المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقبلك الله شهيدًا يا جمال



أهــل الحـديث
03-07-2012, 05:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


جمال بن يوسف طَبَرْنِين..
شابٌّ بارٌ بوالديه، صاحب خلق رفيع، وإيمان كبير، وشهامة ومروءة، وتفوق مبهر..
كانت خصاله تجبر من عرفه على احترامه وتقديره..
كان محبًّا للدِّين وأهله، صاحب استقامة منذ نشأته إلى آخر لحظاته، ورزقه الله الحج العام الماضي..
هذه شهادة من قريبٍ يعرفه، فهو ابنُ عَمّتي..
كان جمال يكبرني بسنوات قليلة في العمر، ولكن منذ ثلاثة أيام زاد الفارق وسبقني بشوط بعيد!
أتذكر يوم عرسه في بلدتنا "مِسْرابا" في غوطة دمشق من سنوات قريبة، لكن عرسه الفعلي كان منذ ثلاثة أيام، يوم السبت الماضي، عاشر شعبان سنة 1433، في بلدة "زَمَلْكا" القريبة.
كما رويتُ لكم: كان متفوقًا من الأذكياء، فاستطاع أن يدخل كلية الطب، واختص بالجراحة العامة، وكانت من خيرة الله له وللناس، فهو مجال سيحتاجه الناس بشدة في أمدٍ قريب.
فتح عيادة في بلدة "جوبر"، وكان معروفًا برحمته وشفقته بالناس، وعلاج الفقراء بسعر مخفض، وبالمجان أحيانًا.
قامت الثورة في بلاده، وهبّ الأحرار، وقوبلوا بالتنكيل العنيف، ذلك التنكيل الذي وصل لحد ملاحقة الجرحى -حتى لو كانوا مدنيين عاديين-، ومنع علاجهم، والإجهاز عليهم في المستشفيات، وعقاب من يعالجهم بالقتل والتعذيب، حتى أصبح الذهاب للمستشفى يكاد يساوي الانتحار، وكم سمعنا عن وفاة أناس بسبب نزف أو إصابة لا تعتبر في المعايير العادية إصابات قاتلة؛ لو كان ثمة إمكان للعلاج والإسعاف المعتاد.
هنا برز جانب عزيز من جوانب التضحية والمخاطرة، وهو جانب الأطباء الأحرار، الذين يغامرون بحياتهم في سبيل إنقاذ إخوانهم، ونجدتهم، في أصعب الظروف وأقساها.

كان جمال أحد هؤلاء الأحرار، فكم عالج وأنقذ وأسعف وداوى في هذه المدة الطويلة العصيبة، والناس في منطقته يعرفونه بذلك.

وجاءت لحظة الخاتمة، عندما حصلت جريمة تفجير جنازة أحد شهداء زملكا يوم السبت الماضي، وقتل فيها العشرات وأصيب مثلهم: هَرَع جمال -كعادته- بالسيارة من عيادته في جوبر مع بعض الأطباء إلى زملكا المجاورة لإنجاد المصابين، ولما نزل من السيارة أصابته رصاصة قناص غادر في ظهره، وهو في قلب الحدث، ومعه أدواته وأدويته، استشهد على أثرها، وارتفعت روحه الطاهرة إلى بارئها، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
خلّف الشهيد وراءة أسرة مكلومة، وله ثلاثة أطفال أكبرهم في السابعة، ولكنه ترك لهم قدوة وسيرة يفخرون بها، ونسأل الله أن يكون شفيعًا لهم يوم القيامة، وأن يحفظهم ويرعاهم.

وهنا أمرٌ أخّرتُ ذكره، وهو أن الشهيد لم تفارقه ابتسامته وبشاشة وجهه الوضيء طوال حياته، وهكذا بعد استشهاده كانت ابتسامته هي هي، تبشّر المحب المتفائل، وتقطّع قلبه وتدر دموعه في آن واحد!
إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمك الله أيها البطل جمال، وجمعنا وإياك في الفردوس الأعلى.
* * *
دُفن الشهيد جمال في مسقط رأسه مِسْرابا ليلة الأحد، الساعة الحادية عشرة ليلًا، عند هدوء القصف العشوائي على البلدة وما جاورها.
أحسن الله عزاء أسرته وذويه ومحبيه، وأُبشرهم بأنني لما أعلمتُ عددًا من المحبين في البلدان برسائل نصية وجدتُ تفاعلًا لم أعتده من الدعوات والتعزيات، من السعودية والمغرب وقطر والكويت وغيرها، ولا سيما من أهل العلم والفضل والصلاح.
* * *
وبعد:
هذه لمحة موجزة لشهيد من شهداء سوريا، وكم من أمثاله ممن لم يهيّأ لهم من يسجّل أخبارهم، ولكن ما ضرهم إن جهلهم الناس والله يعرفهم، وهو الذي اصطفاهم وختم لهم بخير خاتمة وأزكاها، نسأل الله العظيم من فضله.
رحم الله شهداء المسلمين أجمعين، وعافى جرحاهم ومبتلاهم، وحفظ أعراضهم وأموالهم، وأعزهم في دينهم ودنياهم، وعجّل بنصرهم على عدوه وعدوهم.
كتبه محمد زياد بن عمر التُّكْلَة
في الرياض 13 شعبان 1433

كُتب عن جمال رحمه الله في عدة مواقع، منها هذا:
http://syriasy.blogspot.com/2012/06/blog-post_30.html