المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة ثبات



أهــل الحـديث
20-07-2012, 02:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


أزمة ثبات

يتابع المتأمل لمسيرة الدعوة خط سيرها عبر الدهور ، ورموزها الفاعلين في حياة الناس فيجد أن ثمة قضية تستوجب منا الوقوف الطويل عندها ، لنسبر أغوارها ، وندرس أسبابها دراسة واعية ، لنتفادى خطرها الجسيم ، ألا وهي النكوص على الأعقاب ، والتراجع بعد العطاء ، والفتور بعد الاندفاع ، وهذه من الأزمات الكبرى التي تمنى بها قافلة الهداية والخير ، فيتساقط منها شباب لطالما عمر قلوبهم الإيمان ، وسكنت أفئدتهم خشيةُ الرحمن ، شباب .. عاشوا في كنف مجتمع مبارك ، يحثهم على التحلي بالقيم ، والتمسك بالمبادئ ، والعيش في ظل مكارم الأخلاق ، وما إنْ واجهتهم أمواج الحياة ، بفتنها ومغرياتها ، ومصاعبها ومشاقها إلا وأخذوا يتلفتون يمنة ويسرة ! وبدأت نفوسهم تحدثهم أن اركبوا موجة الغفلة ، وكونوا على هامش الحياة ، وألقِ عنك سلاح الدعوة ! فالعصر عصر تنافس دنيء ، ولا مكان فيه للشرفاء ! والهادي هو الله !
بعد ما كان شعلة وضاءة في حياة الأخيار ، مبرزا في أخلاقه العالية ، ودأبه في تحصيل العلم ، ونشاطه في الدعوة إذ به يترك كل هذا النور ويلج بوابة الظلام !
كان مَن حوله يألفون منه الابتسامة الصادقة ، واللمسة الأخوية الحانية واليوم هو فض غليظ ، بعيد عن مشاركة الناس حياتهم والتأثير فيهم .
ألهتة الوظيفة، أو شغله الزواج ، أو أفسد إيمانَه طبق الفضاء ، فملأ قلبه شهوة محرمة ، وحشا فكره بالضعف ، أو أثر عليه صديق السوء ، ورفيق المهلكة أو .. أو .. .
الثبات قيمة كبيرة تضمن للمتمسك بها برحمة الله دخول الجنة ، وكان نبينا عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام يدعو ربه في سجوده قائلاً ( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، وخاطبه ربه الجليل فقال : ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً * إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات..)
إن هذا العضو الصغير ، سيد الجوارح ، الآمر الناهي ... سريعُ التقلب ، ولذا سُمي قلباً ! وأخبرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم عن أمره فقال : ( إن القلوب بين أصعبين من أصابع الرحمن ، يقلبها كيف يشاء ).
القلب مصدر الإرادات والعزائم ، ومستودع الأفكار والتصورات ؛ ولذا جاءت العنايةُ من الشريعة به ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ..ألا وإن في الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدتْ فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب).
ومن هنا فإن أولى ما يجب أن تُنصب إليه جهودنا ، وتركز عليه تربيتنا .. إصلاح القلوب ، فهي محل نظر الرب ، فلقد جاء في الحديث ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ) رواه مسلم.
وإصلاحها يكون بأمور :
1- قطع العلائق بالسيئات ، وتخلية القلب عن الرذائل والموبقات و الشهوات المحرمة ، والأحقاد والضغائن على المسلمين .
2- تحلية القلب بمراض الله تعالى ، من أعمال القلوب الصالحة ، كالتوكل ، والإنابة والاستعانة والحب لله تعالى ثم لكل حب مقرب لحبه ... وهكذا ، ولهذه وسائلُ توصل إليها من صبر على طاعة الله ، وتبكير للصلوات ، ودمعة في الخلوات ، وحسن خلق مع الناس وحضور لمجالس العلم والوعظ ، وتواص على البر والخير .
أُدرك أن الاستمرار على عطاءٍ بدرجة واحدة طول العمر أمر مستحيل ، سواء كان في القوة العلمية أو العملية للعبد ؛ ولذا كان ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ) ولما سئلت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – عن عمل رسولنا عليه السلام ؛ فقالت : ( كان عمله ديمه ) ، ولأجل هذا فإن ما نرمي إليه هو أن يُعوِّد المسلم نفسه أن يلتزم بسقف أدنى ، و أن لا يتنازل عنه مهما كانت الظروف ، وأن يدرك أن نزوله تحت هذا الحد يعرضه للشقاء ، وبهذا يُقبل على نفسه ويروضها ، ويلزمها الحق وإن كان مُرًا عليها ، ومن جهةٍ ففيه مراعاة لحال النفس البشرية المجبولة على التفلت والضعف لو تركت بلا حسيب ولا رقيب .
إن هذا الاهتمام بالثبات يوجَّه إلى الأفراد والمؤسسات التربوية ، فهو أيضاً مطالبة بالثبات على عطاء يتجدد مع المواسم والأيام ، يُشع بنوره على مجتمعات لفها الظلام ، ونفوسٍ عاشت في دياجير الحرمان .
وأمر أخير ..
الثبات المطلوب هو الثبات على العقيدة الصحيحة، والمنهج الإسلامي القويم ،والخُلق والعطاء الصالح ، وأما ما كان من الوسائل التي يتاح فيها التغيير فالحكمة تقتضي عدم الثبات عليها ، فالتغيير سنة كونية معتبرة .


كتبه : أبو زياد التميمي
1 رمضان من عام ألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين للهجرة النبوية المباركة .