المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة هلموا فلنتفكر (17)



أهــل الحـديث
10-07-2012, 06:44 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القوي المتين، الحق المبين، والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إنّ من حكمة الله أن خلق الخير والشر، وميز الحق والباطل، وبيّن للثقلين السبيلين، وهداهما النجدين، وأقام سوق الجنة والنار، وجعل الدنيا دار امتحان واختبار.
والدنيا ميدان الصراع بين الحق والباطل، والقتال بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
والله سبحانه بفضله ورحمته أرسل الرسل وأنزل الكتب وضرب الأمثال، وقص لنا من قصص الغابرين، ما فيه العبرة للعالمين، وجعل سيرة أنبيائه وأوليائه مشعل نور وهداية للسائرين، يستأنسون بها عند نزول وحشة الغربة، وحلول البلاء والمحنة، فتصقل قلوبهم ويقوى إيمانهم وترسخ في سبيل الحق أقدامهم، فيقارعون أعداء الدين، وينازلون الكفار والمرتدين، ويصبرون على طول الطريق ولأوائه.
أخي الموحد الكريم أرعني سمعك وتوجه إلي بقلبك، فلعل ساعة تفكر في لحظة صفاء وتجرّد تفتح عليك آفاقاً من الخير والفهم والبصيرة ما لا يخطر لك على بال.
إن التأمل والتدبر يقطع عليك مسافات طويلة، ويقرب لك البعيد، ويورث قلبك الطمأنينة والسكون.
اعلم أخي الموحد أن ربط واقعنا والصراع القائم فيه بالكتاب والسنة وقصص الأنبياء وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، سوف يفتح عينيك على صور عجيبة من التشابه بين الماضي والحاضر.
وإذا جعلت كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أمام ناظريك، ومن خلالهما نظرت إلى الواقع فسوف تبصر الحق ساطعاً تتساقط من حواليه زيوف الباطل وتنكشف بأنواره ظلمات الضلال.
وأستسمحك عن الإطالة فلكل مقام مقال.
لو تأملنا في سيرة الأنبياء عليهم السلام وما قصه الله علينا من حال المكذبين فإننا سوف نجد أمراً ظاهراً يشترك فيه جميع أعداء الملة مهما اختلفت عقائدهم ومناهجهم ومللهم.
لقد بين الله ذلك الأمر في عدد من الآيات وبعبارات جامعات مانعات، قال الله تعالى:{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.
وقال تعالى:{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم استطاعوا..}.
وقال تعالى في شأن المنافقين:{ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء}.
فالكفار وأعداء الدين، لا يكتفون بمجرد تكذيب الرسل، بل يحرصون كل الحرص على إضلال المؤمنين وانتشالهم عن الطريق المستقيم، والوقوف حجر عثرة أمام دعوة التوحيد، والصدّ عن سبيل الله بكل ما يستطيعون.
قال تعالى:{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون}.
وسعيهم لإضلال المؤمنين ليس لكونهم يجهلون الحق، بل حسداً وغيظاً، كما قال تعالى:{ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق..}
فالكفار وأعداء الدين يعلمون ويوقنون في قرارة أنفسهم بصدق الرسل وصدق دعوتهم.
قال تعالى:{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكنّ الظالمين بآيات الله يجحدون}.
وقال تعالى:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً}، أي أنهم استيقنوا من الحق ولكنهم جحدوا به ظلماً وتكبّراً.
وأعداء الدين لا يرضون بقيام الحق، ولا يرضون عن أهل الحق، بل يعادونهم ويحاربونهم.
قال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي.
وعلى هذا قس الناس والدعوات والجماعات، فإنه مقياس قويم، تدل عليه النصوص المتظافرة، والسيرة العطرة، فمن أرضى الله أسخط أعداء الله ولابد، ومن تمسك بملة إبراهيم لابد أن يُحارب من أعداء الدين، فإن رضى الله ورضى أعدائه ضدان لا يجتمعان.
إذا عرفت هذا تبيّن لك أن الطواغيت الجاثمين على صدر الأمة ليسوا على الملة الحنيفية والدين الحق، لذلك رضي عنهم الكفار وولّوهم على المسلمين، ولو كانوا على ملة التوحيد الحق، نالهم ما نال الأنبياء والمرسلين من عداوة الكافرين ومحاربتهم، فالتوحيد الصادق مستلزم لعداوة الكافرين ولابد.
وبما أن الكفار رضوا عن الطواغيت واعتمدوا عليهم في تنفيذ مخططاتهم في بلاد المسلمين، فإن الطواغيت كذلك لن يرضوا إلا عمن هو على شاكلتهم ويسير على دربهم.
فأهل التوحيد الصادق كما أنهم أعداء للكفار هم كذلك أعداء لعملائهم الطواغيت.
ومن رضي عنهم الطواغيت رضي عنهم الكفار، فهي سلسلة متصلة أولاها بأخراها.
وبهذا تعلم أن العلماء والدعاة الذين رضي عنهم الطواغيت ليسوا على الهدي القويم والصراط المستقيم، بل لديهم من الضلال والانحراف ما جعل الطواغيت يرضون عنهم.
وأقل ما يريده الكفار والطواغيت لنيل رضاهم هو أن يترك الناس من الدين ما يعكر مشروعهم ويهدد كراسيهم ويُفسد مخططاتهم.
وإذا أردت أن تعرف مدى ولاء العلماء والدعاة للحق انظر إلى أصل عقيدة الولاء والبراء وافهمها فهماً جيداً من المصدر الأساس كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انظر إلى حال هؤلاء فإنك سوف تجد أنهم يوالون الطواغيت الموالين لأعداء الله، والمحاربين دين الله، والمنحّين شرع الله، وبذلك يتبين لك مدى بعدهم عن سبيل الانبياء والمرسلين.
إذا عرفت هذا، وأردت أن تعرف في خضم الأحداث وكثرة الفرق والاختلاف، من هم على الحق الصراط المستقيم، فتعال معي نتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن فيها شفاء العليل وإرواء الغليل.
لقد استخدم الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الطرق لصرفه عن الحق والتوحيد، ففي بداية دعوته حرصوا على صرفه عن دينه وإدخاله في شركهم، فقالوا له تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقطع الله أمانيهم بفيصل الحق وأنزل سبحانه:{قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون...}.
ثم حاولوا أن يلين معهم فلا يتعرض لآلهتهم الباطلة، فأنزل الله تعالى:{ودّوا لو تدهن فيدهنون}،والمداهنة هي التنازل عن شيء من الثوابت، والرضى بشيء من الباطل.
وقال تعالى:{وإن كادوا لَيفتنونك عن الذي أوحينا إليك لِتفتريَ علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً}.
وأمام كل محاولاتهم صمد رسول الله صلى الله عليه وسلم صمود الجبال الراسيات، ولم يتزعزع قيد أنمله.
ثم بعد كل محاولاتهم التي باءت بالفشل لجؤوا إلى إعلان الحرب والمواجهة، فأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أسره، أو إخراجه من بلده، قال تعالى:{ وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وبعد الثبات والرسوخ على الحق، اجتمعت ملل الكفر لحرب الإسلام والسعي في استئصال الموحدين وإبادتهم، كما حدث في غزوة الأحزاب.
فالكفار يسعون لصرف المؤمنين عن دينهم وإدخالهم في كفرهم، فإن عجزوا عن ذلك سعوا لتحريف دينهم وحملهم على التنازل عن الثوابت خصوصاً عقيدة الولاء والبراء، فإذا لم ينجحوا في ذلك أعلنوا الحرب ضد المؤمنين.
وفي زماننا مع تسلط الكفار، وسطوة المرتدين، وإحياء معالم الشرك والوثنية، ونشر الإلحاد والزندقة، وتمكّن الجاهلية، ومحاربة الدين، وتنحية شريعة رب العالمين، لا يمكن أن يتمسك أحد بالحق ويصدع به دون أن يناله الأذى، ويطاله البلاء، وتحيط به المحن.
تأمل في حالنا اليوم، تجد أن كل الجماعات، والأحزاب، والفرق تدّعي أنها على الحق والصراط المستقيم، وأنها على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا جعلت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أمام عينيك وقست الدعوات والجماعات عليها، تبيّن لك الصادق من الكاذب، وأهل الحق من غيرهم.
إن أكثر الجماعات والأحزاب سقطت في أوحال الديمقراطية، ومستنقعات العلمانية، وتردّت في أودية التنازلات والتراجعات، واندمجت مع الطواغيت، ومدت لهم الجسور، وانخرطت في العمليات السياسية الشركية، فرضي الطواغيت عنهم وسالموهم.
وبقيت ثلة من المؤمنين اختارت الحق ورضعت لبان العزة، فلم تداهن الطوغيت ولا أسيادهم، ولم تتنازل عن ثوابت الدين ودعائمه، ولم يرضوا بأنصاف الحلول، فأعلنت قوى الكفر والردّة حربهم، وجمعت ضد الموحدين جيوشهم.
واليوم ترى بأم عينيك جميع ملل الكفر وفرق الضلال قد اجتمعت تحت راية الصليب وتحالفت مع رأس الكفر أمريكا على حرب الموحدين الصادقين، وتشريدهم، وأسرهم، ومحاصرتهم.
فهؤلاء هم الذين يسيرون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعون إلى التوحيد الخالص، ويجاهدون من أجل تطبيق شريعة الله، لذلك نالهم من سخط الطواغيت وحربهم ما نال قبلهم الأنبياء عليهم السلام، وهؤلاء هم الذين أرضوا الله سبحانه، فسخط عليهم جميع أعداء الله.
وعلى رأس هؤلاء المجاهدين الذين نصب العالم كله الحرب ضدهم، قاعدة الجهاد، الذين أحيوا في الأمة دعوة التوحيد، ورسّخوا بأفعالهم وأقوالهم معاني الولاء والبراء، وطبقوا معاني الأخوة الإيمانية الولاية الدينية أحسن وأكمل تطبيق.
فإذا أردت أخي أن تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته فالحق بركب المجاهدين الصادقين، فإنهم على الحق المبين، ولا تغتر بقلتهم وكثرة عدوهم فإن نصر الله وتأييده مع المؤمنين، ومن كان الله معه كان العاقبة له، فللباطل جولة وللحق ألف جولة وصولة، والعاقبة للمتقين، وحزب الله هم الغالبون.
نسأل الله أن ينصر المجاهدين في كل مكان، وأن يلحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله واصحابه أجمعين.