المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (1)جاءكم شهر التقوى



أهــل الحـديث
16-07-2012, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد
أيها الأحبة هذا هو الجزء الأول من مقالة شيخنا أبي عبد الله حمزة النائلي حفظه الله وهي عن شهر رمضان الفضيل نشرها فضيلته في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



(1)جاءكم شهر التقوى

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
لقد كان نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم يزف بُشرى قدوم شهر رمضان لأصحابه (رضوان الله عليهم) فيقول : "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عزّ وجلّ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَل فيه مَرَدَةُ الشّياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرم خيرَها فقد حُرم" .رواه النسائي(2106) من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) وصححه الألباني –رحمه الله-
قال الإمام ابن رجب –رحمه الله-:"كيف لا يُبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشّر المذنب بغلق أبواب النيران؟!كيف لا يبشّر العاقل بوقت يغل فيه الشّياطين؟! من أين يشبه هذا الزمان زمان".لطائف المعارف( ص158)
ولهذا كان سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان (رضوان الله عليهم) يسعدون بقدوم شهر الرحمات وموسم الخيرات، فقلوب المتقين لهذا الشهر تحن و على فراقه تئن .
أيها الأحبة إن كثيرا منا في هذا الزمان يفرح بشهر رمضان ويُبشر الآخرين بقدومه ،لكن ما سبب هذا الفرح ؟
عند أهل الإيمان ، هو شهر القرآن، الذي يعتق الرحمن فيه عبادا له من النيران،وتكثر في التوبة والاستغفار وأنواع البر و الإحسان،فله سبحانه على هذه النعم الحمد والشكران.
أما عند غيرهم! ، هو فرصة للسهرات و الحفلات وحضور المهرجانات والتنعم بما لذ و طاب من المأكولات و المشروبات ، نسأل العفو و العافية من رب البريات .
فشتان و الله بين الفريقين وشتان أيضا بين الفرحتين !
أيها الأفاضل الكرام هلا تساءلنا ! عن الثمار التي نقطفها من صيامنا ؟
قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) [ البقرة :183 ]
كثير منا أيها الأحبة يمتنع عن الأكل و الشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس سواء كان ذلك في صيام الفرض أو النفل ، لكن هل حققنا الغاية المرجوة من الصوم ألا وهي "تقوى الله" ، هل حبسنا ألسنتنا عن التحدث في أعراض الناس؟!، هل صنا أسماعنا و حمينا أبصارنا عن الحرام؟!، و الله المستعان .
قال جابر – رضي الله عنه- :" إذا صُمتَ فليَصُم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، (أذى الخادم) وليَكُن عليك وقار وسكينة يوم صومك،ولا تجعل يوم صومك، ويوم فطرك سواء".مصنف ابن أبي شيبة(2/271)
قال عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-:"ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير". تاريخ دمشق لابن عساكر ( 45/230)
قال الإمام ابن القيم –رحمه الله- : "وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة، والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها، و استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى" .زاد المعاد (2/29)
قال الشيخ ابن سعدي–رحمه الله-:"فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى:أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل إليها نفسه متقربا بذلك إلى الله راجيا بتركها ثوابه ،فهذا من التقوى ومنها:أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها:أن الصيام يضيق مجاري الشيطان فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي ومنها:أن الصائم في الغالب تكثر طاعته والطاعات من خصال التقوى ومنها:أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى".تفسير السعدي(ص86)
أيها الأفاضل ينبغي أن نعلم أنه إذا لم تترتب آثار التقوى على الصائم، فإن صيامه ناقص، ولا يقال: أنه باطل ، فهو صحيح، ولا يؤمر بإعادته، لكنه لا يؤجر على صيامه إلا بقدر ما حققه من تقوى قال نبينا صلى الله عليه وسلم:" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". البخاري(1804) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-
قال ابن بطال–رحمه الله-:" قال المهلب:فيه دليل أن حكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور ،كما يمسك عن الطعام والشراب ، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقص صيامه وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه" .شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/23)
قال ابن المنير -رحمه الله-:" هو كناية عن عدم القبول كما يقول المغضب لمن رد عليه شيئا طلبه منه فلم يقم به لا حاجة لي بكذا فالمراد رد الصوم المتلبس بالزور وقبول السالم منه " .فتح الباري(4/117)
وقال صلى الله عليه وسلم :"رب صائم ليس من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر " رواه ابن ماجة (1690)من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- وصححه الألباني –رحمه الله- .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية–رحمه الله-:"فان قول الزور والعمل به في الصيام أوجب إثما يقابل ثواب الصوم وقد اشتمل الصوم على الامتثال المأمور به والعمل المنهي عنه فبرئت الذمة للامتثال ووقع الحرمان للمعصية ". مجموع الفتاوى (19/303 )
وقال ابن القيم-رحمه الله-:"فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم ". الوابل الصيب(ص43)
أيها الأحبة قد أمرنا الباري سبحانه أن نتقيه حق تقاته وذلك بفعل ما أمر و اجتناب ما نهى عنه وزجر ، بل أوصى بذلك من سبقنا من الأمم ، قال تعالى ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا (131) ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا) [ النساء :131-132]
قال الشيخ ابن سعدي – رحمه الله- :" يخبر تعالى ، عن عموم ملكه العظيم الواسع ، المستلزم تدبيره ، بجميع أنواع التدبير ، وتصرفه بأنواع التصريف ، قدرا ، وشرعا . فتصرفه الشرعي ، أن وصى الأولين والآخرين ، أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي ، وتشريع الأحكام ، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب ، والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب . ولهذا قال : ( وإن تكفروا )بأن تتركوا تقوى الله ،وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم ، ولا تضرون الله شيئا ، ولا تنقصون ملكه . وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر ، مطيعون له ، خاضعون لأمره " . تفسير السعدي (ص 207)
ولهذا كانت أول ما أمر به الرسل أقوامهم ومن أرسلوا إليهم تقوى الله ، قال تعالى ( إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون ) [ الشعراء: 106]، وقال سبحانه ( إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ) [الشعراء : 124] وقال جل وعلا ( إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون ) [الشعراء:161] ، وقال سبحانه وتعالى ( إذ قال لهم شعيب ألا تتقون) [الشعراء:177]، وقال جل جلاله ( و إبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله و اتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) [العنكبوت:16] وقد أمر الله نبيه بها خاصة ، فقال تعالى ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين و المنافقين ) [الأحزاب :1]
ولأهميتها أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته ،في أعظم زمان ومكان، فعن أبي أمامة –رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال : " اتقوا ربكم وصلَّوا خمسكم وصوموا شهركم و أدوا زكاة أموالكم...". رواه الترمذي ( 616) وصححه الألباني –رحمه الله-
وكذلك حث عليها أصحابه وذكَّرَهم بها ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال:قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ". رواه الترمذي ( 1987) وحسنه الألباني –رحمه الله-
فهذه وصية جامعة منه صلى الله عليه وسلم بين فيها أن العبد عليه أن يلازم تقوى خالقه جل وعلا،حيث ما كان في السر و العلانية .
وكذلك سلفنا الصالح كانوا يتواصون بها فيما بينهم، حيث كان أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- يخطب بالناس ويقول : " أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو له أهل وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة..." .مصنف ابن أبي شيبة( 7 /91)
وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد اللهبن عمر ( رضي الله عنهما) :
" أما بعد : فإنه من اتقى الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده فلتكن التقوى عماد عملك وجلاء قلبك، فإنه لا عمل لمن لا نية له...". تاريخ دمشق لابن عساكر ( 44/356)
وكتب عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- إلى رجل فقال: " أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها فان الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل".حلية الأولياء (5/ 267)
والآثار عن سلفنا الصالح في هذا الباب كثيرة،وذلك لأهمية هذه الوصية ونفعها في الدنيا و الآخرة ، أيها الأحبة بعد أن عرفتم علاقة التقوى بالصيام وأنها ثمرته وغايته،وكذلك وقفتم على بعض النصوص التي جاءت في الحث عليها و التمسك بها،قد تتساءلون عن ماهية التقوى؟وعن الثمار المستطابة التي تقطف من شجرتها بإذنه سبحانه، هذا ما سنجيبكم عنه بعون الله في تتمة المقال ، سائلين الله بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن يرزقنا و إياكم تقواه في السر و العلانية .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله النايلي