المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رحلتي إلى بيت المقدس



أهــل الحـديث
08-08-2012, 09:30 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


المسجد الاقصى أُولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين ، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه ، ومصلى الانبياء جميعا ليلة الاسراء .
نوَّه القرآن الكريم بمكانته وأشاد بمنزلته في قوله تعالى " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله ، لنُريه من آياتنا ، إنه هو السميع البصير " ( الاسراء الاية : 1) .

والمسجد الاقصى هو المسجد المعروف في مدينة القدس ، وقد بُني على سفح الجبل ، ويسمى بيت المقدس ، أي البيت المطهر ، الذي يُتطهر فيه من الذنوب .
ويسمى الاقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام ، حيث كان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض تشد له الرحال .

وهذه نبذة من المعارف التي حصلتها من رحلتي إلى بيت المقدس ، أحببت أن يقف عليها كل محب للمسجد الأقصى ، ويمكن اجمالها في النقاط الاتية :
أولاً: التعريف بالمسجد الأقصى :
هو جامع كبير يقع في الجهة القبلية من ساحة المسجد الأقصى الشريف في مدينة القدس.
وقديماً كان يطلق اسم المسجد الاقصى على كل ما بداخل سور المسجد القدسي الشريف.
يمتد بناؤه من جهة القبلة إلى الشمال في سبعة أروقة متجاورة مرتفعة على الأعمدة الرخامية ، والسواري التي تضم (33) عموداً و (40) سارية مبنية بالحجر .
للمسجد عشرة أبواب تؤدي إلى الساحة العامة للمسجد القدسي الشريف، سبعة منها جهة الشمال ،وباب من الشرق، وآخر في الغرب ،والباب الأخير في جامع النساء .

ثانيا : فضائله أحكامه :
يمكن اجمال فضائله في ست نقاط :
1- أنه القبلة الأولى للمسلمين: فإليه كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم قبل أن تُحوَّل القبلة إلى الكعبة المشرفة. وقد أشار القرآن الكريم إلى أن التوجه إلى بيت المقدس كان ابتلاء من الله، ليعلم سبحانه من يتّبع رسوله صلى الله عليه وسلم ممن يرتد على عقبيه ، فقال سبحانه : " وما جعلنا القبلة التي كنتَ عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ( البقرة :143) .
وقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث البراء بن عازبرضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة، نزل على أجداده ،أو أخواله من الأنصار، وأنه صلى قِبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، وكان يعجبه ان تكون قبلته قِبَل البيت " .
2- الاسراء اليه والمعراج منه:
قبل الهجرة النبوية أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده على الصحيح من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، راكباً على البراق، بصحبة جبريل عليهما الصلاة والسلام، فنزل هناك، وصلى بالانبياء اماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد. وقد نزل في ذلك قول الله تعإلى:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" (الاسراء :1) .
وقد فصَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث عن قصة الاسراء والمعراج، وذكر ما اشتملت عليه من المعجزات، كما في صحيح البخاري ومسلم من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه .
3- شَّد الرحال اليه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الاقصى" متفق عليه .
4- مضاعفة الصلاة فيه :
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمائة الف صلاة ، وفي مسجدي الف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة . " أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه إلى الطبراني وابن خزيمة والبزار، وقال البزار: اسناده حسن. وقال الجراعي: ورد انَّ الصلاة فيه بخمسمائة، وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: إنه الصواب .
5 - كونه ثاني مسجد في الارض:
عن أبي ذر رضي الله عنه، قال : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الارض، قال:"المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الاقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: اربعون عاماَ .." متفق عليه .
6: مباركة الأرض حوله:
أخبر الله تعإلى عن المسجد الاقصى أنه بارك حوله في قوله تعإلى:"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله" (الاسراء :1)، وفي الآية تفسيران : أحدهما أنه مبارك بمن دُفن حوله من الانبياء المصطفين الأخيار، والثاني: بكثرة الثمار ومجاري الانهار .
وقد قال الله سبحانه:"باركنا حوله" ولم يقل : باركنا عليه أو فيه، والجواب عن ذلك: أنه سبحانه قال "باركنا حوله" لتكون بركته أعم وأشمل، فإنه أراد بما حوله ما أحاط به من أرض الشام وما قاربه منها، وذلك أوسع من مقدار بيت المقدس، ولأنه إذا كان هو الأصل، وقد بارك في لواحقه وتوابعه من البقاع ، كان هو مُباركاً فيه بالطريق الأولى بخلاف العكس، وقيل : أراد سبحانه البركة الدنيوية كالأنهار الجارية والاشجار المثمرة، وذلك حوله لا فيه .
ومن الاحكام المتعلقة بالمسجد الاقصى : كراهة استقباله واستدباره بالبول والغائط، والحذر من اليمين الفاجرة فيه، واستحباب اقامة صلاة العيد فيه قياساً على الحرمين الشريفين . وهذه الاحكام لم ترد فيها أحاديث مرفوعة، بل وردت فيها آثار واقوال حسنة عن ابن عمر ومعاذ وكعب الاحبار رضي الله عنهم اجمعين .

ثالثا: هيكل سليمان عليه السلام لم يبن في بقعة المسجد الاقصى :
هيكل سليمان : أهم مبنى للعبادة اليهودية في فلسطين، شيَّده سليمان عليه السلام، وأنفق في بنائه أموالاً طائلة، وكان الهيكل في أول أمره خيمة من خشب، وله عند اليهود منزلة عظيمة في نفوسهم، وشاء الله أن يهدم البابليون الهيكل في التاسع من آب ( 586ق.م)، ثم أُعيد بناؤه عام (251ق.م)، ولكن الرومان حطَّموه عام (70 م ) . ولليهود في أمر الهيكل ووصفه أخبار تطول ، ليس هذا محل بسطها .

وقد زعم اليهود قديماً وحديثاً أن الهيكل الذي بناه سليمان كان في موقع المسجد الاقصى، وهذا الزعم لا دليل عليه، إذ خلت أرض المسجد الاقصى من كل ما بناه سليمان عليه السلام، لأن الهيكل الذي بناه سليمان عليه السلام انهدم واحترق، ونُقل تُراثه بعد موت سليمان بثلاثة قرون تقريباً، عندما غزا بُختنصَّر مدينة القدس سنة (589 ق.م)، ودمَّر مدينة أُورشليم وأسوارها وهيكلها وأحرقها بالنار، ونهب خزائنها، وأجلى سكانها إلى بابل .

وقد ذكر (بوست جورج) في (قاموس الكتاب المقدس) أن كنيسة العذراء، التي بُنيت في عهد (يوستينان) هي موقع الهيكل. والتواريخ اليهودية القديمة التي وصفت هيكل سليمان عليه السلام لم تُحدد المكان الذي بني فيه، بل إن بعضها تعتقد ان الهيكل بُني فوق جبل (جرزيم) في ظاهر نابلس .

اما اعتداء اليهود على المسجد الاقصى وقيامهم بالحفر عند سُوره والمناطق الملاصقة للحائطين الجنوبي والغربي، مما تسبب في تغلغلهم إلى مسافة (230م) أسفل المسجد وعقارات الوقف الاسلامي التابعة لها، كل هذا ليس من أجل استخراج الهيكل كما زعموا، بل هم يهدفون من وراء ذلك إلى ازالة المسجد الاقصى ونسفه من الوجود .

وفي سنة (1981م) أعلن اليهود أنهم توصلوا من خلال حفرياتهم إلى نفق يمتد تحت المسجد الاقصى ، يصل ما بين أسفل حائط المبكى وقُبة الصخرة المشهورة ، وزعم بعض الحاخامات أن هذا النفق هو أقدس الاماكن اليهودية، وأنه أهم من حائط المبكى، إذ هو على حد زعمهم بوابة (كيفونوس) الواردة في كتاب التلمود .

رابعا : اطلاق اسم المسجد الاقصى على مسجد قبة الصخرة:
يرمي اليهود إلى طمس المعالم التاريخية الاسلامية من أجل تحقيق مآربهم الفاسدة وغاياتهم الخبيثة. ودليل ذلك ما تناقلته وسائل الاعلام اليهودية من نشر صور لمسجد قبة الصخرة وتعريفه بأنه المسجد الاقصى، وقد عثر بعض الباحثين في بعض المؤسسات الاسلامية على صور مسجد قبة الصخرة، وتبين له من خلال سؤالهم عن تلك الصور، انهم يعتقدون أنها صور المسجد الاقصى .

ولعل من أسباب هذا الخلط بين صورة مسجد قبة الصخرة والمسجد الاقصى، عدم فهم كثير من الناس لمدلول المسجد الاقصى .

فالمسجد الاقصى له اطلاقان : عام وخاص، فالعام يُقصد به: المسجد الذي تُقام فيه صلاة الجمعة بالاضافة إلى الصلوات الأخرى، وكذلك الصخرة، وجامع موسىى ، بالاضافة إلى الأروقة والمنائر والمصاطب والأبواب والآبار وغرف السكن، ومحراب مريم، ومحراب زكريا عليهما السلام . أما الخاص فالمقصود به : المسجد الذي تُقام فيه صلاة الجمعة، وهو المتعارف عليه في عصرنا الحاضر، وهو بناء عظيم به قبة مرتفعة، يمتد بناؤه من جهة القبلة إلى الشمال في سبعة أروقة متجاورة مرتفعة على الأعمدة الرخامية، كما أشرنا اليه في مطلع هذه المقالة .

وقد أحسن الشاعر حين قال في وصفه :
لله بالبيت المقدس جامعٌ
بهر النواظر نورهُ وضياؤهُ
منه الجوانبُ واسعاتُ تنجلي
وزهت بطلعة قُبتيه سماؤه
حيث المدارسُ حوله قد أشرقت
تمتد من أشجاره أفياؤهُ .

هذه رحلتي الى بيت المقدس من خلال المحبرة والكاغد ، نسأل الله العلي القدير أن يُعجِّل بفك أسر بيت المقدس ، وأن يرزقنا فيه صلاةً تامةً، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله رب العالمين .


المصادر :
1- سبل الهدى والرشاد / للصالحي 3/33 .
2- الموسوعة العربية العالمية 23/ 206-207 .
3- الموسوعة الفقهية الكويتية 37/ 234- 235
4- الموسوعة الصهيونية ص/425 .
5- بيت المقدس لمحمد شراب ص/275 . وما بعدها.
6-رحلات من دمشق الى القدس/ لأحمد الخالدي / وقد طُبع هذا الكتاب قبل ستين عاما ، وهو كتاب نفيس مليء بالفوائد وعليه ملاحظات عقدية ، وفيه : من العلماء الذين رحلوا إلى القدس أبو بكر بن العربي الذي زارها سنة 485 هـ. والصوفي محيي الدين بن عربي الذي زارها سنة 608هـ . وابن بطوطة الذي زارها سنة 662 هـ .
7-رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين / لتيسير خلف .
8-معجم البلدان / للحموي .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/Author/2083