المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عــــــــــــــــاجل



ولايـــف
30-11-2005, 06:16 PM
الله يسعدكم طلبتكم طلب وياليت ماتردوني ابغي بحث عن علم النفس في الشخصيه وانماطها وسماتها واتجاهتها المختلفه وابغي بحث في العربي عن المتنبي والسياب وياليتكم ترسلونه بسررررررررررعه

سعد النخيش
30-11-2005, 06:33 PM
انتظري راشد الراشد

ولا سليمان هم الي عندهم كل شي

ملكة
30-11-2005, 06:45 PM
هلا عزيزتي

http://thaqafa.sakhr.com/motanaby/images/MOTANABI.gif
هذا موضوع للمتنبي
:11ughboun :11ughboun :11ughboun

كفى العربية فخرا شامخا وعزا ساميا أن تنجب هذه الشخصية الفريدة في فكرنا العربي. ولا أحسب شاعرا عربيا كان يمكن أن يكون في هذا العصر أبعد صرخة وأكثر حماسة وأورى زندا من هذا الشاعر. وقد لا أعدو الصواب إذا قلت أن المتنبي أغزر الشعراء فضلا وأوسعهم شهرة وأعلاهم منزلة، فقد رفع شأن الشعر العربي وأحله مرتبة لم تكن له من قبل، وحمل الراية عاليا، وفتح للشعراء طرائق الخلد، وسن لهم سنن المجد. وبذلك تبوأ مكانة رفيعة ومنزلة سامية، مما دفعنا إلى الإعجاب بعبقريته والافتتان بشعره.
ولد الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي في محلة كندة بالكوفة . وقد أجمع الرواة أن تاريخ مولده هو سنة 303 هـ. ذكره ابن خلكان في تاريخه فقال: أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور، وقيل هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار والله أعلم . وقال عنه ابن رشيق في كتابه العمدة: إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس ذلك هو أحمد بن الحسين الملقب بأبي الطيب المتنبي) .
ومهما يكن فهو عربي الأصل، نشأ في أسرة فقيرة، ويعرف أبوه بعبدان السقاء كان عمله سقاية الماء في محلة كندة، وقد أرسله حين درج إلى مدارس العلويين في الكوفة ليتعلم فيها القراءة والكتابة مع فريق من أولاد أشراف العلويين. وأخذ يختلف على دكاكين الوراقين لمطالعة بعض الكتب والكراريس، وكانت هذه الحوانيت منتدى للأدب، يقصدها العلماء والأدباء والباحثون، فلا بد أنه كان يلقى فيها كثيرا منهم ويتصل بهم. وطبيعي أن تلك الحوانيت هي التي مهدت للمتنبي ثقافته الأولى، ساعده على ذلك ذكاؤه الحاد، ويروى عنه أنه كان قوي الذاكرة، سريع الحفظ. وأنه ذهب إلى البادية وأقام فيها سنتين لتقويم لسانه وتعلم اللغة. ويبدو أنه سافر لهذه الغاية عندما أغار القرامطة على الكوفة سنة 312هـ، وغادرها ثانية سنة 319هـ مع كثير من أهلها لعودة القرامطة إليها بعد انتصارهم على جيوش الخلافة. ويحدثنا الرواة أنه خرج إلى بادية بني كلب. فأقام بينهم مدة ينشدهم من شعره ويأخذ عنهم اللغة، فعظم شأنه بينهم، حتى وشى بعضهم إلى لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدية بأن أبا الطيب ادعى النبوة في بني كلب وتبعه منهم خلق كثير، ويخشى على ملك الشام منه، فخرج لؤلؤ إلى بني كلب وحاربهم وقبض على المتنبي وسجنه طويلا ثم استتابه وأطلقه . ونحن لا ندري على وجه التحقيق لم ذهب المتنبي إلى البادية، هل ذهب إلى هناك ليتقن اللغة، أم أن أباه اضطر إلى الهرب من الكوفة واللجوء إلى الصحراء نتيجة للحوادث السياسية والاضطرابات التي كانت تتعرض الكوفة آنذاك!! فنحن نعلم أن الكوفة كانت عرضة لهجمات القرامطة الذين أقاموا لهم حكومة في البحرين، وكان النزاع بين رئيسهم أبي طاهر وبين الخلافة العباسية شديدا، فقد هاجم أبو طاهر البصرة سنة 311هـ، وقطع طريق الحج وسلب الحجاج العائدين من مكة سنة 312هـ.
وفي السنة نفسها قطع طريق الحجاج العراقيين الذاهبين إلى مكة، واغتنم فرصة الذعر الذي استولى على العراقيين، فدخل الكوفة ونهبها وضربها ثم عاد إلى البحرين. فلعل هجرة والد أبي الطيب إلى البادية كان نتيجة لهذا الذعر الذي لحق الكوفيين. ومهما يكن من سبب هذه الهجرة إلى البادية، فإننا نعلم أن والده استقر به في بادية السماوة عند بني الصابي، وهم فرع من جشم بن همدان أخواله، ومكث سنتين في بادية السماوة، ويبدو أن القرمطية اجتذبت في بدء ظهورها أنصارا لها من أوساط البدو المتحمسين. ولعل تلك الدعوة تناولت القبائل كافة ، مما حمل الدكتور ر. بلاشير على الاعتقاد بأنه لقي بعض القرامطة فتأثر بهم، فإن لم يتأثر بالدعوة القرمطية فليس بمستبعد أن يكون أصابه الاضطراب من جراء المأساة التي قلبت أوضاع الخلافة ويتابعه في هذا الرأي الدكتور طه حسين إذ قال: إن المتنبي قد أصبح قرمطيا من أثر بقائه في البادية، إذ أن القرامطة منذ ظهروا كانوا يجدون في بادية الشام حماسة للدعوة، فهو تأثر بهم أو أنه أصبح داعية من دعاتهم، وأنه طمع في أن يستهوي (بدر بن عمار أمير طبريا) إلى قرمطيته القديمة
عاد المتنبي إلى الكوفة ، ورجح بعض الباحثين أن ذلك كان سنة 315هـ، واستقر في الكوفة ، ولا نعلم على وجه التحقيق كيف قضى المتنبي حياته في الكوفة بعد عودته إليها، وكل الذي نعلمه أنه اتصل بشخص يعرف أبو الفضل الكوفي، وأبو الفضل هذا رجل قد ثقف الفلسفة. يقول صاحب الخزانة: إن أبا الطيب وقع في صغره إلى واحد يكنى أبا الفضل بالكوفة من المتفلسفة فهوسه وأضله كما ضل . ولا ندري إذا كان أبو الطيب قد درس عليه الفلسفة حقا! وكل الذي نعلمه أن صاحب الوساطة يذكر لنا شعره الذي تأثر فيه بالفلسفة اليونانية، فهل كان ذلك لأنه درس الفلسفة، أو كان من أثر هذه الآراء العامة التي كانت شائعة بين المثقفين في ذلك العصر****! ونحن أميل إلى الاعتقاد الثاني، فدراسة الفلسفة لا بد أن تكون قد تركت لها آثارا على شعره. وقد مدح أبو الطيب أبا الفضل بقصيدة غريبة فيها أبيات تلفت النظر أنها في الحقيقة تحوي آراء هي التي حملت بعض الباحثين على القول باعتناق المتنبي لمذهب القرامطة. ولكن ناشر ديوان المتنبي يقول عنها إن المتنبي إنما قالها ليمتحن عقب أبي الفضل، وكلا التفسيرين يجانبان الواقع، فنحن نعتقد أن المتنبي إنما ذكر هذه الصفات وهذه الآراء ليفخم بممدوحه، وأن المتنبي لم ير بأسا في مدح من يعتنق هذه المبادئ فيقول مثلا:


يا أيها الملك المصفى جوهرًا _________________________
من ذات ذي الملكوت أسمى من سما _________________________

نور تظافر فيك لاهوتيّه _________________________
فتكاد تعلم علم ما لم يعلما _________________________

ويهم فيك إذا نطقت فصاحة _________________________
من كل عضو منك أن يتكلما _________________________

أنا مبصر وأظن أني نائم _________________________
من كان يحلم بالإله فأحلما _________________________

كبر العيان عليَّ حتى أنه _________________________
صار اليقين من العيان توهما _________________________


ولكن هذا الكلام، وإن كان صريحا في ذكر الحلول، فلا يدل على أن المتنبي كان قرمطيا، وربما كانت هذه عقيدة ممدوحه أبي الفضل فذكرها تقربا إليه، وهو على كل حال، يدل على عدم اهتمام المتنبي بالتمسك بروح الدين. وبعد رجوعه من البادية إلي الكوفة ، لم يطل مكثه بها، فتركها إلى بغداد ، ولم يبق في بغداد طويلا، فخرج عنها إلى الشام. يقول طه حسين: إن المتنبي إنما ترك الكوفة بسبب عقيدته القرمطية خشية على نفسه من يؤاخذ، وأنه خرج إلى الشام بسبب هذه العقيدة ليتصل بالدعاة هناك ويعمل على نشر الفكرة .

ملكة
30-11-2005, 06:47 PM
بقية الموضوع عزيزتي:


سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

ونحن نرى أن في هذا الرأي إسرافا في الاستنتاج، فقد كان المتنبي حدث السن، وليس من المعقول أن يوكل إلى الأحداث مثل هذا النشاط الذي يريد طه حسين أن ينسبه إلى المتنبي. نحن أميل إلى الاعتقاد بأن المتنبي إنما قصد به أبوه إلى بغداد، بعد أن تجلت قدرته على قول الشعر طلبا للرزق هناك، ولكنه لم يحظ في بغداد بما كان يأمل بسبب حداثة سنه ولأن أداة الشعر لم تكن قد استكملت في نفس المتنبي. ويميل الدكتور بلاشير إلى الظن بأن المتنبي قد طالت إقامته في بغداد عاصمة الخلافة فاتصل هناك بالعلماء والأدباء يأخذ عنهم . ولم تكن هذه الإقامة لمجرد الاستعداد للخروج إلى الشام كما يرى الدكتور طه حسين، وكلا الرأيين يقومان على الحدس والظن أكثر مما يستندان إلى دليل تاريخي. ولكن الذي لا ريب فيه هو أن المتنبي لم يبق طويلا في بغداد ، وأنه خرج إلى الشام وهو لم يبلغ العشرين من عمره. ونرى أن الأحداث التي كانت تجري في الشام من نزاع بين الإخشيديين وبين خلفاء بغداد ومحاولات الطامعين إنشاء دولة والسيطرة على المدن وإقامة ملك لهم هو الذي لفت المتنبي إلى الذهاب إلى هناك، لأنه قد وجد في مثل هذا الوسط المضطرب مجالا لتحقيق طموحاته التي ولدتها في نفسه آراء القرامطة من ناحية وطموح طبيعي في نفسه من ناحية أخرى، ولأنه في الشام لا يعرفه أحد فلا يمكن أن تقف قصة مهنة أبيه عائقا في تحقيق مثل هذه المطامح. فالناس هناك يجهلون مثل هذه المهنة. ونحن نرى أن المتنبي في هذه الفترة اتصل بالرؤساء والزعماء يمدحهم ولا يكاد يستقر في محل إلا ليتركه إلى محل آخر. يقول عبد الجواد السيد إبراهيم: كانت غرة رحلاته الميمونة إلى بلاد الشام حيث انتقل من بدوها إلى حضرها وقصد طبرية واللاذقية وأنطاكية ، فاتصل في طبرية ببدر بن عمار وفي اللاذقية بالتنوخيين وفي أنطاكية بأبي العشائر الحمداني قريب سيف الدولة، وكان يمدح من اتصل بهم لا يضن بمدائحه على أحد . استقر أول الأمر في الجزيرة وشمال الشام ومدح جماعة من رؤساء البادية وأغنياء الحاضرة وأوساطها أيضا ثم مضى فأقام في طرابلس ح ينا قصيرا، وانحرف إلى طبرية فأقام قليلا في اللاذقية اتصل بالتنوخيين وهم أمراء العرب فمدحهم ثم حدثت بعد ذلك الحادثة التي أدت به إلى السجن، وبقي في السجن نحوا من سنتين، وأطلق سراحه، فغادر جنوب سوريا إلى الشمال وظل ينتقل هناك بين الأمراء حتى هيأ له الاتصال بسيف الدولة. ولعل كثرة تنقله بين المدن وبين رؤساء القبائل مع إعلانه الثورة في شعره هو الذي جعل خصومه يكيدون له عند والي حمص فسجن. أصبح المتنبي خلال إقامته في الشام أكثر شهرة وأقدر على إثارة حسد الحاسدين وكيد الكائدين، واستطاع هؤلاء الحساد أن يكيدوا له عند والي حمص، فكتبوا إليه أبياته التي تدل على استهانته بالدين من ناحية واستعداده للثورة من ناحية أخرى. ولعل صاحب حمص قد خشي أن يثور المتنبي، فألقاه في السجن. ولكن من الرواة من يقول أن سبب سجنه هو ادعاؤه النبوة وخداعه أعرابا من كلب بهذه النبوة، وأن أمره كان يقوى حتى خرج إليه أمير حمص، ففرق جمعه وألقاه في السجن. يذكر ابن تغري بردي: ونزل ببني كلب وأقام فيهم وادعى أنه علوي حسيني، ثم ادعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدعي أنه علوي إلى أن أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين وحبس دهرا طويلا . وادعاء المتنبي للنبوة أمر مشكوك فيه، والقول فيه يرجع إلى روايات شفهية ثلاث، فالبديعي في (الصبح المنبي) يروي لنا رواية عن أبي عبد الله معاذ بن إسماعيل اللاذقي وخلاصتها أن الصداقة كانت متينة بين أبي عبد الله والمتنبي، وأن المتنبي قد أظهر له أنه نبي مرسل إلى هذه الأمة الضالة ليملأها عدلا كما ملئت جورا، وأنه يوحى له أيضا وأنه قد أوحى إليه مائة عبرة وأربعة عشر عبرة والعبرة يتجاوز مقدارها الآية من القرآن، وأن معجزته هو أن يحبس الدَّرَّ عن الإبل لقطع أرزاق العصاة الفجار، وأنه استطاع ذلك بحيلة أو بضرب من السحر. وأن أبا عبد الله هذا قد آمن به وامتدت دعوته من اللاذقية حتى وصلت سورية ووصلت السماوة. ورواية أخرى يرويها لنا القاضي ابن شيبان عن الخطيب البغدادي في تاريخه، يقول: إن أبا الطيب قد استقر عند بني كلب فادعى أنه علوي من نسل الحسين ثم ادعى أنه نبي ثم رجع عن دعوة النبوة إلى ادعائه العلوية فكان ذلك سبب سجنه. ويقال إنه كان في أثناء دعوته يذيع قرآنا له، وأن أحد الرواة قد كتب سورة من (قرآنه) ولك نه قد فقدها، ولم يبق من هذا القر آن إلا آيات علقت بذاكرته منها: (والنجم السيار، والفلك الدوار، والليل والنهار، إن الكافر لفي أخطار، امض على سننك، واقف أثر من كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه، وضل عن سبيله) .
وكان أبو الطيب يومئذ يصرح بعبارته المشهورة: "لا نبيَّ بعدي" ويقول إن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بنبوته وقال: لا، نبيّ بعدي وأنا اسمي في السماء لا!"
هذه هي الروايات التي يعتمد عليها المؤرخون ويستنتجون منها أن أبا الطيب قد ترك الإسلام وأعلن النبوة، ومن أجل ذلك لقب بالمتنبي. والذي نلاحظه على تلك الروايات أن الذين يروونها أشخاص مجهولون، وأن رواياتهم قد تناقلتها الأفواه، فزادت فيها ونقصت، ولكننا نجد أن الرواة المعلومين ممن اتصلوا بالمتنبي وشرحوا شعره، أو ممن جاءوا بعده وعنوا عناية كبيرة بشعره لا يذكرون لنا شيئا عن هذه النبوة كابن جني و أبي العلاء المعري، ونحن نعلم أن أبا العلاء كان قليل الاهتمام في أمور الدين حتى إنه لا يرى بأسا أن يشير إلى هذه النبوة، ولكنه لم يفعل. وقد عرض المستشرق (كراتشكوفسكي) لهذه الروايات، وهو يقول عنها إنها روايات ساذجة غير جديرة بالاطمئنان، ويقول إن ديوان المتنبي لا يشير إشارة إلى دعوى النبوة، وأن شرّاح الديوان لا يعتقدون بذلك، وأن الذين ترجموا للمتنبي لا يذكرون هذه الرواية على أنها رواية قاطعة، كما أن المتنبي أنكر بطرق ادعاءه النبوة، وأن ابن جني صديق المتنبي يذكر أنه إنما لقب بالمتنبي لقوله:


أنا في أمة تداركها الله غريب كصـالح في ثمـود
ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود

ملكة
30-11-2005, 06:48 PM
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

وأن أباالعلاء المعري يقول في (رسالة الغفران): (وحدثت أن المتنبي كان إذا سئل عن حقيقة هذا اللقب قال هو من النبوة أي المرتفع من الأرض وأنه قد طمح في شيء من الملك ولإبداعه في الشعر لقب بنبي الشعر كما يقول الطبسي حيث رثاه بعد قتله قال:


كان من نفسه الكبيرة في جيـ ـش وفي الكبرياء ذا سـلطان
وهـو في شعره نبي ولكن وجدت معجـزاته في المعـاني

ويستنتج كراتشكوفسكي من ذلك كله أن قصة ادعاء أبي الطيب النبوة إنما هي قصة شعبية ذاعت لتفسر أسباب سجن أبي الطيب ويريد إلى ذلك قوله سواء صحت هذه القصة أم لم تصح، فلا يجب أن نغير شيئا عن رأينا في عقيدة أبي الطيب الدينية. فهو إذا صح ادعاؤه النبوة قد ترك الإسلام ولم يعترف بأن محمدا خاتم الأنبياء وأنها إن كانت كاذبة تظهر لنا رأي الأديان التي جاءت بعد المتنبي في عقيدته الدينية. وقد ذكر هذا في آراء عباس محمود العقاد أيضا. ولا نعلم إذا كان قد اطلع على رأي كراتشكوفسكي حين كتب ذلك أو لم يطلع. نرى أن قيمة رأي كراتشكوفسكي إنما هي في مناقشة الروايات المذكورة، فهو يرجح بالقول أن الشراح لم يكونوا يصدقون دعوى النبوة، ونحن نعلم أن الشراح كانوا من المعجبين بالمتنبي، وكانوا معروفين بالتمسك بالدين، فلم يكونوا راضين ‎أن هذا الشاعر الذي أعجبوا به خارج عن الإسلام فلم يحاولوا في تفسيراتهم المختلفة أن يخفوا في شروحهم كل الأشعار التي تحمل على الظن بأن المتنبي كان مستخفا بالدين، فلذلك كانوا أجدر بأن يرفضوا دعوى النبوة هذه، ثم إن الذين ترجموا للمتنبي لم يجمعوا على رفض هذه الفكرة، بل إن اثنين منهم يبديان رأيهم الصريح فيصدقان ادعاء المتنبي النبوة. ومهما يكن فإن الديوان لا يشير صراحة إلى هذه النبوة، فإن فيه قطعا تدعو صراحة إلى الثورة، ومن المحتمل أن شعره كان يحوي قطعا أكثر مما جمعه في ديوانه، ويمكننا أن نستنتج بعد هذا على الأقل أن المتنبي كان يدعو إلى الثورة في الإسلام، وأنه كان يخلط هذه الدعوة بأفكار دينية وهو أمر يحملنا إنكاره على تجاهل الطور التاريخي الذي كانت تحدث فيه الثورات حينذاك إذ لم تكن توجد وسيلة لجذب الناس والتفافهم حول الداعي إلا هذه الوسيلة، فنحن نعلم أن المتنبي لم يكن صاحب مذهب اجتماعي يساعد الناس على الالتفاف حوله، ثم أنه كان بعد شابا لم يستطع أن يكون له مثل هذا المبدأ ولم يكن معروفا كشاعر، ولذلك فإن منطق الحوادث يحملنا أن نسلكه في جملة الثائرين الدينيين الذين كثر ظهورهم في تلك الفترة من تاريخ الإسلام يؤيدنا في ذلك كثرة اتصال المتنبي بالقرامطة، وذكر آرائه في مدح رجل منهم واستعداده وشعره الذي يدل على استعداده للثورة فهو يقول:


لقد تصبرت حتى لات مصطبر فاليوم أقحم حتى لات مقتحم
لأتركنَّ وجوه الخيل ساهمة والحرب أقوم من ساق على قدم
والطعن يحرقها والزجـر يقلقها حتى كـأن بها ضربا من اللمم
قد كلمتها العوالي فهي كالحة كأنما الصاب معصوب على اللجم
بكل منصلت ما زال منتظري حتى أدلت له من دولة الخدم
شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ويستحل دم الحجاج في الحرم

إن تلك الأبيات التي يصرح فيها أبو الطيب عن عزمه على الثورة واستعانته بشيخ لا يتردد عن سفك دم الحجاج في الحرم، ويرى الصلاة نافلة تدل بصراحة على أن ثورته كانت ذات وجه ديني، وهذا يحقق لنا قوة ادعاء المتنبي للنبوة، فالمتنبي لم يكن كاذبا حين أنكر أنه لم يدع النبوة، أي إنه لم ير أن يكون نبيا كمحمد ولكنه قام بحركة ذات فكرة دينية، فهو لم يكن طبقي الفكر، ولكنه أراد أن يتزعم حركة دينية تحقق له مطامحه متأثرا بآراء القرامطة من غير شك، ففشل فيها وسجن ولقب بعد سجنه بالمتنبي. وقد أبدى في سجنه صبرا، فهو يقول مخاطبا سجانه أبا دلف:


أهون بطول الثواء والتلف والسجن والقيد يا أبا دلف
غير اختيار قبلت برَّك بي والجوع يرضي الأسود بالجيف
كن أيها السجن كيف شئت فقد وطنت للموت نفس معترف
لو كان سكناي فيك منقصة لم يكن الدر ساكن الصدف

ملكة
30-11-2005, 06:49 PM
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

ولكن يظهر أن سجنه قد طال، وبسبب من اضطهاده وإلحاق الجوع والمرض والاغتراب عليه، كتب إلى والي حمص قصيدة يستعطفه بها ومطلعها:
أيا خدد الله ورد الخدود وقدَّ قدود الحسان القدود
فهنَّ أسلن دمًا مقلتي وعذبن قلبي بطول الصدود
وكم للهوى من فتى مدنف وكم للنوى من قتيل شهيد
فواحسرتا ما أمـرَّ الفراق وأعلق نيرانه بالكبود
إلى أن يصل قوله:
أمالك رِقِّي ومن شأنه هبات اللجين وعتق العبيد
دعوتك عند انقطاع الرجا ء والموت مني كحبل الوريد
دعوتك لما براني البلاء وأوهن رجلي ثقل الحديد
وقد كان مشيهما بالنعال وقد صار مشيهما في القيود
وكنت من الناس في محفل وها أنا في محفل من قرود
تعجل فيَّ وجـوب الحدود وحدّي قبل وجوب السجود
وقيل عدوت عن العالمين بين ولادي وبين القعـود
فما لـك تقبل زور الكلا م وقدر الشهادة قدر الشهود
فلا تسمعن من الكاشحين ولا تعبأن بمحك اليهود
وكن فارقًا بين دعوى أردت ودعوى فعلت بشأو بعيـد
تلك الأبيات تدلنا على أن هناك أعداء كادوا للمتنبي فسجنوه، وأنه لم يفعل ما اتهموه به. وقد أثارت القصيدة عطف الوالي عليه، فأخرجه من السجن وأطلقه واستتابه فيما يظهر، ولكن استتابته مما نسبه إليه العامة، ولم يكن بعسير على المتنبي أن يعلن توبته، وقد رأيناه أنه لم يدع هذه النبوة، وكانت الفترة التي قضاها المتنبي بعد خروجه من السجن فترة تشرد وفاقة وضعة وخمول كان يتصل بالوجهاء وأصحاب المكانة يمدحهم فلا يجيزونه على الشعر، إلا أهون الجزاء. يقولون إنه مدح أحد الوجهاء بالقصيدة المشهورة التالية التي مطلعها:
بأبي الشموس الجانحات غواربا اللابسات من الحرير جلاببا
فجزاه عليها دينارا. ولم تحسن حاله حتى قصد أنطاكية ، واتصل هناك بالأمير أبي العشائر ومدحه بعدة قصائد كان أولها:
أتراها لكثـرة العشاق تحسب الدمع خلقة في المآقي
فقربه أبو العشائر وحسنت حاله عنده. كان أبو العشائر هذا قريبا لسيف الدولة علي بن حمدان رأس الدولة الحمدانية، فيسر له الوصول إليه، وكان ذلك سنة 337هـ. ودامت صحبة أبي الطيب للأمير ثمان سنوات، وخصص للشاعر ثلاثة آلاف دينار كل سنة عدا الهبات السخية والعطاء المتواصل من مال وثياب وخيول ومزارع، وخلد مقابل ذلك وقائعه مع الروم بقصائد قلَّ أن نجد لها نظيرا في الشعر العربي. ثم حدث ما عكر الصفو، فقصد الشاعر مصر.. فالمتنبي وإن كان قبل اتصاله بسيف الدولة مغمورا ثم تبلورت حياته تبلورا واضحا بعد اتصاله به، إلا أن نفسه كانت تضطرم بثورة أكَّالة، وهو لم يزل في عنفوان الشباب، فقد شرَّق وغرَّب. مكافحًا مناضلا، وعاش مع طموحه في صراع مرير يروي البديعي: كان أبو العشائر والي أنطاكية من قبل سيف الدولة، ولما قدم سيف الدولة أنطاكية قدم المتنبي إليه وأثنى عنده عليه وعرفه منزلته من الشعر والأدب واشترط على سيف الدولة أول اتصاله به أنه إذا أنشده مديحه لا ينشده إلا وهو قاعد وأنه لا يكلف تقبيل الأرض بين يديه. ودخل سيف الدولة تحت هذه الشروط وتطبع إلى ما يريد منه وذلك في سنة 337هـ وحسن موقعه عنده فقربه وأجازه الجوائز السنية ومالت نفسه إليه وأحبه فسلمه للرواض فعلموه الفروسية والطراد والمثاقفة

ملكة
30-11-2005, 06:52 PM
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

نال أبو الطيب جاها وحظوة من لدن سيف الدولة، ولكن من أين للشاعر المتعالي المقيم على قلق، أن يهدأ أو بالأحرى أن تهدأ خواطر الذين قطع عليهم بشعره أرزاقهم، أو أقصى منزلتهم من الأمير الذي أجل شاعره في أكرم منزلة. لقد بدأت الوشايات والسعايات في بلاط سيف الدولة تعمل عملها، حتى لقيت في نفس الأمير أكثر من صدى، فتحول حماسه لشاعره إلى فتور، ولا نقول جفاء، خصوصا وأن وراء الوشايات والسعايات كبارا من أمثال أبي فراس الحمداني وابن خالويه والنامي وسواهم من رجال البلاط
وعندها علت صيحات الشعراء وشكواهم من تعالي أبي الطيب عليهم، فأثر ذلك في سيف الدولة ثم قويت نفرته مع أبي الطيب، فأمر غلمانه بقتله، فتعرضوا له في الطريق، غير أنه استطاع تفريقهم عنه واختفى في حلب لدى بعض أصدقائه، وراسل الأمير فأنكر أنه أمر له بسوء، وبعد تسعة عشر يوما جاء إلى القصر، ورحب به سيف الدولة، وخلع عليه وسأله عن حاله، فأجاب: رأيت الموت عندك أحب إلي من الحياة عند غيرك. وكان أشياعه ينشرون مدائحه ويذيعون فضائله ويتأولون به، وأعداؤه يخنقون عليه ويغضون من شأنه. وفي ذات مرة قال أبو فراس شاعر البلاط الحمداني لابن عمه:
(هذا المتشدق كثير الإدلال عليك. فأنت تعطيه ثلاثة آلاف دينار كل سنة على ثلاث قصائد ويمكنك أن تغدق مئتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره . (غير أن أبا الطيب فارق سيف الدولة حانقا متبرما فلعل وقوفه بين يدي كافوروهو من أعداء سيف الدولة يثير غيظه، أو لعله أراد به مصانعة كافور لينال منه الذي وفد عليه من أجله على أنه - وإن ترك معه ما جرت به عادته مع سيف الدولة - فقد اتخذ لعزته لونًا آخر، فقد كان يقف بين يديه وفي رجليه خفان وفي وسطه سيفه ومنطقته.
أقام أبو الطيب في مصر أربع سنوات ونصف سنة وعرض في مدائحه لكافور بسيف الدولة ورضي أن ينشد شعره واقفا بين يديه على خلاف عادته، ولقي الشاعر من كرم كافورما جعله في مصاف الأغنياء. ولكنه ما لبث أن أسفر عن أطماعه الأولى، فطلب أن يتولى (ولاية) أو (إمارة) وألح في طلبه هذا وألحف، ومدح نفسه في مطلع القصائد التي مدح بها سيده الجديد. ولما رأى كافور يماطله ويؤجل تنفيذ رغبته، راح يشكو أمله ويمتدح سيف الدولة ويعلن أسفه على فراقه. ودبت النفرة بين الرجلين، وانقطع أبو الطيب عن مدحه ثمانية أشهر، ثم نظم قصيدة ظاهرها المدح وباطنها التأنيب. ثم أصيب بالحمى ونظم أثناء مرضه قصيدة عرض فيها بكافور وبخله. ولم يكن كافورأهلا لهذا الهجاء ربما منع الشاعر ولاية أو ضيعة ولكنه استحقه بما وعد ومطل، ثم أخلف فملأ نفس الشاعر الطموح غيظا. تناقل الناس القصيدة وبلغت كافورا فامتعض. وكانت بين كافور وفاتك الرومي منافسة عنيفة، وكان الثاني يقيم بالفيوم (وهي إقطاعة له) حتى لا يضطر الركوب في معية الأسود، واتصل فاتك بأبي الطيب وراسله، والتقيا في الصحراء، فكانت هديته للشاعر ألف دينار ذهبا أتبعها بعدة هدايا ثمينة، فمدحه بقصيدة وخز فيها كافورا وخزا مؤلمًا.
أما كافورفقد كظم غيظه، وطلب من الشاعر أن يعود إلى سيرته الأولى في مدحه، فتجددت آماله، وحسب أن الوالي - أو كما يلقبه (أبو المسك) و(الأستاذ) سيبرّ بوعده في النهاية، ونظم قصيدة طويلة كرر فيها طلباته السابقة وملأها لوما وتوبيخا، فغضب أبو المسك ومنع الشاعر عن الرحيل وبث حوله العيون والأرصاد. ولما حل العيد وشغلت احتفالاته رجال الدولة هرب أبو الطيب ونظم قصيدته المشهورة هذه عند خروجه من مصر ، ومطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر منك تجديد
وسار في درب غير مطروقة، وعلم كافور بالأمر، فكتب إلى عماله أن يقتفوا آثاره ويعتقلوه، لكنه استطاع الإفلات بعد رحلة مضنية حتى وصل الكوفة بعد ثلاثة أشهر..
هجا الشاعر كافورا وأفحش، وجاءت كل كلمة في قصائده شواظا من نار. وبقي في العراق ثلاث سنوات، ومر ببغداد عدة مرات، وأبى أن يمدح الوزير المهلبي، فأغرى به جماعة من شعراء العاصمة، أفرطوا في شتمه وتحقيره فلم يجبهم. علم سيف الدولة بخروج الشاعر من مصر مخاصما لكافور ، وبلغته قصائده في هجوه، فبعث إليه بالهدايا، وسأله القدوم إلى حلب ، فعاد إلى مدحه، ثم بعث إليه قصيدة يعزيه بوفاة أخته. وقصد بعد ذلك الوزير ابن العميد الأديب الشاعر، في فارس ومدحه. وسافر إلى عضد الدولة البويهي في مدينة شيراز ، فرحب به وأنزله أفضل منزل، ومدحه بست قصائد كافأه عليها بمال وافر، وخلع سنية. وبقي في شيراز مدة تقارب الثلاثة أشهر، رحل عنها مودعا مليكها بقصيدة كانت آخر قصيدة له، يقول:
وقد رأيت الملوك قاطبة وسرت حتى رأيت مولاها
تجمعت في فؤاده همم ملء فؤاد الزمان إحداها

ملكة
30-11-2005, 06:53 PM
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

وسار حتى بلغ الأهواز. ثم نزل بواسط ، وهي تبعد عن بغداد نحو أربعين فرسخا. فلما كان بالقرب من النعمانية في موضع يقال له (الصافية) بالجانب الغربي من سواد العراق، خرج عليه فاتك بن أبي جهل الأسدي ومعه عدد من الفرسان، وقيل جماعة من بني ضبة تآمروا على قتله، لأن المتنبي كان قد هجا ضبة بن يزيد بن أخته، وتعرض لأمه وأفحش في هجوهما، فغاظ ذلك فاتكا، وتحين الفرص للفتك به فلما التقيا تقاتلا قتالا عنيفا. فقال له أحد غلمانه، لا يتحدث الناس عنك بالفرار، وأنت القائل:
فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال له المتنبي قتلتني قتلك الله، وقاتل حتى قتل هو وابنه محسَّد وغلامه مفلح. وكان ذلك في رمضان سنة 354هـ/ 965م وهو آنذاك في الواحدة والخمسين من عمره.
هكذا انطفأت شعلة وضاءة، وانتهت حياة شاعر عبقري عظيم سجل اسمه في سجل الخالدين.


(2)

لعب المتنبي دورا كبيرا في الشعر العربي، فقد طرق أبواب الفنون الشعرية المعروفة، ولم يكن في وقته من يساويه في فنونه التي جمع فيها من الأدب فنونا وذلك أنه ضرب في كل شيء منها بسهم وافر. وكان يتخذ شعره صناعة، فلا يقوله ارتجالا ولا يندفع مع سجيته. وقد أجاد وأبدع في شعره سواء من ناحية الخيال والأسلوب.
ويظهر أن ذكاءه الحاد ونفسيته العالية ساعداه كثيرا على التحليق في شعره بين كثير من الشعراء الذين عاصروه. ونتيجة رحلة شاقة في ديوانه وتتبع أخباره وجدت شعره يكاد يتصف بدقة وصف وصدق لهجة وبراعة تركيب وروعة معاني. فهو شاعر متقد العاطفة، مرهف الحس، تطالعنا في شعره صور مغرية جذابة تأخذ بمعاقد القلب. والمتنبي كان أبعد شعراء هذه الحقبة صيتا، ومع أنه كان جوابة يتنقل ما بين مصر و خراسان يمدح الملوك والأمراء والوزراء وينال رفدهم، فإنه يقول كاللائم لنفسه:
إلى كم ذا التخلف والتواني وكم هذا التمادي في التمادي
وشغل الناس في طلب المعالي ببيع الشعر في سوق الكساد
ونستطيع أن نلمس من قراءتنا للديوان، تفوق أبي الطيب المتنبي في أغراض معينة هي: المدح والفخر والهجاء والحكمة والرثاء والوصف. و أبو الطيب كما يتضح لنا كثير المبالغة في شعره، فنحن نأخذها عليه من الناحية الأدبية، ولا نستدل بها على فساد عقيدته، فمن ذلك قوله في مدح محمد بن زريق.
لو كان للنيران ضوء جبينه عبدت فصار العالمون مجوسا
ومن ذلك قوله من قصيدة قالها في صباه:
عمرك الله هل رأيت بدورًا طلعت في براقع وعقود
راميات بأسهم ريشها الهد ب تشق القلوب قبل الجلود
يترشفن من فمي رشفات هن فيه أحلى من العنقود

ملكة
30-11-2005, 06:54 PM
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

والمتنبي فخور بشعره، لا يرى في الشعراء من يوازيه، وقد ساءه من سيف الدولة أن يساويه بغيره وهو الشاعر الكبير الذي يحب سيف الدولة حبا صادقا، فعاتبه على ذلك ودعاه إلى التمييز بين الشحم والورم، والنور والظلمة، وأن يقدر مكانه الرفيع بين الأدب والشعر.
وما الدهر إلا من رواة قلائدي إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدَا
ودع كل صوت غير صوتي فإنني أنا الطائر المحكي والآخر الصدى
وربما كان المتنبي وحده الشاعر الذي حضر الحروب في هذه الحقبة، وحارب في جيش سيف الدولة، وذاق لذة النصر ومرارة الهزيمة، وقال أحسن الشعر العربي الذي قيل في وصف الحرب من قبل ومن بعد، ويكفيه أنه استطاع أن ينشد بمجلس سيف الدولة على رؤوس حساده:
ومرهف سرت بين الجحفلين به حتى أتته يدٌ فرّاسة وفـم
فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
صحبت في الفلوات الوحش منفردا حتى تعجب مني القور والأكم
وما دمنا في الحديث عن فخره، فلا غرابة إذا ما ذكر قومه في مفاخره:
ما بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجدودي
وبهم فخر كل من نطق الضاد وعوذ الجاني وغوث الطريد
ما مقامي بأرض نخلة إلا كمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمة تداركها الله غريب كصالح في ثمود
إن أكن معجبًا فعجب عجيب لم يجد فوق نفسه من مزيد
يذهب الدكتور عبد الوهاب عزام إلى أن قصائد المتنبي في وصف حروب سيف الدولة الداخلية والخارجية تفوق الملاحم اليونانية واللاتينية والهندية والفارسية فهو الشاعر الذي وصف وقائع ذلك العصر وحوادثه الجسام وجلائل الحروب والأعمال وصفا دقيقا في قصائد حماسية رائعة. يقول المثل العربي المشهور "القتل بالسيف أوحى" أو "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" حيث تدور رحى الحرب على السيف قديما، فهو سلاح ماض يفيد في ميادين الحرب منذ الجاهلية حتى الأمس القريب. يقول المتنبي:
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي المجد للسيف ليس المجد للقلم
وقد قرر المتنبي للسيف أمثالا سوائر بقيت كالكواكب سطوعا ونصوعا على هامة الزمن:
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلة فلا تستعدن الحسام اليمانيا
وقوله:
تحمي السيوف على أعدائه معه كأنهن بنوه أو عشائره
وقوله:
قد زرته وسيوف الهند مغمدة وقد نظرت إليه والسيوف دم
وقوله:
حقرت الردينيات حتى طرحتها وحتى كأن السيف للرمح شاتم
ومن أروع قصائد الحرب قصيدتان الأولى بائية وهي التي وصف بها المتنبي ظفر سيف الدولة ببني كلاب، وذلك لدى خروجهم عليه سنة 343هـ كقوله:
طلبتهم على الأمواه حتى تخوف أن تفتشه السحاب
فبت لياليًا لا نوم فيها تخب بك المسوّمة العراب
يهز الجيش حولك جانبيه كما نفضت جناحيها العقاب
وتسأل عنهم الفلوات حتى أجابك بعضها وهم الجواب

ملكة
30-11-2005, 06:55 PM
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي - تابع

أما القصيدة الثانية الرائية التي سجل فيها انتصار الأمير المذكور على قبائل عقيل وقشير وبني العجلان وبني كلاب أيضا عندما تألبوا عليه وعاثوا في أطراف إمارته فسادا عام 344هـ وفيها تصوير صادق وتحليل مستفيض وصف فيها الشاعر عدم ركون البدو بطبيعتهم إلى الشغب وتألبهم على سيف الدولة ومحاولتهم الإخلال بنظام مملكته وانهزامهم أمامه في النهاية انهزاما شنيعا وإبقاءه عليهم حلما وكرما.
فلزَّهم الطـراد إلى قتال
أحدّ سلاحهم فيه الفـرار

مضوا متسابقي الأعضاء فيه
لأرؤسهم بأرجلهم عثار

يشلهم بكل أقبّ نهدٍ
لفارسه على الخيل الخيار

وكل أحم يغسل جانباه
على الكعبين منه دم ممار

يغادر كل ملتفت إليه
ولبَّته لثعلبــه وجــار

إذا صرف النهار الضوء عنهم
دجا ليلان ليل والغبار

وإن جنح الظلام انجاب عنهم
أضاء المشرفية والنهار



وأخيرا.. فلا أحسب أنني استوفيت هذا "العالم" الرحب بحثا، فهو بحر متلاطم الأمواج لا زال شاغل الناس ومالئ الدنيا ومدد الشعراء وتنازع الباحثين على مدارج العصور.

انشالله يكون افدتك لك ارقى التحيات

ولايـــف
30-11-2005, 07:04 PM
]الله يسعدك ويفتحها بوجهك يا ملكة الروح واتمنى ان اجد باقي مواضيعي
ومشكوووووووور أخي اعصار على الرد

ملكة
30-11-2005, 07:11 PM
عزيزتي

تقصدين بدر شاكر السياب
انتظري الموضوع راح انزله
تحياتي

ملكة
30-11-2005, 07:15 PM
بدر شاكر السياب

http://www.jehat.com/ar/sayab/gif/sayab-5.gif

سيرة الشاعر

السياب - النص الأخير قبل القبر
البداية السريعة على امتداد شط العرب إلى الجنوب الشرقي من البصرة، وعلى مسافة تقطعها السيارة في خمس و أربعين دقيقة تقع أبو الخصيب التي تمثل مركز قضاء تابع للواء البصرة يضم عددا من القرى من بينها قرية لا يتجاوز عدد سكانها ألفا ومائتي نسمة

تقع على ما يسمى نهر أبو فلوس من شط العرب تدعى جيكور تسير إليها في طريق ملتوية تمتد بالماشي مدى ثلاثة أرباع الساعة من أبي الخصيب وهي الزاوية الشمالية من مثلث يضم أيضا قريتين أخريين هما بكيع وكوت بازل، قرى ذات بيوت من اللبن و الطين، لا تتميز بشيء لافت للنظر عن سائر قرى العراق الجنوبي

فهي عامرة بأشجار النخيل التي تظلل المسارح المنبسطة ويحلو لأسراب الغربان أن تردد نعيبها فيها، و عند أطراف هذه القرى مسارح أخرى منكشفة تسمى البيادر، تصلح للعب الصبيان ولهوهم في الربيع والخريف، وتغدو مجالا للنوارج في فصل الصيف، فكل شخص يعمل في الزراعة ويشارك في الحصاد و الدراس، ويستعين على حياته بتربية الدجاج والأبقار، و يجد في سوق البصرة مجالا للبيع أو المقايضة، ويحصل على السكر و البن و الشاي وبعض الحاجات الضرورية الأخرى لكي ينعم في قريته بفضائل الحضارة المادية، وإذا كان من الطامحين إلى (الوجاهة) فلا بأس أن يفتح ديوانا يستقبل فيه الزائرين من أهل القرية أو من الغرباء ليشاركوه في فضائل تلك الحضارة المادية

السياب - دراسة في حياته وشعره

والبلدة التي ولد الشاعر في إحدى قراها و أكمل دراسته الأولى فيها والتي بقي يتردد إليها طيلة عمره القصير، برز فيها شعراء كثيرون، وان لم يشتهروا كشهرته، لضعف وسائل الأعلام ولخلود أكثرهم إلى السكينة ولعزوفهم عن النشر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشعراء محمد محمود من مشاهير المجددين في عالم الشعر و النقد الحديث، ومحمد علي إسماعيل، زميل السياب في العالية وصاحب الشعر الكثير، وأبوه شاعر مشهور أيضا و اسمه ملا علي إسماعيل، ينظم القريض والشعر العامي، و الشاعر خليل إسماعيل توفي في 1961 الذي ينظم المسرحيات الشعرية ويخرجها بنفسه ويصور ديكورها بريشته

و الشاعر مصطفي كامل الياسين الدكتور و الموظف الكبير في الخارجية وعبد الستار عبد الرزاق الجمعة، وعبد الباقي لفته و عبداللطيف الدليسي وعبدالحافظ الخصيبي ومؤيد العبدالواحد الشاعر الوجدان بالرقيق ومن رواة شعر السياب، والشاعر الأستاذ سعدي يوسف هو من أبناء أبي الخصيب، ظهرت له عدة دواوين شعرية، ونال شهرة واسعة بين شعراء البلاد العربية، اشتهر كالسياب بشعره الحر

ونذكر الشاعر الشعبي عبدالدايم السياب، من أقارب الشاعر ولشعره شهرة في المنطقة الجنوبية، والشاعر الشعبي كذلك عدنان دكسن وهو معلم

ولد السياب في منطقة (بكيع) بكاف فارسية وجيكور محلة صغيرة فيها وهي كلمة فارسية تعني (بيت العميان) وتبعد عن أبي الخصيب بما يقارب الكيلوين و تقع القرية على شط العرب، وأمامها جزيرة جميلة اسمها (الطويلة) كثيرا ما كان السياب يقضي الساعات الطوال فيها

و نهر (بويب) الذي تغنى به الشاعر كثيرا، يسيل في أملاك عائلة السياب وهو يتفرع من النهر الكبير إنها قرية صغيرة اسمها مأخوذ من العبارة الفارسية (جوي كور) أي الجدول الأعمى

و آل السياب يملكون أراضي مزروعة بالنخيل، وهم مسلمون سنيون عرفتهم جيكور لأجيال عدة. و على الرغم من أنهم لم يكونوا من كبار الملاكين في جنوب العراق، فانهم كانوا يحيون حياة لائقة محترمة حسب المعايير المحلية

إن أعضاء الأسرة من الذكور لا يزيدون على ثلاثين في الوقت الحاضر مصطفى السياب ، في رسالة إلى المؤلف، بيروت 32 نيسان 1966 لكن الأسرة كان أكبر مما هي اليوم في أوائل القرن التاسع عشر إذ كانت تصم عائلة المير

لكن كثيرين من أعضائها ماتوا في الطاعون الذي انتشر في العراق سنة 1831 وكان سياب بن محمد بن بدران المير أحد أعضائها، وكان قد فقد جميع أهله الأقربين

وكلمة سياب بتشديدها بضم السين أو فتحها : اسم يطلق على البلح أو البسر الأخضر. لكن قصة تروى في العائلة تزعم أنه دعي بهذا الاسم لأنه فقد جميع أقربائه وسيب وحيدا. وهي تلفظ سياب في اللهجة المحلية بتسكين السين

وفي عام تزوج شاكر بن عبدالجبار ابنة عمه كريمة،وكانت أمية في السابعة عشرة من عمرها. و أسكنها معه في دار والده على ما تقضي به العادات المرعية. وفي 1926 ولدت له ابنا دعاه (بدرا). وقد طار به فرحا وسجل تاريخ ميلاده حتى يتذكره، لكنه ما لبث أن فقده وبقي تاريخ ميلاد بدر مجهول

ولم تكن إدارة البلاد في ذلك الوقت متفرغة لتنظيم تسجيل المواليد، ولا سيما في النواحي النائية. وفي 1928 ولدت له ابنا ثانيا دعاه عبدالله، وفي 1930 ولدت له ابنا ثالثا دعاه مصطفى وكان فخورا بأبنائه الثلاثة، واثقا من أنهم سيكبرون ويساعدونه في عمله لكن أحدا منهم ما ساعده كما كان ينتظر ويأمل

أما في البيت فقد كان بدر يلعب مع أصدقائه فيشاركه أخواه الأصغران. وكان الأماكن المحببة للعبهم بيت واسع قديم مهجور يدعى (كوت المراجيح) باللهجة المحلية

وكان هذا البيت في العهد العثماني يؤوي عبيد الأسرة (مصطفى السياب، من مقابلة مع المؤلف، بيروت 41 حزيران 1966) و من هنا أسمه، إذا معنى (المراجيح) المراقيق أي الرقي أو العبيد

وقد دعاه بدر في شعره فيما بعد (منزل الأقنان) كانوا يلعبون في فنائه بالقفز على مربعات ودوائر تخطط على الأرض وما شابه ذلك من العاب القفز، واكن يلذ لهم كذلك أن يرووا عنه قصص الأشباح. وقد جعله بدر مقرا لجريدة خطية كان يصدرها مدة باسم (جيكور) تتناقلها أيدي صبيان القرية، ثم تعود في ختام المطاف لتجد محلها على الحائط في غرفة الإدارة

وتشمل ذكرياته أقاصيص جده - على نحو مبهم- وقصص العجائز من عمة وجدة وغيرهما، و من أقاصيصهما حكاية عبد الماء الذي اختطف زينب الفتاة القروية الجميلة، وهي تملأ جرتها من النهر، ومضى بها إلى أعماق البحر و تزوجها، و أنجبت له عددا من الأطفال، ثم رجته ذات يوم أن تزور أهلها، فأذن لها بذلك، بعد أن احتفظ بأبنائه ليضمن عودتها، و لكنها لم تعد, فأخذ يخرج من الماء ويناديها ويستثر عاطفتها نحو الأطفال، و لكنها أصرت على البقاء، و أخيرا أطلق أهلها النار على الوحش فقتلوه، أما الأطفال فتختلف روايات العجائز حول مصيرهم

كذلك تشمل ذكرياته لعبه على شاطئ بويب، وهو لا يفتأ يذكر بيتا في بقيع يختلف عن سائر البيوت، في أبهائه الرحبة، وحدائقه الغناء، ولكن اشد ما يجذب نظره في ذلك المنزل الإقطاعي تلك الشناشيل، وهي شرفة مغلقة مزينة بالخشب المزخرف و الزجاج الملون

غير أن الشاعر حين يتحدث من بعد عن بيت العائلة في جيكور فإنما يعني البيت الذي ولد فيه وعاش فيه سنوات طويلة في ظل أمه، وقضى فترات متقطعة من صباه وشبابه الباكر في جنباته، وهكذا ينبسط اسم (جيكور) على القريتين إذا ليست بقيع في واقع الحال الا حلة من جيكور

ولابد لنا من أن نشير إلى أن بعض الصحفيين زاروا هذا البيت في عام 1965 وكان مما قالوه في وصفه : البيت قديم جدا وعال، وقد تحللت جذور البيت حتى أصبحت كأسفل القبر، والبيت ذو باب كبير كباب حصن كتب عليه بالطباشير اسم ؛ عبدالمجيد السياب

وهو الذي يسكن الآن في الغرفة الوحيدة الباقية كان البيت قبل عشر سنين يموج بالحركة والحياة، أما سبب هجر عائلة السياب لهذا البيت أو بالأحرى لجيكور فهو بسبب ذهاب الشباب إلى المدن بعد توظيفه" جريدة الثورة العربية، بغداد عدد 184 - 12 شباط 1965

دخل السياب في أول مراحله الدراسية مدرسة باب سليمان الابتدائية في أبي الخصيب، ثم انتقل إلى المحمودية الابتدائية التي أسسها المرحوم محمود باشا العبدالواحد في سنة 1910 في العهد العثماني، وبقيت تحمل اسمه حتى الآن

سعد النخيش
30-11-2005, 07:15 PM
ملكة الروح

بيض الله وجهك ماقصرتي

ماقمتيبة في ميزان حسناتك انشاء الله

ملكة
30-11-2005, 07:17 PM
تابع


عاش بدر طفولة سعيدة غير إنها قصيرة سرعان ما تحطمت إذ توفيت أمه عام 1932 أثناء المخاض لتـترك أبناءها الثـلاثة وهى في الثالثة والعشرين من عمرها. وبدا بدر الحزين يتساءل عن أمه التي غابت فجأة، وكان الجواب الوحيد: ستعود بعد غد فيما يتهامس المحيطون به: أنها ترقد في قبرها عند سفح التل عند أطراف القرية

وغابت تلك المرأة التي تعلق بها ابنها الصغير، وكان يصحبها كلما حنت إلى أمها، فخفت لزيارتها، أو قامت بزيارة عمتها عند نهر بويب حيث تملك بستانا صغيرا جميلا على ضفة النهر، فكان عالم بدر الصغير تلك الملاعب التي تمتد بين بساتين جيكور ومياه بويب وبينها ما غزل خيوط عمره ونسيج حياته وذكرياته

وما كان أمامه سوى اللجوء إلى جدته لأبيه (أمينة) وفترة علاقته الوثيقة بأبيه بعد أن تزوج هذا من امرأة أخرى سرعان ما رحل بها إلى دار جديدة بعيدا عن بدر وأخـويه، ومع أن هذه الدار في بقيع أيضا، غير أن السياب أخويه انضموا إلى دار جده في جيكور

القرية الأم، ويكبر ذلك الشعور في نفس بدر بأنه محروم مطرود من دنيا الحنو الأمومي ليفر من بقيع وقسوتها إلى طرفه تدسها جدته في جيبه أو قبلة تطبعها على خده تنسيه ما يلقاه من عنت وعناء، غير أن العائلة تورطت في مـشكلات كبيرة ورزحت تحت عبء الديون، فبيعت الأرض تدريجيا وطارت الأملاك ولم يبق منها إلا القليل يذكر بالعز القديم الذي تشير إليه الآن أطلال بيت العـائلة الشاهق المتحللة

ويذهب بدر إلى المدرسة، كان عليه أن يسير ماشيا إلى قرية باب سليمان غرب جيكور لينتقل بعدها إلى المدرسة المحمودية الابتدائية للبنين في أبي الخصيب التي شيدها محمود جلبي العبد الواحد أحد أعيان أبي الخصيب، وكان بالقرب من المدرسة البيت الفخم الذي تزينه الشرفات الخشبية المزججة بالزجاج الملون الشناشيل و التي ستكون فيما بعد اسما لمجموعة شعرية متميزة هي شناشيل ابنة الجلبي- الجلبي لقب للأعيان الأثرياء- وفى هذه المدرسة تعلم أن يردد مع أترابه أهزوجة يرددها أبناء الجنوب عند هطول المطر، ضمنها لاحقا في إحدى قصائده

يا مطرا يا حلبي عبر بنات الجلبي
يا مطرا يا شاشا عبر بنات الباشا


وفى هذه المرحلة المبكرة بدأ ينظم الشعر باللهجة العراقية الدارجة في وصف الطبيعة أو في السخرية من زملائه، فجذب بذلك انتباه معلميه الذين شجعوه على النظم باللغة الفصيحة، وكانت العطلة الصيفية التي يقضيها في جيكور مجلبة لسروره وسعادته إذ كان بيت العبيد الذي غدا الآن مهجورا، المكان المحبب للعبهم برغم ما يردده الصبية وخيالهم الفسيح عن الأشباح التي تقطنه
وكانت محبة جدته أمينة تمنحه العزاء والطمأنينة والعطف غير انه سرعان ما فقدها إذ توفيت في أيلول 1942 ليكتب في رثائها قصيدة

جدتي من أبث بعدك شكواي؟
طواني الأسى وقل معيني
أنت يا من فتحت قلبك بالأمس لحبي
أوصدت قبرك دوني
فقليل على أن اذرف الدمع
ويقضى على طول أنيني

وتفاقم الأمر إذ باع جده ما تبقى من أملاكه مرغما، إذ وقع صغار الملاك ضحية للمالكين الكبار و أصحاب مكابس التمر والتجار والمرابين وكان بدر يشعر بالظلم واستغلال القوى للضعيف وكانت طبيعته الرومانسية تصور له مجتمعا مثاليا يعيش فيه الناس متساوين يتعاون بعضهم مع بعض بسلام

هذه النظرة المثالية عمقها شعور بدر بأن أسرته كانت عرضه للظلم والاستغلال فضلا عما لحق به إذ فقد أمه وخسر أباه و أضاع جدته وسلبت حبيبته منه وكان قد بدأ يدرك انه لم يكن وسيما هذا كله احتشد في أعماق روحه ليندلع فيما بعد مثل حمم بركان هائج تدفق شعرا ملتهبا

في مدينة بغداد صيف 1943 أنهى بدر دراسته الثانوية، وقـبل في دار المعلمين العالية ببغداد (كلية التربية) وكان في السابعة عشرة من عمره ليقضى فيها أربعة أعوام

وعثر (محمود العبطة) على درجات الشاعر في الصف الثالث من الدار المذكورة في مكتبة أبي الخصيب وبحيازة مأمورها الأستاذ عبداللطيف ال************دي، وهي من جملة الوثائق التي أودعتها زوجة المرحوم السياب ففي المكتبة عندما زار وفد من مؤتمر الأدباء العرب السادس ومؤتمر الشعر العربي، أبي الخصيب وقرية الشاعر جيكور وهي وريقة بحجم الكف مطبوعة على الآلة الكاتبة تشمل المعلومات التالية

نتائج الطلبة 1946 - 1947

بدر شاكر السياب اسم الطالب
الثالث - اللغة الإنكليزية الصف و الفرع
المواد
اللغة العربية اللغة الإنكليزية اللغة الفرنسية الأدب الإنكليزي التاريخ الإنكليزي علم النفس التعليم الثانوي الترجمة
97 91 90 76 72 89 84 88
86 المعدل
ناجح الثاني في صفه عميد دار المعلمين العالية النتيجة



كتب السياب خلال تلك الفترة قصائد مترعة بالحنين إلى القرية والى الراعية هالة التي احبها بعد زواج وفـيقة ويكتب قصائده العمودية أغنية السلوان و تحية القرية.. الخ

ويكسب في بغداد ومقاهيها صداقة بعض من أدبائها وينشر له ناجي العبيدي قصيدة لبدر في جريدته الاتحاد هي أول قصيدة ينشرها بدر في حياته

تكونت في دار المعلمين العالية في السنة الدراسية 1944-1945 جماعة أسمت نفسها أخوان عبقر كانت تقيم المواسم و الحفلات الشعرية حيث ظهرت مواهب الشعراء الشبان، ومن الطبيعي تطرق أولئك إلى أغراض الشعر بحرية وانطلاق، بعد أن وجدوا من عميد الدار الدكتور متى عقراوي، أول عميد رئيس لجامعة بغداد و من الأساتذة العراقيين والمصريين تشجيعا

كان السياب من أعضاء الجماعة، كما كانت الشاعرة نازك الملائكة من أعضائها أيضا، بالإضافة إلى شاعرين يعتبران المؤسسين للجماعة هما الأستاذان كمال الجبوري و الدكتور المطلبي، ولم يكن من أعضائها شعراء آخرون منهم الأستاذ حازم سعيد من مواليد 1924و أحمد الفخري وعاتكة وهبي الخزرجي

ويتعرف بدر على مقاهي بغداد الأدبية ومجالسها مثل مقهى الزهاوي ومـقـهى ا لبلدية و مقهى البرازيلية وغيرها يرتادها مع مجموعة من الشعراء الذين غدوا فيما بعد (رواد حركة الشعر الحر) مثل بلند الحيدري وعبد الرزاق عبد الواحد ورشيد ياسين وسليمان العيسى وعبد الوهاب البياتي وغيرهم

ويلتقي امرأة يحبها وهي لا تبادله هذا الشعور فيكتب لها
أبي.. منه جردتني النساء
وأمي.. طواها الردى المعجل
ومالي من الدهر إلا رضاك
فرحماك فالدهر لا يعدل

ويكتب لها بعد عشرين عاما- وكانت تكبره عمرا- يقول
وتلك.. لأنها في العمر اكبر
أم لأن الحسن أغراها
بأني غير كفء
خلفتني كلما شرب الندى ورق
وفتح برعم مثلتها وشممت رياها؟


غلام ضاو نحيل كأنه قصبة، ركب رأسه المستدير كحبة الحنظل، على عنق دقيقة تميل إلى الطول، وعلى جانبي الرأس أذنان كبيرتان، وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدب متدرج أنف كبير يصرفك عن تأمله العينين الصغيرين العاديتين على جانبيه فم واسع، تبز (الضبة) العليا منه ومن فوقها الشفة بروزا يجعل انطباق الشفتين فوق صفي الأسنان كأنه عما اقتساري

وتنظر مرة أخرى إلى هذا الوجه الحنطي فتدرك أن هناك اضطرابا في التناسب بين الفك السفلي الذي يقف عند الذقن كأنه بقية علامة استفهام مبتورة وبين الوجنتين الناتئتين وكأنهما بدايتان لعلامتي استفهام أخريين قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيين




وتزداد شـهرة بدر الشاعر النحـيل القادم من أقصى قـرى الجنوب، وكانت الفتيات يستعرن الدفتر الذي يضم أشعاره ليقرأنه، فكان يتمنى أن يكون هو الديوان
ديوان شعر ملؤه غزل
بين العذارى بات ينتقل
أنفاسي الحرى تهيم على
صفحاته والحب والأمل
وستلتقي أنفاسهن بها
وترف في جنباته القبل


يقو ل محمود العبطة: عندما أصدر الشاعر ديوانه الأول أزهار ذابلة في 1947 وصدره بقصيدة من الشعر العمودي مطلعها البيت المشهور
ديوان شعر ملوْه غزل
بين العذارى بات ينتقل

اطلع علي الديوان الشاعر التقدمي الأستاذ علي جليل الوردي، فنظم بيتا على السجية وقال للسياب ، كان الأولى لك أن تقول
ديوان شعر ملوْه شعل
بين الطليعة بات ينتقل

وفى قصيدة أخرى يقول
يا ليتني أصبحت ديواني
لأفر من صدر إلى ثان
قد بت من حسد أقول له
يا ليت من تهواك تهواني
ألك الكؤوس ولى ثمالتها
ولك الخلود وأنني فاني؟

ويتعرف السياب على شعر وود زورت وكيتس وشيلى بعد أن انتقل إلى قسم اللغة الإنجليزية ويعجب بشعر اليوت واديث سيتويل ومن ثم يقرأ ترجمة لديوان بودلير أزهار الشر فتستهويه

ويتعرف على فتاة أضحت فيما بعد شاعرة معروفة غير أن عائق الدين يمنع من لقائهما فيصاب بإحباط آخـر، فيجـد سلوته في الانتماء السياسي الذي كانت عاقبته الفـصل لعـام دراسي كامل من كليته ومن ثم سجنه عام 1946 لفترة وجيزة

ملكة
30-11-2005, 07:18 PM
تابع

أطلق سراحه بعدها ليسجن مرة أخرى عام 1948 بعد أن صدرت مجموعته الأولى أزهار ذابلة بمقدمة كتبها روفائيل بطي أحد رواد قصيدة النثر في العراق

عن إحدى دور النشر المصرية عام 1947 تضمنت قصيدة هل كان حبا حاول فيها أن يقوم بتجربة جديدة في الوزن والقافية تجمع بين بحر من البحور ومجزوءاته أي أن التفاعيل ذات النوع الواحد يختلف عددها من بيت إلى آخر

وقد كتب روفائيل بطي مقدمة للديوان قال فيها نجد الشاعر الطليق يحاول جديدا في إحدى قصائده فيأتي بالوزن المختلف وينوع في القافية، محاكيا الشعر الإفرنجي، فعسى أن يمعن في جرأته في هذا المسلك المجدد لعله يوفق إلى أثر في شعر اليوم، فالشكوى صارخة على أن الشعر الربي قد احتفظ بجموده في الطريقة مدة أطول مما كان ينتظر من النهضة الحديثة

إن هذه الباكورة التي قدمها لنا صاحب الديوان تحدثنا عن موهبة فيه، وان كانت روعتها مخبوءة في اثر هذه البراعم - بحيث تضيق أبياته عن روحه المهتاجة وستكشف الأيام عن قوتها، و لا أريد أن أرسم منهجا مستقبلا لهذه القريحة الأصيلة تتفجر وتفيض من غير أن تخضع لحدود و القيود، ولكن سير الشعراء تعلمنا أن ذوي المواهب الناجحين، هم الذين تعبوا كثيرا، وعالجوا نفوسهم بأقصى الجهد، وكافحوا كفاح الأبطال، حتى بلغوا مرتبة الخلود

ويتخرج السياب ويعين مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة ثانوية في مدينة الرمادي التي تبعد عن بغداد تسعين كيلومترا غربا، تقع على نهر الفرات. وظل يرسل منها قصائده إلى الصحف البغدادية تباعا، وفى يناير 1949

ألقي عليه القـبض في جـيكور أثناء عطلة نصف السنة ونقل إلى سجن بغداد واستغني عن خدماته في وزارة المعارف رسميا فى25 يناير 1949 وافرج عنه بكفالة بعد بضعة أسابيع ومنع إداريا من التدريس لمدة عشر سنوات، فعاد إلى قريته يرجو شيئا من الراحة بعد المعاملة القاسية التي لقيها في السجن

ثم توجه إلى البصرة ليعمل (ذواقة) للتمر في شركة التمور العراقية، ثم كاتبا في شركة نفط البصرة، وفى هذه الأيام ذاق مرارة الفقر والظلم والشقاء ولم ينشر شعرا قط، ليعود إلى بغداد يكابد البطالة يجتر نهاراته في مقهى حسن عجمي يتلقى المعونة من أصحابه اكرم الوتري ومحي الدين إسماعيل وخالد الشواف، عمل بعدها مأمورا في مخزن لإحدى شركات تعبيد الطرق في بغـداد

وهكذا ظل يتنقل من عمل يومي إلى آخر، وفى عام 1950 ينشر له الخاقاني مجموعته الثانية (أساطير) بتشجيع من أكرم الوتري مما أعاد إلى روحه هناءتها وأملها بالحياة، وقـد تصدرتها مقدمة لبدر أوضح فيها مفهومه للشعر الجديد الذي يبشر به ويبدأ بدر بكتابة المطولات الشعرية مثل أجنحة السلام و اللعنات وحفـار القـبور و المومس العمياء وغيرها

ويضطرب الوضع السياسي في بغداد عام 1952 ويخشى بدر أن تطاله حملة الاعتقالات فيهرب متخفيا إلى إيران ومنها إلى الكويت بجواز سفر إيراني مزور باسم (على آرتنك) على ظهر سفينة شراعية انطلقت من عبادان في يناير 1953، كتب عنها فيما بعد قصيدة اسمها فرار 1953 وهناك وجد له وظيفة مكتبية في شركة كهرباء الكويت حيث عاش حياة اللاجئ الذي يحن بلا انقطاع إلى أهله ووطنه، وهناك كـتب أروع قصائده غريب على الخليج يقول فيها

مازلت اضرب، مترب القدمين أشعث
في الدروب تحت الشموس الأجنبية
مـتخافق الأطمار
أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل وحمى
ذل شحاذ غريب بين العيون الأجنبية
بين احتقار، وانتهار، وازورار.. أوخطيه
والموت أهون من خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبية
قطرات ماء.. معدنية

ويعود إلى بغداد بعد انقضاء عدة اشهر يلتقي بأصدقائه القدامى في مقهى حسن، ويقطع صلته بالحركة السياسية التي كان ينتمي إليها بعد تجربته المريرة في الكويت مع بعض رفاقه السابقين الذين عاشوا معه في بيت واحد. ثم يصدر أمر وزاري بتعيينه في مديرية الاستيراد والتصدير العامة، ويستأجر بيتا متواضعا في بغداد ويستدعى عمته آسيه لترعى شؤونه اليومية

تنشر له مجلة الآداب في يونيو 1954 أنشودة المطر تتصدرها كلمة قصيرة جاء فيها من وحي أيام الضياع في الكويت على الخليج العربي ويكتب بعدها المخبر تليها الأسلحة والأطفال وفي المغرب العربي و رؤيا فوكاي و مرثية الآلهة و مرثية جـيكور وينشغل بالترجمة والكتـابة، وتحل سنة1955 حـيث يتزوج من إقبال شقيقة زوجة عمه عبد اللطيف، وهى معلمة في إحدى مدارس البصرة الابتدائية

في العام نفسه نشر ترجماته من الشعر المعاصر في كتاب سماه قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث يحتوى على عشرين قصيدة لأليوت وستويل وباوند سبندر ودي لويس، ودي لامير و لوركا ونيرودا ورامبو وبريفير، وريلكه طاغـور وناظم حكمت وغيرهم

وتقوم حرب السويس اثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ليكتب بعـدها السـيـاب قصيدته بور سعيد ألقاها في اجتماع عقد في دار المعلمين العالية ببغداد تضامنا مع شعب مصر وفى،2 ديسمبر 1956 تولد ابنته البكر غيداء، التي ستصبح مهندسة فيما بعد

ويتعرف في شتاء1957 على مجلة جديدة ستلعب دورا هاما في مرحلته الفنية الجديدة تلك هي مجلة (شعر) اللبنانية كان محررها يوسف الخال وسرعان ما أصبح السياب أحد كتابها العديدين من دعاة التجديد في الشعر العربي مثل أدونيس وأنسي الحاج وجبرا إبراهيم جبرا وتوفيق صايغ، لتبدأ قطيعته مع مجلة الآداب التي تبنت نتاجه المدة السابقة

وبدعـوة من المجلة الجديدة يسافر إلى بيروت لاحياء أمسية شعرية تعرف خلالها على أدونيس و أنسي الحاج وشوقي أبى شقرا وفؤاد رفقه ويوسف الخال، ويعود إلى بغداد أشد ثقة بشاعريته. واكثر إحساسا بالغبن في بلده حيث يجابه وعائلته مصاعب الحياة براتب ضئيل

وتستهويه الأساطير التي دلها عليه (الغصن الذهبي) لجو فريزر والذي ترجم جبرا فصلا منه، فيكتب قصائد مثل المسيح بعد الصلب و(جيكور والمدينة) و(سربروس في بابل) و (مـدينة السندباد) وهى قصائد تمتلئ بالرموز مثل المسيح ويهوذا وتموز وعشتار وسربروس والسندباد، ويجئ يوم 23 نوفمبر 1957 لتكتحل عينا الشاعر بابنه غيلان وقد كثف بدر فرحه بمولوده في قـصيـدته مرحى غيلان و فيها يقول
بابا .. بابا
ينساب صوتك في الظلام إلى كالمطر الغضير
ينساب من خلل النعاس وأنت ترقد في السرير
من أي رؤيا جاء؟ أي سماوة؟ أي انطلاق؟
وأظل أسبح في رشاش منه، أسبح في عبير
أن أودية العراق
فـتـحت نوافـذ من رؤاك على سهادي
كل واد
وهبته عشتار الأزاهر والثمار
كأن روحي
في تربة الظلماء حبة حنطة
وصداك ماء أعلنت بعثي
يا سماء
هذا خلودي في الحياة
تكن معناه الدماء

ملكة
30-11-2005, 07:19 PM
تابع

وتأتى صبيحة 14 يوليو 1958 لتعلن عن نهاية الحكم الملكي على يد الجيش وتنسحب الجمهورية الوليدة من حلف بغداد تركيا، إيران، باكستان، العراق وتخرج من كتلة الإسترليني وتعلن قانون الإصلاح الزراعي وتطلق سـراح السجناء السياسيين، ويحس بدر أن ما تمناه طويلا قد تحقق، غير أن آمال بدر قد تهاوت اثر الانقسامات والاحترابات التي عصفت بالمجتمع آنذاك

وفى السابع من أبريل 1959 فصل من الخدمة الحكومية لمدة ثلاث سنوات بأمر وزاري لتبدأ من جديد رحلة التشرد والفقر، كان نتاجها عدد من القصائد مثل العودة لجيكور و رؤيا في عام 1956 و المبغى

في يوليو 1960 يذهب إلى بيروت لنشر مجموعة من شعره هناك، وتوافق وجوده مع مسابقة مجلة شعر لأفضل مجموعة مخطوطة فدفع بها إلى المسابقة ليفوز بجائزتها الأولى (1000 ل. ل) عن مجموعته أنشودة المطر التي صدرت عن دار شعر بعد ذلك

وعاد إلى بغداد بعد أن ألغي فصله وعين في مصلحة الموانئ العراقية لينتقل إلى البصرة ويقطن في دار تابعة للمصلحة في الوقت نفسه بدأت صحته تتأثر من ضغط العمل المضني والتوتر النفسي، غير انه اعتقل ثانية في 4 فبراير 1961 ليطلق سراحه في 20 من الشهر نفسه، و أعيد تعيينه في المصلحة نفسها، غير أن صحته استمرت بالتدهور فقد بدا يجد صعوبة في تحريك رجليه كلتيهما وامتد الألم في القسم الأسفل من ظهره


في 7 يوليو 1961 رزق بابنته آلاء في وقت ساءت فيه أحواله المالية، وغدا مثل قصبة مرضوضة. وحملته حالة العوز إلى ترجمة كتابين أمريكيين لمؤسسة فرانكلين، جرت عليـه العـديد من الاتهامـات والشكوك
ثم تسلم في العام نفسه دعوة للاشتراك في (مؤتمر للأدب المعاصر) ينعقد في روما برعاية المنظمة العالمية لحرية الثقافة

ويعود إلى بفداد و من ثم إلى البصرة- محلة- المعقل- حيث الدار التي يقطنها منذ تعين في مصلحة الموانئ، يكابد أهوال المرض إذ لم يعد قادرا على المشي إلا إذا ساعده أحد الناس ولم يعد أمامه سوى السفر وهكذا عاد إلى بيروت في أبريل 9962 في 18 أبريل 1962 أدخل مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، وبعد محاولات فاشلة لتشخيص مرضه غادر المستشفى بعد أسبوعين من دخوله إليه بعد أن كتب قصيدته الوصية يخاطب فيها زوجته
إقبال، يا زوجتي الحبيبه
لا تعذليني، ما المنايا بيدي
ولست، لو نجوت، بالمخلد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما وارحمي نحيبه


ويزوره اكـثر من طبيب في مرضه الميؤوس منه، وتنفد النقود التي تبرع بها أصدقاؤه له، وينشر له أصحابه ديوانه المعبد الفريق عن دار العلم للملايين لكن الدخل الضئيل الذي جناه منه لم يسد نفقات علاجه، وازدادت حاله سوءا وابتدأت فكرة الموت تلح عليه وهو ما نراه في قصيدة نداء الموت ليعود بعدها مدمرا نهاية سبتمبر 1962 تلاحقه الديون إلى البصرة، وتكفلت المنظمة العالمية لحرية الثقافة بنفقاته لعام كامل بعد أن رتبت له بعثة دراسية

يقول جبرا إبراهيم جبرا
في أواخر عام 1961 كانت وطأة المرض في بدء شدتها على الشاعر، حتى أخذ يفكر في أن لابد له من علاج في لندن قد يطول. ولما كان قد حصل على زمالة دراسية، كان الاقتراح أن ينخرط طالبا في جامعة إنكليزية للدراسة من أجل الدكتوراه

في أثناء ذلك ينصرف أيضا لمعالجة مرضه. وكان عندها أن سعيت له مع صديقي المفكر العربي الأصل، الأستاذ ألبرت حوراني، الأستاذ في جامعة أكسفورد لقبوله بأسرع ما يمكن، وكان التأكيد على السرعة

فأبدى الأستاذ حوراني حماسة للفكرة، و حاول أن يجد له مكانا في الجامعة غير أن قبوله لم يكن ليتم في الحال - والذين حاولوا أيجاد مكان لهم في أكسفورد يعلمون بالمدة الطويلة التي لابد من انقضائها أحيانا بين تقديم الطلب و القبول النهائي- ولما لم يكن ثمة مجال للانتظار

ومرض بدر في تصاعد سريع أخذ يعيق عليه سيره، استطاع الأستاذ حوراني أن يجد له قبولا في جامعة درم وهي من جامعات شمال إنكلترا، المعروفة بدراساتها الشرقية وفي أوائل خريف 1962 سافر در إلى إنكلترا لأول مرة والمرض يكاد يقعده، وتوجه إلى مدينة درم، وهو شديد القلق و المخاوف على حالته الصحية

ملكة
30-11-2005, 07:20 PM
تابع

درم مدينة جبلية صغيرة، ابتنت شهرتا على وجود جامعة فيها هي من أفضل الجامعات البريطانية. بيد أنها رغم جمالها الطبيعي، وجمال كلياتها التي يتباهى بعضها بروائع هندستها المعمارية، مدينة يلفها الضباب في معظم أيام السنة، ولقربها من مناجم الفحم المحيط بها من كل صوب، يشتد فيها الضباب قتاما أيام الخريف و الشتاء لدرجة الكآبة

وهي في مثل هذا القتام الكئيب أدركها بدر وهو ينوء بعبء سقامه. ويبدو أنه أقام فيها بضعة أيام كانت له أيام خيبة ومرارة، كتب في كل يوم منها. ولم يستطع أن ير أحدا، ولم يره أحد. واستقل القطار بعدها عائدا إلى مستشفي في لندن، حيث نظم شعرا كثيرا يحمل بعض ما أحس به من كآبة في تلك المدينة الصغيرة التي لم تتح له أن يرى فيها شيئا من فتنة كان يتوقعها

في نهاية عام 1968، إذ كنت في جولة بين بعض الجامعات الإنكليزية أحاضر عن الأدب العربي، ذهبت إلى درم لأول مرة، وألقيت فيها محاضرة على جمهور جامعي، وكان التجاوب بيننا حارا، طيبا. وتحدثت عن بدر، وذكرت كيف انه انخرط طالبا في درم، ولو لأيام قلائل، وتوقعت أن يكون بين الأساتذة على الأقل من يعلم بذلك

وكانت الدهشة كبيرة : السياب طالب في درم
لم يعلم بذلك أحد. لم يكن قد سمع بذلك أحد، حتى من المعنيين بالدراسات المعاصرة. دهشة طيبة، ولكن، رحماك يا بدر، لم تعلم الجامعة حتى بمجيئك

لكنت ضحكت ولا ريب، غير أنها الآن تعلم، وتفخر بأنك قضيت فيها عدة من أيام في مستشفى لندن كتب السياب العديد من القصائد لعل من أهمها سفر أيوب لك الحمد مهما استطال البلاء
و مهما استبد الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وان المصيبات بعض الكرم

وفي درم كتب قصيدة الليلة الأخيرة وكانت زيارته إلى درم تجربة مريرة في الوحدة والبرد والمرض، وهناك اسـتعان بعكاز اصطحبه إلى لندن حيث لزم غرفته فقيرا وحيدا بانتظار تحويل مصرفي من المنظمة العالمية لحرية الثقافة في باريس

وبين الأمل واليـأس والمراسلات المستمرة انقضت أيامه في المستشفى موحشة باردة حتى صدرت مجموعته منزل الأقنان في بيروت- مارس 1963 بعد أن غادر بدر المستشفى بأيام قليلة، ليكتب بعدها مجموعة قصائد اشهرها شناشيل ابنة الجلبي مستذكرا كعادته طفولته وصباه في جيكور وأبي الخصيب وبين أفياء النخيل الوارفة وظلال البساتين ومجارى الأنهار


وفى15 مارس 1963 طار إلى باريس في طريق العودة إلى الوطن تحت إلحاح زوجته ورسائلها التي تصف الحالة المزرية التي ترزح تحت وطأتها العائلة، وفى باريس عرفه أصحابه بلا جـدوى على عـدد من الأطباء الفرنسيين، وفى 23 مارس 1963 غادر باريس على كرسي متحرك من مطار أورلي
وقد ذكرت لوك نوران كيف جاءت هي وأدروار طربيه و ماري جورج و سيمون جارجي لتوديع بدر في المطار فبدا بدر لها وكأنه ذاهب ضد الزمن وضد الموت

وعندما جاءت المضيفة لتأخذه إلى ذلك الجانب الغامض من المطار حيث لا يسمح بدخول أحد غير المسافرين، وعندما دفعت كرسيه الدراج إلى الباب فانفتحت دفتاه ثم أغلقتا مثل فخ، شعرنا بقلبنا يتوقف

فقد اختفى بدر وهو عالق بابتسامة المضيفة بتجلد. كان قد التفت نحونا وهز يده ولكننا كنا نعلم أنه كان يغور في الفراغ. كان بدر يموت للمرة الأولى بالنسبة لنا، بينما ابتسامة الموت ترتسم على شفتي امرأة

ولم يمر أسبوعان على وصول بدر إلى البصرة، حتى فصل من الخدمة الحكومية لمدة ثلاث سنوات ابتداء من 4 نيسان 1963 بناء على مقتضيات المصلحة العامة، واستنادا لأحكام المادة 2-أ من قانون تطهير الجهاز الحكومي رقم 2 لسنة 1958

كانت هذه صدمة شديدة زادت من هموم بدر/ فكتب رسالة إلى لجنة الاعتراضات الخاصة بالمفصولين و المعزولين، وأرسلها إلى بغداد وفيها يحتج لبراءته و يؤكد ولاءه للعهد الجديد. ولكنه قبل النظر في أمره كان بلا عمل وبلا دخل وكانت أول قصيدة كتبها بعد رجوعه إلى البصرة هي ليلة في العراق
وعدت إلى بلادي، يالنقالات إسعاف
حملن جنازتي، ماتمدد فيها أثن رأيت غيلانا
يحدق ، بانتظاري، في السماء وغيمها السافي
و ما هو غير أسبوعين ممتلئين أحزانا
ويفجأني الن1ير بأن أعواما من الحرمان و الفاقة
ترصد بهي هنا، في غابة الخوذ الحديدية

ملكة
30-11-2005, 07:22 PM
تابع

بعد ذلك بدأ بدر يعمل كمراسل أدبي لمجلة حوار في العراق، بعد أن نال موافقة جون هنت، سكرتير المنظمة العالمية لحرية الثقافة في بباريس. وبدأ يرسل إلى توفيق صايغ محررها في بيروت، تقارير فصلية عن الحركة الأدبية في العراق،وكان يدفع له أربعين دولارا على التقرير

وصار ينشر شعره كذلك في هذه المجلة التي كانت تدفع لكتابها مبالغ طيبة. و كانت الأوساط الفكرية القومية قد بدأت ترتاب بها و تهاجمها على أنها أداة من أدوات الاستعمار الغربي وتسلله الثقافي

ولم تتحسن صحته بدر على الرغم من أنه واصل اخذ الدواء الذي وصفه له الدكتور في باريس، وسال سيمون جارجي أن يرسل له المزيد منه. وكان يستصعب المشي الآن حتى بعكاز، وقد وقع على الأرض مرارا وهو يحاول المشي مجررا قدميه. و عندما مات أبوه في أوائل 1963 ، في عيد الأضحى، لم يستطع أن يذهب إلى المسجد لحضور جنازته. وكان يقضي معظم وقته في البيت

ولم يكتب شعرا مدة طويل، ولكنه عمل على ترجمة فصول عينها له جبرا من كتاب الشعر و النثر الأمريكيان الذي كان سينشر في بيروت بتكليف من مؤسسة فرنكلين في بغداد باشتراك مترجمين آخرين

وفي هذا الوقت قبل بدر أن يعالجه بدوي من ال************ر، فكوى ساقيه وظهره بالنار ثم أعطاه بعض المراهم ليدهن بها أطرافه المشلولة. لم يكن لهذا (العلاج) فائدة وقبل بل بدر في يأسه كذلك أن يعالجه سادات البصرة من الرفاعية الذين كانوا يدعون العلم بالعلاج الروحاني

فحل عندهم يومين تحسنت صحته بعدهما، ربما بفعل الإيحاء الذاتي، لكن التحسن كان قصير الأجل. ولم يعد تعيين بدر في وظيفته السابقة في مصلحة الموانئ العراقية إلا في 11 تموز 1963

وكان صديقه مؤيد العبدالواحد يرافقه يوميا إلى العمل ومنه إلى البيت. لكن بدر لم يكن في الواقع قادرا على شيء يذكر من العلم في حالته السيئة تلك. و كتب إلى سيمون جارجي في 21 تشرين الأول 1963 يقول : إنتاجي الشعري، هذه الأيام، قليل جدا، وذلك لانعدام أية تجربة شعرية جديدة

إنني نادرا ما أغادر الدار إلا إلى مقر عملي. كما أنى سئمت من الضرب على وتر أنا مريض فيما أكتب من شعر
وقد فكر بدر، وهو يعيش ذكريات الماضي وينتج القيل من الشعر، أن يعيد شيء من شعر الباكر فاختار من أزهار ذابة- القاهرة 1048- و أساطير -النجف 1950- عددا من القصائد ولا سيما من المجموعة الأخيرة، فشذبها وهذبها وحذف منها قليلا، ونشرها في بيروت في تشرين الأول 1963 بعنوان أزهار وأساطير

وكان مجرى الأحداث السياسية في العراق يسوء فحيث كان بدر يأمل أن يرى جبهة متضامنة تؤيد العهد الجديد الذي أطاح بقاسم، كان هناك صراع على السلطة. وكان البعثيون يحاولن السيطرة على البلاد، لكن الرئيس عبد السلام عارف والجيش أحبطا خططهم في تشرين الثاني 1963

وكان الصراع على السلطة يعتبر أهم من الوحدة الوطنية و تنفيذ الإصلاحات الواسعة التي وعدت بها ثورة 14 تموز 1958، وأعادت تأكيدها ثورة 41 رمضان 1382 8 شباط 1963

لكن بدرا كان قد بلغ به المرض حدا ما عاد به يقوى على الاهتمام. بل أنه كان يشعر كأنه أسير في سفينة قراصنة، أزيل ربانها وقام ثان طموح مكانه لن يلبث أن يزال أيضا، وهكذا باستمرار

وفي 29 تشرين الثاني 1963 كتب قصيدة أسير القراصنة يصف فيها حسرته لأنه مشلول، ويتمنى لو كان يستطيع المشي ويفضل ذلك على كونه شاعرا يعزف القيثار باسم الجراح ، ثم يقول لنفسه
و أنت في سفينة القرصان عبد أسير دونما أصفاد تقبع في خوف وإخلاد تصغي إلى صوت الوغى والطعان
سال دم
اندقت رقاب ومال
ربانها العملاق
وقام ثان بعده ثم زال
فامتدت الأعناق
لأي قرصان سيأتي سواه
و أي قرصان ستعلو يداه
حينا على الأيدي ؟
وليأت من بعدي
من بعدي الطوفان
تسمعها تأتيك من بعد
يحملها الإعصار عبر الزمان

ملكة
30-11-2005, 07:23 PM
تابع

وكان بدر في غضون ذلك هدفا لحملات صحفية بسبب تناقضاته السياسية في الماضي وموقفه غير الملتزم في الحاضر. وكانت علاقاته بمجلة جوار و المنظمة العالمية لحرية الثقافة تذكر ضده

وكان معظم الناس يحكم عليه أشد الحكم بناء على ما كتب أو ما كان يكتب ولكن قلائل كانوا يعلمون حقا مبلغ مرضه ومدى ضعفه، إذ كانوا لا يزالون يحسبون أنه عملاق الشعر العربي الحديث الذي يجب أن يكون دائما عند كلمته بينما لم يكن عند بدر الا أن يندب حظه ويتحسر على عمره الضائع ويرغب في الموت


قال في رسالة إلى صديق : ( لا أكتب هذه الأيام إلا شعرا ذاتيا خالصا. لم اعد ملتزما. ماذا جنيت من الالتزام؟ هذا الفقر وهذا المرض؟ لعلي أعيش هذه الايام آخر أيام حياتي
إنني أنتج خير ما أنتجته حتى الآن. من يدري؟ لا تظن أنني متشائم، العكس هو الصحيح لكن موقفي من الموت قد تغير

لم أعد أخاف منه، ليأت متى شاء. أشعر أنني عشت طويلا. لقد رافقت جلقامش في مغامراته، وصاحبت عوليس في ضياعه، و عشت التاريخ العربي كله ألا يكفي هذا؟ تمثال السياب

وكانت حالته الصحية تزداد سوءا كل يوم وكاد فقد القدرة على الوقوف الآن كان طريح الفراش في إجازة مرضية وقد بدأت تظهر له في منطقة الأليتين قرحة سريرية جعلت تتوسع لطول رقاده في السرير

ولم يعد قادرا على ضبط حركتي التبول و إفراغ الأمعاء لضعف الأعصاب الاحساسية والعضلات الضابطة في جذعه الأسفل

ومرت بامرأته أيام عصيبة وهي تتفانى في خدمته وتوفر أسباب الراحة له وعلى الرغم من أنه كان يتمتع بكامل قواه العقلية فانه كان أحيانا يتهمها بعدم العطف عليه

وفي كانون الثاني 1964 سمع بدر بوفاة الشاعر لويس مكنيس، فكتب قصيدة لهذه المناسبة. ولكنه لم يستطع أن يحجم عن الإشارة إلى مرضه وغربته عن زوجته وتمنى الموت. وكان يدخن كثيرا ويأكل قليلا جدا

واذا به في 9 شباط 1964 في حالة صحية حرجة استدعت إدخاله إلى مستشفي الموانئ في البصرة، وهو يعاني ارتفاع حرارته إلى أربعين درجة مئوية، بالإضافة إلى عسر في التنفس مع ازرقاق الشفتين وسعال شديد

و بعد الفحص تبين أنه مصاب بذات الرئة المزدوجة وبداية خذلان القلب، وإسهال شديد مع تقيؤ، وقرحة سريرة متعفنة قطرها 25 سنتيمترا في المنطقة الحرقفية، بالإضافة إلى شلل أطرافه السفلى وهزاله الشديد

فوضع مدة أسبوع كامل تحت المعالجة الخاصة بالحالات الطارئة الحرجة في المستشفى الحكومي، وبعد أن زال الخطر عن حياته مباشرة، وبعد أن بدأت حالة قلبه ورئتيه تتحسن عولج لإزالة الإسهال الذي كان يزيد قرحته السريرية سوءا

وعندما بدأ الإسهال يزول اصبح في الإمكان معالجة قرحته السريرية، فتحسنت حالتها و أصبحت غير متقيحة. غير أن التئامها بطريقة نمو الأنسجة الذاتي كان مشكوكا فيه إلا بعملية رقع الجلد

وقد كتب بدر بهذا الشأن رسالة مؤثرة إلى توفيق صايغ يسأله فيها أن يرسل مسحوقا طبيا لجراح الناغرة و الفاغرة يشتريه له من صيدليات بيروت

وقد أعطي بدر كميات كبيرة من الأدوية المقوية ، فضلا عن الكميات الإضافية من الحليب و اللحوم و الأسماك و الفواكه، مع العلم أنه لم يكن في المستشفى إلا أسرة من الدرجة الثالثة التي لا تقدم لها هذه الأغذية وبمثل هذه الكميات

فازداد وزن بدر اكثر من ثمانية كيلوغرامات، وبوشر باجرء تمارين رياضية بسطة لأطرافه السفلى. و كان الطبيب يعلم أن لا علاج لمرض التصلب المنتشر في النخاع الشوكي المسبب للشلل، ولكنه اقترح أن ينقل بدر إلى أحد مستشفيات بغداد ليوضع تحت إشراف طبيب أخصائي بأمراض الجهاز العصبي

وفي أول نيسان 1964 انتهت المدة التي يحق لبدر فيها أن ينال إجازات مرضية واجازات اعتيادية براتب تام 54 دينارا عراقيا، وكذلك المدة التي يحق له فيها أن ينال إجازات مرضية بنصف راتب، بمقتضى أحكام قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960

ولكنه لم يستطع أن يغادر المستشفى لاستئناف العمل في مصلحة الموانئ. لذلك بدأت مدة الإجازة المرضية بدون راتب التي يسمح بها القانون، وطولها 180 يوما وفي 8 نيسان 1964 أرسلت جمعية المؤلفين و الكتاب العراقيين ببغداد، وكان بدر عضوا فيها، رسالة إلى وزارة الصحة العراقية تتوسط لديها لمعالجة بدر

ملكة
30-11-2005, 07:23 PM
تابع

وجوابا على استفسارات الوزارة، أرسلت الجمعية رسالة أخرى في 26 نيسان 1964 فيها معلومات عن حالة بدر المرضية و معالجته في مستشفى الموانئ، مع رجاء حار بسرعة توفير الأخصائيين الطبيين لمساعدة بدر

ولكن الرسميات في الدوائر الحكومية طالت، بحيث أن شهر حزيران 1964 كاد ينتهي قبل أن تتخذ ترتيبات لنقل بدر بالقطار إلى بغداد ليوضع في غرفة من الدرجة الأول ويعالج في مستشفى الشعب ببغداد وصدرت دعوة المستشفى بتاريخ 29 حزيران 1964، ولكنها لم تصل بدرا إلى في 5 تموز 1964

وكانت ترتيبات خاصة أخرى قد اتخذت قبل ذلك لمعالجة بدر في الكويت وذلك أن الشاعر الكويتي علي السبتي كان قد نشر نداء موجها لوزير الصحة الكويتي عبداللطيف محمد الثنيان يناشده فيه معالجة بدر في الكويت على حساب الحكومة الكويتية فرحب وزير الصحة بذلك وكان معجبا بشعر بدر فاتخذت الترتيبات لأن يجئ بدر إلى الكويت بالطائرة ليعالج في المستشفى الأميري

في 5 تموز 1964، كتب بدر كلمة شكر واعتذار على رسالة الدعوة التي جاءت من مستشفى الشعب ببغداد يشرح الترتيبات السابقة مع الحكومة الكويتية. وفي 6 نموز طار إلى الكويت على إحدى طائرات الخطوط الجوية العراقية وكان وحده

فاستقبله في المطار الكويتي صديقه علي السبتي مع أصدقاء آخرين. وادخل المستشفى الأميري في الحال ووضع في غرفة خاصة و أحيط بكل عناية واهتمام


غير أن لا عناية ولا اهتمام مهما حسنا كان بإمكانهما أن يعيدا الصحة لبدر فقد كانت صحته في تأخر وانحدار متزايدين، وكان التصلب يسوء صعدا في نخاعه الشوكي ويزيد في إفساد وظائف جهازه العصبي، وساءت حالة قرحته السريرية بفقدان الإحساس في جذعه الأسفل وعدم قدرته على السيطرة على البراز و البول
وكانت رجلاه الضامرتان بلا قوة، وقد أدى عدم استعمالهما إلى بداية فساد في العظام نفسها ولكنه كان متمالكا لجميع قواه العقلية، وكان برى أنه يعيش في حضن الموت

> و لم يكن في حاجة لأن يقول له أحد أن أيامه كانت معدودة. لماذا إذن اذلال الجسد، ولماذا آلام الروح؟ ليأت الموت سريع، وليأت فجأة

وفي ليلة 9 تموز 1964 كتب قصيدة عنوانها في غابة الظلام بينما كان ساهرا يفكر بحالته الحزينة وبابنه غيلان يحلم بعودة والده، وختمها بقوله
أليس يكفي أيها الإله
أن الفناء غاية الحياه
فتصبغ الحياة بالقتام ؟
سفينة كبيرة تطفو على المياه؟
هات الردى ، أريد أن أنام
بين قبور أهلي المبعثرة
وراء ليل المقبرة
رصاصة الرحمة يا اله

لقد بلغ به اليأس مبلغا حتى أنه طلب من الله رصاصة الرحمة، طلب موتا فجائيا ينهي شقاءه برحمة

وكان يزوره في المستشفى يوميا كثيرون من أصدقائه مثل علي السبتي وناجي علوش، وإبراهيم أبوناب وفاروق شوشه وسلمى الخضراء الجيوسي مع زوجها. وكان وزير الصحة الكويتي وغيره من كبار الرسميين الكويتيين يزورونه كذلك، ولم يكن بدر وحيدا ، بل أنه في الواقع كان ينزعج أحيانا من طول جلسات الشعراء و الكتاب والصحفيين التي كانت تدوم إلى ساعات متأخرة من الليل

وما أعظم ما كنت سعادته حين تسلم رسالة من زوجته في 3 آب 1964، فكتب قصيدة عنوانها (رسالة) يصف فيها شعوره بالقلق على أسرته. وفي ليلة 5 آب 1964 كان يفكر مشتاقا بابنتيه غيداء وآلاء وينتظر وصولهما مع غيلان وزوجته إقبال في اليوم التالي. فكتب قصيدة عنوانها (ليلة انتظار)، وفيها يقول
غدا تأتين يا إقبال ، يا بعثي من العدم
ويا موتي ولا موت
ويا مرسى سفينتي التي عادت ولا لوح على لوح
ويا قلبي الذي إن مت أتركه على الدنيا ليبكيني
ويجأر بالرثاء على ضريحي وهو لا دمع ولا صوت
أحبيني ، إذا أدرجت في كفني .. أحبيني
ستبقى - حين يبلى كل وجهي ، كل أضلاعي
وتأكل قلبي الديدان ، تشربه إلى القاع
قصائد .. كنت أكتبها لأجلك في دواويني
أحبيها تحبيني

ملكة
30-11-2005, 07:24 PM
تابع

ووصلت إقبال و أولادها إلى الكويت في اليوم التالي ونزلوا في بيت علي السبتي خلال اقامتهم في الكويت. وكانت إقبال تزور زوجها في المستشفى كل يوم فتؤنسه وتخدمه
وكانت رؤية أطفاله تدمي قلبه على رغم ما كانت تدخل إليه من سعادة. فقد كان يعلم أنه مائت وتاركهم وراءه
ولم يكن بدر الآن قادرا على كتابة الشعر بتدفق كالسابق. على الرغم من الحافز الأقوى على الكتابة وفي 14 آب 1964 كتب قصيدة (المعول الحجري) وفيها يقول
رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
فدونك يا خيال مدى و آفاق ألف سماء
وفجر من نجومك ، من ملايين الشموس من الأضواء
وأشعل في دمي زلازال
لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الإعياء
خوالج كل نفسي ، ذكرياتي ، كل أحلامي
و أوهاني
و اسفح نفسي الثكلى على الورق
ليقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أ، أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام و الأرق
و رغم الفقر أن يحيا

وينهي بدر قصيدته مودعا أصدقاءه وأحباءه، وهو يعلم أن مرضه لن يسمح له بمزيد من الحياة

وفي ليلة 21 آن 1964 كتب قصيدة عنوانها ليلة وداع أهداها إلى زوجتي الوفية وفيها يعبر بدر عن حبه لزوجته وعطفه عليها وشعوره معها في وحدتها ويتمنى لو كان بمقدورها أن تشعر معه ويقول
آه لو تدرين ما معنى ثوائي في سرير من دم
ميت الساقين محموم الجبين
تأكل الظلماء عيناي ويحسوها فمي
تائها في واحة خلف دار من سنين
و أنين
مستطار اللب بين الأنجم

وعندما يتحدث عن حبه لها يتمنى لو كانت أقل غيرة و أكثر صراحة ويقول
آه لو كنت كما كنت صريحه
لنفضنا من قرار القلب ما يحشو جروحه
ربما أبصرت بعض الحقد ، بعض السأم
خصلة من شعر أخرى أو بقايا نغم
زرعتها في حياتي شاعره
لست أهواها كما أهواك يا أغلى دم ساقى دمي
إنها ذكرى ولكنك غيرى ثائره
من حياة عشتها قبل لقانا
أوصدي الباب . غدا تطويك عني طائرة
غير حب سوف يبقى في دمانا

عادت زوجته و أطفاله إلى العراق في اليوم التالي
وكان بدر خلال اقامته في المستشفى يكسب بعض المال بنشر قصائده في الصحف الكويتية التي كانت تدفع له جيدا. ومنه مجلة (الرائد العربي) التي كان يحرر فيها إبراهيم أبو ناب، فكانت تدفع له عشرة دنانير عن كل قصيدة

وكان بدر في غضون ذلك يقوم باتصالات لنشر مجموعة جديدة من شعره لدي دار الطليعة في بيروت، بعنوان شناشيل ابنة الجلبي

وكانت صحته قد هبطت هبوطا شديدا. وفقد الشهية للطعام وزاد هزاله. وعلى الرغم من تعاطي الأدوية المقوية فقد بلغ ضعفه درجه أصبح معها يجد صعوبة في الكلام أحيانا

وقد أصيب بكسر في عنق عضل فخذه اليسرى بينما كانت المدلكة تقوم بتدليكه، وذلك لذوبان الكلس في العظام

وفي أيلول 1964 أصيب مرتين بالنزلة الصدرية وصل فيها إلى حالة خطيرة كادت تودي بحياته لولا العلاجات التي أعطيت له بكميات كبيرة

وفي أواخر أيلول 1964 عندما لم يكن بعد قد تغلب على نزلته الصدرية أرسلت له مصلحة الموانئ العراقية في البصرة رسالة تخبره فيها أنه ابتداء من بعد ظهر 27 أيلول 1964 انتهت مدة أجازته المرضية البالغة 180 يوما بدون راتب، وأنه لعدم استئنافه العمل أحيل على التقاعد استنادا لأحكام الفقرة 30ب من المادة 46 من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960. ولم يكن أثر هذه الرسالة في بدر حسنا بالطبع

وقفي تشرين الأول 1964 بلغ الضعف حدا لم يعد منه قادرا على الأكل، واستوجبت الحالة تغذيته بواسطة أنابيب تدلى من أنفه. وقد أرسلت له جمعية المؤلفين و الكتاب العراقيين ببغداد منحة مالية قدرها مائة دينار عراقي في محاولة لمساعدته ماليا ومعنويا. بيد أن أية مساعدة لم تكن مجدية

وبدأت تنتاب بدرا نوبات من الهذيان و التصورات الوهمية، فان هزاله وضعفه الشديد و اضطراب جهازه العصبي بدأت تؤثر في دماغه. و كان يستعيد صفاءه الفكري مدة ساعات ليعود بعدها إلى حالة من الاضطراب الفكري


وقد وصفته الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي في هذه الفترة ، فقالت: بدر إلى سرير المستشفى- المستشفى الأميري في الكويت- الغرفة رقم 1 ، وفي أنفه أنبوب الطعام، و الحياة تهجر جسمه الذي أذوته الجهود و الأوجاع، وعذبه ترقب الموت. انه يناديني نعم يا بدر. صوتي مرهق وخافت
إذا ينطلق في هواء الغرفة الساخن الحزين. لقد كنت ارتجف. وأوشك على البكاء هل تعلمين؟ لقد ضاع دفتر شعري الجديد وبصوت لا يكاد يسمع إقبال لم تجئ. ثم بعد لحظات لقد ضاع مني كل شيء

هراء قلتها له ألف مرةإن ما ملكت لا يضيع. ما كان أفقرنا لو ضاع منا ما أعطيت انهم لم يروك كما رأيتك أنا، في تلك النهاية البطيئة التي تحطم القلب الأنابيب و البثور ة الهذيان و الطعام الذي لم يمس

لحظات الصفاء اللامعة ثم الكابوس و الانهيار، مودتك وحكاياتك و طلباتك الصغيرة، ينبوع الشعر الذي ظل يتفجر من قلبك

لقد عرفت لحظة الشعر في نفسك أطراف النقيضين: ينبوع الشعر، والانكسار المغدور البائس و انسحاقه في الموت

ويقول الدكتور محمد أبو هنطش مدير المستشفى الأميري بالكويت ويروي إبراهيم أبو ناب أن بدرا حدثه كيف كان إبليس يحاول جره إلى النار، وكيف كان هو يقاوم ويمانع ويدافع عن نفسه، بأنه ليس الشخص المراد به ذلك

ويقول ناجي علوش أنه كان يسمع بدرا يهذي بالجن و الأرواح ويقول راضي صدوق أن بدرا في لحظات صفائه الفكري، كان يعتذر لأصدقائه عما قد يكون قاله لهم خلال لحظات هذيانه وتصوراته الوهمية

وكان بدر يدخن كثيرا ويشرب الشاي الثقيل. ولم يكتب شعرا مدة طويلة. وفي 10 تشرين الثاني 1964 ، كتب بدر قصيدة عنوانها عكاز في الجحيم وهي على ما يروى علي السبتي آخر ما كتب بدر من قصائد

ولكن هناك قصيدة أخرى غير مؤرخة عنوانها إقبال و الليل يقول فؤاد طه العبد الجليل أخو زوجة بدر الذي نشر مجموعة بدر الأخيرة، إنها قد تكون آخر ما كتب بدر. وربما كتبت في حدود هذا التاريخ

وفي القصيدة الأولى يلخص بدر تاريخ عذابه الذي سجنه في سريره وحد من انطلاقة عبقريته ويقول
وبقيت أدور
حول الطاحونة من ألمي
ثورا معصوبا، كالصخرة، هيهات تثور
والناس تسير إلى القمم
لكني أعجز عن سير - ويلاه- على قدمي
وسريري سجني ، تابوتي، منفاي إلى الألم
و إلى العدم

ثم يقضي في قوله كيف كان يتوقع أن يقدر على المشي يوما ولو على عكازين. لكنه الآن يرغب أن يسعى على رأسه أو ظهره ليصل القبر ويشق دربه إلى الجحيم. ويصرخ في وجه موكلها
لم تترك بابك مسدودا ؟ ولتدع شياطين النار
تقتص من الجسد الهاري
تقتص من الجرح العاري
وتأت صقورك تفترس العينين و تنتهش القلبا
فهنا لا يشمت بي جاري
أو تهتف عاهرة مرت من نصف الليل على داري
بيت المشلول هنا ، أمسى لا يملك أكلا أو شربا
وسيرمون غدا بنتيه وزوجته دربا
وفتاة الطفل إذا لم يدفع متراكم إيجار
انثرني ويك أباديدا
وافتح بابك لا تتركه أمام شقائي مسدودا
ولتطعم جسمي للنار

وفي القصيدة الأخرى يلخص بدر في ليلة طويلة ساهرة حبه للعراق وجيكور ولأصدقائه وأقاربه، ولزوجته و أطفاله، ويوجه الكلام لزوجته فيقول
يا أم غيلان الحبيبة صوبي في الليل نظره
نحو الخليج. تصوريني اقطع الظلماء وحدي
لولاك ما رمت الحياة، ولا حننت إلى الديار
حببت لي سدف الحياة، مسحتها بسنا النهار
لم توصدين الباب دوني؟ يا لجواب القفار
وصل المدينة حين أطبقت الدجى ومضى النهار
والباب أغلق فهو يسعى في الظلام بدون قصد

ثم ينهي بدر القصيدة بنغمة عاطفية فيقول
إقبال مدي لي يديك من الدجى و من الفلاه
جسي جراحي و امسحيها بالمحبة و الحنان
بك أفكر لا بنفسي : مات حبك في ضحاه
وطوى الزمان بساط عرسك و الصبى في عنفوان

في كانون الأول 1964 كانت لحظات الصفاء في تفكير بدر تقل وتصبح نادرة ولحظات الاضطراب تكثر وتصبح متصلة تقريبا. و لم يتعرف على كثيرين من أصدقائه ومعارفه عندما كانوا يزورونه

وبدأت تنتابه، بالإضافة إلى ذلك، حالات إغماء وفقدان الوعي كانت تدوم ساعات فإذا صحا كان كامل الوعي متمالكا لقواه العقلية لا ينقصه شيء سوى قواه الجسدية. و أخيرا، وفي يوم الخميس الموافق للرابع و العشرين كمن كانون الأول 1964 وقع في غيبوبة وفاضت روحه في الساعة الثالثة بعد الظهر

فأبرق علي السبتي ينعي بدرا لأهلهن وأخبرهم أنه سيصطحب جثمانه إلى البصرة يوم الجمعة في 25 كانون الأول 1964

وكان اليوم يوما ماطرا لم تر المنطقة مثله مدة سنين عديدة. ورافق المطر السيارة التي حملت جثمان بدر من الكويت الى أن وصلت البصرة، في ذلك اليوم الذي كان العالم يحتفل فيه بعيد الميلاد. واستقبلها في البصرة مزيد من المطر

و أخذ جثمان بدر بالسيارة إلى داره في شارع أجنادين بالمعقل. لكن الدار كانت خالية، إذا أن عائلته كانت قد خرجت منها بأمر حكومي في ذلك اليوم نفسه. فأخذ جثمان بدر بالسيارة إلى دار فؤاد طه العبدالجليل في محلة الأصمعي، ولكن لم يكن في البيت أحد، وقيل لعلي السبتي أن الجميع ذهبوا إلى المسجد لاستقبال الجثمان وحضور الجنازة

وسيق الجثمان إلى المسجد حيث اجتمع قلة من الأهل و الأصحاب. وبعد صلاة الجنازة أخذ جثمان بدر إلى ال************ر يرافقه بضعة رجال فقط، فووري التراب في مقبرة الحسن البصري غير بعيد عن قبر ذلك الرجل العظيم
وكان المطر لا يزال ينهمر، ولكن لم يكن يرى في المنطقة نخيل

ملكة
30-11-2005, 07:25 PM
اعتمدت هذه السيرة على المصادر التالية :-

بدر شاكر السياب: دراسة في حياته وشعره. إحسان عباس

مقدمة ناجي علوش لديوان بدر شاكر السياب

بدر شاكر السياب حياته وشعره .عيسى بلاطة

أضواء على شعر وحياة بدر شاكر السياب: محمود العبطة

بدر شاكر السياب و الحركة الشعرية الجديدة في العراق. محمود العبطة

النار و الجوهر - جبرا إبراهيم جبرا

الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد- أبو ظبي - الإمارات. الخميس 26 ديسمبر 1996


تحياتي

ملكة
30-11-2005, 07:26 PM
مؤلفات السياب

1
أساطـير- منشورات دار البيان- مطبعـة الغرى الحديثـة- النجف- ط 1- 2
حفار القبور- مطبعة الزهراء- بغداد- ط ا- 1952 3
المومس العمياء- مطبعة دار المعرفة- بغداد- ط 1- 1954 4
الأسلحة والأطفال- مطبعة الرابطة- بغداد- ط ا- 1954 5
أنشودة المطر- دار مجلة شعر- بيروت- ط 1- 1960 6
المعبد الغريق- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1962 7
منزل الأقنان- دار العلم للملايين- بيروت- ط ا- 1963 8
أزهار وأساطير- دار مكتبة الحياة- بيروت- ث ا- د. ت 9
شناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1964 10
إقبال- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965 11
إقبال وشناشيل ابنة الجلبي- دار الطليعة- بيروت- ط ا- 1965. 13- قيثارة 12
الريح- وزارة الأعلام العراقية- بغداد- ط ا- 1971 13
أعاصير- وزارة الأعلام العراقية- بغداد- ط ا- 1972 14
الهدايا- دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974 15
البواكيرـ- دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربـي- بـيروت- ط ا- 1974 16
فجر السلام- دار العودة بالاشتراك مع دار الكتاب العربي- بيروت- ط ا- 1974 365

ملكة
30-11-2005, 07:28 PM
قصائد السياب

أنشودة المطر

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
.أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
وترقص الأضواء .. كالأقمار في نهر
يرجه المجداف وهنا ساعة السحر
... كأنما تنبض في غوريهما النجوم


وتغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت و الميلاد و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
.كنشوة الطفل إذا خاف من القمر


كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
.. وقطرة فقطرة تذوب في المطر
وكركر الأطفال في عرائش الكروم
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر
مطر
مطر
مطر
تثاءبي المساء و الغيوم ما تزال
.تسح ما تسح من دموعها الثقال
:كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه - التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لج في السؤال
قالوا له : " بعد غد تعود" -
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
،تسف من ترابها و تشربي المطر
كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حيث يأفل القمر
المطر
المطر
أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر ؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
،بلا انتهاء_ كالدم المراق، كالجياع
كالحب كالأطفال كالموتى - هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحل العراق بالنجوم و المحار
كأنها تهم بالبروق
.فيسحب الليل عليها من دم دثار


اصح بالخيلج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
".. يا واهب المحار و الردى


أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
.في الواد من اثر
أكاد اسمع النخيل يشرب المطر
و اسمع القرى تئن ، و المهاجرين
،يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع
:عواصف الخليج و الرعود ، منشدين
مطر"
مطر
مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحى تدور في الحقول … حولها بشر
مطر
مطر
مطر
وكم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا - خوف أن نلام - بالمطر
مطر
مطر
و منذ أن كنا صغارا، كانت السماء
تغيم في الشتاء
،و يهطل المطر
وكل عام - حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع
مطر
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
.حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على ف الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر
مطر
مطر
".. سيعشب العراق بالمطر


أصيح بالخليج : " يا خليج
"يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى
فيرجع الصدى
:كأنه النشيج
يا خليج"
" يا واهب المحار و الردى


وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال ، رغوه الاجاج ، و المحار
و ما تبقى ن عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
. من زهرة يربها الرفات بالندى
و اسمع الصدى
يرن في الخليج
مطر"
مطر
مطر
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع و العراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي ، واهب الحياة "


ويهطل المطر

ملكة
30-11-2005, 07:30 PM
الريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار
.من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج
: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه و من الضجيج"
، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
.كالمد يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق ********
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق

.. بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكور لي زمانه
.في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
، وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب
،من الدروب وهي المفلية العجوز وما توشوش عن (حزام) 1
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة
.فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
.كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
. بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
،حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
.كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء ؟
،أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
.و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيه) 2
(و الموت أهون من (خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيه
،فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
.بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود

ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكن و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكن من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
،كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثوباء بقيا من نعاسي كالحجاب
:من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
.عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشك في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود

واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع
.وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع
الكويت 1953

ملكة
30-11-2005, 07:34 PM
مصادر البحث

http://www.jehat.com/ar/sayab/gif/bader1.jpg

http://www.jehat.com/ar/sayab/gif/hasstaw.jpg

http://www.jehat.com/ar/sayab/gif/sayab2.jpg

http://www.jehat.com/ar/sayab/gif/sayabb.jpg

انشالله يكون عجبك


تحياتي

ملكة
30-11-2005, 07:38 PM
الاعصاار

يسلمووووووووووووووووو عزيزي ماسوينا الا الواجب

تحياتي

الفـيـصـل
01-12-2005, 07:57 AM
السلام عليكم


ما شاء الله عليك

مجهود جباااار ومتميز

بارك الله فيك

ملكة
01-12-2005, 03:21 PM
هلا المسافر

الله يخليك ياااااااااااارب ابد هذا واجبنا تجاه اعضائنا الكرام

يسلمووووووووووووو لمرورك عزيزي الكريم واهتمامك

تحياتي

ولايـــف
01-12-2005, 08:22 PM
أشكرك اختي ملكة الروح والله يوفقك ما قصرتي..... ابي اطلب منك طلب واظن اني راح اتعبك معي انك ترسلي بحث في اللغة العربيه في علوم القرآن عن المحكم والمتشابهه في القرآن أو القصه في القرآن واذا ما قدرتي ياليت تقولين لي عشان انزله موضوع في المنتدى واذا تعرفين مواقع بحوث في النفس ياليت ترسلينه لي والله يجزاك عني الف خير
واشكر الأخوان على المرور

ملكة
02-12-2005, 10:08 PM
هلا عزيزتي راح اشوف الموضوع لك انشالله
ولاتشيلي هم

تحياتي