المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فقه المطالب العالية



أهــل الحـديث
03-07-2012, 10:20 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



فقه المطالب العالية

تحرير المعاني التي تضمنتها النصوص الإسلامية ، من أهم المعالم التي تُعين على تحقيق الفهم الصحيح في الدلالات اللفظية . ولا يستقيم ذلك إلا بالتأمل العميق في وجوه الدلائل وعرضها على قواعد العقل الراسخة بمنظور الشّرع . وهناك أخبار وآثار ترد عن السلف والخلف ، الغرض منها قصد المطالب العالية في النواحي التعبدية أو العلمية ،وفي ثناياها معاني دقيقة يغفل عنها بعض من يتأمل فيها . وتفسيرها على غير وجهها الصحيح ، يعدُّ من الوصف الطردي الممنوع شرعا .
ومن الأمثلة التي يمكن النظر فيها على ضوء ما ما تقرّر، ما يُروى عن الإمام أحمد (ت: 204هـ ) رحمه الله تعالى أنه كان يصلّي في الليلة الواحدة ثلاثمئة ركعة ، وكان يحفظ مليون حديث . ورُوي عن ابن الجوزي ( ت : 597 هـ ) رحمه الله تعالى أنه قال وهو على المنبر :" كتبتُ بأصبعي هاتين ألفي مجلدة ، وتاب على يدي مئة ألف ، وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني " . وروي أن الإمام الطبري (ت: 310 هـ ) رحمه الله تعالى ، مكث أربعين سنة ، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة . ونحوها من الأمثلة التي يمكن تجريدها على جادة المطالب العالية .
فقه المطالب العالية يمكن تحريره في النقاط الآتية :
1- تميز طائفة من الناس بالعلم والعبادة وسداد القول والحنكة في تدبير الأمور، محض فضل من الله لمن يشاء من خلقه ، والمخلوق ضعيف بتدبير نفسه ، قوي بتدبير الله له . " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا " ( النور: 21) .

2- حفظ الوقت وتنظيمه وضبط الأعمال، ليس السبب الأوحد والأهم في ادراك المطالب العالية . فليس كل من بلغ المطالب يعزى سبب تفوقه لذلك . ومناط ذلك على ما يأتي من مفاتيح المطالب .

3- الفهم والتفكر من مفاتيح ادراك المطالب العالية. وقد منّ الله على نبيه سليمان عليه السلام بذلك حينما اشكلت عليه قضية الحرث فقال :" ففهمناها سليمان" (الانبياء: 79 ) . وقد أثنى الله على الذاكرين المتفكّرين في مواضع كثيرة من كتابه .

4- أغلب الذين منّ الله عليهم بالعلم والعبادة ، كانوا ممن اختصهم الله بحفظه في صغرهم وشبابهم ، فلم يرتعوا في شهوات النفس البهيمية ولم يركنوا الى الدنيا . ومن حفظ الله في صباه حفظه الله عند كبره وضعفه .


5- لا يجوز الاندهاش من تفوق من أدرك بعض المطالب العالية قبل وزنها بميزان الشّرع ، فليست العبرة بالكثرة أو السّبق ، إنما العبرة بما وافق الدليل.

6- أعظم عون على نيل المطالب العالية بعد توفيق الله ،هو الدعاء مع الخشية ، ولم يصل الكبار إلا بهذا المفتاح العزيز مع المفاتيح المساندة . قال الله تعالى : "قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم" ( الفرقان: 7 7 ) وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال : " الدعاء هو العبادة " أخرجه الترمذي باسناد صحيح . وقال سبحانه : " انما يخشى الله من عباده العلماء "( فاطر: 28 )، وقد رُوي عن الامام ابن تيمية (ت: 728هـ ) رحمه الله تعالى، أنه كان يخرج إلى الصحراء والأماكن المهجورة ويحثو التراب على وجهه، متضرعا خاشعا الى الله ، ويقول :" يا معلم إبراهيم علّمني ويا مفهم سليمان فهمني " .


7- حفظ العقل والنظر في العواقب ،يورث الرشاد والاستقامة ويحثّ على العزيمة في نيل المطالب العالية ، وقد قيل : بالعقول تنال ذروة العلوم . وأكثر الأئمة كانوا يتصفون بهذه الصفة النورانية ، ويمكن ملاحظة ذلك في مراسلات الإمام الشافعي( ت: 204هـ ) مع الإمام أحمد رحمهما الله تعالى . وقد شهد للشافعي بسعة العقل: يونس الصدفي(ت:264هـ ) رحمه الله تعالى بقوله : "ما رأيت أعقل من الشافعي " .

8- الشهوة آفة المطالب العالية ، ومحرّك الشهوة : الهوى ، وقد قال بعض الأدباء : "الهوى مركب يلذُّ للقاصر الغريق" ، فكل من ضبط شهوته نال أمنيته ، والعكس بالعكس ، قال الله تعالى :"ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه" ( الاعراف: 176 ) .

9- العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة " أخرجه مسلم في صحيحه . وفي الحديث ايضا: " اتق المحارم تكن أعبد الناس " أخرجه الترمذي وصححه الألباني . فمن عرف شرف العلم والعبادة سهُل عليه نيل أسباب الوصول إليهما مهما كانت العوائق ، ومن فاته شي من ذلك فليشمّر وليستدرك ما فاته ، ومن الشوارد الأصولية : أن ما تعين وقته : يوصف بالأداء والقضاء ، وما لا يتعين وقته لا يوصف بهما . ولن ينال المرء مراده الا على جسر من التعب .

10- ليست بركة الوقت هي المحفّز لإدراك المطالب العالية كما يشاع عن الأعلام ، بل الكدّ والجلد مع الإخلاص في الحركات والسكنات ، ولما ذكر للإمام أحمد الصدق والإخلاص ، قال : "بهذا ارتفع القوم" .

11- تدرك المطالب العالية بترويض النفس على مراحل ، فإن المسافر لا يقطع الأرض إلا على مراحل ، يتجشّم خلالها العناء شيئاً فشيئاً ،حتى يبلغ هدفه .قال محمد بن المنكدر (ت:130هـ ) رحمه الله تعالى : "جاهدتُ نفسي أربعين سنة حتى استقامت " .

12 - محاسبة المقاصد والنيات تورث الأريحية والكمال بنوعيه : كمال المقتصدين وكمال المقرّبين . وقد قال بكر بن عبد الله المزني ( ت : 106 هـ) رحمه الله تعالى : " ما سبقهم ابو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بشي وقر في قلبه " .

13- من فُتح له باب في العلم أو العباده ،فليسأل الله دوام العفو والعافية، فان المحرومين منهما كثير . والمغبون فيهما كثير .ومن أنعم الله عليه بالعلم والعبادة معا فقد التحق بالمقربين ،فليشكر الله قولا وعملا، كما قال الله تعالى :" واذكر عبادنا ابراهيم و اسحاق ويعقوب اُولي الأيدي والأبصار "( ص: 38 ) .

14– الازدياد من العلم والعبادة لا حدّ له ، ما لم يخالف نصّا ،ومن لم تزده العبادة والعلم صلاحا ، فاته الجمال والكمال ، كما قال ابن الوردي(ت: 749هـ ) رحمه الله تعالى :
في ازدياد العلم ارغام العدا وجمال العلم اصلاح العمل .

اللهم اصلح نياتنا وأعمالنا ،على الوجه الذي يرضيك عنا . والحمد لله رب العالمين .

أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الامن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/Author/2083