المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (1)الأخوة في الله



أهــل الحـديث
09-07-2012, 01:20 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

أحبتي الكرام رواد هذا الملتقى المبارك هذه مقالة لشيخنا أبي عبد الله النائلي حفظه الله وهي بعنوان الإخوة في الله نشرها فضيلته اليوم في جريدة الشرق القطرية وهي ضمن سلسلة مقالات في نفس الموضوع سينشرها تباعا في هذا الإسبوع بإذن الله
أنقل هذه المقالة إلى هذا الملتقى المبارك راجيا من الله أن يقربنا من الخير وأهله ويباعدنا من الشر وأهله فهو خير مسؤول ونعم المجيب



بسم الله الرحمن الرحيم



(1)الأخوة في الله

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن الإخوة في الله منحة ربانية يقذفها سبحانه في قلب من يشاء من عباده، وهي من أوثق عرى الإيمان،وهي لا تبنى إلا على أواصر العقيدة و الحب في الله، وإذا كان هذا أساسها آتت ثمارها ضعفين في الدنيا و الآخرة بإذن الله.
فالإخوة الصادقة هي التي تكون في الله ولله،مقرونة بالتقوى خالية من شوائب الدنيا،فإذا وجدنا أخوة بغير إيمان فلنعلم أنها التقاء مصالح،ستنتهي بانتهائها، لأنه ما كان لله دام واتصل وما كان لغيره سبحانه انقطع و انفصل .
أيها الأحبة إن أعظم معين للمسلم على تحقيق التقوى والاستقامة على نهج الحق، مصاحبة الأخيار و البعد عن قرناء السوء ومخالطة الأشرار،لذا علينا أن نختار لأخوتنا من كان عاقلا خيرا،فإنه لا فائدة في أخوة الأحمق وصحبته، ويكون من نختاره تقيا ملازما لكتاب الله بعيدا عن البدع و المحدثات،فإنه لا خير في صحبة فاسق مبتدع بل نخشى أن يجرنا معه في غيِّه وضلاله،يقول صلى الله عليه وسلم:"مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكِير ،فحامل المسك إما أن يُحْذِيَكَ-يعطيك-،وإما أن تَبْتَاعَ منه،وإما أَن تَجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يُحْرِقَ ثيابك،وإما أَن تجد ريحا خبيثة". رواه البخاري(5214)ومسلم(2628)من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-
قال الإمام النووي –رحمه الله- : " فيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر ،وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " .الشرح صحيح مسلم ( 16/ 178)
وقال صلى الله عليه وسلم : "الرجل– وفي رواية (المرء)- على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . الإمام أحمد في المسند ( 2/302) وأبو داود ( 4833) وحسنه العلامة الألباني –رحمه الله-
قال محمد شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله- : "( الرجل ) يعني :الإنسان، ( على دين خليله ) أي: على عادة صاحبه وطريقته وسيرته، ( فلينظر ) أي: يتأمل ويتدبر ،( من يخالل ): فمن رضي دينه، وخلقه خالَلَهُ،ومن لا تجنبه فإن الطباع سرَّاقة " .عون المعبود ( 13/123)
وقال المباركفوري– رحمه الله-:" الصحبة مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده".تحفة الأحوذي (7/42)
فالصحبة كالبيئة إما أن تكون نظيفة أو تكون ملوثة، فمعاشرة الأخيار تورث النجاح و الفلاح، ومصاحبة الأشرار تورث الشر وتمنع من كسب ما ينفع من العلوم النافعة و الأخلاق الفاضلة ، فالطباع مجبولة على التشبه والاقتداء .
وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بمؤاخاة أهل الإيمان الأتقياء وحذرنا من معاشرة أهل السوء الأشقياء ، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي".رواه أبو داود(4832)والترمذي( 2395) من حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) وحسنه العلامة الألباني (رحمه الله)
قال المناوي –رحمه الله- : "لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة بل هي أوثق عرى المداخلة ومخالطة غير التقي يخل بالدين ويوقع في الشبه والمحظورات فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه ". فيض القدير (6/405)
يقول الشيخ السعدي –رحمه الله- محذرا من صحبة الأشرار ومخالطتهم: "وهم مضرة من جميع الوجوه على من صَاحَبَهُمْ ، وشر على من خالطه ،فكم هلك بسببهم أقوام،وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ، ومن حيث لا يشعرون .
ولهذا كان من أعظم نعم الله على العبد المؤمن أن يوفقه لصحبة الأخيار ، ومن عقوبته لعبده أن يبتليه بصحبة الأشرار" .بهجة قلوب الأبرار للسعدي (ص 221)
وكذلك حث سلفنا الصالح (رضوان الله عليهم ) على مجالسة الصالحين والبعد عن مفسدي الدنيا و الدين من الجهلة الفاسقين، وأهل البدع المضلين:
-قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:" عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم، فإنهم زين في الرخاء وعدة في البلاء".الإخوان لابن أبي الدنيا ( ص 84)
-وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-:"لا تجالس أهل الأهواء،فإن مجالستهم ممرضة للقلوب".الشريعة للآجر(133)
وكان مالك بن دينار –رحمه الله-يقول:"إنك إن تنقل الحجارة مع الأبرار ،خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار" . روضة العقلاء لابن حبان ( ص 100)
-وقال رجل لداود الطائي –رحمه الله- أوصني؟ فقال:" اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة ، وأكثرهم لك معونة ". الإخوان لابن أبي الدنيا(ص 95)
-وقال أحد الحكماء–رحمه الله-:"كان يقال إن دعتك نفسك يوما إلى صحبة الرجال،فلا تصحب إلا لمن إن صحبته زانك،وإن حملته مؤونة مانك أنفق عليك-،وإن رأى منك ثلمة–خللا-سدها،وإن رأى منك حسنة عدَّها،وإن سألته أعطاك،وإن تعففت عنه ابتداك،وإن عاتبك لم يحرمك، وإن تباعدت عنه لم يرفضك". تاريخ دمشق لابن عساكر (68/236)
فالحذر الحذر أيها الأحبة من الاغترار بطيب معشر أهل السوء و البدع ،و حلاوة ألسنتهم ، فإن عاقبة معاشرتهم حسرة وندامة .
أيها الكرام إن خصال المرء وشمائله تُعرف بالنظر لأصحابه و أصفيائه ، وفي الأمثال : "قل لي من تعاشر أقول لك من أنت " ، يقول أبو العتَاهِيَة – إسماعيل بن القاسم الكوفي- الشاعر :
وللقَلْبِ على القلبِ ... دليلٌ حين يَلْقاهُ
وللناس من الناس ... مقاييس وأشباهُ
يُقاسُ المرءُ بالمرءِ ... إذا ما هو ماشاهُ . عيون الأخبار لابن قتيبة ( ص204)
وقد تتساءلون حفظكم الله،بعد أن عرفنا أن الواجب علينا مؤاخاة أهل الصلاح و مصحبتهم، والبعد عن أهل الفساد ومجانبتهم ، فما هي الثمار التي نقطفها بعون الله من معاشرة أهل الصلاح ؟
هذا ما سنجيبكم عنه بإذن الباري سبحانه في تتمة المقال ، سائلين الله لنا ولكم أن يوفقنا وإياكم إلى رفقة صالحة ناصحة تعيننا وإياكم على فعل الخيرات و اجتناب سائر المحرمات والمنكرات بإذن رب البريات.


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله النايلي