المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقويم أقاويل الثقات



أهــل الحـديث
26-08-2012, 01:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المصنفات في معتقد الرعيل الأول ، والحزب الذي عليه المُعوَّل ، هي ما وافق الدليل من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة . ومن الكتب التي شاعت وذاعت في
باب الاسماء والصفات ، وهي منسوبة لأهل السنة والجماعة كتاب : ( أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشبهات ) . صنفه العلامة
مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي ( ت: 1033هـ ) ، وهو مؤرِّخ ،وأديب ، وفقيه . ولد في ( طور كرم ) بفلسطين ، وانتقل الى القدس، ثم الى القاهرة ، فتوفي فيها . رحمه الله تعالى .



تقويم أقاويل الثقات :
1-ابتدأ العلامة الكرمي كتابه بمقدِّمة مختصرة ، ذكر فيها أن الأفهام تخبَّطت في أسمائه وصفاته ، ثم قال إنَّ الأولى ترك الخوض في باب الأسماء والصفات . لكنه اضطر الى ذلك لأجل التعليم والإرشاد .
لغة الكتاب سهلة وجزلة ، وفيها اقتباس لكثير من نصوص الكتاب والسنة ، وأقوال الائمة من السلف والأشاعرة وغيرهم .ثم بنى كتابه على مناقشة المسألة التي هي أصل كتابه ، وهي هل الأسماء والصفات من المحكم أم من المتشابه ؟ وأطال في هذه المسألة ، واستطرد فيها كثيرا . ثم ناقش عبارة الامام مالك بن أنس( ت: 179هـ ) رحمه الله تعالى ، : " الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " ، واضطرب تفسير كلامه لها ، تارة يميل إلى ترجيح معناها ، وتارة يميل إلى تغييرها عن مرادها . ثم ختم كتابه بالنقل عن أقوال ابن الجوزي ( ت: 597هـ ) رحمه الله تعالى ، في غمز مذهب بعض الحنابلة ، ونقل أقوال غيره من الأئمة .

2-وافق العلامة الكرمي القائلين بالتفويض بنوعيه : الأول : هم من يزعمون أن ظواهر نصوص الصفات تقتضي التمثيل ، ويحكمون بأن المراد بها خلاف ظاهرها ، ثم لا يُعيِّنون المراد . والثاني : من يقولون إن نصوص الصفات تجرى على ظاهرها ، ولها تأويل لا يعلمه الا الله ، خلاف الظاهر منها ، وهؤلاء متناقضون .

3-وافق الكرمي أهل التفويض في أن آيات الصفات من المتشابه في معناه ، بسبب فهمهم لآية المحكم والمتشابه في قول الله تعالى : " وما يعلم تأويله إلا الله " (آل عمران : 7) . والذي عليه اجماع السلف أن آيات الصفات من المحكم معناه ، المتشابه في كيفيته وحقيقته .

4- الأسلوب التحريري في كتاب أقاويل الثقات ، ينحو الى أن معاني الأسماء والصفات ، لا يراد بها حقيقتها التي دلت عليها الألفاظ في اللغة العربية ، وهو معنى باطل يوافق مقالة أهل التجهيل .

5- يستدل الكرمي بأدلة توافق منهج السلف في اثبات الأسماء والصفات ، ثم يعارضها بأدلة التأويل والتفويض ولا يُرجِّح بينهما . وهذه طريقته من أول الكتاب الى آخره .

6-سوَّد الكرمي صفحات في سرد أقوال أهل التأويل المذموم ، واحتج بأن ذلك لقصد التعليم ، مما أوقعه بقصد أو بغير قصد في تفويض معاني الأسماء والصفات .

7-قعَّد الكرمي قواعد في كتابه أقاويل الثقات ، يقصد بها أن مذهب السلف لا يقوم على ايمان بمعانٍ معلومة ، وانما حظُّهم من المعاني الكفُّ عن تعيينها . وزعم أن آيات الصفات من المتشابهات . وهذه القاعدة بنى عليها كتابه كله ، وصرح بتعذُّر الوقوف على معاني الصفات . والصحيح عكس عباراته .

8-من عثراته الغريبة توضيحه لمقولة الامام مالك الشهيرة في الاستواء: بأن الاستواء معلوم بطريق القطع بالتواتر ، وقصده أن الاستواء كغيره من صفات الله تعالى لا يُفسَّر معناها ولا يتكلم فيها . وهذا الخطأ هو الذي جنح به الى القول بالتأويل والتفويض . وقد تابعه في هذا الخطأ العلامة السفاريني( ت:1188هـ ) رحمه الله تعالى في منظومته (الدُّرة المضية ) حين قال :
فَمِرها كما أتت في الذِّكر
من غير تأويل وغير فِكر
9- الكرمي تابع أبا المعالي الجويني( ت:478هـ )رحمه الله تعالى ، في كتابه (العقيدة النظامية ) التي نقل فيها كلام الامام مالك وخلص فيها الى اعتماد القول بتفويض معاني الصفات .

10- الكرمي قلَّد القرطبي ( ت: 671هـ ) رحمه الله تعالى ، في تأويل الأسماء والصِّفات ، وقد نقل قوله في آخر كتابه أقاويل الثقات حين قال " أظهر الاقوال وإن كنتُ لا اقول به ولا اختاره ، ما تظاهرت عليه الآي والأخبار والفضلاء الأخيار أن الله سبحانه على عرشه، كما أخبر في كتابه بلا كيف ، بائن من جميع خلقه هذا جملة مذهب السلف الصالح " .

11- الكرمي نقل وتابع اختيارات القاضي أبي يعلى( ت: 457هـ ) رحمه الله تعالى ، في كتابه ( ابطال التاويلات) في تفويض معاني الأسماء والصفات كما في قوله : " فقد صرحت بالقول بالاستواء غير معقول ، وهذا يمنع تأويله على العلو والاستيلاء " . وهو خلاف لغة العرب وفهم السلف .

12- الكرمي يساوي بين اعتقاد أهل السنة والجماعة واعتقاد الاشاعرة ، وكأنه يعتقد أن لا خلاف بينهما في المسائل الاعتقاديه . وطريقته في اعتقاد الصفات هي طريقة مُتأخِّري الأشاعرة ، الذين يجمعون بين التأويل والتفويض .

13- موارد الكرمي في التأويل والتفويض نقلها عن : السيوطي( ت:911هـ ) في الاتقان ، وابن الهمام( ت:861هـ ) في المسايرة في العقائد المنجية من الآخرة ، والبيهقي( ت: 458هـ ) في الأسماء والصفات، والخطابي( ت:388هـ ) في معالم السنن ، والقرطبي( ت:671هـ ) في الشرح الأسنى ، والبيضاوي (ت: 685هـ ) في تفسيره ، وابن فورك( ت:406هـ ) في غريبه ، وابن اللبَّان( ت: 749هـ ) في ازالة الشبهات ، والجويني( ت:478هـ ) في الاستواء والفوقية ، وابن الجوزي( ت: 597هـ) في صيد الخاطر . وهم علماء أخيار، رحمهم الله وعفى عنهم ، لكن وقعوا في التأويل ، وعلم الكلام ، ونفي بعض الصفات .

14- طريقة الكرمي في موازنة االنقاش ، هي تلفيق نصوص التأويل وتجويز التفويض في الصفات دون تعقُّب منه أو امتعاض . وهذا يدل على اضطرابه في باب الأسماء والصفات . وفي آخر كتابه أطلق لقب أهل السنة والجماعة على فرقة الأشاعرة .

15- درس الكرمي في الأزهر ودرَّس فيه ، والتقى في مِصر بعلماء من مذاهب مختلفة ، والبيئة لها تأثير على المُتعلِّم والعالم، في نظره الى المسائل والبحوث . وهو وإن كان من المنتسبين الى المدرسة السلفيه ، لكن يبدو تأثير البيئة الأزهرية عليه في تصنيف كتابه أقاويل الثقات . وقد صرَّح في خاتمة كتابه أنه قيَّده في جمادى الاخرة سنة (1032هـ ) بمِصر المحروسة .
هذا ما تيسر تحريره وتصحيحه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .


المصادر :
1- أقاويل الثقات / للكرمي /انظر الصفحات : 23- 239
2-خلاصة الأثر / للمحبي / 4 /358 .
3-الأعلام / للزركلي 7/ 203 .
4-الأثر المشهور عن الامام مالك / للبدر .
5-الأسماء والصفات / لعمر الأشقر .
6- مذهب أهل التفويض / للقاضي /241-244 .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/Author/2083