المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التباهي في المساجد



أهــل الحـديث
03-08-2012, 02:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


التباهي في المساجد


جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ»[رواه أحمد والنسائي وأبو داود وابن ماجة والدارمي، عن أنس رضي الله عنه]. هذا الحديث، جاء في معرض الذم؛ والتباهي المراد قد يكون التباهي والمفاخرة في جعل كل جماعة مسجدَهم أكثر أثاثا وأبهى بناء من مساجد غيرها، وقد يكون المراد التباهي بالأعمال في المسجد الواحد. والمعنيان يدلان على الغفلة عن الله في أخص مكان لعبادته سبحانه، والذي هو المسجد.
والمسجد من السجود، هو مكان للتواضع لله، والتذلل بين يديه؛ فالحال المناسب له نقيض المفاخرة على التمام، لأن المفاخرة لا تكون إلا من شهود النفس والانحجاب بها عن شهود عظمة الله. وقد لاحظ أهل الله، منذ القرون الأولى، ما شاب المساجد مما يبعد من الحق، فآثروا الانزواء في أماكن يضمنون فيها الحفاظ على صحيح التوجه إلى ربهم. ولذلك سميت تلك الأماكن زوايا، أو ما يصب في معناها. ولكن الأمر استفحل في زماننا، حتى صارت المساجد، تشبه الأسواق أحيانا؛ أو تشبه حلبات المصارعة، من كثرة الخصومات التي تحدث فيها؛ أو تشبه منابر الأحزاب السياسية، من أثر التوجيه الذي طغى على الخطاب فيها.
أما التباهي بالأعمال في المساجد، فهو من الرياء؛ والرياء من شهود الخلق، دون شهود رقابة الحق. فيصير العبد يزين عبادته للناس، يتسول مدحهم، ويفر من تغافلهم عنه؛ فيزداد مرضا على مرض، إلى أن يصل الأمر به إلى النفاق إن لم تتداركه رحمة ربه. والمصيبة الكبرى، هي التنافس في المراءاة وخطبة رضى العباد، بما يقوي الخصومات ويفتح باب الفجور؛ مما يجعل المساجد مفرخة للشياطين.
والزوايا التي كانت قد أنشئت للفرار بالدين، قد أصاب أغلبها في زماننا ما أصاب المساجد؛ من شدة الغفلة عن الله. فصارت كل طريقة (محقة أو مبطلة) تباهي أخواتها، وتنسب إلى نفسها كل محمدة دون غيرها؛ وكأن الله قد أخبر عن حكمه فيها، بما هو قطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة. وهذا لا يكون أبدا إلا عن جهل؛ إذ كيف يحكم العبد على غيره من العباد، وهو يجهل حكم الله فيه هو نفسه؟!..
والمساجد (بالمعنى العام) التي هي محل السجود لله ظاهرا وباطنا، والتي قال الله فيها: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن: 18]، لا تُعتبر مساجد بالمعنى الشرعي، إلا إن أفرد الله فيها بالعبادة؛ وإلا فإنها مساجد مجازا لا حقيقة. بل إن المساجد مع الغفلة عن الحق، لا تختلف كثيرا عن الكنائس والبيع والمعابد الوثنية أحيانا؛ لأن العبرة بالمعنى لا بالمبنى، الذي قد يكون ثالث أو رابع أو خامس أوسع مسجد في العالم. صارت المساجد تُبنى، لا ليُعبد الله فيها، وإنما ليراها السّيّاح؛ وليُذكر البلد بها أو يُذكر فلان من الحكام، وليُصوّر المشاهير فيها أو بجانبها.
أين الله في هذا الخضم؟ الذي بنيت المساجد من أجله زعما؟!..
ليت الإنسان إذ يغفل عن ربه، يكون في أماكن معدّة للغفلة في أصلها! فإن الغفلة في المساجد لا أشد منها، ولا أبعد بالعبد عن ربه!


الشيخ عبد الغني العمري