المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول المادة الثانية من الدستور ... مقال يستق التأمل



أهــل الحـديث
31-07-2012, 02:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




م. عبد المنعم الشحات والدولة الحديثة ومحاولة تغيير العقل السلفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد؛
فقد فجعت بمقالة للمهندس عبد المنعم الشحات بعنوان: "مقارنة بين نظام الخلافة وبين الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية"؛ حيث يظن المرء أنها مقالة تتحدث عن الشريعة والسياسة الشرعية، وإذ به يفاجأ بالخلط العجيب بين الإسلام والعلمانية.
ومقالته تلك بعيدة كل البعد عن التحقيق والتأصيل العلمي؛ لذا لن أتتبع تدقيق كل معلومة وردت فيها، مكتفيًا بتأمل خطرين اثنين؛ أولهما: دعوى أن ما يسمى بالدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية لا تصادم قطعيات الشريعة. ثانيهما: تمرير بعض النظم العلمانية وتبرئة الرئيس من تبعات ذلك:
أولًا: ما يسمى "الدولة الحديثة" بين العلمانية والإسلام:
أ- تؤكد المقالة أن نظام الدولة الحديثة في الغرب والشرق نظام علماني: حيث إن الغرب (أنشأ ما يُعرف بالدولة الحديثة؛ لتكون عالمانية ديمقراطية على أنقاض نظام ديني ديكتاتوري...، ومِن أهم أسس هذا النظام السيادة للشعب، وهو مصدر السلطات...، قيام هذا النظام على أساس لا ديني).
ثم يذكر أن الغرب صدَّر للعالم الإسلامي: (نظام الحكم القائم على الدولة الحديثة، ومِن أسسها: فصل الدين عن الدولة، وقامت نظم سياسية في تلك الدول لم تأخذ من تلك الدولة الحديثة إلا فصلها للدين عن الدولة).
ب- تدعي المقالة أن هذا النظام تقيد بالمرجعية الإسلامية فأصبح لا يصادم قطعيات الشريعة: حيث يذكر أن الحركات الإسلامية كافحت (من أجل تحسين وضع الدول الإسلامية المعاصرة في اتجاهين: الأول: محاربة العالمانية. الثاني: محاربة الديكتاتورية. وكان القدْر المتاح في محاربة العالمانية وفق النظام الدستوري هو إلزام السلطات التي تحددت وفق هذا النظام سواء التشريعية أو التنفيذية، والقضائية بالتبع لهما، بعدم مخالفة الشريعة فيما يصدر عنهما من قوانين وقرارات فيما عُرف بنظام الدولة الدستورية القانونية الحديثة ذات المرجعية الإسلامية، وهذا النموذج من النظم السياسية ليس مطابقًا لنظام الإمامة الذي تكوَّن عبر تاريخ الأمة، ولكنه في ذات الوقت غير مصادم للقطعيات الشرعية، وإن بقيت فيه مخالفات يمكن التغلب عليها)، و (القيد الدستوري بمرجعية الشريعة...؛ يبقى ملزمًا لجميع السلطات).
وهذا الكلام خطأ بيِّن:
- فما معنى "المرجعية الإسلامية"؟
- وما معنى "إلزام السلطات التي تحددت وفق هذا النظام سواء التشريعية أو التنفيذية، والقضائية بالتبع لهما، بعدم مخالفة الشريعة"؟
لا يوجد شيء في الدستور والقانون اسمه مرجعية الشريعة، ولا يوجد شيء في الدستور والقانون يلزم سلطات الدولة بعدم مخالفة الشريعة.
كل ما في الأمر هو نسيان الكاتب لمعنى العلمانية وتطبيق الغرب لها؛ حيث توجد مادة في الدستور تقول: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وهذه المادة موجود شطرها الأول منذ أول دستور نشأ في مصر في ظل الاحتلال البريطاني، وهو يشابه المواد الموجودة في كثير من دول أوربا العريقة في العلمانية، والتي تنص على دين الدولة أو مذهبها؛ حيث إن المقصود بالدين عندهم بعض العقائد والشعائر التعبدية، وهذا كان مقصد الدستور المصري من معنى الإسلام دين الدولة، ولذلك كان علماء المسلمين دومًا يردون هذا المعنى الذي قصده الدستور، مؤكدين أن الإسلام دين ودولة، ويمكن مراجعة ردود العلماء على أمثال علي عبد الرازق في تلك الفترة الزمنية التي كُتب فيها الدستور المصري.
ولذلك لم ير من وضع الدستور مناقضة بين هذه المادة والمواد الكفرية؛ مثل: الديمقراطية، والمواطنة، والسيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات، ولا تمييز بسبب الدين أو العقيدة، وتكفل الدولة حرية العقيدة، واحترام القانون...
ولذلك أيضًا لم ير من وضع القانون مناقضة بين هذه المادة والقوانين الكفرية التي تبيح الردة والزنا والربا، وتلغي الحدود الشرعية.
أما أن مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع فليس ملزمًا دستوريًا للسلطات التنفيذية ولا القضائية، بل هي تتعلق بما إذا صدر قانون جديد في المستقبل، فلا ينبغي لما يسمونه بالسلطة التشريعية أن تخالف المجمع عليه، وتظل في نظامهم كل القوانين الكفرية واجبة التطبيق، واجبة الاحترام، يعاقب ويحارب كل من أعاق العمل بها.
ويسمح النظام الحديث الذي يدعي البعض أنه مقيد بمرجعية الشريعة بحذف وإلغاء هذه المادة المتعلقة بالإسلام والشريعة! حسب نتيجة المعادلة الانتخابية.
فأي شريعة هذه التي يدعي كاتب المقال أن هذا النظام لا يصادم قطعياتها؟!
ألا إن الدستور السابق والحالي، بل والذي أعلنت سلفية الإسكندرية والإخوان المسلمون أنهم يسعون لكتابته، كلها دساتير كفرية لا تجتمع مع الإسلام البتة، "سواء بقيت كلمة مبادئ أم حذفت"؛ فإن كانوا صادقين فليضعوا مادة حاكمة لا تقبل تقييدًا ولا تغييرًا: بأن أي مادة دستورية أو قانونية سابقة أو قائمة أو قادمة، تخالف أي شيء من الإسلام، فإنها باطلة مردودة، يمنع العمل بها.
فهل سيفعلون ذلك؟ أم سيكون لبس الحق بالباطل وكتمان الحق وهم يعلمون.

تمرير بعض النظم العلمانية وتبرئة الرئيس من تبعات ذلك:
فجأة ذهب حاكم وأتى آخر، وظل الدستور هو الدستور والقانون هو القانون، ولكن كاتب المقال يصف بعض من سبقوا بأنهم طواغيت -وهذا حق-؛ حيث كان عامة الذين يحكمون بلاد الإسلام بهذه الطريقة طواغيت يحاربون المرجعية الإسلامية، كما يحكي عن المداخلة أنهم: (أنزلوا النصوص الواردة في الإمام على الرؤساء، بل على رؤساء يُحارِبون المرجعية الإسلامية...، وهل سيعاملونهم معاملة ولاة الأمور كما عاملوا الطواغيت قبلهم).
أما الحاكم الجديد فلا عليه أن حكم بنفس نظام الدولة!!؛ فكاتب المقال يقرر المبادئ الآتية:
1- إعفاء الرئيس من مهمة حفظ الدين: قائلًا: (ومِن أهم الأمور التي خرجت عن صلاحيات الرئيس بينما كانت على رأس صلاحيات الإمام: هي مهمة حفظ الدين، وهي مهمة وفق نظام الدولة الحديثة موكولة إلى المؤسسة الدينية الرسمية، وهي في مصر: الأزهر...، التي لا يستطيع الرئيس حتى ولو كان مؤمنًا بالمرجعية الإسلامية إلا أن يحاول أن يوفر لها المناخ المناسب للعمل وفقط، وأما التفاصيل فخارجة عن اختصاصه).
وهذا دليل دامغ على تسرب المبادئ العلمانية؛ حيث إن حفظ الدين متعلق بكل شئون الحياة من سياسة، واقتصاد، وشئون داخلية وخارجية، وتعليم، وإعلام، وأوقاف...، فللدين في كل شأن أمره الذي يجب حفظه.
2- الإقرار بحق العلمانيين "الكفرة" في المعارضة الأيديولوجية للحكم الإسلامي: حيث يقول: (وجود المعارضة المادية يمثِّل أحد أهم جوانب التوازن في نظام الدولة الحديثة، وعندما يصل للحكم فريق يؤمن بالمرجعية الإسلامية فمن الطبيعي أن تنظم القوى العالمانية صفوفها، وأن تمارس معارضة مادية موضوعية ذات طابع أيديولوجي أمام الفصيل الإسلامي الحاكم).
فأي إسلام هذا الذي يقر العلمانيين الكفرة على نشر كفرهم "أيديولوجيتهم"؟!
3- يوجب الالتزام بهذا النظام العلماني الذي يدعي وجود مرجعية إسلامية له: قائلًا: (الواجب علينا جميعًا أن نعي النظام الذي التزمنا به، ولماذا التزمنا به؟ وأن نؤكد للجميع أن جميع فصائل العمل الإسلامي ملتزمة بالآليات التي تم الاتفاق عليها)، وقائلًا: (يجب على الرئيس ذي المرجعية الإسلامية أن يفي بشروط عقده مع الشعب حتى في تلك الأمور التي يخالف فيها نظام الإمامة نظام الدولة الحديثة، مثل: توقيت العقد...، ومثل عدم تعدي الاختصاصات، ومِن ثَمَّ يجب الإنكار على مَن عدل عن ذلك).
وبهذا يتبين قطعًا بطلان دعوى من زعموا أنهم يتدرجون من أجل تطبيق الشريعة، مع أن كثيرًا من كلامهم عن التدرج باطل من أساسه، ومع ذلك فها هم يلتزمون النظام العلماني بدعوى الوفاء بالعهد! ذاك العهد المناقض للشريعة أصلًا، فلا يسأل أحد عن أسلمة الدولة، وإعداد القوة، فضلًا عن جهاد الكافرين والمنافقين والغلظة عليهم.
والعجيب أن توصف السذاجة السياسية بأنها السياسة النظيفة الشريفة، التي تقابل خبث ومكر سياسة غيرهم!.
4- تبرئة الرئيس من مسئولية القوانين: فيقول: (حق إصدار القوانين، وبعد تقييدها بالشرع، هو الآن من صلاحيات البرلمان...، نعم، يملك الرئيس إصدار بعض القرارات، ولكنها مقيدة جدًا).
بل الرئيس في النظم التي تسمى بالحديثة له في أغلبها حق إصدار إعلان دستوري، ومراسيم بقوانين، والموافقة على القوانين، والاعتراض عليها، وله اقتراح القوانين على ما يسمى بالمجلس التشريعي.

وباختصار:
إن مقالة "مقارنة بين نظام الخلافة وبين الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية" ما هي إلا رسالة من الرسائل التي يرسلها البعض لطمأنة "الدوائر السياسية العلمانية والخارجية" أنهم لن يخرجوا عن الإطار الذي رسموه لهم، والذي يُعبَّر عنه أحيانًا بـ"المتاح"، وهي كذلك خطوة من الخطوات المتسارعة لـ"تغيير العقل السلفي".
طلحة محمد المسير
[email protected]