المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوضى الاجتهاد في علم الحديث واثره في الطعن على السنة



أهــل الحـديث
05-07-2012, 12:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



فوضى الاجتهاد في علم الحديث واثره في الطعن على السنة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين .
اما بعد
فإن الامةً لا تنهض من سباتها ولا تقوم من رقادها الا بهمة ابنائها ، فما من علم الا ويعتريه شوب قد يعكر صفاءه ويذهب ببعض جماله ، وهنا تظهر همم المخلصين فيبذلون انفسهم في نفض غبار الايام عن تيك العلوم لتشرقَ شمسُها من جديد ، وإن من أعظم ما تتجدد به العلوم هو بعث الروح في اصولها واستثارة قواعدها ليعمل بها.

مع القول بأهمية الاجتهاد الذي هو اللبنة الأساس في عملية التجديد التي تحتاجها الأمة إلا ان للاجتهاد ضوابطَ وأصولا يجب مراعاتها ، كما ان للاجتهاد مساحات لا ينبغي ان يتعداها والا كان عبثا وزيادة في اغراق الامة في بحار التيه ، ومن هذا الباب البحث في مسلمات العلوم وثوابتها فإن لم يكن على سبيل تعزيزها والإيمان بها والتسليم فهو عبث يدل على اضطراب في العقل مآله الطعن في العلم .

لا تلبث الأمة بين حين وأخر من سماع هتافات التجديد وادعاء الوقوف على ما لم يقف عليه الأسلاف ، ومثل هذه الدعوات من حقها أن تفحص وينظر فيها على وَفق أصول العلم ، ليظهر ما فيها من حق فيعمل به, وما فيها من باطل فيرد, من هنا يأتي هذا المقال ليقف على دعوة اطلت برأسها وكثر الكلام حولها لما تتضمنه من جرأة في الطرح والنقد الا وهي دعوة الدكتور محمد حوى حيث اشتهر عنه نقده للصحيحين ورد أحاديث فيهما وقد اعتمد في طرحه على اصول ادعى انها صحيحة وان لا سبيل الى التنكر لها من ذلك :
- رد الحديث اذا خالف القرآن .
- رد الحديث اذا خالف العقل .
- رد الحديث اذا خالف الحس .
- جواز الخطأ على الرواة وهو ما يُعَبِرُ عنه بعدم العصمة سواء للصحابي الراوي او التابعي او اصحاب الكتب والمصنفات ومنهم البخاري ومسلم ، الى غير ذلك مما يدعيه الدكتور محمد حوى.

وقد تصدى جمع من اهل العلم للرد عليه شكر الله لهم ذلك الا ان تلك الردود على اهميتها وعظم شأنها توجهت الى رد كلامه على بعض الاحاديث التي ذكرها في بعض مقالاته ولم تتطرق للاصول التي بنى عليها كلامه, ولما كان الكلام في الاحاديث لا يكاد ينحصر لكثرتها ، رأيت ان أتكلم عن الاصول التي اعتمد عليها الدكتور محمد حوى في رده للاحاديث ، وعليه فسأختار من هذه الاصول ما يكثر في كلامه, على ان تكون هناك مقالات قادمة تتناول كل أصوله بإذن الله تعالى .

- رد الحديث اذا خالف العقل :
من تتبع كلام الدكتور محمد حوى في مقالاته يرى انه يكثر من ترديد هذا الاصل, حيث يعتبره من الشروط المهمة في التعامل مع الاحاديث عموما, واحاديث الصحيحين على وجه الخصوص, ومن ذلك ما قاله في احد مقالاته :"ويمكن ان نخلص من كل ما سبق ان كل ما خالف القرآن او الثابت من السنة او العقل او التاريخ او الحس او الواقع او لا يشبه كلام النبوة او تفرد به راو في موقع لا يحتمل تفرده"[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn1).
- وبين يدي هذا الأصل أود أن أقدم بمقدمتين :
الأولى: من نظر في تاريخ العلوم ونشأتها يرى أن ثمة علوما قد نضجت في زمن مبكر وهذا يعود الى طبيعة هذا العلم ومجالاته ، فإذا نظرنا الى علم الحديث وجدنا انه يعالج الحديث النبوي في مراحله منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم الى تدوينه في مصنفات اهل العلم من خلال عملية دقيقة عدة من خصائص هذه الامة المحمدية .
يقول الدكتور فريد الانصاري –رحمه الله - :" يمكنك –بناء على هذا التصور – ان تقارن بين علوم التراث ، من حيث النضج والاكتمال ، او عدمها ، فعلم اصول الفقه مثلا ، او علم النقد الحديثي ، يفوقان علم اصول التفسير بكثير لانضباط الاصطلاح بالأولين ووجود التقعيد والمنهج بمعناه الحقيقي... وكذلك علم النقد الحديثي ، او علم أصول الحديث عامة استطاع ضبط السنة ، وبيان الزائف منها والصحيح" [2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn2)
اذن فعلم الحديث من العلوم التي نضجت في وقت مبكر ، وهذا كما تقدم يعود الى طبيعته ومجال إعماله ، لذلك عمل المتأخرون من اهل الحديث واقصد من جاء بعد القرن الثالث على استقراء ما ورد عن المتقدمين واستخلاص مناهجهم وتدوين قواعدهم واصولهم ، وعليه فإن الخلاف بين علماء الحديث لا يعدوا ان يكون خلافا في بعض فروع علم الحديث ، وهي مما يسوغ الخلاف فيه ، ويلزم على هذا امور :
اولا : مراعاة خصوصية علم الحديث وقواعده من خلال السير على نهج علمائه .
ثانيا : اعمال قواعد علماء الحديث واصولهم في مواضع تقريرها .
واما المقدمة الثانية :
فمن تأمل في كلام الدكتور محمد حوى يرى انه يوجه نقده الى نوعين من الحديث :
النوع الاول : احاديث الصحيحين عموما .
النوع الثاني : الاحاديث التي تتضمن اصولا كلية عند اهل السنة كحديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء ", وهذا الامر جدير بالتأمل .
اذا تقرر هذا الامر نشرع في بيان فقه شرط عرض الحديث على العقل من خلال ما يلي :
اولا : تحرير محل الشرط ومعناه .
معنى الشرط : من خلال استقراء كلام اهل العلم في هذا الباب وجدت ان لعرض الحديث على العقل معنيين :
الاول : ان يحكم من خلال بدهيات العقل ومسلماته على متن الحديث لاشتماله على مستحيل او ما تتفق العقول على بطلانه ورفضه .
الثاني : ان يُحَكَّمَ العقل في قبول الحديث ورده لمجرد استغراب المعنى او استشكاله او اشتباهه.
فأما المعنى الأول: فهو المعتبر عند اهل الحديث وهو المقرر في مصنفاتهم وسيأتي النقل عنهم.
واما المعنى الثاني : فإذا اخذ كمبدأ وطريقة تتبع فقد وجد في كلام اهل البدع من المعتزلة ومن تأثر بهم ، فأول من عرف عنه ذلك هو عمرو بن عبيد المعتزلي وقد اصبحت طريقة الرد هذه منهجا يسير عليه كثير من اهل البدع ومن تأثر بهم ، وقد اشتد إنكار أهل الحديث على من رد الاحاديث بمثل هذه الطريقة .
قال الشيخ السباعي رحمه الله :" ان استغراب العقل شيئا امر نسبي يتبع الثقافة والبيئة وغير ذلك مما لا يضبطه ضابط ولا يحدده مقياس "[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn3)
وقال الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي –رحمه الله-:" واعلم ان الناس تختلف مداركهم وافهامهم وأراؤهم ولاسيما ما يتعلق بالامور الدينية والغيبية لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته, ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب, وكذلك استشكل كثير من الناس كثيرا من الاحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, منها ما هو من رواية كبار الصحابة او عدد منهم كما مر,وبهذا يتبن ان استشكال النص لا يعني بطلانه, ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم تقع في الكتاب والسنة عفوا وانما هو امر مقصود شرعا ليبلو الله ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور , وييسر للعلماء ابوابا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات"[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn4)

وما دام ان الكلام عن العقل وكيف يتعامل مع النص لا بد ان نميز بين نوعي العقل ، العقل الجبلي الفطري ، والعقل المكتسب .
فأما العقل الفطري الجبلي فلا يتصور ان يخالف نصا شرعيا البتة, بل هو اصل في اثبات النص الشرعي ومنه الحديث النبوي, وهذا يعود الى وحدة المصدر كما قال سبحانه :" أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ "(الاعراف:54) فالعقل من خلق الله والنص –والذي احد افراده الحديث النبوي – من امر الله تعالى ، وعليه فلا يختلف أمره وخلقه .
واما العقل المكتسب فهو على حسب ما يتغذى به من العلوم وهنا يفترق الناس ، فمن غذى عقله على مسلمات الكتاب والسنة وثوابت الدين فلا يتصور منه ان يخالف نصا او يتنكر له وان كان قد يحصل له الاستغراب احيانا او يشتبه عليه المعنى الا ان هذا لا يكون دافعا له لرد النص او تأويله بما يخرجه عن معناه ومضمونه, ومن غذى عقله على علوم اليونان واتخذ من كتب الكلام مرجعا للتعامل مع النص الشرعي وجعل من الشبهات مسلمات يحاكم النص إليها فهذا الذي يتصور ان يخالف النص او يرده او يؤوله بما يخرجه عن اصل معناه ومقتضاه .
اما تحرير محل هذا الشرط :
فإن الناظر في كلام اهل العلم يرى أنهم حرروا شروط قبول الأحاديث بما لا مزيد عليه ، وقد تواردت العلماء جيلا بعد جيل على ذلك ، قال ابن الصلاح –بعد ذكره لشروط الحديث الصحيح - :" فهذا هو الحديث الذي يُحكم له بالصحة بلا خلاف بين اهل الحديث ، وقد يختلفون في صحة بعض الاحاديث لا ختلافهم في وجود هذه الاوصاف او لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الاوصاف كما في المرسل "[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn5)
وهذه الذي ذكره ابن الصلاح هو الذي عليه جماعة اهل الحديث فلا تجد من يخالفه في ذلك ، ومن هنا فإن كان الامر على ما تقدم تقريره فأين محل الشرط الذي يكثر في كلام الدكتور محمد حوى ؟.
من اللافت للنظر ان هذا الشرط الذي أقحمه الدكتور محمد في مناقشته لأحاديث الصحيحين محله مبحث الحديث الموضوع في كتب مصطلح الحديث ، كما تجده قد نُص عليه في كتب الموضوعات .[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn6)
قال الامام السيوطي-رحمه الله- في " التدريب " :" ومما يدخل في قرينة حال المروي ما نقل الخطيب عن ابي بكر بن الطيب : إن من جملة دلائل الوضع ان يكون مخالفا للعقل بحيث لا يقبل التأويل ، ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة ..." [7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn7)
وعلى هذا سار كل من تكلم عن مبحث الحديث الموضوع, ومن تأمل ما ذكره ابن القيم- رحمه الله- في كتابه" المنار المنيف" وجد مصداق ذلك .
وليزداد الامر وضوحا , اقول : ان هذه الكتب التي سلط الدكتور محمد حوى سهام نقده اليها استدل العلماء على ضعف الحديث بل وضعه –في بعض الاحيان – اذا خرج عنها ولم يكن له في احاديثها اصل يرجع اليه لا سيما الكتب الستة.
قال السيوطي- رحمه الله- :" ومن المقطوع بكذبه ما نُقب عنه من الأخبار ولم يوجد عند اهله من صدور الرواة وبطون الكتب "[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn8)
اذن يستدل على وضع الحديث وضعفه بكونه خارج عن دواوين الاسلام وخصوصا الكتب الستة التي هي اصول السنة ،قال ابن الجوزي –رحمه الله- :" ومتى رأيت حديثا خارجا عن دواوين الاسلام ، " كالموطأ "، " ومسند احمد " ، و" الصحيحين " ، و" سنن ابي داود ، و" الترمذي " ونحوها ، فانظر فيه ، فإن كان له نظير من الصحاح والحسان قرب امره ، وان ارتبت به ، ورأيته يباين الاصول فتأمل رجال اسناده ، واعتبر احوالهم من كتابنا المسمى ب:" الضعفاء والمتروكين " فإنك تعرف وجه القدح فيه "[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn9)
ان الخلط غير المبرر الذي يقوم به الدكتور محمد حوى ما هو الا وسيلة للكلام على احاديث الصحيحين ، والا فان الامر قد تقرر عند اهل الحديث ، ان للائمة مقاصد في مصنفاتهم فمن قصد الى جمع الصحيح وضع لذلك شروطا تضمن صحته ، ويزداد الامر وثوقا اذا تلقى اهل العلم هذه الشروط بالاستحسان و القبول, فمن جعل القرائن التي يعرف بها الوضع في مبحث الحديث الموضوع هي نفسها التي يحاكم اليه الحديث الصحيح متجاوزا ما لكل واحد من المبحثين من الخصوصية وما لكل مصنف من المصنفات من الخصوصية فقد اتى امرا عظيما , وفي مراعاة خصوصية التصنيف واحكامه ، يقول ابن عبد الهادي –رحمه الله - :" ... فكيف وهو حديث منكر ضعيف الاسناد واهي الطريق لا يصلح الاحتجاج بمثله ولم يصححه احد من الحفاظ المشهورين ولا اعتمد عليه احد الائمة المحققين بل انما رواه مثل الدارقطني الذي يجمع في كتابه غرائب السنن ويكثر فيه من رواية الاحاديث الضعيفة والمنكرة بل الموضوعة ويبين علة الحديث وسبب ضعفه وانكاره في بعض المواضع او رواه مثل ابي جعفر العقيلي وابي احمد بن عدي في كتابيهما في الضعفاء مع بيانهما لضعفه ونكارته او مثل البيهقي .." [10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn10)
اذن هذه على عجالة اشارة الى مقاصد الائمة في مصنفاتهم وهي مختلفة بصورة لا تخفى على متخصص ، وهنا اقول للدكتور محمد الحوى هذه هي مواضع شرطك الذي حاولت انزاله على احاديث الصحيحين التي تلقتها الامة بالقبول .
وهنا اختم بما قرره الشيخ عبد الله الجديع في كتابه "تحرير علوم الحديث" حيث بين منزلة أحاديث الثقات كما بين موضع شرط عرض الحديث على العقل فقال :
" النوع الخامس : مخالفة العقل :
هذا النوع ذِكرُه تكميل من اجل تبين وجهه ، لانه معدوم في روايات الثقات ، وانما يوجد ما تتفق العقول على خلافه في رواية الكذابين الذين حدثوا بالمستحيل .
ولا وجه لافتراضه اصلا في روايات الثقات حيث كان الواقع ينفيه .
وانما يوجد في بعض الحديث مالم تستوعب بعض العقول فهمه ، تارة للجهل ، وتارة للهوى والبدعة وبغض السنة "[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn11)

والله اعلم

كتبه : عصر محمد النصر
باحث متخصص في السنة النبوية وعلومها

[1] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref1)منهجية التعامل مع السنة النبوية -59-,التعامل مع الصحيحين -6- , وسيأتي بيان مواضع هذه الشروط وموقف العلماء منها, وتقدير الكلام ان كل ما كان هذا حاله من الأحاديث فإنه يرد.


[2] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref2)(المصطلح الأصولي عند الشاطبي 66 )

[3] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref3) ( السنة ومكانتها في التشريع الاسلامي 50)

[4] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref4) الانوار الكاشفة ص 223

[5] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref5)علوم الحديث لابن الصلاح ص12-13

[6] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref6)من نظر في كلام الدكتور محمد حوى يرى انه خلط بين شروط الحديث الصحيح والضوابط الكلية التي ذكرها العلماء في مبحث الحديث الموضوع ومصنفاته, كما في مقاله منهجية التعامل مع السنة النبوية -59-,التعامل مع الصحيحين -6-.

[7] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref7) - (1/276 ، النوع الحادي عشر : الموضوع) .

[8] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref8)نفس المصدر السابق والصفحة

[9] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref9)الموضوعات 1/201

[10] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref10)الصارم المنكي ص31, والحديث الذي اشار اليه في كلامه هو:" من زار قبري وجبت له شفاعتي", وهو حديث منكر كما نص على ذلك جمع من اهل العلم.

[11] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftnref11)تحرير علوم الحديث 2/ 708