المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البدو السلفيون



أهــل الحـديث
07-08-2012, 06:40 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


البداوة نمط حياة واسلوب معيشة . والتفضيل بين البادية والحاضرة أمر نسبي ، كالتفضيل بين العربي والعجمي . فكل الأمم والشعوب في بلاد العرب والصين ومنغوليا وغيرها ، فيها البدوي والحضري .

وتنزيل الأدلة الواردة في ذمِّ الأعراب على البادية كلهم ، ميل عن العدل وانحراف عن الحق . ففي بعض أهل البادية من الايمان والتقوى والعفاف ما يندر أن يوجد عند غيرهم . وفي كل خير . وأكرم الناس أتقاهم . وقد أوصى عمر بن الخطاب (ت : 23هـ ) رضي الله عنه بأهل الأمصار خيرا ، كما أوصى بأهل البادية خيرا ، ووصفهم بأنهم أصل العرب ومادة أهل الاسلام .

والأعراب هم بدو العرب ، وينتسبون إلى قبائل معروفة ، ولكنهم عاشوا في البادية متنقلين مع المواسم ، فهم في الصيف في مكان ، وفي الشتاء في مكان آخر ، كما قال "قيس بن الملوَّح " ( ت: 68هـ ) :
ونبأتُماني أنَّ تيماء منزلٌ لليلى
إذا ما الصيفُ ألقى المراسيا
فهذي شهور الصيف عنا قد انقضت
فما للنوى ترمي بليلى المراميا

وفي الجزيرة العربية كان البدو الذين سكنو الهِجر قبل سبعة عقود يُسمّون : الاخوان . وجاءت تسميتهم من الآية الكريمة : "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ،واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته اخوانا " (ال عمران : 103 ) . فهم بدو سلفيون التزاما بمضمون الآية ومعناها ، بغض النظر عن أخطائهم التي لا يُوافقون عليها .

كان الجهل والضلال يسود الجزيرة العربية ، وأضحت القبائل يغزو بعضُها بعضا ، الى أن هيأ الله الامام "محمد بن عبد الوهاب" ( ت: 1206هـ ) رحمه الله تعالى ، فقامت الحركة السلفية على منهج الامام ابن تيمية ( ت: 728هـ )رحمه الله تعالى، ثم تحالفت الحركة السلفية مع الامام الحاكم ، فانتشرت الدعوة وقامت الدولة التى كان نواتها الجماعة السلفية التى عرفت باسم ( الاخوان) .

والاخوان أو( اخوان من طاع الله) ، جماعة بدوية ظهرت بسبب أثر التوحيد في تلك الحقبة ، وبعد مشروع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (ت: 1373هـ ) رحمه الله تعالى ،المسمى توطين البدو عام (1330هـ ) .

اجتهد امام المسلمين في نشر العلم والمعرفة وتعليم فرائض الدين وأحكام الشريعة ، واستعان بعلماء نجد النبهاء ، لتأليف الكتب العقدية على أصل المذهب الحنبلي ، بأسلوب يقبله عقل البدوي ، وأمر بتوزيعها على جميع القبائل ، وشرع الخطباء والمرشدون يُعلِّمون الناس مسائل دينهم ، فيشرحون لهم كل ما جاء في أمور دينهم ، فيحفظونه عن ظهر قلب ، وبهذه الطريقة نمت فيهم العاطفة الدينية ،وتألفت من هذه المجموعة الصالحة جماعة الاخوان السلفية .

وقد جاء في الكتب التى دوَّنها العلماء في تلك الحقبة ، تحذير شديد من الشرك ظاهراً وباطناً ، والدعوة الى عبادة الله رب العالمين ،والانقياد لشريعته وطاعة أوامره ، والترغيب في الخير والأخلاق الفاضلة والترهيب من الشر والأخلاق الفاجرة .

ولأن ( الاخوان ) كانوا جسدا واحدا متماسكا لا تهزُّه الوقائع ولا تضطرب به النوازل بسبب إيمانهم القوي وإرادتهم الصلبة ، فقد خاف الغرب كما ظهر من التقارير التى نُشرت على لسان " الكولونيل ولسن ، ومنها قوله :- " مهما قيل عن اعتدال وصداقة عبد العزيز، فهو رئيس حركة اسلامية مُتعصِّبة وهى حركة الاخوان ،وأيُّ مساعدة تُقدَّم لابن سعود تقدم في الحقيقة لحركة الاخوان " .

وقال"توينبي "المؤرخ والفيلسوف البريطاني :- " اذا ما استمرت هذه الحركة تنمو بمعدلها الحالي ، فستُسيطر حالا على الجزيرة وما وراءها ، وربما تعيد الاسلام الأول بالانتشار في الدول الآسيوية وشمال افريقية " .

كما أنَّ الشريف حسين الهاشمي ( ت: 1350هـ ) عفا الله تعالى عنه ، كان خائفا من هِجر الاخوان ، فقد كتب الى الامام الحاكم يطلب " تفريق سكان الأرطاوية والغطغط ونحوهم من المنازل التى تسكنها الُّزمرة الموسومة بالإخوان ، والتى هي عبارة عن مُعسكرات ، وأن يذهب كل شخص الى قبيلته المنسوب اليها ".
وقد ردَّ الامام الحاكم بقوله : " إنَّ ورائي مالا يقل عن أربعمائة الف مقاتل إن بكيت بكوا ، وان فرحت فرحوا، وإن أمرت نزلوا على إرادتي وأمري ، وإن نهيت انتهوا ، وهؤلاء هم جنود التوحيد إخوان من طاع الله " .
وقد أُحصي عدد المجاهدين من الاخوان في عهد الامام الحاكم ، فبلغوا (76500) مجاهد .

وقد وصف الامام الحاكم الاخوان مرة فقال : " في أيام الحرب يتمنطق الواحد منهم ببيت الخرطوش ويُبادر الى البندقية ، ثم يركب الذَّلول الى الحرب ،ومعه شيء من المال والتمر ..القليل عندنا يقوم مقام الكثير عند غيرنا ، كنا نمشي ثلاثة أيام بدون طعام ، يأخذ الواحد منا تمرة من حين الى حين ، يُرطِّب بها فمه . نعم كانت الحاضرة أثبتُ قدما وأشدُّ بأسا من البادية ، أما بعد (الهِجر) فقد غدى سكان البادية المتحضرون من أهل( الهِجر) أثبت في القتال من الحاضرة وأسبق الى الاستشهاد " .

وقد أثبت الاخوانُ شجاعتهم بحق في عدة معارك مع الامام الحاكم من أشهرها
( معركة الشنانة 1322 هـ ) و ( معركة تربة 1337 هـ ) . وحوادثهما مُفصَّلة في تاريخ نجد .

هذه نبذة يسيرة عن صلة البادية بالمذهب السلفي ، والفائدة منها: تصحيح السبيل ، وأنَّ دين الله ليس مرتبطا بعرق أو لون أو طائفة أو اقليم . قال بعض السلف: " القلوب مشاكي الأنوار، ومن خلط زيته اضطرب نوره، فعُمِّيت عليه السَّبيل" . والله الهادي وهو خير الحاكمين .

المصادر :

1- فرقة الاخوان الاسلامية بنجد / لمحمد المدني .
2- عنوان المجد / لابن بشر / ص 17 .
3- تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها وحاضرها/ للمختار 2/146 ،
وما بعدها وفيه : نص رسالتين الاولى : من "عبد الله بن عبد اللطيف " وبعض العلماء ، والثانية من الامام الحاكم ، وكلتاهما موجهة الى جماعه الاخوان .
4-تاريخ الدولة السعودية / لمديحه درويش / ص 14 .
5-السعوديون والحل الاسلامي / لمحمد جلال كشك / ص 5510 .
6- معارك الملك عبد العزيز المشهورة لتوحيد البلاد / ليوسف ياسين ص 54 وفيه فصل كامل يذكر فيه اختلافهم مع الامام الحاكم ، ومحاربته لهم في عدة معارك .
7- الدرر السنية لابن قاسم 5/41 وفيه نص الرسالة التى وجهها الشيخ محمد بن عبد اللطيف الى الاخوان من أهل الارطاوية ، و7/321 وفيه رسالة الشيخ سعد بن عتيق الى زعماء الاخوان .
8- علماء نجد للبسام 2/546 وفيه رسالة عبد الله بن سليمان آل بليهد الى الاخوان .

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/Author/2083