المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدةُ الأستاذ محمّد بُوسْلاَمَة الجزائريّ في رِثَاءِ العلامة ابن عثيمين رحمه الله



أهــل الحـديث
28-08-2012, 12:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



قصيدةُ الأستاذ «محمّد بُوسْلاَمَة الجزائريّ» في رِثَاءِ الشّيخ محمّد الصّالح العُثَيْمِين




فهذه قصيدةٌ رَائِقَةٌ مِن بَدَائِعِ الأستاذ الفاضل الشّيخ الفقيه الأديب «محمّد بوسلامة الجزائريّ» (حفظه الله تعالى)، وهي رِثَاءٌ للعالمِ الرّبّانيّ فقيهِ الزَّمان وبقيَّة السَّلَف الكرام، الشّيخ محمّد الصّالح العثيمين (رحمه الله تعالى)، وقد هزَّ موتُهُ النّفوسَ وحرَّكَ القلوبَ، وكان لفِراقِهِ لَوْعةٌ وأيُّ لَوْعَةٍ، فكتبَ الكاتبون، وخطبَ الخطباء، ونظمَ الشّعراء، يَرْثُونَ الفقيدَ، ويُعَزُّونَ أنفسهم قبلَ النّاس في هذا المُصَاب وتلك الفاجِعة الأليمة.

وكانَ لمجلّةِ «مَنَابِرُ الهُدَى» الّتي كانت تصدر بعاصمة الجزائر في عددها الثّاني، كلماتٌ في وفاةِ هذا العَلَمِ الرَّبَّانيّ، وقد أَثْبَتَتْ قصيدتينِ في الموضوعِ: الأولى بإمضاء: «أبو يوسف الجزائريّ»، والأخرى بإمضاء: الأديب الشّاعر: «عمارة قسوم» (حفظه الله تعالى). وقد قرأ النّاسُ ذلكَ ومرَّ عليهم هذا في حينِهِ، وبَيْنَا أَنَا أُقلِّبُ صفحاتِ العددِ المذكُور، وأقفُ على القصيدِ الأوّل، وأقرأُ ما علّقَ بهِ صاحبُهُ في الحواشي، عَرَفتُ أنّ صاحبَنَا الّذي أمضى القصيدَ بِـ: «أبو يوسف الجزائريّ»، هو أستاذُنا الشّيخ «محمّد بوسلامة» (حفظه الله تعالى)، وقد عرفنا فيهِ ذلك التّواضع وهضم النّفس وإيثار الخمول على الظُّهُور... في أخلاقٍ جمَّةٍ زَانَتْهُ وحبَّبَتْهُ إلى مَن عَرَفَهُ وجلسَ إليهِ واستمعَ عَذْبَ حديثِهِ، وكان (حفظهُ الله قد حدّثنا عن نظمِهِ لكتاب «القواعد المثلى» للعلاّمةِ ابنِ عثيمين (رحمه الله)، وأَنّه أرسلَ بنظمِهِ إلى الشّيخ... إلى آخِرِ مَا هُوَ مُثْبَتٌ في حاشيةٍ على قصيدِ الرِّثاء، فكَشَفَ هذا السّتارَ عن صاحب الإمضاء: «أبو يوسف الجزائري».

وها هو القصيدُ مع الحاشيتينِ، كما نُشرَ ذلك في «مَنَابِرُ الهُدَى»، السّنة الأولى، العدد الثّاني، ذو القعدة – ذو الحجة 1421هـ، (ص16-17):


رَأَيْتُ المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَا ... وَيَتْرُكَ في الوَرَى السَّفَلَ اللِّئَامَا

ولَيْسَ على المَنِيَّةِ مِن عِتَابٍ,,, وما كان المُهَيْمِنُ أن يُلاَمَا

ولَكِنْ قَدْ جَرَتْ أَقْدَارُ رَبِّي... بِمَا مُلِئَ الفُؤَادُ بهِ كُلاَمَا

بيَوْم قَدْ نَعَى النَّاعُون حَبْرًا... إِلَيْنَا ابْنَ العثيمين الإِمَامَا

رُوَيْدًا أيُّها النَّاعِي رُوَيْدًا... أَأَرْسَلَكَ المَنُونُ لَنَا صِرَامًا

أَلَمْ تَكُ قَدْ نَعَيْتَ البَازَ قَبْلاً ... وبَعْدُ النّاصرَ العلَمَ العُظَامَا

فمَا رَقَأَتْ دُمُوعٌ قَدْ تَمَادَى ...بها حُزْنٌ قَدَ اَوْدَعَنِي السِّقامَا

وهَا أَنَا ذَا أُبكَِّي اليوْمَ طَوْدًا... وأَنْدُبُهُ[1] وأَسْتَبْكِي الأَنَامَا

وَأَسْتَبْكِي القَصَائِدَ والقَوَافِي ... وأَسْتَبْكِي المنابِرَ والقِلاَمَا

ومَا لِيَ لاَ أُبَكِّي اليَوْمَ حَبْرًا ...وبَحْرًا بالجزيرَةِ قَدْ تَرَامَى

فسَالَتْ منهُ أَوْدِيَةُ المعالي ... وأَجْرَتْ مِن منابِعِها جمَامَا

عَجبْتُ وإنّهُ شيءٌ عُجَابٌ ... لِقَبْرٍ قَدْ حَوَى بَحْرًا رُكَامَا

أَلاَ أَبْلِغْ «عُنَيْزةَ» نَارَ وَجْدِي ...وَعَزِّي آلَ سيِّدِنَا الكِرَامَا

لمُؤْلِمَةٍ أَصَابَتْ آلَ عِزٍّ ...فَصَابَتْ كُلَّ مَنْ صَلَّّى وصَامَا

بَكَى أَهْلُ الجزائرِ في مُصَابٍ ... غَدَا مِنْهُ نهارُهُم ظَلاَمَا

وَلَوْ أَنَّ الدُّمُوعَ تَرُدُّ مَيْتًا... لَذَرَّفْنَا الدِّمَاءَ لهُ سِجَامَا

يُؤَرِّقُنِي التَّذَكُّرُ بالدَّيَاجِي ... وقَدْ أَخَذَتْ كَوَاكِبُها المَصَامَا

وهَيَّجَتِ الأَسَى فِينا فِئَامٌ ... تَؤُمُّ البَيْتَ والبَلَدَ الحَرَامَا

فَدَيْنَاكُمْ وَلَوْ أَنَّا قَدَرْنَا ... تَجَرَّعْنَا سَقَامَكَمُ العُقَامَا

إِمَامٌ سَدَّ للإِسْلاَمِ ثَغْرًا... وكَانَ لِكُلِّ مُبْتَدِعٍ حُسَامَا

وَأَجْرَى في العُلُومِ جِيَادَ فِكْرٍ ... فَمَا شَقَّ المُبَار لهَا قَتَامَا

فَأَصْبَحَ ذِكْرُهُ في كُلِّ أَرْضٍ ... ثَنَاءً إِذْ تَعَبَّقَ فَاسْتَدَامَا

كَرِيمُ الخُلْقِ رَحْبُ الصَّدْرِ جَادَتْ ... غَمَامَتُهُ فَأَخْجَلَتِ الغَمَامَا

وَكُنْتَ إِذَا نَطَقْتَ نَثَرْتَ دُرًّا... فَمَاجَ النَّاسُ حَوْلَكُمُ زحَامَا

وفِي «مُثْلَى القَوَاعِدِ» قَدْ نَثَرْتُمْ ... لآلئَ قَدْ غَدَتْ فِينَا نظَامَا [2]

فَأَفْحَمْتَ المُشبِّهَةَ الحَيَارَى ... وأَلْبَسْتَ المُعَطِّلَةَ اللِّجَامَا

وَإِنْ يَأْتِ الفَقِيهُ بِمُشْكِلاَت ... بَلَغْتَ بِحَلِّ عُقْدَتِهَا التَّمَامَا

يَمُوتُ العَالِمُونَ بِكُلِّ دَهْرٍ ... ويَبْقَى النَّاسُ بَعْدَهُمُ يَتَامَى

سقَى الرَّحْمَنُ تُرْبَتَكُمْ برُحْمٍ ... وأَرْسَلَ مَلْكَهُ لَكُمُ سَلاَمَا [3]


أبو يوسف الجزائريّ.

[1] - ندب الميّت: بكى عليه وعدّد محاسنه.

[2] - وذلك أنّ اللهَ تعالى قد يسَّرَ نظمها بدمشق سلّمها الله، وقد أرسلت بنسخةٍ منها إلى مؤلّفها الإمام رحمه الله فأعجب بها كثيرًا ثمّ أرسل بها إليّ وقد زاد عليها ثلاثة أبياتٍ كتبها على الحاشية بخطّه الشّريف.

[3] - لمّا فرغت من القصيدة وكنت قد كتبتها ليلاً أخذني النّوم فرأيت فيما يرى النّائم أنّني في مسجد لا عهد لي به وقد غصّ بأهله وكنّا ننتظر الصّلاة فخرج إلينا شيخ حسن الهيئة قد كساه الجلال يمشي مِشية المريض بين رجلين قد أخذا بعضديه فتطاول الناس ينظرون إليه ففهمت أنّهم يجلّونه فوقع في نفسي أنّه الشّيخ ابن العثيمين رحمه الله وما رأيته في اليقظة قطّ فصلّى بنا ثمّ انصرف فأتى داري فدخلها فملئت به سرورا ثمّ جلس فجلست فأخذ بيدي يريد أن يقبّلها فجذبتها إجلالا له وابتدرت يده فقبّلتها فأطلت التّقبيل ثمّ انتبهت على ذلك؛ ثمّ إنّني وصفته لمن رأى الشيخ ابن العثيمين رحمه الله فما خطّأني في شيء، فرحمه الله وأكرم مثواه.


نشرها على الشابكة الأستاذ سمير سمراد