المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحقيق كتاب (( التذكرة )) لأبي عبد الله الحميدي الأندلسي على نسختين خطيتين



أهــل الحـديث
18-08-2012, 02:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

بداية أبارك لإخواني الأفاضل هذه الأيام الميمونة، وأسأل الله تعالى أن يتقبل مني ومنهم صالح الأعمال، ويسرني أن أبشر إخواني الأفاضل بأنني انتهيت من تحقيق كتاب (( التذكرة)) للإمام الحافظ الزاهد أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي الميورقي الظاهري (تـ: 488هـ).
وقد تم ذلك بالاعتماد على نسختين خطيتين، ولأول مرة يحقق هذا الكتاب على نسختين خطيتين، بينما حقق من قبل نسخة واحدة بخط العلامة المؤرخ يوسف بن شاهين سبط الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهي نسخة مصحَّفة ومحرفة وقعت بها أخطاء فاحشة من قٍبَل الناسخ المذكور، ولا عجب في ذلك، فقد قال عنه السخاوي في (الضوء اللامع،10/314): "وأكثر من كتابة الأجزاء وغيرها، وكان فيهما كحاطب ليل"،ثم أطال في بيان ما حوته تقاييده وتواليفه من أغلاط وأوهام.

وأما بخصوص النسخة الثانية التي اعتمدتها، فقد كانت ضمن مكتبة شيخ مشايخنا الحافظ عبد الحي الكتاني - رحمه الله - الزاخرة، ثم آلت إلى الخزانة الحسنية العامرة بالرباط،وهي من القسم الذي لم يفهرس من الخزانة، ويرجع الفضل في اكتشافها لأستاذنا الدكتور أحمد شوقي بنبين محافظ الخزانة الحسنية حفظه الله، وقد أمدني بصورة منها أستاذي الفاضل الدكتور عبد اللطيف الجيلاني حفظه الله تعالى، وهي نسخة حسنة جدية مقارنة بالتي قبلها، وقد نسخت سنة: 882 هـ بدمشق، وناسخها: محمد أبو جعفر ابن محمد بن منصور بن علي الحنفي الحلبي، ولم أقف له على ترجمته، وهي نسخة قليلة الأخطاء، كتب عنوانها وصدر مروياتها وفواصلها بحبر أحمر، وهذا نقد للطبعات السابقة للكتاب.




نقد الطبعات السابقة:


سَبَقَ أنْ ذُكِرَ أنَّ الكتابَ حُقِّقَ مرتين من قَبْل، ولكن للأسف كلا التحقيقين، لم يسلما من أخطاء وتصحيفات فاحشةٍ في ضبطِ النصِّ وقراءته، وهذا مما يزري من شأن كلا التحقيقين، ويستوجب التثبت عند الاعتماد عليهما ، وإنما أعني بالأخطاء المراد ذكرها، التي وقعت من قِبَلِ المُحَقِّقَيْن، لا الأخطاءَ الموجودةَ في النسخةِ الخطية التي اعتماداها، وهي كثيرة كما سيأتي بيانه، ولنشرع في ما رمناه من هذا الباب.

أولا: نقد الطبعة الأولى:
صدرت بتحقيق العلامة أبي عبد الرحمن ابن عقيل - حفظه الله -، عن مكتبة دار العلوم بمكة المكرمة، مقرونة بكتاب (مراتب الجزاء) للحميدي أيضا، وللأسف فهذه الطبعة فيها من الأوهام والتصحيفات الفاحشة ما يوجب الحذر عند النقل عنها، وإني أقول هذا مع احترامي لعلم الرجل وفضله، وأخطاؤه تتوزع بين تصحيف وسقَط، وهي كالتالي:
من ذلك إثباتُهُ في (ص:27) : ( وهو أحد من حدث عن ابن الدخيل )، والصحيح: ( وهو آخر من حدث عن ابن الدخيل)، وقد تكرر هذا التصحيف في موطن آخر.
ومن من ذلك إثباته في (ص:29): (قرأه عليه عبد الغني بن سعيد)، والصحيح: ( قراءةً عليه ...)، وأسقط لفظةً في هذا الموطن سيأتي التنبيه عليها.
ومن ذلك في (ص:30): (فأخفى منك ما خفيته منك)، والصحيح: ( فأخفى منك فأخفيته منك..).
ومن ذلك في (ص:32) صحَّف رمز الإمام مسلم في قول المصنف: ( وهذا حديث أخرجه "م" عن..) إلى : (هو)، ومعلوم أن النساخ كانوا يتصرفون في نسبة الأحاديث إلى الصحيحين، فيكتفون بالترميز.
ومن ذلك وهو في غاية الفُحش في (ص: 32): ( فكأن شيخنا مثل ابن الهيثم، وكأنا سمعنا من لدنه...)، ودونك النص الصحيح حتى يتجلى لك فُحْشُ هاته التصحيفات التي في النص: (فكأن شيخنا مثل أبي الهيثم، وكأنا سمعناه مع كريمة....).
فهو صَحَّف " أبي الهيثم" إلى "ابن الهيثم"، و"سمعناه" إلى "سمعنا"، و"كريمة" إلى "لدنه"، والعجيب أنه ادعى أن ابن الهيثم هو سعيد بن هارون، وهذا من أمحل المحال.
ومن ذلك في (ص:33): (العرضي)، والصحيح: (الفرضي).
ومن ذلك في (ص:37): (الأثبات)، والصحيح: (الأبيات).
ومما يُشار إليه هنا، وإن لم يكن من صميم هذا الباب، عدمُ تَنَبُّهِهِ لتَكْرارِ سندِ مُحِلٍّ الضبيِّ في الحديث الأول (ص:26).
ومن ذلك إسقاطه في (ص:29) لفظة: (بانتقاء) من الإسناد، وهو بعد تصحيحه: (... قراءةً عليه بانتقاء عبد الغني بن سعيد ...).
ومن ذلك إسقاطه لراو من الإسناد في (ص: 33)، وهو والد هلال بن العلاء.

وفي هذا القدر اكتفاء لبيان الأخطاء التي اشتمل عليها هذا التحقيق، وهناك غيرها.


ثانيا: نقد الطبعة الثانية:
صدَرَتْ بتحقيق خلاف محمود عبد السميع، ضمن مجموع بعنوان (الفوائد) للحافظ عبد الوهاب ابن مندة، عن دار الكتب العلمية، سنة: 1423هـ، وهذا المجموع مشهور لتضمنه العديد من الأجزاء الحديثية النفيسة، كما أنه مشهور برداءة تحقيقه، وكثرة الأخطاء الفاحشة التي اشتمل عليها، ولم يسلم كتاب (التذكرة) من تلك الأخطاء، وهي كالتالي:
إقحامُهُ كلاما مما حشَّى به بعض العلماء على الكتاب، وهو ليس منه، من ذلك في (ص:377): (هذا الحديث من كتاب الضعفاء للعقيلي، رواية القتيبي، عن ابن الدخيل)، وهذا موجود في حاشية الكتاب، وليس من صميمه.
إقحامه إسنادا للذهبي من الحاشية في صلب الكتاب في (ص:381)، يُنظر الرواية رقم: (15).
ومن ذلك انسياقه خلف الناسخ في إقحام إسناد للذهبي في (ص: 378)، يُنظَر الحديث رقم: (3).
عدم إضافة اللَّحَقِ في الموطن الذي أشار إليه الناسخ كما صنع عندما ألحق الناسخ (إسحاق الطباع) في الرواية رقم: (9)، فجعله المحقق شيخا للحميدي كما في (ص: 380)، وينظر موطنه الصحيح من الإسناد في الرواية المشار إليها.
وأما التصحيفات فهي موجودة بكثرة مثل تصحيفه لـ(طوالات) إلى (طوال) في (ص:379)، و(عبد الله بن معاوية) إلى (عبد الله بن معونة) في (ص: 379)، و(أملاه علي) إلى (أملى علي) (ص:382)، وغير ذلك كثير.




وأختم بذكر إسنادي إلى الكتاب المحقق، وهو كالتالي:



فقد أخبرني الشيخ الوالد العلامة نجم الدين محمد بن الأمين بوخبزة الحسني التطواني فيما أجازنيه مشافهة وكتابة، عن الحافظ عبد الحي الكتاني، عن العلامة محمد بن قاسم القادري، عن أبي عيسى المهدي بن الحاج، عن والده أبي عبد الله محمد، عن والده أبي الفيض حمدون، عن الشيخ التاودي بن سودة المري، عن الشيخ محمد جسوس، عن أبي الجمال محمد بن عبد القادر الفاسي، عن والده شيخ الشيوخ، عن عم أبيه العارف بالله عبد الرحمن الفاسي، عن الحافظ القصار، عن أبي العباس التسولي، عن أبي العباس الدقُّون، عن الموَّاق، عن المِنْتَوْري، عن أبي عبد الله القِيجاطي، عن الخطيب أبي عبد الله اللَّوْشي، عن الحافظ أبي جعفر ابن الزبير، عن الحافظ أبي الحسن السراج، عن خاله الراوية أبي بكر ابن خير الإشبيلي، عن الحافظ عباد بن سرحان الإشبيلي، عن الحافظ الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي نصر الحُميدي المَيورقي الظاهري به.
قلت: هذا إسناد مغربيٌّ صِرف، وأرويه بأعلى من هذا الإسناد بسبع درجات، وهو:

ما أخبرنا به الشيخان العلامة المحدث مسند تطوان أبو أويس محمد بن الأمين بوخبزة الإدريسي، والعلامة المحدث مسند طنجة أبو الفتوح عبد الله بن عبد القادر التليدي فيما أجازانيه كتابة ومشافهة، قالا: أخبرنا العلامة الحافظ أحمد ابن الصديق الغماري، عن محمد بن إبراهيم السقا، عن أبيه، عن ولي الله محمد ثعيلب بن سالم الفشني، عن الشهاب أبو العباس أحمد بن عبد الفتاح الملوي، عن أبو العز محمد بن أحمد العجمي، عن شمس الدين محمد بن أحمد الشوبري (ح).
وأخبرنا الشيخ المسند عبد الرحمن بن عبد الحي الكتاني، عن والده الحافظ الرُّحَلَة عبد الحي الكتاني، عن عبد الله بن درويش السكري الدمشقي، عن الكزبري، عن الزبيدي، عن ابن عقيل، عن العجيمي، عن البرهان إبراهيم الميموني كلاهما - أي شمس الدين الشوبري والبرهان الميموني -، عن شمس الدين محمد بن أحمد الرملي، عن زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال: أخبرنا أبو محمد إبراهيم بن محمد بن صديق، أنبأنا أبو العباس ابن أبي طالب، عن عبد اللطيف بن محمد بن علي القبيطي، أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن البطي، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي به.

فقد ساويت بهذا الإسناد الشيخ العلامة التاودي بن سودة المري، وقد توفي سنة: 1209هـ، ولنا أسانيد أخرى إلى الحميدي لا نطيل بذكرها، وإنما القصد بهذا بيان خصيصة الإسناد التي فَضُلَت بها أمتنا على غيرها من الأمم.


وسأدفع الكتاب للطبع في الأيام المقبلة، وأسأل الله تعالى القبول والنوال.