المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إبطال القاعدة المعروفة "الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال"



أهــل الحـديث
04-08-2012, 04:53 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أقول وبالله الحمد هذه قاعدة باطلة انتشرت بين الناس انتشارا واسعا، وأدت عاقبتها إلى بدع لم تكن بالحسبان، وهذا واقع يشهده كل من ينتسب إلى العلم طالب علم أو عالما كان، كما سيأتي بيانه في هذا الفصل، فجل الأحاديث المنتشرة الضعيفة والموضوعة والمنكرة والباطلة والتي لا أصل لها في الكتاب والسنة، بسبب هذه الأحاديث القاعدة أو هذا القول الفاسد، مما أدى إلى إماتة السنن النبوية التي كان عليها السلف الصالح لهذه الأمة، وإحياء آراء المبتدعة الذين خرجوا عن منهاج أهل سنة والجماعة، واتبعوا أهواءهم وضلوا وأضلوا كما جاءت الأحاديث النبوية في أكثر من حديث صحيح، ومما يجب معرفته ولا يمكن جهله أن في كل فن يجب الأخذ بكلام أهله، وكلام المحدثين في هذا الباب كله يرد هذه القاعدة الباطلة وأكثر من هذا أنهم اتفقوا أن الحديث الموضوع أو المنكر لا يعمل به لا في الفضائل الأعمال ولا في غيرها، وإنما اختلافهم في الحديث الذي لم يشتد ضعفه، والعامي لا يمكنه التفريق بين هذا كما هو معلوم، إذا انتفى العمل بالحديث الضعيف مطلاقا، وفي الأخير نقول وبالله التوفيق أن هذا القول باطل كما دل على ذلك القرآن والسنة والأدلة على بطلانها كثيرة وسنبسط شيئا منها :
أولا وقبل كل شيء يجب أن نبين شيئا مهما ألا وهو أن الحديث الضعيف يفيد الظن المرجوح الذي هو الوهم وقال الله عز وجل في هذا الظن:

1-{إِنيَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} [يونس : 66 ] .
2-{وإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} ِِِ[ النجم : 28. ]
3- ويقول الله تعالى : { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [ الجاثية : 24. ]
4-{ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12].
وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث).
أخرجه البخاري و مسلم .

وقد ذم الله عز وجل الظن في كتابه العزيز و بين أنه لم يغني من الحق شيئا وبين النبي صلى الله عليه وسلم انه أكذب الحديث.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين). رواه مسلم
فمن كان يعلم ضعف الحديث الذي يحدث به دخل تحت ظاهر خطاب هذا الحديث ووعيده وهذا في شر المنازل، والجاهل بصحة الحديث داخل أيضا في خطاب هذا الحديث، و الشاك في صحة الحديث يشمله الحديث أيضا، كما نص على ذلك كثير من الحفاظ.

ومنهم ابن حبان في كتابه (المجروحين) قال:
((في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم مما تقول عليه وهو يعلم ذلك يكون أحد الكاذبين، على أن ظاهر الخبر ماهو أشد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(من روى عني حديثا و هو يرى أنه كذب...) . ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح، دخل في ظاهر خطاب هذا الخبر)).
وأحسن ما قرأته في رد على أصحاب هذا القول الباطل كلام مسلم في مقدمة صححيه ولم أحب أن أضيع على القارئ هذه الفائدة العظيمة:

((وَاعْلَمْ وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا، وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنَ الْمُتَّهَمِينَ، أَنْ لَا يَرْوِيَ مِنْهَا إِلَّا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ، وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللَّازِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ، قَوْلُ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْآيِ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ، وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا، إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى نَفْيِ رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْأَخْبَارِ كَنَحْوِ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَهُوَ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ»)).انتهى

وأما القول الآخر انه يعمل به في الترغيب و الترهيب فهذا أيضا قول باطل للأحاديث الآتي ذكرها:
عن عَلِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ».رواه البخاري ومسلم

فهذه الأحاديث لم تستثني الذي يرغب الناس أو يرهبهم فهو يشمل كل من حدث بحديث ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أضف إلى هذا أن الأحاديث الصحيحة الكثيرة تغني عن هذا القول الذي هو ضعيف من كل وجوه من الوجوه.
و رواية الحديث الضعيف هي رواية عن الضعفاء وقد تكون عن الكذابين وإليك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية عنهم كما ذكره مسلم:
عَنْ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ».رواه مسلم
وإذا علمت تبين لك بطلان هذا القول الذي ليس له أصل لا في الكتاب ولا في السنة، بل جمهور أهل العلم من المحدثين و الفقهاء على خلاف هذا القول الباطل من جميع وجوهه نقلا وعقلا:

· أما نقلا: فقد تقدم الكلم عليه بتفصيل.

· وأما عقلا: أن هذا القول يتسبب في نشر الأحاديث الضعيفة وإماتة السنة التي هي شبه مفقودة في هذا الزمان ومن باب سد الذريعة أيضا لا يجوز الأخذ بهذا القول.
وهذا القول أو هذه القاعدة هي التي عليها العمل بين الناس العارف منهم والجاهل بل أكثر أهل العلم اليوم الطلابة منهم والعلماء يؤخذون بهذه القاعدة الباطلة، وبسبب هذا القول انتشرت الأحاديث الضعيفة انتشرا بالغا لم يعرف في أي عصر من العصور وبسبب هذه القاعدة ظهرت بدع وأميتت سنن وقلم تجد كتابا من الكتب التي تطبع اليوم إلا وتجد فيها أحاديث ضعيفة وقلم تجد خطيبا فوق منبر من المنابر إلا وتجده يستدل بأحاديث ضعيفة ويشرح ويفصلا فيها تفصيلا والله المستعان على ما يصفون.

قالالإمام النووي رحمه الله تعالى:
ففيه (أي الحديث) تغليظ الكذب والتعرض لهوأن من غلب على ظنه كذب ما برويه فرواه كان كاذبا { شرح صحيح مسلم 1/25{
وقالأيضا: يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنهوضعه فمن روى حديثا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال روايته وضعه فهو داخل فيهذا الوعيد مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدلعليه أيضا الحديث السابق " من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " شرح صحيح مسلم{ 1/30 }


قال ابن رجب في شرح العللج1ص372( ظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تروى أحاديث الترغيب والترهيب إلا عمن تروى عنه الأحكام)