المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : { تقوى الله في الاستدلال بالنصوص } للشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري حفظه الله



أهــل الحـديث
16-08-2012, 04:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم

تقوى الله في الاستدلال بالنصوص

عن جبير بن نفير أنه قال : " كنت في حلقة فيها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وإني لأصغر القوم , فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فقلت أنا : أليس الله يقول في كتابه ( يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ؟ (المائدة:105) فأقبلوا علي بلسان واحد , وقالوا : تنزع بآية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها ! حتى تمنيت أني لم أتكلم, ثم أقبلوا يتحدثون , فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن , وإنك نزعت بآية لا تدري ماهي , وعسى أن تدرك ذلك الزمان , إذا رأيت شحًّا مطاعا ً وهوى متَّبعًا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك , لا يضرك من ضل إذا اهتديت " (1)

هذا الإنكار المشترك من هؤلاء الصحب الكرام رضي الله عنهم على جبير رحمه الله ظلَّ سببه يتكرر على مدى السنين , وهو في أزمنتنا هذه من أكثر ما يكون انتشارًا , حيث يعمد بعضهم للاستدلال بآية لا يدري ما معناها ولا سبب نزولها , ثم يُنزلها بفهمه القاصر على حدث أو واقعة معينة , مع أن الآية لا تعلق بها لا من قريب ولا من بعيد , بل ربما كانت الآية تتحدث عن الكفار فينزلها المستدل بها على المسلمين .

وسبب هذا الصنيع السيء هو الجهل الذي نبه إليه هؤلاء الصحب رضي الله عنهم , حيث يظن الظان أن انتزاع آية من كتاب الله للاستدلال بها هو بحسب ما يعن في الخاطر , ويطرأ في الذهن , جاهلاً أن الواجب أن يتأكد أن الآية دالة على الموضوع الذي استدل عليه .

والجهالات في هذا عجيبة , فأحد من لم يشم رائحة العلم الشرعي ـ وإن حمل شهادة عليا من البلاد الغربية ـ يستدل بقول الله تعالى ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (الكهف:29) على أن الواجب أن نترك الناس وما اختاروا من كفر وإلحاد , لأن الله جعل لهم الحرية الكاملة في ذلك , من أراد الكفر فليكفر ,ولا شأن لنا به ! ويدعي أن هذا معنى الآية ,وليت شعري لو قيل له : إن الله يقول ( اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ) (فصلت:40) فمن أراد قتلك وسرقة مالك وقطع الطريق عليك فله كامل الحرية , لأن الله يقول ( اعملوا ما شئتم ) فبأي شيء سيجيب هذا الذي أقحم نفسه فيما لا يدري من معاني النصوص العظيمة؟ فإن الأمر فيها يراد به التهديد والوعيد , كما هو معلوم في موضعه من كتب التفسير وكما فصله الإمام محمد بن نصر في كتاب تعظيم قدر الصلاة (2) حيث أوضح أن الأمر من الله ورسوله على وجوه كثيرة , ذكرها وذكر شواهدها في النصوص , وفيها قوله تعالى : (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الذي استدل بها الجاهل على حرية المرء في اختيار الكفر .

وهكذا استدلال بعض العوام بقول الله ( لكم دينكم ولي دين ) على ترك الإنكار على المجاهر بمعصيته من المسلمين ,مع أن الآية في سورة اسمها (سورة الكافرون) وأول آية فيها : (قل يأيها الكافرون) فالخطاب فيها مع الكفار لا مع المسلمين ؛ لذا قال ابن كثير : " هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون .... فقوله (قل يأيها الكافرون) يشمل كل كافر على وجه الأرض " ثم نقل قول البخاري في قول الله : "لكم دينكم" الكفر "ولي دين" الإسلام (2)

ومن المزالق العظيمة التي وقع فيها الخوارج هذه الطريقة الخاطئة في الاستدلال , حيث حملوا الآيات الواردة في الكفار على المسلمين , كما قال ابن عمر رضي الله عنه في الخوارج : " إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين"(3)

فمن أراد الاستدلال بنص فليتأكد من دلالته على ما استدل عليه , فإن لم يجد سلف الأمة وعلماءها فهموا من النص ما فهمه هو فليعد على نفسه بالتخطئة , وليتذكر قول عمر بن عبدالعزيز منبها هذا المستدل بما لم يستدل به السلف فأي علاقة للمسلم بمثل هذه الآية ؟ :" فلئن قلتم قد قال الله تعالى في كتابه كذا وكذا , ولِمَ أنزل الله آية كذا وكذا ؟

لقد قرؤوا منه ما قد قرأتم , وعلموا من تأويله ما جهلتم " (4)

وصدق رحمه الله , لقد قرأ السلف هذا القرآن العظيم كما قرأناه , وعلموا من معناه ما قد جهله أقوام استدلوا به على غير ما أراد به الله .

فلنتق الله ولنتأكد عند الاستدلال بالنص من صحة هذا الاستدلال .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ

1- رواه الطبري 7/62

2- 2ـ2/556ـ567

3- تفسير القرآن العظيم 4/560

4- علقه البخاري في باب قتل الخوارج قبل حديث (6930) وذكر ابن حجر في الفتح 12/357 أن الطبري وصله في تهذيب الآثار بسند صحيح .

5- رواه الآجري (529) وغيره .

http://www.al-angarie.com/news-26.html