تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : صحة تقسيم التوحيد وإبطال حجج المبطلين



أهــل الحـديث
13-07-2012, 07:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ...

فإن تقسيم التوحيد هو كغيره من التقاسيم التي اعتاد عليها أهل العلم في عرض العلوم المتنوعة وهو أمر اصطلاحي مبني على استقراء المعاني المتشابه وجعلها في قسم واحد أو أقسام ، وهذا إما للبيان وسهولة تناول هذه المعاني ، وإما لإبراز تلك المعانى والتركيز عليهاو ، وإما لكليهما ...

وهذه التقاسيم هي عبارة عن أمور ذهنية عقلية لا وجود له في الخاررج فلا يعني القول بالانقسام أنه في الخارج يكون منقسما ، وذلك كتقسيم الكل إلى أجزاء وتقسيم الكلي إلى جزئيات وتقسيم الحديث إلى صحيح و ضعيف وحسن ،وإن كان في الواقع الشيء الواحد لا يوجد منقسما فالحديث لا يوجد إلا صحيحا أو ضعيفا والكلمة المعينة لا توجد إلا إسما أو حرفا أو فعلا وهكذا ...
فالتقسيمات السابقة هي من جهة اصطلاحية ، ومن جهة أخرى هي ذهنية عقلية لا وجود لها في الواقع ....
فتقسيم الكلام إلى حرف وفعل وأسم هو تقسيم اصطلاحي لا وجود له من جهة معرفة العرب به ولا من حيث وجوده في الواقع ، فالواقع لا يعرف إلا الكلام المركب من الفعل والاسم والحرف والواقع لا يعرف الإنسان إلا كافرا مشركا أو مسلما موحدا ...
ورفض هؤلاء لهذا التقسيم ليس لأنه باطل في ذاته بل لأنه يبرز عوارهم في عدم اعتبارهم توحيد الألوهية فيما يسمونه عقائد أو علم العقائد ، فلا تجد هذا المعنى العظيم الذي أجمعت عليه الرسالات ونزلت به جميع الكتب السماوية مقررا في كتبهم أو محررا في مسائلهم على الوجه الذي ينبغي أني يكون ، بل إن جل ما لديهم في شأن التوحيد قد أبرزوه فلما تأملناه وجدناه قاصرا لا يستوعب جميع معانيالتوحيد فقد حصروا التوحيد في ثلاثة أقسام :
- توحيد في ذاته فلا قسيم له
- وتوحيد في صفاته فلا مثيل له
- وتوحيد في أفعاله فلا شريك له
وكل هذه المعاني ليس فيها أي إشارة لتوحيد العبادة أو إلى وجوب إفراده سبحانه بالعبادة دون غيره .
وإنما يحشرونه فيها بألسنتهم وبتلاعبهم بالألفاظ لا أكثر كما فعل صالح الغرسي الأشعري عند مقارنة هذا التقسيم بتقسيم الاشاعرة ، فلقد حاول جاهدا أن يحشر معاني الألوهية في الربوبية ولكنه فشل !
فلما حاجهم أهل السنة بأنهم لم يعتبروا هذا المعنى في التوحيد قالوا :
إن هذا الذي تذكرونه لازم لتوحيد الربوبية داخل في معناه، فمن وحد توحيد الربوبية لزمه توحيد الألوهية !
ثم اعترضوا على هذا التقسيم بهذا القول ، وقالوا إن توحيد الألوهية داخل في توحيد الربوبية فهو قسم منه لاقسيما له .
وهذا الإعتراض ساقط .
وقولهم بأن توحيد الألوهية قسم من توحيد الربوبية وجزء منه باطل لا دليل عليه إلا مجرد الدعوى .

أما قولهم بأنه توحيد الألوهية لازم لتوحيد الربوبية فهو صحيح نوافقهم عليه ونقول به ولكن مع هذا اللزوم لا يمتنع تقسيم التوحيد إلى ما ذكرناه !
وقد احتج سبحانه وتعالى على المشركين بما يعرفونه من معاني الربوبية ليلزمهم بوجوب إفراده بالعباده ، فتوحيد الألوهية لازم لتوحيد الربوبية .
ولكن هؤلاء لما قرروا هذا الزوم اصتدموا بالآيات الكثيرة التي تقرر إقرار المشركين بالكثير من معاني الربوبية كقوله سبحانه وتعالى "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " فهم يقرون بأنه سبحانه الخالق وفي آيات كثيرة يقرون بأنه الرازق المحيي المميت ويصفونه بصفات الجلال والكمال ، فلما رأى هؤلاء هذه الآيات وقعوا في الحيرة والتناقض فمنهم من قال : إن الله سبحانه وتعالى يحكي أقوال المشركين وهم فيها كاذبين وإنما يحكيها عنهم على سبيل الحكاية ...
ومنهم من قال : إنهم ليسوا موحدين توحيد الربوبية كاملا بل عندهم شرك في الكثير من المعاني وهذا القول صحيح فلم يكن المشركون جميعهم على دين واحد وعقائد واحدة ..
ومنهم من قال غير ذلك
وفك الإشكال عند هؤلاء هو أن نقول :
نحن نتفق معكم على أن توحيد الربوبية يلزم منه توحيد الألوهية ولكن هذا الازم قد لا يترتب على ملزومه،في حالة وجود موانع تمنع من ذلك ...
فقد يوجد توحيد الربويية وتوجد معه موانع تحول دون حصول توحيد الألوهية كما يعرض للمرء أمور دون حصول موجب ما علمه كالكبر والحسد وتقليد الأباء وابتغاء الجاه والشرف ،وكل هذه الموانع عوارض تحول بين ترتيب هذا على هذا.
فليس بالضرورة أن يكون الشيء لازما لشيء أن يتحقق هذا اللزوم في كل حال ، بل يكون حصوله وتحقق لزومه متوقفا على مشروط وانتفاء موانع فإذا توفرت الشروط وانتفت الموانع أمكن تحقيق هذا التلازم ...
ودليل ذلك قول أبو طالب :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا ... لولا الملامة أو مخاف مسبة لوجدتني سمحا به مبينا
فهو على يقين تام بصحة دين محمد صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما منعه من الانقياد له إلا ما سيصيبه من معرة في ترك دين آبائه وهو ما قاله أبو جهل حين موته : " أترغب عن ملة عبد المطلب " فلولا المسبة والمعرة وأن يقال أنه ترك دين آباءه واتبع دينا غيره لآمن به مع يقينه بصقه الموجب والازم لاتباعه .
وقال سبحانه عن اليهود : "يعرفونه كما يعرفون أبناءهم " فلقد علموا صدق نبوته وعموم رسالته ولكن منعهم من ذلك الكبر والحسد أن يكون نبي آخر الزمان في الأمة الأمية وأن يكونوا مع أتباعه ، مع علمهم بصدقه الموجب للإيمان به واتباعه.
.وقال سبحانه : "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا "
فما الذي منع هؤلاء من الانقياد للرسل والإيمان بهم مع يقين قلوبهم بصدق ما هم عليه، الموجب ضرورة للإذعان لهم والإقرار بصدقهم ؟!
إنها العوارض والموانع من حب الدنيا والخوف على زوال لملك وغيرهامن الأمراض التي تكون في القلب فتمنع موجب هذا العلم من الانقياد والمحبة .

فقولهم أن توحيد الربوبية يلزم منه توحيد الألوهية صحيح لا إشكال فيه ،ولكن قولهم أن كل موحد في الربوبية يلزم منه أن يكون موحدا في الإلوهية باطل غير صحيح !
فقد يحول بين الإثنين موانع كما سبق فلا يتحقق اللزوم ولكن لا ينتفي ، وفرق بين أن يتحقق اللزوم وبين أن ينتفي ، فاللزوم ثابت في نفسه وإن كان تحققه في الواقع يتوقف على توفر شروط وانتفاء موانع ...


فهذا التقسيم تقسيم صحيح لا إشكال فيه وما يزعمونه أنه مخالف للأصول فهذه الأصول هم التي اخترعوها وابتدعوها ثم حاكموا الفاظ الشريعة إليها كما فعلوا في الفاظ الجسم والجهة والجوهر والعرض وغيرها وهي التي تحتاج إلى دليل لا هذا التقسم الإستقرائي لأن هذا دليله الإستقراء، والإستقراء دليل معروف عند جميع العقلاء وسبيل الإعتراض عليه ونقضه هو بيان عدم صدقه بإخراج أفراد من أفراد المعنى أو إدخال غيرها فيه.

أما قولهم : إن التقسيم إماأن يكون تقسيم كلي إلى جزئياته
وإما أن يكون تقسيم كل إلى أجزاء
فنقل لهم لسنا بحاجة لأن يندرج هذا التقسين تحت أي من هذه النوعين ، وإلا فنفس تقسيم التقاسيم إلى نوعين هو اصطلاحي أصلا ، فهل يحاكم اصطلاح إلى اصطلاح ، أو يحكم ببطلانه إن لم يندرج تحته ؟!

ثم نقول لهم وماذا عن تقسيمكم للتوحيد إلى ثلاثة أقسام ؟!
فقد زعمتم أنه :
- واحد في ذاته لا قسيم له
- وواحد في صفاته لا مثيل له
- وواحد في أفعاله لا شريك له
فتحت أي نوع من هذين القسمين يندرج تقسيمكم ؟
فإن جوابكم عن هذا هو جوابنا .
وإذا تنزلنا معهم فنقول إن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام كما ذكرنا يندرج تحت النوع الثاني من التقسيم ، لأن الأقسام الثلاثة متميزه ومتكاملة ، وبها يوجد الكل وبدون أحدها لا يوجد ...
وما يحصل بينها من تلازم لا يمنع من تميزها في نفسها وتكامل بعضها مع بعض للدلالة على التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى ...

- علما بأن هذه التقسيمات كلها كلامية لا ينبني عليها صحة ولا بطلان للمعاني ، وقد يندرج التقسيم تحت نوع واحد وقد يندرج تحت النوعين معا وقد لا يندرج تحت أي منهما ولا يؤثر ذلك في صحة التقسيم وصدق ما يتضمنه من معنى ...
فالكلمة مثلا تنقسم إلى حرف واسم وفعل ، يقررون أنها من نوع تقسيم الكلي إلى جزئياته حيث يصح إطلاق اسم المقسم علي كل قسم من أقسامها ، فيقال الاسم كلمة والحرف كلمة والفعل كلمة ، فيكون التقسيم من نوع تقسيم الكلي إلى جزئياته .
كما يمكن أن تكون هذه الأقسام نفسها من قبيل تقسيم الكل إلى أجزاءه ،إذا ما بدلنا وقلنا الكلام ينقسم بدل الكلمة تنقسم إلى ( حرف واسم وفعل ).
فهنا حيث لا يصدق أن نطلق اسم المقسم على كل قسم ، فيقال الاسم كلام، و الفعل كلام ، لأن الاسم مفرد والكلام جمع ولأن زيد ليس كلاما بل كلمة ، فيندرج حت النوع الثاني لتبديل كلمة بكلام !
فمجرد استعمال لفظ مكان لفظ ينتقل نوع التقسيم من نوع إلى نوع ، فاللأمر مجرد تغييير وتلاعب لا أكثر !
وماذا إن لم يندرج التقسيم تحت أي من هذين النوعين هل هذا يدل على البطلان ؟ !
أبدا لا يدل على البطلان بل لا يعني الاندراج تحت هذين النوعين أي معنى زائد ، وقد يقال إن التقسيمات لا تنحصر في هذين النوعين بل نفس هذا الحصر اصطلاحي ،فكيف يحكم اصطلاح في اصطلاح آخر ويصحح به ويبطل ؟!

ومع ذلك فاندراج تقسيم التوحيد المذكور تحت النوع الثاني وهو تقسيم الكل إلى أجزاءه واضح ومحاولة تشويش سعيد فودة على ذلك لا تصح ،فالتوحيد أقسامه متميزة وهي أجزاء للكل وهو التوحيد النافع ،التوحيد الخالص أو التوحيد الصحيح .
فتوحيد الربوبية يدل على معنى يختلف عن توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهكذا ..
وسعيد فودة ومن معه يوهمون بأن إبطال التقسيم بهذه الطريقة التي يسمونها أصولية يعني إبطال المعاني التي تضمنها التقسيم ، وأنه لا يصح عقلا ولا شرعا أن ينفصل معنى توحيد الألوهية عن توحيد الربوبية ، وهذا كله افتراء وتدليس من هذا الفودة لإن المعاني الصحيحة في ذاتها لا تبطل وإن بطل ما قام عليها من تقسيم واصطلاح ، فالتقسيم شيء والمعاني الصحيحة شيء آخر ، وهذا الجاهل يظن أن إبطال التقسيم يعني أنه ليس هناك شيء أسمه إفراد الله بالعبادة والألوهية وليس هناك شرك في العبادة والألوهية كما أنه لايفرق بين بطلان التقسيم وبين بطلان ما يترتب عليه من احكام ، وإلا فقد يصح التقسيم ولكن يبنى عليه أحكام باطلة فتبطل الأحكام ويبقى التقسيم صحيحا ...
وللحديث بقية