تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا بعد شهر رمضان؟



أهــل الحـديث
22-08-2012, 09:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أيها الأحبة هذه مقالة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله بعنوان ماذا بعد رمضان نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية بتاريخ اليوم أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



ماذا بعد شهر رمضان؟

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
قد كنا أيها الأحبة في شهر الخيرات حريصين على ترك المعاصي و المنكرات و مسارعين لفعل الطاعات و الازدياد من الحسنات لإرضاء رب البريات ،وقد ودَّعنا وأودعنا في شهر الصيام ما شاء الله من الأقوال و الأعمال ، فمن كان منا محسنا فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، ومن كان مسيئا فعليه بالتوبةفالأبواب مفتوحة قبل فوات الأوان .
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" . رواه مسلم ( 2703)
وقال جل وعلا (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) [ الزمر :53]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" يخبر تعالى عباده المسرفين ( أي : المكثرين من الذنوب ) بسعة كرمه ويحثهم على الإنابة ، قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال : ( قل ) يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين الله ، مخبرا للعباد عن ربهم : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) بإتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب ، والسعي في مساخط علام الغيوب . (لا تقنطوا من رحمة الله ) أي : لا تيأسوا منها ، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا ،وتراكمت عيوبنا ، فليس لها طريق يزيلها ، ولا سبيل يصرفها ، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان ، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن ، ولكن اعرفوا ربكم ، بأسمائه الدالة على كرمه وجوده . واعلموا ( إن الله يغفر الذنوب جميعا ) من الشرك ، والقتل ، والزنا ، والربا ، والظلم ، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار ( إنه هو الغفور الرحيم ) أي : وصفه المغفرة والرحمة وصفان لازمان ذاتيان ، لا تنفك ذاته عنهما ولم تزل آثارهما سارية في الوجود ، مالئة للموجود ، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار ، ويوالي النعم والفواضل على العباد في السر والجهار ، والعطاء أحب إليه من المنع ، والرحمة سبقت الغضب وغلبته . ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب ، إن لم يأت بها العبد ، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة ، أعظمها وأجلها ، بل لا سبب لها غيره ، الإنابة إلى الله تعالى بالتوبة النصوح ، والدعاء ، والتضرع ، والتأله ، والتعبد ، فهلم إلى هذا السبب الأجل ، والطريق الأعظم .تفسير السعدي (ص 727)
أيها الأفاضل ما دمنا قد قطعنا عهدا على أنفسنا في شهر رمضان بأن نبتعد عن المعاصي و الآثام فلماذا ننقضه ؟!
فلماذا نبدل صوت القرآن بعد أن كان عاليا يصدع القلوب بمزمار الشيطان!؟
لماذا نطلق ألسنتنا بالغيبة و النميمة و الكذب بعد أن قيدناهاوألزمناها بالابتعاد عن ذلك!؟
قيل لبشر الحافي –رحمه الله- :إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان!؟ فقال :" بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان ، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها ". لطائف المعارف ( ص260)
أيها الأحبة إن مقابلة نعمة إدراك رمضان و التوفيق لصيامه وقيامه بارتكاب المعاصي لمن جحد النعمة، وإنه لعمى بعد بصيرة و ضلال بعد هدى، والعياذ بالله.
قال الإمام ابن رجب – رحمه الله- :" فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من بدل نعمة الله كفرا". لطائف المعارف ( ص258)
أيها الكرام ينبغي أن نعلم أنه من امتنع عن المعاصي شهرا أثبت أنه قادر بعون الله على تركها طول حياته .
و أنه ليس للطاعة زمن محدود تنتهي بانتهائه ، ولئن انقضى شهر الصيام فإن العمل لا ينقضي إلا بالموت .
قال الإمام الحسن البصري -رحمه الله- :"والله ما المؤمن بالذي يعمل شهرا أو شهرين أو عاما أو عامين لا والله ما جعل الله لعمل المؤمن أجلا دون الموت ".الزهد للإمام أحمد (ص 272)
ومصداق قول هذا الإمام –رحمه الله- ، قول الله جل جلاله ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر: 99]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :" أي : الموت ، أي : استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات ، فامتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه ، فلم يزل دائبا في العبادة ، حتى أتاه اليقين من ربه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ". تفسير السعدي (ص 435)
قال الشيخ الشنقيطي –رحمه الله- :" هذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حياً وله عقل ثابت يميز به ، فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته . فإن لم يستطع الصلاة قائماً فليصل قاعداً ، فإن لم يستطع فعلى جنب ..." . أضواء البيان (2 /324)
أيها الأحبة الكرام إن من أعظم علامات القبول استمرار العبد على الخير و العمل الصالح بعد رمضان ، فإن ثواب الحسنة حسنة بعدها .
ومن الأعمال التي تدل على حب الطاعات والاستمرار في الصالحات صيام الست من شوال ، قال صلى الله عليه وسلم :" من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ". رواه مسلم (1164 ) من حديث
قال الإمام النووي –رحمه الله- :" قال العلماء : وإنما كان كصيام الدهر ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فرمضان بعشرة أشهر ، و الستة بشهرين..." . الشرح على مسلم (4/45)
وينبغي الحرص على صيام هذه الأيام ، ولا يشترط فيها التوالي ، لكن صيامها لمن عليه قضاء من رمضان لا يكون إلا بعد قضاء ما عليه من رمضان .
قال الإمام ابن رجب – رحمه الله- : "فلا يحصل مقصود صيام ستة أيام من شوال إلا لمن أكمل صيام رمضان ". لطائف المعارف ( ص223)
وقد سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله- هل يجوز صيام ست من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان؟
فأجاب -رحمه الله- :" قد اختلف العلماء في ذلك ، و الصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست ، وغيرها من صيام النفل ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ".
ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان ، وإنما أتبعها بعض رمضان ، ولأن القضاء فرض ، وصيام الست تطوع ، و الفرض أولى بالاهتمام و العناية ، وبالله التوفيق ". مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ( 15/392)
فهذه أيها الأفاضل ذكرى لنا جميعا ، لعل الله بجوده وكرمه ينفعنا بها ، قال تعالى ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) [ الذاريات :55]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"والتذكير نوعان:تذكير بما لم يعرف تفصيله ،مما عرف مجمله بالفطر والعقول ، فإن الله فطر العقول على محبة الخير وإيثاره وكراهة الشر والزهد فيه ، وشرعه موافق لذلك ، فكل أمر ونهي من الشرع فهو من التذكير ،وتمام التذكير أن يذكر ما في المأمور به من الخير والحسن والمصالح ، وما في المنهي عنه من المضار . والنوع الثاني من التذكير : تذكير بما هو معلوم للمؤمنين ، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول ، فيذكرون بذلك ، ويكرر عليهم ليرسخ في أذهانهم ، وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه من ذلك ، وليحدث لهم نشاطا وهمة ، توجب لهم الانتفاع والارتفاع ، وأخبر الله أن الذكرى تنفع المؤمنين لأن ما معهم من الإيمان والخشية والإنابة ، وإتباع رضوان الله ، يوجب لهم أن تنفع فيهم الذكرى وتقع الموعظة منهم موقعها". تفسير السعدي ( ص 812 )
الله أسأل لي ولكم أن يوفقنا لفعل ما يرضيه من الاستمرار في الخيرات و الازدياد من الحسنات واجتناب كل ما يُغضبه من الآثام و السيئات ، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله حمزة النايلي