المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهج العلامة الدجوي



أهــل الحـديث
26-08-2012, 02:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


منهج العلامة الدجوي
يوسف بن أحمد بن نصر الدجوي ( ت : 1365هـ ) ، عالم أزهري ، مالكي المذهب . ولد في دجوة في القليوبية . كُفَّ بصره في طفولته بسبب الجدري . توفي بالقاهرة . رحمه الله تعالى . كان رئيسا لتحرير مجلة الأزهر . له مؤلفات من أشهرها : مقالات الدجوي ، والرد على كتاب الاسلام واصول الحكم ، ورسائل السلام ، والرد على مُدِّعي التحريف في الكتاب الشريف .
ومناسبة الحديث عن منهجه ، هي ظهور بعض المفكرين المعاصرين الذين يستدلون بفكره ومقالاته وتقعيداته في القضايا الشرعية .

منهج العلامة الدجوي :
1-العلامة الدجوي ضليع في المسائل العقلية والكلامية ، وله ردود جيدة على الملحدين والزنادقة في وقته ،وقد أسس جمعية النهضة الاسلامية لمقاومة الالحاد ، لكنها توقفت لقلة الدعم المادي .

2-منهجيته في الفقه ، هي الترجيح بين الأدلة من مصنفات المالكية المتقدمين ، ويقول : اختياري كذا ، والراجح عندي كذا . لكنه في المسائل العقدية خالف منهجيته ، فلم يسلك طريقة سد الذرائع ، ولم يُخيِّر السائل في الأخذ بالأحوط لدينه ، ولم يستدل بالراجح في اصول المذهب ، بل يفتي بما خالف عليه جمهور المذاهب الأربعة ، كفتاويه في التوسل ، والاستغاثة بالأموات ، والشفاعة ، وبدع التصوف . وهذه المسائل الأربع أفنى عمره في الاحتجاج لها .

3-تأثر بالدِّعاية العثمانية التركية التي نشرها بعض المغرضين في مِصر، من الخرافيين والصوفيين والمعمَّمين ، وهي تخويف الناس وارهابهم من أتباع الدعوة النجدية الحجازية، خشية قيام دولة تُزيل سلطان العثمانيين .
فظهرت بعض الاصوات تُحذِّر من الوهابية في مصر وبلاد المغرب العربي . ولأجل ذلك سوَّد مقالات كثيرة في نبز الوهابية السلفية ، والتهجُّم على رموزها في التراث الاسلامي . وقد كان لصوته صدى عند البعض من علماء الهند والشام ، ممن استهوتهم العصبية والتقليد الأعمى . وقد تصدى لتلك الحملات التي كان القصد منها تفريق المسلمين واضعافهم، كثير من علماء الاسلام كما هو مدوَّن أدناه .

4-كرَّس قلمه في الطعن في الامام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى ، بدعوى ابتداع تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام : توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات . وله في ذلك مقالات نُشرت في مجلة الأزهر، وفي كتابه الذي جمعه الكوثري بعد وفاته ، بعنوان مقالات الدجوي .
ويقصد الدجوي بهذه الدعوى ، التقليل من خطر الشرك والتبرك والاستغاثة بالأموات التي تنافي توحيد العبادة ، وأن توحيد الربوبية يكفي لتحقق العبادة . وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، قال به قبل ابن تيمية ، الامام ابن جرير الطبري( ت: 310هـ ) في تفسيره ، وابن بطة( ت: 387هـ ) في الابانة ، وقال به غيرهما من السلف والخلف ، حتى المتكلمين من الأشاعرة لم ينكروا هذا التقسيم ، كأبي منصورالماتريدي(ت: 333هـ )
في كتابه التوحيد مع فارق يسير في الاصطلاح ، فيه هنات ، والشهرستاني( ت: 548هـ ) في الملل والنحل ، وصالح الهاشمي( ت: 668هـ ) في تخجيل من حرَّف التوراة والانجيل ، والبيضاوي(ت: 685هـ ) في تفسيره ، والبقاعي( ت: 885هـ ) في نظم الدرر، وابن أبي شريف ( ت: 906هـ ) في المسامرة شرح المسايرة ، والبيجوري( ت: 1276هـ ) في شرح جوهرة التوحيد ، والملا علي القاري( ت: 1014هـ ) في ضوء المعالي، والغنيمي( ت: 1298هـ ) في شرح الطحاوية ، والمراغي( ت: 1364هـ ) في تفسيره ، وابو زُهرة ( ت: 1394 هـ) في تفسيره ، والزحيلي(على قيد الحياة) في تفسيره . رحمهم الله تعالى ، كلهم درجوا على تقسيم التوحيد مع فوارق يسيره .
فأولئك الأعلام منهم من صنف قبل ابن تيمية ، ومنهم من صنف بعده ، ومنهم من كان في زمن الدجوي ، أو قريبا منه . فلماذا التشنيع على ابن تيمية دون سواه من العلماء ؟! .
وللعلامة الدجوي سلف في خصومته مع الامام ابن تيمية ، فقد كان قاضي المالكية في عصر ابن تيمية علي بن مخلوف( ت: 718هـ ) من أشدِّ القضاة تضيِّيقا على ابن تيمية ، لكنه ندم في آخر أمره وتأسَّف بقوله : " ما رأينا أتقى من ابن تيمية ، إذ لم نُبْق ممكنًا في السعي فيه ، ولما قدر علينا عفا عنا " .
وخلاصة ذلك أن خصومه في مصر اجتمعوا ضِّده ، بعدما وصلها في رمضان سنة (705هـ) حيث جُمِعَ له القضاة وأكابر الدولة بالقلعة ، وادُّعى عليه عند القاضي ابن مخلوف المالكي خصمٌ بأنه يقول: إن الله فوق العرش حقيقة ، وأن الله يتكلم بحرف وصوت ، وأن الله يشار إليه الإشارة الحسية ، وطلب عقوبته على ذلك . وقد حُبس على ذلك في الجُبِّ ثمانية عشر شهرًا .
وفي شوال سنة ( 707هـ) شكا مشايخ الصوفية وأتباعهم من ابن تيمية ، ورأيه في ابن عربي (ت: 638هـ) وغيره ، إلى الدولة ، فخيَّروه بين الإقامة بدمشق أو الإسكندرية بشروط ، أو الحبس ، فاختار الحبس ، وقال: أنا أمضي إلى الحبس ، وأتبع ما تقتضيه المصلحة . والربط بين هذه الحادثة التاريخية وبين مقالات الدجوي في ابن تيمية يتبين له حقيقة الحال .

5-صدرت منه فتاوى عقدية تخالف الاجماع في المذاهب الأربعة ، فكان يتعصَّب لآرائه وينتقد مخالفيه بردود لاذعة قوية . وكثير منها مخالف لصحيح الأدلة الشرعية . ومن تلك الفتاوى اجازته لتعظيم القبور والاستغاثة بالأموات . وهي عند السلف من الشرك . فكان يتأول ذلك بأن أتباعه أشاعرة يعتقدون أن لا فعل لغير الله تعالى ولا تأثير . وهو وإن كان كفيفا، سامحه الله ، لم يلتفت لأدلة المذهب المالكي التي يتمذهب بها . فقد أثبت الامام مالك بن أنس ( ت: 179هـ )في فتاويه ومصنفاته ، وجوب حماية السنة وحفظ جناب التوحيد . فقد صح عنه :" من أحدث في هذه الامة شيئا لم يكن عليه سلفها ، فقد زعم أن رسول الله خان الرسالة ، لأن الله تعالى يقول: اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " . وللامام مالك أدلة في تحريم التبرك وتعظيم القبور والطواف حولها والاستغاثة بالأموات ، وصح عنه أنه قال بمنع قول القائل : زرنا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأجل لفظة القبر ، خشية الافتتان بقبر النبي ، فيجر الى عبادته .
ودرجت مصنفات المذهب المالكي على التنبيه من خطر البدع العقدية ، وممن نبَّه على ذلك وشدَّد : ابن زروق المالكي( ت:899هـ) وابن الحاج المالكي (ت: 737هـ) رحمهما الله تعالى .
فكانت اجازة الدجوي لتلك البدع ، اقرار للخرافيين والمبتدعين لتدنيس دعوة التوحيد في أرض الكنانة . فمُلئت بالقِباب والأضرحة والقرابين . وقد قال الله تعالى : يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون"( المائدة : 35 ). وقال سبحانه : " قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا " ( الاسراء: 56) .

6-العلامة الدجوي ينتسب الى المذهب المالكي في الفروع ، هذا الذي يظهر من فتاويه وردوده . فلماذا حاد عن الانتساب اليه في الاصول ؟! وألزم نفسه الخروج عن أقواله وتقعيداته في حماية جناب التوحيد ، كما يظهر من ردوده على المدرسة السلفية في مصر والشام وبلاد الحرمين
وقد وقفت على نص نفيس لأبي الحسن الكرجي( ت:532هـ) رحمه الله تعالى فيه تعليل لحيدة أمثاله . قال :" إن في النقل عن هؤلاء- الأئمة الاربعة - الزاما للحجة على كل من ينتحل مذهب امام يخالفه في العقيدة ، فإن أحدهما لا محالة يضلل صاحبه او يُبدِّعه او يُكفِّره ، فانتحال مذهبه مع مخالفته له في العقيدة مستنكر والله شرعا وطبعا ، فمن قال أنا شافعي الشرع ، أشعري الاعتقاد، قلنا له هذا من الاضداد ،لا بل من الارتداد، اذ لم يكن الشافعي أشعري الاعتقاد . ومن قال أنا حنبلي في الفروع معتزلي في الاصول ، قلنا قد ضللت اذا عن سواء السبيل فيما تزعمه، اذ لم يكن أحمد معتزلي الدين والاجتهاد " .

7-التراث المصري قديما سرت فيه لوثة الباطنية ، إبَّان ظهور الدولة الفاطمية ، ووجد أرضا خصبة فيما بعد في عروق المبتدعة ، نقلوها الى الأجيال جيلا بعد جيل . وكان للصوفية قصب السَّبق في رفع لوائها . وقد رأيتُ بعيني في القاهرة وبجوار الأزهر، ما يشيب منه الرأس من استئساد المبتدعة وهوان أهل السنة .

8-أهل العلم في عصر العلامة الدجوي ، كتبوا ردودا على مخالفاته العقدية ، منهم : عبد الله القصيمي ( ت: 1417هـ ) وهو من بلدياته، لكنه عاش في نجد وذاع صيته فيها ، فُنسب اليها . وهلك في مصر . عامله الله بعدله . ورد عليه أيضا : الشيخ علي الطنطاوي ( ت: 1420هـ ) ومحمد رشيد رضا ( ت: 1354هـ ) ومحمد بخيت المطيعي( ت: 1354هـ ) والمولود الحافظي الازهري الجزائري ( ت: 1367هـهـ ) والعلامة ابن باديس ( ت: 1358هـ ) ، وأبو يعلى السعيد الزواوي (ت: 1371هـ ) رحمهم الله تعالى .

9-الواجب على طلبة العلم اذا قامت عليهم شبهة من خصومهم أن يناظروهم في أصل مذهبهم . فإن استجابوا فللله الحمد المنة ، وإن أعرضوا سقطة شبهتهم . وقد قيل اعرف الحق ، تعرف رجاله .

10-العلامة الدجوي يُعذر في بعض المسائل التي خالف فيها أصل مذهبه ، إذا كان لم يقف على صحة الدليل ، او لم يبلغه الدليل في عين المسألة الاصلية . نسأل الله أن يُعلِّمنا ما ينفعنا ، وأن يثبتنا على الهدى والرشاد . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

المصادر :
1-الغيث المروي في ترجمة الدجوي / لعبد الرافع الدجوي .
2- مسائل العقيدة التي قرَّرها المالكية / لمحمد الحمادي / وهو مهم في بابه .
3-مقالات الدجوي / لزاهد الكوثري . طبعة دار البصائر .
4-مذكرات حسن البنا /ص/ 11 . وفيه أنه كان يقرأ على الدجوي بعض الكتب .
5-جؤنة العطار/ لأحمد الغماري / وفيه نقد لأخلاقه .
6-آثار ابن باديس / طبعة الشركة الجزائرية .
7-البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية / للقصيمي / طبعة مؤسسة دار الانتشار العربي .
8-مجلة الأزهر/ العدد( 7)السنة الخامسة عشرة / مقال لزاهد الكوثري
9-جريدة الشهاب / العدد( 98) 1345هـ . وفيه رد على على الجزائريين الذين يقولون إن الوهابيين معتزلة !! .
10-مجلة المنار/ صفر/ 1350هـ . وفيه مناقشات عنيفة حول تجويز الدجوي للزيادة في الأذان ، وردود رشيد رضا عليه .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/Author/2083