المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثالث من : وقفات مع كتاب التجسيم والمجسمة للشيخ عبد الفتاح اليافعي



أهــل الحـديث
07-08-2012, 03:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
فاستكمالا للملاحظات على كتاب الشيخ عبد الفتاح اليافعي التجسيم والمجسمة أقول ...
ذكر الشيخ عبد الفتاح أقوال تسعة وستين عالما من السلف والخلف يقول الشيخ أنهم على منهج التفويض الذي هو منهج السلف على حد فهم الشيخ وكثير من الأشاعرة ، ثم أتبعهم بأقوال ثلاثة وثلاثين عالما ممن هم - من وجهة نظر الشيخ أيضا - على منهج الخلف وهو التأويل ...

والحقيقة أن كثيرا ممن ذكرهم الشيخ كابن حبان وابن الجوزي والخطابي وغيرههم مؤولة على منهج الخلف ،وكثير ممن ذكر أنهم على منهج الخلف المؤولة هم على ما يزعم أنه منهج السلف في التفويض ، وكثير منهم رجع من التأويل للتفويض في آخر حياته ، كما هو معلوم ،وكثير منهم لا هو على هذا ولا هو على ذاك ! بل قد يجعلهم أمثال المتعالم سعيد فودة من كبار المجسمة الحشوية كابن قتيبة والسجزي وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم !!!
ولا أدري هذا الخلط العجيب هل سببه عدم تحقيق من الشيخ لهذه الأقوال ومناهج أصحابها ؟
أم هو استكثار من ذكر أتباع المنهج الكلامي الأشعري ، أم كلاهما ؟!

وما ذكره الشيخ من نقولات يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام :

القسم الأول : من لا تثبت نسبة أقوالهم إليهم لضعف السند أو عدم وجوده وقد ذكرت من ذلك ما يقارب العشرة من هؤلاء وهم جميعا من علماء السلف الذين جزمنا أنهم لم يتعرضوا لهذه المصطلحات الكلامية بنفي ولا إثبات بل هم ينهون الناس عن الخوض فيها وقد جعل الشافعي رحمه الله جزاء من يشتغل بهذا الكلام الضرب بالجريد والنعال وهذا من أدل القرائن على عدم تعرض السلف لهذه الألفاظ المحدثة ..

القسم الثاني : قوم ليس في كلامهم ما يعترض عليه في نفي التحديد والكيف في صفات الله سبحانه وتعالى وكذا التمثيل والتشبيه وهذا كله كلام عام نقول به ويقول به كل مسلم وليس في ذلك ما يدل على نفي الجسم والتجسيم بحسب الاصطلاح الكلامي الذي ذكره علماء الكلام من أن الجسم هو المتحيز ذو الأبعاد أو المركب المؤلف من الجواهر المفردة أو من المادة و الصورة ...إلخ
وينضم لهؤلاء الكثير ممن يعارض المتكلمين ويخالفهم ويبطل أقوالهم كالإمام السجزي وابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم فهؤلاء لا يمكن أن يفهم من أقوالهم أية موافقه لهذه المصطلحات ..

القسم الثالث : علماء ومتكلمون أشاعرة وممن تأثر بهم من أصحاب المذاهب ، قالوا بنفي الجسم عن بحسب الإصطلاح الكلامي وهؤلاء لا ننازع في أنهم يقولون ذلك ولكنهم يمثلون طرف في النزاع بينهم وبين أهل السنة وسلف الأمة ،والذي ندعي مخالفتهم لما كانوا عليه في مسائل الصفات ...
ولذا فلن أستفيض في تتبع الأقوال التي ذكرهاالشيخ وفقه الله وسأنتقل إلى جزء آخر من الكتاب ألاوهو أدلة نفي الجسم من الكتاب والسنة ثم الأدلة العقلية بعد ذلك
- ولكن قبل ذلك أنبه على أمر غريب في نقولات الشيخ التي نقلها والتي ذكرت تقسيمها السابق ألا وهو نقله عن علماء عرفوا بمخالفتهم الصريحة للمصطلحات الكلامية ومنهج المتكلمين عموما كالإمام السجزي ت 441 وكذا ابن تيمية وابن القيم ، والذهبي وغيرهم ، فحشرهم هنا لا مبرر له ولا يمكن أن يفهم منه أنهم يوافقون هؤلاء على منهجهم ولا على طريقتهم ..

ونظرة واحدة على كتاب السجزي في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت تبين استحالة أن يتوافق مثل هذا الإمام مع هؤلاء في طريقتهم كيف والكتاب كله بكل فصوله الأحد عشر نقض للأشعرية وأصولهم الكلامية وإثبات للحرف والصوت في كلام الله سمعا وعقلا ؟!
وهذا ما قاله هذا الإمام في مقدمة كتابه :

(فالذي تحتاجون إليه حفظكم الله معهم في إزالة تمويههم:
1- أن تقيموا البرهان أن الحجة القاطعة هي التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب.
2- ثم تبينوا ما السنة ؟ وبماذا يصير المرء من أهلها؟ فإن كلاً يدعيها وإذا علمت وعرف أهلها أن مخالفها زائغ لا ينبغي أن يلتفت إلى شبهه.
3- وأن تدلوا على مقالتهم أنها مؤدية إلى نفي القرآن أصلاً، وإلى
التكذيب بالنصوص الواردة فيه والرد لصحيح الأخبار ورفع أحكام الشريعة.
4- ثم تبرهنوا على أنهم مخالفون لمقتضى العقل بأقاويل متناقضة مظهرون لخلاف ما يعتقدونه وذاك شبيه بالزندقة.
5- ثم تعرفوا العوام أن فرق اللفظية، والأشعرية موافقون للمعتزلة في كثير من مسائل الأصول وزائدون عليهم في القبح، وفساد القول في بعضها.
6- وأن توردوا الحجة على أن الكلام لن يعرى عن حرف وصوت البتة، وأن ما عري عنهما لم يكن كلاماً في الحقيقة وإن سمي في وقت بذلك تجوزاً واتساعاً، وتحققوا جواز وجود الحرف والصوت من غير آلة وأداة وهواء منخرق، وتسوقوا قول السلف، وإفصاحهم بذكر الحرف والصوت أو ما دل عليهما، وتجمعوا بين العلم والكلام في إثبات الحدود بهما.
7- ثم تذكروا فعلهم في إثبات الصفات في الظاهر وعدولهم إلى التأويل المخالف له في الباطن وادعاءهم أن إثباتها على ظاهرها تشبيه.
8- ثم تشرحوا أن الذي يزعمون بشاعته من قولنا في الصفات ليس على ما زعموه، ومع ذلك فلازم لهم في إثبات الذات مثل ما يلزمون أصحابنا في الصفات.
9- وأن تذكروا شيئاً من قولهم لتقف العامة على ما يقولونه فينفروا عنهم، ولا يقعوا في شباكهم.
10- ثم تنظروا كون شيوخهم أئمة ضلال ودعاة إلى الباطل ومرتبكين إلى ما قد نهوا عنه.
11- ثم تحذروا الركون إلى كل أحد والأخذ من كل كتاب، فإن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر.
- فجميع ما ذكرت أن بكم إليه حاجة عند الرد عليهم أحد عشر فصلاً من أحكمها تمكن من الرد عليهم إذا سبق له العلم بمذهبه ومذهبهم )

فهل من يقف على من هذا قوله في الأشاعرة وأهل الكلام يطيب له أن يذكر اسمه فضلا أن ينقل له موافقه منه على قوله ؟!
وقل مثل ذلك في كلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهم لا يحتاج إلى استدلال او نقل عنهم فهذا لا يخفى على ذي اطلاع ...

- إن حشر هؤلاء لا معنى له مطلقا إلا أن يكون على سبيل التدليس أو الاستكثار ولكنا نجل الشيخ عن هذا الصنيع ...
- وقد يكون ناتجا عن عدم تصور للمسألة تصور حقيقيا ،حيث أن الشيخ قد أكثر الجمع من الأقوال المتناقضة والمتباينة والتي لا دلالة فيها على ما بوب له دون أدنى تحرير ،أو حتى تعليق منه، بل سردها جميعا سردا بلا تعليق أو توجيه ! مما يشير إلى قصور في استيعابه لهذه المسائل وذلك يقف عليه القارئ عند أدنى تأمل ..

-وأخيرا ربما يكون جمع هذه الأقوال المتخالفة من باب التأليف بين الناس وهذا أمر قد سمعته عن الشيخ منذ فترة ،و فكرة التأليف في حد ذاتها طيبة وومما يستحق عليها الشكر إلا أن هذا لا يكون بأن نخلط بين الأقوال ونجمع أقوال المخالفين والموافقين في باب واحد ! فهذا ليس من التأليف في شيء ، فقد يكون أحيانا ناتج عن اضطراب في الموقف وتردد وتذبذب بين المناهج ،وهذا لا يستبعد لمن يلوك هذه المصطلحات المحدثة وصدق الله حيث قال : "ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "...
- وإن كنت أرجح الأمر الأول وهو غياب الفكرة وعدم استيعاب أصل الإشكال بين المتكلمين وبين السلف ومن نقل عنهم المنهج أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والذهبي وابن كثير وغيرهم كثيرون إلا أني أنبه الشيخ إلى أنه قد سار خلف سراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، وقد علمت أن الشيخ كان على مذهب السنة ثم تحول إلى هذا الذي عليه ولا شك أن هذا سببه الذنوب والمعاصي والفتن التي قد يكون الشيخ قد تعرض لها وكلنا ذاك الرجل فأسأل الله سبحانه أن يتوب علينا وعليه وأن يردنا وإياه إليه ردا جميلا وأن يوفقنا وإياه والجميع إلى اقتفاء سنته نبيه وهدي سلفه الصالح ،إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
وللحديث بقية