تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (4) نماذج مشرقة من الأخوة في الله



أهــل الحـديث
13-07-2012, 06:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

أيها الأحبة هذا هو الجزء الرابع والأخير من سلسلة مقالات عن الإخوة في الله لشيخنا أبي عبد الله النائلي حفظه الله أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



بسم الله الرحمن الرحيم



(4) نماذج مشرقة من الأخوة في الله


إن الأخوة الدينية أرفع وأفضل من أخوة الرحم،لأن رابطها الإيمان وأساسها رضا الرحمن، وهي بعون المنان طريق إلى الجنان.
يقول الإمام الحسن البصري–رحمه الله-:"إخواننا أحب إلينا من أهلينا و أولادنا،لأن أهلينا يذكرونا الدنيا،وإخواننا يذكرونا الآخرة". قوت القلوب لأبي طالب المكي (2/367)
فلما كانت هذه الأخوة أعلى من أخوة النسب،كان الصحابة (رضوان الله عليهم) على مستواها، خاصة ما كان من الأنصار تجاه إخوانهم من المهاجرين ، فلقد ضربوا لنا أروع الأمثلة في حقيقة التآخي في الله،حيث واسوا إخوانهم المهاجرين ، وآثروهم على أنفسهم ، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال:( قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ؟ قال: "لا" فقال:" تكفوننا المؤونة ونَشْرَكْكُمْ في الثَّمَرَةِ؟ قالوا: سمعنا وأطعنا ). البخاري (2570)
وهذا سعد بن الربيع (رضي الله عنه) بعد أن آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) ، يقول له:"إن لي مالا فهو بيني وبينك شَطران،ولي امرأتان،فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها فإذا حَلَّت-أي بعد العدة-فتزوجها"،فقال له عبد الرحمن(رضي الله عنه) : "بارك الله لك في أهلك،ومالك دلوني أي على السوق فلم يرجع حتى رجع بسمن وأقط".رواه النسائي ( 3388) من حديث أنس -رضي الله عنه-
فانظروا رعاكم الله كيف عرض على أخيه في الله نصف ماله، وجعل له اختيار أحد زوجاته دون أن يختار هو، لأن نفسه قد تميل لإحداهن ، فهذا دليل ظاهر على ترسخ قواعد الأخوة في نفوسهم ،وما كانوا عليه( رضوان الله عليهم) من كرم وإيثار، وصدق قول الباري فيهم إذ قال جل جلاله ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)[ الحشر :108]
يقول الشيخ السعدي–رحمه الله-:"ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم،وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود ، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها ، وبذلها للغير مع الحاجة إليها ، بل مع الضرورة والخصاصة،وهذا لا يكون إلا من خلق زكي،ومحبة لله تعالى مقدمة على شهوات النفس ولذاتها".تفسير السعدي (ص851)
ولقد شكر المهاجرون للأنصار فعلهم، ومواقفهم الرفيعة في الكرم والإيثار، وقالوا:(يا رسول الله ما رأينا قوما أَبْذَلَ من كثير ولا أحسن مُوَاسَاةً من قلِيلٍ من قومٍ نزلنا بين أَظْهُرِهِمْ لقد كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا في المهنأ، حتى لقد خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بالأجر كُلِّهِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا ما دعوتم الله لهم وَأَثْنَيْتُمْ عليهم").رواه الترمذي (2487) من حديث أنس – رضي الله عنه- وصححه الألباني ( رحمه الله)
ومن النماذج المشرفة والصفحات المضيئة أيضا في صدق الأخوة ما كان بين الأشعريِّين ، قوم أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعنه – رضي الله عنه- قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الْأَشْعَرِيِّينَ إذا أَرْمَلُوا –فرغ زادهم أو قارب الفراغ- فِي الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقْتَسَمُوهُ بينهم فِي إناء واحد بالسَّوِيَّة فهم مني وأنَا منهم".رواه البخاري(2354 ) ومسلم (2500)
قال الحافظ المناوي –رحمه الله- : "وفيه تنبيه على مكارم أخلاقهم، ومواساة لإخوانهم، وحث على التأسي بهم والاقتداء بأفعالهم " . فيض القدير(3/180)
أيها الأحبة وفي ختام هذه السلسلة التي تجولنا معكم فيها في رياض الأخوة الإيمانية وقطفنا بعض ثمارها ،وعرفنا مفسدتها ، وذكرنا لكم بعض النماذج المضيئة من حياة أصحاب أشرف المرسلين (رضوان الله عليهم أجمعين) التي تنور بعون الله طريق السائرين لتحقيق الأخوة في الدين، أحببت أن أذكر لكم بعض الآثار التي جاءت عن سلفنا الصالح من الصحابة و التابعين ( رضوان الله عليم أجمعين )في الحث على التمسك بالأخوة في الله وتطبيق ثمارها، لعل الله بجوده و كرمه ينفع بها كاتبها وقارئها،منها :
-قال عمر–رضي الله عنه-إذا رزقكم الله– عز وجل– مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها ".الإخوان لابن أبي الدنيا (ص81)
-وقال عبيد الله بن الوليد قال لنا أبو جعفر محمد بن علي الباقر –رحمهما الله-:أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد؟ قال: قلنا :لا . قال: فلستم بإخوان كما تزعمون " .حلية الأولياء (3/187)
-وقال محمد بن واسع-رحمه الله- :"لا خير في صحبة الأصحاب ومحادثة الإخوان، إذا كانوا عبيد بطونهم ".حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني(1/24)
-وقال بلال بن سعد الأشعري–رحمه الله-:"أخ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله، خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا".مساوئ الأخلاق للخرائطي(2/200)
-وقال سفيان بن عيينة –رحمه الله-:"سمعت مساور الوراق يحلف بالله عز وجل ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله عز وجل ، فأمنعه شيئا من الدنيا".مكارم الأخلاق للخرائطي( 1/93)
-وقال سفيان بن عيينة لمحمد بن المنكدر -رحمهما الله- : ما بقي من لذتك؟ قال: لقاء الإخوان وإدخال السرور عليهم " .حلية الأولياء ( 3 149)
-وقال أبو قلابة - عبد الله بن زيد الجرمي - :" التمس لأخيك العذر بجهدك فإن لم تجد له عذرا فقل لعل لأخي عذرا لا أعلمه " .مداراة الناس لابن أبي الدنيا ( 40)
فهذه أيها الأفاضل بعض النماذج والأقوال في ظلال الأخوة الإيمانية الصادقة،التي عرف حقيقتها صدر هذه الأمة (رضوان الله عليهم) فطبقوها،وضربوا بذلك أروع الأمثلة وأزكى العبر،فليكن في قَصَصِهم وأقوالهم لنا عظة ولنأخذ من دروسهم عبرة.
وفي الختام،الله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يؤلف بين قلوب المسلمين في كل مكان، ويقوي رابط الأخوة بينهم على العقيدة السليمة والسنة النبوية الصحيحة ،ويُبعد عنهم شر شياطين الإنس و الجن،فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله النايلي