المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (3) التوحيد أولا أيها الوعاظ



أهــل الحـديث
06-07-2012, 06:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

أيها الأحبة هذا هو الجزء الأخير من سلسلة مقالات عن الموعظة الحسنة لشيخنا أبي عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله والتي نشرها في جريدة الشرق القطرية في عموده الإسبوعي أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة راجيا المولى عز وجل بمنه وكرمه أن يرزقنا الحكمة والبصيرة في الأقوال والأفعال فهو المرتجى وعليه التكلان



بسم الله الرحمن الرحيم



(3) التوحيد أولا أيها الوعاظ

إن أساس الوعظ وغايته دعوة الناس إلى التوحيد و تحذيرهم مما يناقضه من الشرك و البدع، فالتوحيد هو أصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا غيره و به أرسل الله الرسل وأنزل الكتب كما قال تعالى( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [الأنبياء:25 ]
يقول الإمام الطبري - رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية : "يقول تعالى ذكره وما أرسلنا يا محمد من قبلك من رسول إلى أمة من الأمم إلا نوحي إليه أنه لا معبود في السماوات والأرض تصلح العبادة له سواي فاعبدون يقول فأخلصوا لي العبادة وأفردوا لي الألوهية" . تفسير الطبري ( 17/15)
وقال الشيخ ابن سعدي – رحمه الله- :"فكل الرسل ، الذين من قبلك مع كتبهم ، زبدة رسالتهم وأصلها ، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، وبيان أنه الإله الحق المعبود،وأن عبادة ما سواه ، باطلة ."تفسير السعدي(ص521)
وقال تعالى(ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )[النحل:36]
قال الشيخ ابن سعدي –رحمه الله- : " يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم ، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة ، إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة ، ودين واحد ، وهو : عبادة الله وحده لا شريك له".تفسير السعدي(ص440)
ولهذا لما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل –رضي الله عنه-إلى اليمن قال له:"إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب،فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى...".رواه البخاري(6739) من حديث عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما– وبوب عليه بقوله:"باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمتَهُ إلى توحيد الله تعالى" .
وهذا الإمام ابن القيم –رحمه الله- يصف لنا خطبة نبينا صلى الله عليه وسلم مبينا أن أساسها كان دعوة الناس للتوحيد،فيقول:"وكذلك كانت خطبته صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق ،وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أموالهم ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري! أي إيمان حصل بهذا وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به!.
ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه، ما يحببه إلى خلقه ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم ،ثم طال العهد وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوما، تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها،وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها فرصعوا الخطب بالتسجيع،والفقر وعلم البديع فنقص،بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها".زاد المعاد (1/423)
فالتوحيد أيها الأحبة يُولِّد في القلب أمورا ثلاثة : الحب و الخوف و الرجاء
فبالمحبة : يحصل اطمئنان القلب و استقرار النفس و إقبالها على ربها وخالقها .
و بالخوف : تجمح الجوارح عن الآثام ، و القلوب عن التطلع لغير الخالق العلاَّم.
وبالرجاء : تقبل النفس و الجوارح على الطاعة.
يقول ابن القيم – رحمه الله- : "القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر ،ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر " .مدارج السالكين (1/ 517)
قال العلامة الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله- : " فيجب على من يدعو للإسلام أن يبدأ بالتوحيد كما هو بداية الرسل عليهم الصلاة و السلام ، فكل الرسل من أولهم إلى آخرهم يبدؤون دعوتهم بالدعوة إلى التوحيد ، لأن التوحيد هو الأساس الذي بني عليه الدين ، فإذا تحقق التوحيد قام عليه البنيان ، وذلك مثل أساسات البيوت و المباني ، فإن المباني تؤسس أولا ويعتنى بها ثم يبنى عليها البنيان ويرتفع ، فلا يقوم بنيان بدون أساس قوي يرتكز عليه ويقوم عليه، و إنك لو بنيت بنيانا على غير أساس قوي لانهار البنيان وهلك من فيه.
وكذلك الدين إذا لم يبن على عقيدة صحيحة فإنه يكون دينا لا ينفع ولا يفيد، لأنه لم يبن على أساس صحيح وهو التوحيد ". كتاب التوحيد يا عباد الله (ص9-10)
وللأسف قد اقتحم في زمننا هذا بعض الوعاظ ميدان النصح والتذكير بغير زاد ولا عتاد، فأصبح همهم ما يطلبه الجمهور لا ما يحتاجونه ، فتركوا دعوة الناس إلى التوحيد و تحذيرهم من الشرك و البدع وهذه دعوة الأنبياء ووظيفة الأتقياء ، وأصبحت جل مواعظهم يغلب عليها القصص والفكاهة و التكلف و التقعر في الكلام،للفت أنظار الناس إليهم ، فأصبح تأثيرهم آني أي في تلك الساعة ، ثم قام الناس بعد ذلك كما قعدوا، والله المستعان .
وهذا بخلاف ما كان عليه صدر هذه الأمة الصالح ، حيث كانت عبارتهم في التذكير سهلة تصل إلى القلوب قبل الأسماع ، فنفع الله بها و استفاد منها من كان في عصرهم ومن جاء بعدهم ،قال ابن الجوزي :" وكان السلف يقتنعون من المواعظ باليسير من غير تحسين لفظ أو زخرفة نطق،ومن تأمل مواعظ الحسين بن علي(رضي الله عنهما)وغيره، علم ما أشرت إليه ".المنتخب من المواعظ لابن الجوزي ( ص95)
و على الواعظ بعد أن يدعو الناس إلى توحيد رب العباد أن يبين لهم الأحكام الشرعية الخمسة من الواجب و الحرام و المسنون و المكروه و المباح قال تعالى( إن الله يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون )[ النحل :90 ]
قال الإمام الشوكاني –رحمه الله- : "أي يعظكم بما ذكره في هذه الآية ، مما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنها كافية في باب الوعظ و التذكير". فتح القدير (3/188)
وكذلك مما ينبغي على الواعظ أن يدعو الناس إليه بعد ذلك تزكية النفوس وتطهيرها من كل الرذائل كالغل و الحسد و الحقد، وأن يحثهم على التحلي بالأخلاق الحسنة، و التأدب مع الله وذلك بتلقي أخباره سبحانه وتعالى بالتصديق، وتلقي أحكامه بالتنفيذ ،وتلقي أقداره بالصبر و الرضا،ولازم التخلق مع الباري التأدب مع رسوله فهو صلى الله عليه وسلم المخبر عنه والداعي إلى طاعته المحذر من معصيته ، وكذلك يدعوهم إلى التأدب مع عموم الخلق بكف الأذى عنهم وطلاقة الوجه عند مقابلتهم ، وغير ذلك من محاسن الأخلاق.
أيها الأحبة في ختام هذه الذكرى ينبغي أن ننزل الناس منازلهم ، ولا نعتقد أن كل من كان فصيحا في خطبته، بليغا في موعظته ، مشهورا بين الناس بكثرة ظهوره على وسائل الإعلام،أو كثرة المحاضرات أو الكتابات أنه عالم يُرجع إليه في النوازل و الفتن التي تصيب الأمة،فإذا أردنا النجاة-بإذن الله-فعلينا الرجوع في هذه المسائل إلى علمائنا الربانيين الراسخين،قال تعالى(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) [النساء :83]
قال العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله- : "هذا تأديب من الله لعباده ، عن فعلهم هذا غير اللائق ، و أنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة و المصالح العامة ، ما يتعلق بالأمن ، وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي و العلم والنصح و العقل والرزانة،الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها..".تفسير السعدي(ص190)
فالله أسأل لي و لكم أن يرزقنا العلم النافع ويوفقنا للعمل الصالح و أن يحيينا على التوحيد والسنة ويمتنا على ذلك ، فهو سبحانه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير .


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



أبو عبد الله النايلي