المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (2) ثمار التقوى



أهــل الحـديث
19-07-2012, 08:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

هذا هو الجزء الثاني وهو تتمت مقالة شهر رمضان لشيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله والتي نشرت في جريدة الشرق القطرية هذا الإسبوع أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



(2) ثمار التقوى

بعد أن عرفنا أيها الأفاضل في المقال السابق علاقة التقوى بشهر رمضان وأنها ثمرته و نتاجه الأسمى،و توقفنا عند بعض النصوص من الكتاب و السنة و أقوال سلف الأمة التي جاءت بحث العبد على ملازمة التقوى في السر و العلانية ، وكنا تساءلنا عن معنى التقوى و عن أهميتها؟
فعلينا أن نعلم أن خير ما يتزود به العبد في دنياه تقوى ربه سبحانه و تعالى،قال تعالى( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)[ البقرة :197]
فما دب إلينا النقص و استضعفنا أعداء الله وتسلطوا علينا، إلا بسبب تركنا لتقوى الله، وعدم استشعارنا بمراقبته، فلو أن كل منا صاحب عظمة ربه في قلبه و عمل بما أمر به ربه سبحانه وما نهاه عنه لحقق تقواه، فيا من عهد الله لك شيئا من أمور المسلمين عليك أن تتقي الله في نفسك أولا ثم فيما ولاَّك ، يا من توليت تعليم أبناء المسلمين، اتقي الله فيهم، و أرشدهم إلى العقيدة الصافية و الأخلاق الإسلامية الفاضلة ، يا من وكلت إليك وظيفة ، حافظ على الأمانة واتقي الله فيها ، و اعلموا أنكم غدا ستقفون عند خالقكم ويسألكم عما كنتم تفعلون ، فاعدوا لذلك السؤال جوابا و للجواب صوابا،قال صلى الله عليه وسلم:"ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته،والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم،و المرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم،والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه،ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"رواه البخاري(6719) ومسلم(1829) واللفظ له من حديث ابن عمر–رضي الله عنه-
فما هي التقوى أيها الأحبة ؟!
عرفها طلق بن حبيب –رحمه الله- بكلمات جامعة مختصرةفقال :"هي العمل بطاعة الله, على نور من الله رجاء ثواب الله, وترك معاصي الله على نور من الله, مخافة عذاب الله" .السير للذهبي(4/602)
وقال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-في قوله تعالى:(اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن) [آل عمران :102]:" أن يطاع فلا يعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر" . مصنف ابن أبي شيبة ( 7/106)
فكيف نحصل على التقوى ؟:
التقوى سهلة النيل على من وفقه الله لها,لكن ما أعسرها على من كان عن الرحمة مبعداً.
يحصل العبد عليها متى ما تخلى عن الشهوات, وسارع إلى الطاعات, و أناب إلى رب الأرض و السماوات .
قال ميمون بن مهران –رحمه الله - :"لا يكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه " . محاسبة النفس لابن أبي الدنيا ( ص8)
وقال أيضا-رحمه الله-:" إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ،ومن شريك شحيح ".محاسبة النفس (ص 10)
فما هي ثمرات التقوى؟:
للتقوى ثمرات عظيمة ونتائج كبيرة في الدنيا و الآخرة, لأن الله تعالى ما أمر العباد بها, وكرر ذلك إلا لعظيم مكانتها,لذا كان الجزاء عليها متناسباً مع عظيم منزلتها،فمن ثمراتها : 1ـ محبة الله تعالى :
قال تعالى (بلى من أوفى بعهده واتقى فإِن الله يحب الْمتقين) [آل عمران:76]
قال الإمام الطبري–رحمه الله-:"يعني فإن الله يحب الذين يتقونه فيخافون عقابه ويحذرون عذابه فيجتنبون ما نهاهم عنه وحرمه عليهم ويطيعونه فيما أمرهم به".تفسير الطبري(3/320)
قال الشيخ ابن سعدي –رحمه الله- : "والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه، وهو جميع ما أوجبه الله على العبد من حقه،ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد،والتقوى تكون في هذا الموضع ،ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه،وبينه وبين الخلق، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى". تفسير السعدي(ص135)

2- رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة :
قال جل وعلا ( واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذِين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) [لأعراف:156]
قال ابن القيم–رحمه الله-:"فالمكتوب للذين يتقون نوع خاص من الرحمة الواسعة" .
شفاء العليل (1/263)
وقال ابن كثير –رحمه الله-:" أي سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم( الذين يتقون) أي الشرك والعظائم من الذنوب قوله (ويؤتون الزكاة ) قيل زكاة النفوس وقيل زكاة الأموال ويحتمل أن تكون عامة لهما فإن الآية مكية ( والذين هم بآياتنا يؤمنون ) أي يصدقون ". تفسير ابن كثير(2/252)
3- سبب لعون الله ونصره وتأييده :
قال سبحانه (إن الله مع الذين اتقوا وَالذين هم محسنون) [النحل:128]
قال الحسن البصري-رحمه الله-:"اتقوا فيما حرم الله عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم". تفسير الطبري(14/198)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : "فقد دل السياق على أن المقصود ليس مجرد علمه وقدرته بل هو معهم في ذلك بتأييده ونصره وأنه يجعل للمتقين مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ".منهاج السنة النبوية ( 8/380)
وقال الشيخ ابن سعدي–رحمه الله-:"والله مع المتقين المحسنين، بعونه، وتوفيقه، وتسديده ، وهم الذين اتقوا الكفر والمعاصي ، وأحسنوا في عبادة الله ، بأن عبدوا الله ، كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه ، فإنه يراهم . والإحسان إلى الخلق ببذل النفع لهم من كل وجه،نسأل الله أن يجعلنا من المتقين المحسنين ".تفسير السعدي( ص452)
4- تبعث في القلب النور وتقوي بصيرته فيميز بين ما ينفعه وما يضره :
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إِن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) [لأنفال:29]
قال الشيخ ابن سعدي –رحمه الله- : "امتثال العبد لتقوى ربه ، عنوان السعادة ، وعلامة الفلاح ، وقد رتب الله على التقوى من خير الدنيا والآخرة شيئا كثيرا ، فذكر هنا أن من اتقى الله حصل له أربعة أشياء ، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها :
الأول : الفرقان وهو : العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والحلال والحرام ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة . الثاني والثالث : تكفير السيئات ، ومغفرة الذنوب ، وكل واحد منهما داخل في الآخر عند الإطلاق وعند الاجتماع ، يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر ، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر . الرابع : الأجر العظيم ، والثواب الجزيل ، لمن اتقاه ، وآثر رضاه على هوى نفسه" . تفسير السعدي (ص 319)
5ـ توسيع الرزق وفتح مزيد من الخيرات :قال جل في علاه (ولو أن أَهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرْضِ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) [لأعراف:96]
قال الشيخ ابن سعدي –رحمه الله-:"لو آمنوا بقلوبهم إيمانا صادقا صدقته الأعمال ، واستعملوا تقوى الله تعالى ظاهرا وباطنا بترك جميع ما حرم الله ، لفتح عليهم بركات السماء والأرض ، فأرسل السماء عليهم مدرارا،وأنبت لهم من الأرض ما به يعيشون وتعيش بهائمهم في أخصب عيش وأغزر رزق ،من غير عناء ولا تعب ،ولا كد ولا نصب ، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا(فأخذناهم بما كانوا يكسبون) بالعقوبات والبلايا ، ونزع البركات ، وكثرة الآفات،وهي بعض جزاء أعمالهم ، وإلا فلو أخذهم بجميع ما كسبوا ، ما ترك على ظهرها من دابة" .تفسير السعدي(ص 298)
6ـ التقوى ثوابها الجنة :
قال سبحانه وتعالى (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) [القلم:34]
قال القرطبي – رحمه الله- :"إن للمتقين في الآخرة جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا" . تفسير القرطبي ( 18 /246)
وقال الشيخ ابن سعدي –رحمه الله- : " يخبر تعالى بما أعده للمتقين الكفر والمعاصي ، من أنواع النعيم والعيش السليم في جوار أكرم الأكرمين " .تفسير السعدي (ص 881)
أيها الأحبة الأفاضل ما هذه إلا بعض الثمرات النافعة التي يقطفها العبد المؤمن من شجرة التقوى بإذن الله ، فعلينا رعاكم الله أن ندعو الله جل جلاله أولا أن يوفقنا لتقواه، ثم نتخذ الأسباب الموصلة لتقواه بعمل الطاعات و اجتناب المحرمات من شبه و شهوات ، فالله أسأل لنا و لكم أن يرزقنا تقواه في السر و العلانية ، فهو سبحانه قدير و بالإجابة جدير .


وصلي اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله النايلي