المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع كتاب التجسيم والمجسمة للشيخ عبد الفتاح اليافعي



أهــل الحـديث
01-08-2012, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فقد اطلعت على بحث علمي للشيخ عبد الفتاح بن صالح اليافعي وفقه الله ،باسم التجسيم والمجسمة ، وهو بحث علمي حاول فيه الشيخ عرض مادته في صورة عليمة وبطريقة حاول فيها الإنصاف والتجرد وما يميزه ابتداء هو البعد عن أسلوب السباب والتنقيص التي تتبع في مثل هذه الأبحاث عادة بحسب ما اطلعت عليه وهذه ميزة يستحق الشكر عليها والإشادة بها ...
ولي علي ما قرأت من الكتاب بعض التعليقات أذكرها تباعا كي لا انساها أو يغفل الذهن عنها .. والله الموفق ...
أولا : ذكر الشيخ عن معنى التجسيم في لغة العرب ولم يشر أن المعنى الذي اصطلح عليه المتكلمون هو معنى أعم مما هو موجود في اللغة حتى إنه ذكر كلام ابن تيمية رحمه الله في سياق تقرير المعنى وكأنه يقر للمتكلمين اصطلاحهم على المعنى الذي اصطلحوا عليه ! بينما الموضع الذي نقله عن شيخ الاسلام كان يفند فيه معنى الجسم عند المتكلمين وأنه أعم مما هو موجود في اللغة ، فسرد الكلام وكأن ما اصطلح عليه المتكلمون في معنى الجسم مطابق للإستعمال اللغوي للفظ عند العرب والصحيح أن معنى الجسم في اللغة هو ما ذكره أهل اللغة ونقله الشيخ فقالوا الجسم هو الجسمان والجسد والبدن ويقال للشيء إذا ضخم جسم وجسمان وجسيم وكل هذا لما يصح أن يطلق عليه جسم ابتداءً ،فتجمع الشيء وانضمام أجزاءه بعضها إلى بعض فيقال جسيم وجسمان ليس هذا في كل شيء بل فيما يقال له جسم ابتداءً ،فانتزع المتكلمون معنى انضمام الأجزاء بعضها إلى بعض وقالوا الجسم هوالمؤلف المركب فانتزعوا معنى من المعاني وعمموه على مالم يطلق عليه جسم في لغة العرب حتى جعلوا الهواء وغيره اجساما ، وقالوا الجسم هو الطويل العريض العميق ذو الأبعاد فصار مثل الخيط والقشة والحبة عندهم عميق وعريض وله أبعاد !
وهذا هو مقصودنا أن المتكلمين خرجوا باللفظ عن دلالته اللغوية وعما كان عليه في لغة العرب فالعرب تطلق الجسم ابتداءً على الجسد والبدن والجثة والجثمان وما تضخم مما يطلق عليه جسم يقال له جسيم وهذا اللفظ جاء في القرآن في موضعين فهو معروف في كلام العرب ، فلابد من التنبيه إلى ان المتكلمين قد خرجوا بهذا اللفظ عن معناه في اللغة ، وقالوا الجسم هو ( كل مركب ومؤلف ) وهذا المعنى انتزاعي من ثنايا التعريف اللغوي ، ولذا صار اللفظ في اصطلاحهم مجملا بالنسبة إلينا ، فنحن لا نتردد في نفيه عن الله سبحانه وتعالى بمعناه اللغوي الذي جاء به في القرآن ،ولكن عندما يستعمله المتكلمون فنحن نسأل ونستفصل عما يعنونه به لأنهم لما خرجوا عن معناه في اللغة أضافوا له من المعاني مالا يستقيم معه نفي أو إثبات في حق الله سبحانه ، ومثال ذلك أنهم يطلقون التأليف والتركيب على أوجه كثيرة منها وأخطرها : قيام الصفة بالذات فيسمون قيام الصفات بالذات تركيبا ، أو نوع من أنواع التركيب ،وهم مختلفون في ذلك فيما بينهم اختلافا كبيرا ،فالفلاسفة تسمي هذا تركيبا وتجسيما وتثبت ذاتا مجردة عن الصفات ،ومعلوم أن هذا تعطيل محض وأن وجود مثل هذه الذات لا تكون إلا في الذهن لا تكون في الخارج مطلقا ذات بلا صفة ،والجهمية تبعتهم في ذلك ونفت جميع الأسماء والصفات عن الباري سبحانه، والمعتزلة تبعتها في جل ذلك فأثبتت الأسماء ونفت الصفات جميعها والأشاعرة توسطت الأمر فأثبتت الأسماء وبعض الصفات التي تسميها صفات معاني ، والصفات المعنوية ، وزعمت ان إثبات الصفات الأخرى يلزم منه التركيب والأعضاء والأجزاء وحلول الحوادث في ذات الله تسليما منهم ببعض أصول الفلاسفة والمعتزلة والجهمية ،وكل هذا وهم على خلاف بينهم فمنهم من يثبت ومنهم من ينفي ،وسيأتي الكلام المتعلق بهذا فيما بعد إن شاء الله ..
وثانيا :
وفي نفس السياق جاء الشيخ في تحرير محل البحث وبعدما استعرض كلام العلماء في معنى الجسم ،فقرر نتيجة هي من المفروض أن تكون محل نزاع أو على الأقل نقاش مع البعض ،ولكنا نجد الشيخ قد قرر حكما وكأنه مجمع عليه أو أنه أتى عليه بالدلائل والبراهين ...
والصحيح أنه محل نزاع ! فقوله : ( فالله ليس بجسم ولا بجوهر ولا كثيف ولا لطيف أو بتعبير آخر ليس لذات الله جرم ولا كثافة ولا تشخيص ولا تشكل ليس كمثله شيء وهو السميع البصر )
كل هذه الألفاظ مجملة لا يدرى معناها في اصطلاحه وماذا يقصد بها ،
ثم قرر أن هذا هو محور حديثنا وأن هذا هو مذهب السلف وأن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وما دلت عليه أدلة الكتابوالسنة وإجماع الأمة ...
هكذا في مقدمة الكتاب فماذا أبقى الشيخ ليعرضه ويناقشه ويتحاول فيه ؟!
ونقول للشيخ ما توصلت إليه من نتيجة هو محل بحث ونقاش وأخذ ورد لأن الجسم المصطلح عليه بين المتكلمين ليس هو الجسم في كلام العرب ولو كان هو الذي في كلام العرب لما كان هناك أدنى إشكال في نفيه عن الله سبحانه وتعالى فجميعنا ينزه الله سبحانه وتعالى عن مماثلة خلقه أو شيئ من خلقه فهو سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولكنكم خرجتم عن هذا المعنى وأضفتم إليه معاني أخرى لم تكن معروفة في كلام العرب وقد ذكرت لك مثالا عليها فيما سبق ،فمن هنا نشأ الخلاف بين المتكلمين أنفسهم وبين المتكلمين وبين كثير من أهل العلم فالجسم والجوهر والحيز والعرض وغير ها من المصطلحات جميعها يستعملها أهل الكلام على خلاف ما هي عليه في لغة العرب، وهي مصطلحات لم يتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام ولا التابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم جميعا ،فهي بهذا الأصطلاح محدثة ، ولذا هم من أنشأ النزاع أوجبه، لأنهم اصطلحوا على معاني لألفاظ موجودة في كلام العرب وفي الكتاب والسنة على خلاف ما هي عليه عندهم ، ثم أرادوا حمل الناس على نفيها بحسب ما اصطلحوا عليه من معاني ،فمن قال لهم أنتم خرجتم بها عما كانت عليه في لغة العرب قالوا أنت لا تنفي الجسمية وأنت تثبت أن الله في حيز وأنه متحيز وأن تقوم به الحوادث إلى غير ذلك مما ظلموا به كثيرا من الناس وأهل العلم فأوقعوا الخلاف وفرضوا النزاع وفرقوا كلمة الأمة بما اصطلحوا عليه من ألفاظ تبعوا فيها أهل الضلال ، وإلا فأنا أنفي عن الله سبحانه الجسم بالمعنى الذي في كلام العرب وأنفي عنه سبحانه الحيز بالمعنى الذي في كلام العرب فالله سبحانه وتعالى لا يحوزه شيء من مخلوقاته ولا يكون في شيء ولا يحيط به شيء من مخلوقاته ، فهذا معنى الحيز الذي جاء في كتاب الله في قوله :( ..أو متحيزا إلى فئة ) الآية وهذا معناه في لغة العرب ، أما في اصطلاح المتكلمين فالحيز هو : الفراغ الموهوم الذي يشغله الجسم ، يعني أن الشيء يوصف بالتحيز وأنه في حيز وأنه متحيز وليس هو في شيء ولا يحيطه شيء !
فأين هذه في كلام العرب ؟ ثم هم بعد ذلك يجعلون الحيز من لوازم الجسمية فيسمون كل متحيز جسما!! مع تلاعبهم بالإلفاظ وطريقتهم الملتوية في تحريف الكلام ...
فالمشكلة ليست في اللفظ ومعناه في لغة العرب بل المشكلة فيما اصطلح عليه هؤلاء من اصطلاحات خرجوا بها عما كانت عليه في لغة العرب والبعض يحاول أن يوفق بين اللغة والاصطلاح بكل طريق ،فيدعي أن هذه المصطلحات كما هي في لغة العرب ويحاول أن يلفق بين معناها اللغوي ومعناها في الإصطلاح وهذا يحصل بحيل وطرق معروفة ....
وثانيا :
قال الشيخ :
( الفصل الأول :
في ذكر اقوال الأئمة في تنزيه الله عن الجسمية ولوازمها
ثم فسر ذلك بقوله :
( والمراد بلوازمها ما يلزم من إثباته التجسيم ، كالجوارح والأعضاء والحركة والانتقال والحد ونحو ذلك .)
وكان ينبغي على الشيخ أن يتعرض ابتداءً لشرح وبيان معانى هذه الألفاظ فإذا كان الإشكال أصلا في معنى الجسم اصطلاحا ؟فكيف لا يكون ثمة إشكال في لوازمه وما يبنى عليه ؟، فكثيرا ما يدعى المتكلمون أن إثبات ما جاء في الكتاب والسنة من صفات من لوازم التجسيم فيجعلون من إثبات العلو إثبات للجهة والحيز وهما من لوازم التجسيم عندهم ،ويدعون أن القول أن إثبات اليد والوجه والقدم على الحقيقة هي من إثبات الأعضاء والأجزاء والأدوات ، ويجعلون القول بالمباينة إثباتا للحد والنهاية للذات وهذا عندهم من لوازك التجسيم ،بل يزعم بعضهم أن ظاهر النصوص يفيد الكفر ! لأنه عنده تشبيه وتجسيم !!!
والمقصود أن هذه الألفاظ بحاجة إلى طرح وتحرير وبيان كي لا تحمل على معاني مختلفة ثم يبنى على نفيها أو إثباتها أحكام يختلف الناس حولها ...
ثالثا :
ابتدء الشيخ بحثه بالنقل عن الإمام علي رضي الله عنه بكلام لا يثبت مطلقا فسنده لا شك في بطلانه عند أهل الحديث وهذا لا يليق ببحث علمي أن يبتدء بأحاديث ضعيفة وآثار واهية ...
ثم ثنى بهذا الأثر بكلام منسوب للإمام أبو حنيفة وهذا الكتاب لا تثبت نسبته عند كثير من الباحثين فينبغي أن يترك النقل منه خاصة وأن الشيخ قد صدر به كتابه ..
رابعا :
تعرض الشيخ لمعنى الكيف صـ 40
وعرض كلام أهل اللغة واستخرج من هذه المعاني أربعة وهي :
1- الإستفهام عن الأحوال
2- القطع
3- التعجب
4- الجزاء
وهذا صحيح إلاأن المعنى الوحيد الذي نحن بصدده في موضوع الصفات ليس إلا المعنى الأول وهو الإستفهام عن الحال والصفة التي يكون عليها الشي ،كما جاء في المصباح المنير في غريب الشرح للحموي:
(ك ي ف) : كَيْفَ كَلِمَةٌ يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ وَصِفَتِهِ يُقَالُ كَيْفَ زَيْدٌ وَيُرَادُ السُّؤَالُ عَنْ صِحَّتِهِ وَسُقْمِهِ وَعُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَأْتِي لِلتَّعَجُّبِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ وَلِلْحَالِ لَيْسَ مَعَهُ سُؤَالٌ وَقَدْ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى النَّفْيِ وَكَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ حَالُهُ وَصِفَتُهُ.
أما قول الشيخ عند معنى القطع : ( وهذا له تعلق لما نحن فيه ) لأن ما له مقطع ونهاية فهو جسم !
فهذا الكلام من الشيخ لامعنى له وهي أحكام يقررها في ثنايا الكتاب بلا بينة ولا دليل بل بمجرد تقريره هو بناءا على فهمه واستنتاجه وسوف نتعرض لذلك فيما بعد إن شاء الله ...
والبحث العلمي لا يصدر أحكاما قد تكون هي في نفسها محل نزاع مع البعض دون أن يتعرض لأدلتها ، ثم إن هذا المعنى للكيف لا دخل له في موضوع الصفات مطلقا وليس في كلام الأئمة الذين نقل كلامهم في الموضوع أيه صلة به فكان أحرى بالشيخ أن يترك هذه الإشارة ..
وقد أشار الشيخ أيضا إلى أن كلمة كيفية مولدة يعني ليست في كلام العرب إلا أنها قياس على كلامهم ، وكأنه يشير إلى أنها ليس معروفة ولا يصح أن تثبت ،وهذا إن أراده فهو غير صحيح وكلام العلماء كان عن الكيفية التي هي في قولهم كيّف بتشديد الياء أي : قطع ، وليس كيف بتسكينها وهي التي تدل على الإستفهام عن الحالة والصفة والهئية ...
ثم جاء الشيخ إلى المعنى الإصطلاحي وقال :
( فقد استعمل الأئمة الكيفية في صفات الله تعالى بمعنيين )
وذكر المعنى الأول وهو : ( الجسمية والتشخيص )
وأقول إن هذا المعنى ليس في كلام الأئمة ولم يذكر أحد من السلف هذا المعنى مطلقا ،وهو أيضا ليس في المعاني اللغوية التي نقلها الشيخ عن أهل اللغة ، فكيف للشيخ أن يقرر هذا التقرير ؟ ومن أين أتى به الشيخ وهو قد ذكر قريبا كل المعاني اللغوية للكيف ؟
فهذا المعنى موجود فقط في اصطلاح المتكلمين والفلاسفة الذين جعلوا كل ماله كيفية جسما بناءا على أن كل موصوف لديهم هو جسم لأن الصفات عندهم أعراض تقوم بالأجسام فجعلوا الكيف والأين والكم والحد ...إلخ من خصائص الأجسام ، ثم نفوها عن الله سبحانه وتعالى ...
فهذا المعنى ليس في كلام العرب ولا في كلام الأئمة ...
ثم ذكر الشيخ كلام بعض الأئمة الذين ينفون الكيفية عن الله سبحانه وتعالى وصفاته وخلط بين أقوال الأشاعرة ( الذين هم من صنف المتكلمين ) بكلام غيرهم بالأئمة ولا شك أن معاني الكيف تختلف فيما بينهم ، فلا يجوز حمل معنى الكيف في كلام السلف على المعنى الذييتكلم به أهل الكلام فهذا تخليط لا داعي له ..
ثم قال: ( الثاني الكيفية بمعنى حقيقة الصفات وكنهها.)
وقال :
( فحينئذ فالمنفي هو العلم بالكيف لا ذات الكيف لأن لذات الله حقيقة وكنه استأثر سبحانه بعلمها ومن ذلك قول مالك في رواية التمهيد (وكيفيته مجهوله) )
والعجيب في كلام الشيخ وفقه الله أنه يجمع بين قولين متضادين وكأنهما من المعاني المترادفة المقبول القول بكليهما ،وهذا غير صحيح ولا هو واقع حيث أن من يقول بنفي الكيف يجزم بأن من يقول بالكيف المجهول مجسم لا شك في ذلك ،ومن يقول بنفي العلم بالكيف يثبت الكيف وينفي العلم به ،و يجزم بأن من ينفي الكيف بالكلية فهو معطل ينفي حقيقة الذات أو الصفات إذ أن عنده أن ما لا كيف له لا حقيقة له ..
فكيف خرّج الشيخ هذين القولين بهذه الصورة التي تبدو أنها لن تعجب كلا الطرفين ،ولن تصحح لأحد منهما مفهومه لدى الأخر ؟!
- ثم ذكر الشيخ بعد ذلك من قال من الأئمة بالكيف المجهول والذي يثبت بالضرورة وجود الكيف ولكنه ينفي العلم به ، ومن هؤلاء الأئمة من نقل عنه في المعنى الأول نفي الكيف مطلقا ،فكان لزاما على الشيخ هنا أن يبين أن قول هؤلاء بنفي الكيف في النقل الأول هو في حقيقته نفي العلم بالكيف والدليل هو كلامه الثاني ...

وكان لزاما على الشيخ أصلا أن يبين أن نفي الكيف المحكي عن البعض هو الأئمة هو في حقيقته نفي العلم بالكيف !
لاسيما وأن أكثر من نقل عنهم من أهل العلم كالذهبي والقرطبي وابن حجر كان يفسر أقوال السلف التي نفوا فيها الكيف ، وكانوا ينسبون هذا هذا المعنى بعد تفسيره إلى السلف وأهل السنة...
فالجمع الصحيح هو أن يقال أن من نقل عنهم من الأئمة نفي الكيف بالكلية وفهم من كلامهم ذلك ،أنه يقال إنهم أرادوا بذلك نفي العلم بالكيفة ، فكل ما ذكره الشيخ من كلام الأئمة يدل على ذلك لا سيما كلام الذهبي رحمه الله ...
وللحديث بقية إن شاء الله