المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (2)ثمرات الأخوة الإيمانية



أهــل الحـديث
09-07-2012, 05:50 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

أيها الأحبة هذا هو الجزء الثاني من مقالة شيخنا أبي عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله وهي من ضمن سلسلة مقالات عن الإخوة في الله سيتم نشرها في هذا الإسبوع بإذن الله في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة سائلا المولى عز وجل لشيخنا الأجر والمثوبة



بسم الله الرحمن الرحيم



(2)ثمرات الأخوة الإيمانية

تقدم معنا أيها الأحبة في المقال السابق أن الأخوة في الله منحة ربانية، ممزوجة بالإيمان ، جمعت القلوب على طاعة الله ، وأنها ليست مجرد شعارات ترفع ولا كلمات رنانة تُذكر فتحقيقها نَتاجه ضعفين في الدنيا والآخرة بعون رب العالمين .
فالأخوة بين المؤمنين نعمة كبيرة ومنة عظيمة من الله تعالى ، قال سبحانه ( واذكروا نعمت الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) [آل عمران:103]
أيها الأفاضل الكرام كثير منا يُردد على لسانه فلان أخي في الله، أو فلانة أختي في الله، فما أعظمها من عبارة وما أطيبها من إشارة، يتذكر المرء عند سماعها قول الله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) [ الحجرات :10]، ويحمد الباري جل جلاله على هذه النعمة، حيث جمع سبحانه بين أخوين ليس بينهما قرابة ولا صلة رحم على الإيمان وتحقيق طاعة الرحمن .
لكن يرد على خاطرنا سؤال؟ نعم ما أكثر ولله الحمد ما نسمع ذلك بين المسلمين ، لكن هل تخرج هذه الكلمات من القلوب ؟ أم على الألسن فقط تتكرر هذه العبارات؟.
وللجواب على هذا السؤال لابد لنا أولا من معرفة ثمرات الأخوة الإيمانية، ثم بعد ذلك نَعرض هذه الدعوة على ما قطفناه لنرى حقيقة ما يُدَّعى ومن ثم يسهل علينا الجواب بعون الوهاب.
إن للأخوة الإيمانية ثمرات تدل على صدقها تقطف في الدنيا والآخرة بإذن الله ، منها :
1– طيب الكلام والبشاشة والفرح عند اللقاء وحسن الظن وسلامة الصدر:فهذه الأخلاق الكريمة مدعاة لجلب الألفة و المحبة ودوامها بين الناس عامة وبين الأخوين في الله خاصة،يقول المولى عز وجل :(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) [ البقرة : 83]
قال الشيخ السعدي –رحمه الله- : "ومن القول الحسن أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر وتعليمهم العلم، وبذل السلام والبشاشة وغير ذلك من كل كلام طيب، ولما كان الإنسان لا يسع الناس بماله أمر بأمر يقدر به على الإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول ،فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار ولهذا قال تعالى ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) [العنكبوت:46]ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء، ولا شاتم ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق واسع الحلم مجاملا لكل أحد صبورا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالا لأمر الله ورجاء لثوابه " .تفسير السعدي (ص57-58)
فالقول الطيب والكلام الحسن يبطل كيد الشيطان ويسد أمامه طريق الإفساد والتفريق بين الأخوين في الله ، يقول جل جلاله: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) [ الإسراء :53]
يقول الشيخ السعدي– رحمه الله- :"يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم ، فدواء هذا ، أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها،وأن يلينوا فيما بينهم ، لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم ، فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه ، فإنه يدعوهم ( ليكونوا من أصحاب السعير ) [فاطر :6]، وأما إخوانهم ، فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم ، وسعى في العداوة ، فإن الحزم كل الحزم ، السعي في ضد عدوهم ، وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء ،التي يدخل الشيطان من قبلها ،فبذلك يطيعون ربهم ،ويستقيم أمرهم ، ويهدون لرشدهم".تفسير السعدي(ص 460)
2-بذل النصيحة والمشورة بين الأخوة:قال الله تعالى(وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر: 1-3] فالنصيحة عماد الدين وقوامه ، وهي من أجل العبادات وأفضل القربات ، ويجب أن تكون بأسلوب حكيم فيه إظهار الخير والمحبة للمنصوح، وإن أعظم أنواع النصيحة الحث على التمسك بالتوحيد والثبات عليه،والتزام المنهج الحق والعمل بالسنة وبالهدي النبوي، فالواجب على الناس عامة و الأخوين في الله خاصة بذلها فيما بينهم .
قال نبينا صلى الله عليه وسلم:" الدين النصيحة ".رواه مسلم (55) من حديث تميم الداري – رضي الله عنه-
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-:"فإن أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه ".مجموع الفتاوى ( 28/615)
ولقد سئل الإمام عبد الله بن المبارك –رحمه الله-:"أي الأعمال أفضل ؟ قال :النصح لله". الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا( ص72)
ويتأكد النصح عندما يطلب الأخ منك النصيحة قال صلى الله عليه وسلم : ( وإِذا اسْتَنْصَحَكَ فانصح له ) . رواه مسلم ( 4023) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-
قال الشيخ السعدي – رحمه الله- : "أي : إذا استشارك في عمل من الأعمال : هل يعمله أم لا ؟ فانصح له بما تحبه لنفسك ، فإن كان العمل نافعا من كل وجه فحثه على فعله ، وإن كان مضرا فحذره منه ، وإن احتوى على نفع وضرر فاشرح له ذلك ووازن بين المصالح والمفاسد ، وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس أو تزويجه أو التزوج منه فابذل له محض نصيحتك ، واعمل له من الرأي ما تعمله لنفسك، وإياك أن تغشه في شيء من ذلك ، فمن غش المسلمين فليس منهم ، وقد ترك واجب النصيحة" .بهجة قلوب الأبرار( ص114)
3– التعاون على البر و التقوى ،وقضاء الحوائج بين الأخوة :
إن أهل الإيمان كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضا ، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [ المائدة : 2] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". رواه مسلم(4867) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
إن الواجب على الأخ أن لا ينتظر سؤال أخيه له حتى يقضي حاجته، بل عليه أن يستشعر هو بحاله ويقف معه في محنته دون أن يُلجأ أخاه إلى سؤاله،فإذا ألجأه فهذا دليل على تقصيره في حق أخيه، يقول عبد الله بن عمر-رضي الله عنه- وهو يحكي لنا حال الصحابة الكرام(رضي الله عنهم): " لقد أتى علينا زمان أو قال حين وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم" ،ثم يحكي ما آلت إليه الحال بعد الفتوح وتوسع الدنيا :"ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم ". الأدب المفرد للبخاري ( 111)وحسنه العلامة الألباني–رحمه الله-
هذا في زمنه(رضي الله عنه)كيف لو يرى حالنا اليوم بعد أن فتحت الدنيا وزاد المال، ازدادت النفرة والفرقة بين المسلمين !،و الله المستعان
لكن بفضل الله هناك بعض المؤمنين الصادقين ارتفعوا من مرتبة قضاء الحاجات للناس إلى منزلة الإيثار فنجدهم يقدمون إخوانهم على أنفسهم فلحقوا بفضل الملك الجبار بالركب الذي سبقهم من الأنصار،الذين قال فيهم جل جلاله:(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )[الحشر : 9]
4- الدعاء للإخوان بخير في حياتهم و شهود جنازتهم والدعاء لهم بالمغفرة والرضوان بعد مماتهم : مما ينبغي علىالأخ أن يكثر من الدعاء لأخيه خاصة في ظهر الغيب ، وهو مأجور على هذا بعون الله ، قال صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الْمَلَكُ و لك بِمِثْلٍ ) .رواه مسلم ( 4912 ) من حديث أبي الدرداء –رضي الله عنه-
يقول الإمام النووي –رحمه الله-:" وفى هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب" .
الشرح على صحيح مسلم ( 17/ 49)
وأما الصلاة عليه بعد مماته و اتباع جنازته ومواساته لأهل الميت وذويه المصابين بفقده، و الدعاء له بالرحمة و المغفرة ، فهذه من حقوق الأخوة ودليل ظاهر أن التآخي كان لله لهذا دام واتصل حتى بعد موته،ولم تكن صحبة مصالح ، تنتهي بالموت أو بقضاء الحاجة، والله المستعان
قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "حق المسلم على المسلم خمس، رد السلام ، وعيادة المريض،و اتباع الجنائز، و إجابة الدعوة،وتشميت العاطس".رواه البخاري(1183)من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-
وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ الحشر : 10 ]
فهذه أيها الأحبة أهم الثمار النافعة التي يجب أن تقطف من شجرة الأخوة في الله ،فعلينا أن ننظر هل قطفناها أم لا؟ أو أنها لم تنضج بعد!،و إذا كان كذلك فلنراجع أنفسنا ونسقيِّها من جديد بالإخلاص لله جل جلاله و دعاءه و بذل الأسباب التي بعون الله تجعلها ناضجة ، لنقطفها و نحمد الله على هذه النعمة .
أيها الكرام ينبغي أن نعلم أن للأخوة في الله محاذير كما لها ثمار ، وشياطين الجن والإنس يتربصون بها وحريصين جدا على إفسادها وتمزيق روابطها ، حسدا من عند أنفسهم .
وقد تتساءلون زادكم الله حرصا عن هذه المحاذير ، وكيف نبتعد عنها حتى لا نقع في شراكها ، ونحفظ أخوتنا في الله من شر كل ذي شر ؟
هذا ما سنجيبكم عنه بعون الله في تتمة المقال ، سائلين الله لنا ولكم أن يحفظنا من إبليس وذريته وجنوده ، فهو سبحانه الحافظ وهو على كل شيء قدير .


وصلي اللهم سلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله النايلي