمعا في هذا العصر، عليهم –جميعا- من الله يد واقية، وعينٌ كالئة، وحراسةٌ كافية، ومنٌّ عظيم، وإحسان قديم، والله ذو الفضل العظيم، والله يُكنّهم ويعزّهم ويعليهم وأمرَهم.
وأحمدُ الله على ما استودع، وأسلم الأمر فيما ارتجع، وأصبر لحكمه فيما استرد، وأرضى بقضائه، وأشكر نعمائه فيما أفاد


(وآخرًا) :

ابتهجَ شيخنا العزيز من تنظيمِ الدورة، من حيث المتون، وأوقات الدروس، والطعام، والمبيت، وتوزيع الجوائز، وأكثر ابتهاجهِ نوعيّة الطلبة ونوعيّة الأسئلة، وقد فضّل دورة الأردن على دورتي تونس ومصر.
والحمدُ الله أولا وآخرا ...

يتبع : الحلقة الثانية، وهي تلخيص لأهم الفوائد العامة والخاصة.