تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وفاء للشيخ محمد عبد الله بن الصديق،منقول للفائدة



أهــل الحـديث
22-08-2012, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وفاء للعلامة الشيخ محمد عبد الله بن الصديق
الأربعاء 22 آب (أغسطس) 2012

http://www.aqlame.com/IMG/arton9771.jpgلقيت أحد إخوان الصدق ليلة عيد الفطر المبارك وأخبر أنه رأى فى منامه مساء آخر يوم من رمضان العلامة الشيخ محمد عبد الله بن الصديق فى المسجد الحرام معتمرا فرحا مودعا .
لابسا إحرامات من قماش خاص يستعمل عندنا أحيانا فى تكفين الموتى ، ولما استيقظ الراءى وجد نفسه يكرر قول الله جل جلاله (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم) .
واستبشرت جدا بتلك الرؤيا لعلمى أنه لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له مع ما صاحب ذلك من توجس مما لا بد منه فلكل أجل كتاب وماهي إلا ساعات وإذا بالناعى ينعى الشيخ فى يوم العيد، يوم مات عمر بن عبد العزيز والإمام البخارى، يوم الجائزة كما يسمى فى السماء ، ويوم الغفران، كما ورد فى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند الطبرانى – فتوفى الشيخ عن سبعة وثمانين عاما- حينها تذكرت أن ما عند الله لمحمد عبد الله خيروأبقى وهو يتولى الصالحين فخفف ذلك من وقع الصدمة ولله الحمد.
كان الشيخ محمد عبد الله بن الصديق الجكنى نسيجَ وحْدهِ علما وعملا، فقد عرف منذ نعومة أظفاره بالإقبال الجاد فى طلب العلم والاستقامة مع التميز حفظا وفهما، وكان لتنشئته دور هام فى تحديد مساره العلمى كما كان يقول دائما فقد تولت عمة والدته السيدة الصالحة فالة بنت مايابى تربيته مع وجود والديه فكانت تدعوا له دائما "يارب اقهرابن الصديق على العلم واقهر العلم على ابن الصديق" وكان مراقبون يرون دعوتها أجيبت فكان للشيخ إقبال على الشأن منقطع النظير فأخذ عن تلك الخالة القرآن العظيم ومبادئ النحو والسيرة والتاريخ والأنساب وكان يتردد بينها وإخوتها يأخذ عمن شاء منهم كان عندما يتحدث عن هذه الحقبة من طلبه يقول كنت فى حديقة غناء أنتقى ما لذ وطاب فتارة آخذ عن فالة وتارة عن إخوتها
فحفت به العلياء من كل جانب #### كما حف أرجاء العيون المحاجر
بعدها أخذ عن مشايخ أجلاء منهم العلامة ابراهيم بن أمانة الله اللمتونى (أباه ) والعلامة أعمربن محم بوبه الجكنى ولما حج لقى الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكنى الشنقيطى وأخذ عنه كما أخذ عن آخرين أجلاء ذكرناهم فى مقام غير هذا فكانت حياته رحمه الله حياة علمية حافلة بالأخذ والعطاء .
فسار مسير الشمس فى كل مشرق #### وهب هبوب الريح فى الشرق والغرب
فرحل من المشرق للمغرب ومن المغرب للمشرق حاجا تارة ومتعلما ومفتيا وموفدا ممثلا لبلاده فى مناسبات أخرى فزار المغرب ومصر والحجاز والسودان والاتحاد السوفيتى أيامه واستقر فترة طويلة ذهبية بالإمارات العربية المتحدة
يمر مر السحاب فى منازله #### فالغرب يعرفه والشرق يمتعه
الشيخ رحمه الله شاعر متمكن طرق مجالات عدة من دعوة وإصلاح وشأن عام فلم يكن غائبا عن قضايا أمته فكان حاضرا فى فلسطين وغيرها بنظمه ونثره يكتب ويعتلى المنابرداعيا صادقا وفيا لدينه وقد أكسبه ذلك محبة وقبولا بين الناس مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أقبل عبد بقلبه على الله عز وجل إلا جعل الله قلوب المومنين تفد إليه بالود والرحمة وكان الله إليه بكل خير أسرع )
تولى الشيخ الصديق التدريس فى موريتانيا بأول معهد بمدينة أبى تلميت وغيره ضمن كوكبة من أهل العلم والفضل فى ذلك الوقت وفى عام 1977اختير ضمن بعثة قضائية للعمل فى دائرة القضاء الشرعى بدولة الإمارات العربية المتحدة فعين " عالم بحث علمى" ومفتيا ومستشارا بالفتوى ثم مدير إدارة بالفتوى وأسندت له خلال ذلك مهام عديدة منها تدريس الفقه والحديث والتفسير بالجامع الكبير بأبوظبى عام 1978م إضافة للعضوية فى العديد من اللجان مثل عضوية لجنة إعداد خطبة الجمعة وتقييم مترشحى الإمامة والمؤذنين وعضوية لجنة صندوق الزكاة ولجنة تحري الهلال وغيرذلك حتى استقال عام 1- 09- 2006م كان بيته طوال ثلاثين عاما قضاها فى الإمارات مدرسة يفد إليها الطلاب من كل حدب وصوب فأخذ عنه خلائق لا يحصون كثرة منهم الكبير والصغير والعربى والعجمى فكان يجتمع فى حلقته العالم والقاضى والطبيب والمهندس والأستاذ الجامعى .
الشيخ الصديق شديد الحزم فى دينه لا يداهن ولا يحابى فى مبادئه، وكان العلم عنده معظما مقدسا لايُسلمُ ولا ُيظلمُ ولا يُخذل إكراما وصيانة ، فقد عرض عليه ذات مرة تدريس أحد أهل الجاه والمال مع أولاده فى بيتهم وكان ذلك فى ظن كثيرين عرضا مغريا بل فرصة عمر لكن الشيخ لم يغتر بتلك الزخارف واعتذر اعتذار عالم عارف صونا لما أوتي من مواهب ومعارف .
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى#### ولكن نفس الحر تحتمل الظـــما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم #### ولو عظموه فى النفوس لعظما
الشيخ المدقق
للشيخ الصديق استدراكات علمية فى شتى الفنون على عمالقة كبار فى اللغة والحديث والفقه ومن رجع لنسخته مثلا من لسان العرب سيجد بهامشه تعليقات وهوامش لا تخلومن مهم وكذلك الشأن مع نسخته من فتح البارى مما ينم عن سعة اطلاع وغزارة علم الرجل، ومنها فى العروض على أبى العتاهية عندما جاء بالكامل الكامل مذيلا مخالفا بذلك ما عند العروضيين أن التذييل فى مجزوء الكامل فقط دون كامله فذيله أبو العتاهية كاملا فقال :
أهل القبور عليكم منى السلام #### إنى أكلمكم وليس لكم كلام حينها نظم الشيخ على طريقة أبى العتاهية هذه وعرض على طلابه الأمر فساهم فيه كثير من طلابه وأدباء آخرين موريتانيين .
فمما قاله الشيخ:
ظعن الأحبة عنك فى جنح الظلام #### وببينهم نعب الغداف على الآكام
زموا جمالهم وقال عريفهــــــــــم #### أزف الرحيل فقوضوا تلك الخيام
وتيمموا أرضا بها أثر الحيــــــــا #### ومرابعا قد جادها صوب الغمام
وبقيت فى أسف وشوق لاعـــــج #### لا تستطيع به القعود ولا القيــــام
ولربما سمح الزمان بقربــــــــهم #### فبقربهم يشفى السقيم من السقام
يا ليت نأيهم وبعد مزارهـــــــــــم####أمسى وأصبح مثل أحلام النيام
الشيخ متشبث دائما بكتبه لا يفتر عن النظر مهما كانت الأسباب، دخل المستشفى ذات مرة بأبى ظبي فلا حظ الأطباء إدمانه على المطالعة فنصحوه بالابتعاد عن كل ما يسبب له إجهادا ذهنيا لكنه لم يرضخ لذلك فظل مع كتبه يقرأ ويكتب كعادته، وما خرج من المستشفى حتى أكمل شرح الدرة فى القراءات الثلاث المتممة للعشر وهوعلى سريره بالمستشفى إنها الهمة العالية والترقى فى المعالى دون ملل أوكلل .
من كان يعلم أن الشهد راحته #### فلا يخاف للدغ النحل من ألم
كان مضرب المثل فى الزهد والورع ، يقول الثقات المطلعون على أحوال الشيخ إنه لم يكن يستخدم أوراق وأقلام المكتب فى أغراضه الخاصة فكانت له أقلامه الخاصة ودفاتره ولا يناول زواره تلك الأدوات المكتبية الخاصة بالوظيفة ومن عجيب لطف الله بالشيخ أن الله حجب عنه كثيرا من المنغصات فكان لا يشم مثلا رائحة الدخان.
أحاديث لوصيغت لألهت بحسنها #### عن الوشى أو شمت لأغنت عن المسك
ترك الشيخ رحمه الله ثروة علمية متنوعة مابين منثور ومنظوم منها إعراب المشكل على أمثاله من القرآن ومجموع الفتاوى الفقهية ومؤلفات أخرى متعددة إضافة لكوكبة من طلاب العلم فى كثير من البلاد الإسلامية وغيرها فجزاه الله الجزاء الأوفى وتغمده برحمته وأسكنه فسيح جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
يحيى بن مايابى 21-8-2012م