المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تصحيحات الجواب الكافي



أهــل الحـديث
01-08-2012, 08:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



تزخر المكتبة الإسلامية بملايين الكتب والمصنفات في شتى فروع المعرفة، ما بين غثٍ وسمين ، وطويل ممل، وقصير مخل . وتُعدُّ كتب الرقائق والمواعظ من أشهر الكتب الإسلامية التي يحرص على اقتنائها الطلاب والمربون وخطباء المساجد،وغيرهم من أهل العلم والتربية والاصلاح .



ومن كتب الرقائق والمواعظ التي طبَقت شهرتها الآفاق منذ ستة قرون ونيِّف كتاب " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " ويعرف أيضاً باسم " الداء والدواء " الذي دبَّجه يراع الإمام المربي محمد بن أبي بكرالدِمشقي المعروف بابن قيم الجوزية ( 691 – 751 هـ)

عاش هذا الرجل ستين سنة ، يتعَلم, ويُعلِم, ويٌربِي, ويُصِنف, ويُلازم العلماء والأئمة ، حتى قال عنه تلميذه ابن رجب ( ت: 795هـ) : " تفقه في المذاهب وبرع وأفتى وتفنَن في علوم الإسلام ، وكان عارفاً بالتفسير لا يُجارى فيه ، وبأصول الدين ، وإليه فيها المنتهى ، وعني بالحديث ومتونه وبعض رجاله ، وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره وتدريسه ، وفي الأصلين .
ولا رأيت أوسع منه علماً ، ولا أعرف بمعاني القرآن والسُنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله " (1)
نشأ ابن القيِم في دمشق فتعلَم في جوامعها على والده الَذي كان قيِماً للمدرسة الجوزية ، ونهل أيضاً من علم شيخه ابن تيمية ( ت: 728 هـ ) (2) مدة ست عشرة سنة ، فحصَل علماً غزيراً لم يحظبه كثير من أقرانه .

لقد كان ابن القيِم مربياً وقدوة لطلابه وتلاميذه وأقرانه ،فقد كان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى ، وتألُّه ولهج بالذكر وشغفبالمحبة والإنابة والاستغفار ، والافتقار إلى الله
والانكسار له والإطِراح بين يديه وعلى عتبة عبوديته ، لم يشاهد مثله في ذلك ، وكان في مدة حبسه مشتغلاً بتلاوةالقرآن بالتدبر والتفكر ، ففتح عليه من ذلك خيراً كثيراً ، وحصل له جانب عظيم منالأذواق والمواجيد الصحيحة . وحج مرات كثيرة ، وجاور بمكة ، وكان أهل مكة يذكرونعنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه . وكان حسن القراءة والخلق كثيرالتودد ، لا يحسد أحداً ولا يؤذيه ولا يستعيبه ، ولا يحقد على أحد . وكان له طريقةفي الصلاة يطيلها جداً ، ويمدّ ركوعها وسجودها ، ويلومه كثير من أصحابه في بعضالأحيان فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك رحمه الله .(3)

إن كتاب " الجواب الكافي " من الكتب المهمة التي صَنفها ابن القيِم لبيان حال أهل الغربة ، فقد أشار رحمه اللهتعالى إلى أن النَاس كلهم في هذه الدار غرباء ، فإنها ليست لهم بدار مقام ، ولا هيالدار التي خلقوا لها ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضيالله عنهما: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " (4) . وكيف لا يكون العبد فيهذه الدنيا غريباً وهو على جناح سفر لا يحل عن راحلته إلا بين أهل القبور ؟ فهومسافر في صورة قاعد … فأهل الإسلام في الناس غرباء .

والمؤمنون في أهل الإسلامغرباء ، وأهل العلم في المؤمنين غرباء . وأهل السُنة الذين يميزونها من الأهواءوالبدع غرباء . والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين : هم أشد هؤلاء غربة . وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان ، ووقت دون وقت ، وبين قوم دون قوم (5).

عقد ابن القيِّم كتابه في مئة وخمسة عشر فصلاً ، وقد جاء جواباً كافياً لمسألةأُرسلت إليه من أحد المستفتين ممن أسرف على نفسه بالمعاصي فوقع في البلاء الذي لاحيلة منه .
وقد شرع الشيخ في الإجابة على مسألة المبتلى بقوله : " الحمد لله ،أما بعد ... ثم أفاض الشيخ في الحديث عن أمراض القلوب والأرواح والأبدان وأدويتها ،واستشهد بنحو ثلاثمئة حديث ،ومئتي آية، وستين أثرًا، وعشرات الأخبار والأشعار اللطيفةالرائعة .

وأهم المباحث التي تناولها ابن القيم في كتابه :
1-أهميةالدعاء في دفع البلاء .
2-أسباب الخير والشر .
3-الرجاء وحسن الظن يكون معالإتيان بالأسباب .
4-الذنوب سبب فساد دنيا العبد وآخرته .
5-آثار الذنوب علىالقلوب والبدن في الدنيا والآخرة .
6-صور من عقوبات المعاصي كما رآها الرسول صلىالله عليه وسلم .
7-أنواع عقوبات المعاصي.
8- أحكام المحبة .
9-مراتب المحبة .
10-تحقيق حديث " من عشق فعفَ فكتم فهو شهيد " (6) .

وقد صاغ ابن القيم _رحمه الله تعالى _ كتابه بالأساليب البيانية الرائعة والأمثلة الشرعيةوالمنطقية التي تزيد العبارة حجة وتكسوها بياناً وإقناعاً . ومن ذلك قوله " كثير منالناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال : ( أستغفر الله ) زال الذنب ، وراح هذا بهذا . وقال لي رجل من المنتسبين إلى الفقه : أنا أفعل ما افعل ثم أقول سبحان الله وبحمدهمئة مرة ، وقد غفر ذلك أجمعه كما صح عن النَبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قالفي يوم : سبحان الله وبحمده مئة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبدالبحر"(7) .

وقال لي آخر من أهل مكة : نحن أحدنا إذا فعل ما فعل اغتسل وطافبالبيت أسبوعًا وقد مُحي عنه ذلك " . وهذا الضرب من الناس قد تعَلق بنصوص من الرجاءواتَكل عليها ، وتعلَق بها بكلتا يديه ، وإذا عُوتب على الخطايا والانهماك فيها سردلك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغفرته ونصوص الرجاء . وللجهَال من هذا الضرب منالناس في هذا الباب غرائب وعجائب " (8) .

وابن القيم يستطرد كثيرًا في فصوله،ولعله تأثر بشيخه ابن تيمية الذي عرف بالاستطراد في أكثر مؤلفاته .
ومناستطرادات ابن القيم البديعة المليحة حديثه عن أنواع الشرك بعد حديثه عن الكبائروحقيقتها ثم قال : " وهذا كله ذكرناه مقدمة بين يدي تحريم الفواحش ووجوب حفظ الفرج." (9) .

ولما أفاض في الحديث عن مستلزمات الرجاء الشرعي المطلوب . وساق الآثارفي ذلك قال : " فلنرجع إلى ما كنا فيه من ذكر دواء الداء الذي إن استمر أفسد دنياالعبد وآخـرتــه " (10) .

وقد أطال ابن القيِم النفس في طرق معالجة أمراض القلوبومسالك تزكية النَفس والأخلاق بالأدوية الربانية والنبوية الصحيحة ، وذكر بعضتجاربه مع المرضى وتداويه بسورة الفاتحة لما كانت تعتريه بعض الأمراض في مكة (11)،وسجَل بعض مشاهداته لأهل المعاصي عند احتضارهم بأسلوب بياني بديع (12) .

وفيكتاب الجواب الكافي سرد لبعض الآثار المروية عن بني إسرائيل أوردها المصنِف للإفادةلما تضمَنته من رقائق ومواعظ مفيدة ، وإن كان بعضها محل بحث لعدم ثبوت إسنادها . وفي الكتاب نقول عن مراسيل الحسن ومرويات ابن أبي الدنيا(ت:281هـ) ساقها ابن القيم للغرضنفسه .

وقد تضمَن الكتاب مسائل فقهية مهمة ساقها ابن القيِم استطراداً كحكم نكاحالمحارم, وحكم وطء الميتة, وحكم وطء البهيمة, وحكم الاستمتاع بالمسبية قبلالاستبراء, وحكم من أسلم بعد قتله لنفس معصومة (13 )

وقد ذكر ابن القيِم اختيارات شيخه ابن تيمية في خمس مسائل :
الأولى : معنى قول حذيفة لعمر رضي اللهعنهما : " لا أزكي بعدك أحداً " .
الثانية : حكم المال المغصوب إذا مات صاحبهوانتقل لوارثه .
الثالثة : حكم من تشبَه بالعلماء والمخلصين وهو ليس منهم .
الرابعة : هل التائب من الذنب يعود إلى منزلته الَتي كان فيها قبل فعل المعصية؟ (14) .
الخامسة : لقد اعتنى ابن القيم بجوابه فدَون الأصول والضوابط وجمع ماتفرق من شرائد الفوائد المتعلقة بأدواء القلوب ودوائها . من ذلك عنايته بذكر أسبابتأخر العمل عن التصديق, وبيان درجات الأعمال المكفِرة وأنواعها, وأوجه الشبه بينقاتل نفس واحدة، وقاتل الناس جميعاً(15).
وللشيخ رحمه الله تعالى مزيد عناية في الردعلى المذاهب والملل الفاسدة, فقد تعقب مقالاتهم وضلالاتهم المتعلقة بالنفس ومقاصدهافي الأقوال والأفعال . فرد على المشبهة, والمعطلة, والقدرية, وأهل وحدة الوجود ، كما تعقب اليهود والنصارى . (16) .

وحرص ابن القيم على تدوين استنباطاته وفوائده من الآيات والأحاديث وأقوال السلف, ومجموع استنباطاته في هذا الباب اثنتا عشرةمسألة مفرقة في جوابه . (17 ).

وموارد ابن القيم في الجواب الكافي تدل على أصالةعلومه ومتانتها, فقد نهل من فوائد التفاسير، والصحيحين, وأكثر من الاقتباس من أحاديثمسند الإمام أحمد وكتابه في الزهد, ونقل فوائد من معاجم الطبراني وفوائد أخرى منالإمام ابن حزم(ت:456هـ ) وابن الجوزي (ت:597 هـ) وأبي نعيم(ت:430هـ) وأبي طالبالمكي(ت:386هـ) وأبي الوفاء ابن عقيل(ت:513هـ) والحافظ ابن عبد الحق الإشبيلي(ت:581هـ)وأضاف إلى نقولاته مشاهداته ومسموعاته في باب أمراض القلوب وتزكية النفوس .

ولماأوشك على إنهاء تحرير كتابه قال : " ونختم الجواب بفصل متعلِق بعشق الصور وما فيهمن المفاسد العاجلة والآجلة."
إن كتاب الجواب الكافي للإمام ابن القيم جديربأن يُقرأ ويُفاد منه في المساجد والمدارس والمعاهد ,بل جدير أن يترجم إلى اللغاتالعالمية الحية، ليقف الناس على علومه النافعة المستقاة من مشكاة النبوة, فقد شخَّصفيه المصنف أدواء قلوب الناس المهلكة, ووصف دواءهم , فرحمة الله على مصِنفه ونفعنابعلومه .

الهوامش:

-1ذيل طبقات الحنابلة"(2/447) .
-2 البدايةوالنهاية" (14/110) .
- 3البداية والنهاية"(14/234).
4 -أخرجه البخاري:(كتابالرقاق- حديث رقم :6416) .
5- مدارج السالكين "(3/205) بتصرف يسير.
6- حديثموضوع في إسناده سويد بن سعيد : ضعيف له أوهام .انظر :"العلل"لابن أبي حاتم :(1/457)و"المجروحين"لابن حبان و"زادالمعاد " لابن القيم : (ص/ 453( .
- 7 أخرجهالبخاري:(كتاب الدعوات- حديث(2691)
8- الجواب الكافي"(ص/62/ط مكتبة السواديبجدة/ 1414هـ)
9 الجواب الكافي":(ص/384) .
10الجواب الكافي":(113) .
-11الجواب الكافي":(ص/ 30) .
- 12الجواب الكافي":(ص/ 227- وما بعدها) .
-13الجواب الكافي":(ص/347 ، 412 ، 413 ، 414 ، 547) .
14الجوابالكافي":(ص/ 92 ، 112 ، 218 ، 350) .
- 15 الجواب الكافي":(ص/101 ،276 ،277 ،( 300 ).
-16 الجواب الكافي":(ص/ 243 ، 345 ، 311 ، 313 ، 337 ,351 ) .
17 - الجواب الكافي":(ص/ 170 ، 216 ، 238 ، 312 ، 342 ، 348 ، 387 ، 402، 430، 470 ، 544 ).

أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/Author/2083