المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلسلة هلموا فلنتفكر (15)



أهــل الحـديث
01-07-2012, 03:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله معز المتقين، ناصر المؤمنين، مذل الكافرين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين.
لقد ذكر الله في كتابه الكريم جملة من قصص الأنبياء عليهم السلام، ومواقف أقوامهم منهم ومن دعوتهم، لما في قصصهم من العبرة والفائدة.
كما قال تعالى:{لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}.
فعندما يتأمل الأنسان حال الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين بدعوتهم وما لاقوه من محن ومعاناة، ثم يتأمل في صبرهم ويقينهم وحسن العاقبة لهم، يزيد إيمانه ويرسخ يقينه، ويستأنس في زمن الوحشة وقلة الرفيق، فيضع قدماً ثابتة في طريق الأهوال مستشعراً معية الله لأوليائه ونصرته لهم.
ثم يُقلّب بصره فيتفكّر في حال المكذبين والمعاندين وطرائقهم في محاربة الحق ومواجهة دعوة الرسل، وصرفهم الناس عن الحق، ويتأمل في عقوبة الله لهم وانتقامه منهم، فيزداد بصيرة ورسوخاً في الحق ويُعدّ العدّة لمواجهة الكفر وأولياء الشيطان.
وعندما نتأمّل في حال الكافرين نجد أن الملأ منهم [وهم الكبراء، ووزراء الحاكم، وأصحاب الرأي والمشورة]لهم حظ وافر في الصد عن الحق ومحاربته، وتأييد الباطل وتزيينه للناس.
تأمل في بعض الآيات:
قال الله تعالى حاكياً قول قوم نوح لنبيهم:{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادِيَ الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين}.
وقال في قوم صالح:{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}.
وقال عن مشركي مكة حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد:{ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد}.
والآيات في هذا كثيرة معلومة.
ومن سبلهم أيضاً في الصد عن سبيل الله والإيمان به، ما حكاه الله عن المشركين في قوله:{ وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون* وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألنّ يوم القيامة عما كانوا يفترون}.
وكل طاغوت ورأس في الشر والكفر لابدّ له من بطانة، ووزراء وأعوان يتقوّى بهم ويشاورهم ويستعين بهم في نصرة الباطل، والصد عن الحق، فينتفع بهم في تثبيت عرشه وتضليل الناس، وهم يستفيدون من القرب منه بالوجاهة وشيئ من فتات الدنيا ومتاعها.
واعلم أنه بغير البطانة الفاسدة والوزراء الانتفاعيين لا يستطيع الطاغوت على مجابهة الحق وأهله، ولا كسب تأييد الناس وانقيادهم.
فالبطانة الفاسدة ووزراء السوء هم شركاء أساسيون في محاربة الحق وأهله، وتضليل الناس وإيقاعهم في مستنقعات الكفر والفساد، فعليهم مثل أثقال وأحمال من أضلوهم عن الحق، جزاء عادلاً وما ربك بظلام للعبيد.
واليوم تتكرر هذه المشاهد ولكن بطريقة أبشع، وصورة أشنع، ففي السابق كان الطاغوت ووزراؤه وبطانته كلهم من الكفار، أمّا اليوم فإن طواغيت الكفر قد اتخذوا بطانة ممن يدّعون الإسلام وينتسبون للعلم والدعوة، فاستخدموهم في تثبيت عروشهم، وتضليل الناس وتركيعهم، وتخديرهم وغرس روح الذلة في نفوسهم.
فحاربوا الدين باسم الدين، وأخضعوا الناس للطاغوت باسم الدين، ومكنوا للمشروع الصهيوصليبي باسم الدين، وخذلوا المسلمين باسم الدين، وصدّوا عن الجهاد باسم الدين.
فيا ويلهم من مالك يوم الدين.
واعلم أن نصرة دين الله وتطبيق شريعته فرض على المسلمين جميعاً، وأن سكوتهم عن الباطل وركونهم إلى الدنيا، ورضاهم بالذل والعار لن يُعفيهم من المسؤولية، ولن ينجيهم من الإثم واستحقاق العقوبة.
واعلم رحمك الله أن شرع الله جاء لإقامة التوحيد، ونشر الخير والصلاح، وحفظ الدين، والمال، والنفس، والعرض، والعقل.
وبإقامة الدين وتحكيم شرع الله تحفظ هذه الأمور.
وقد أوكل الشرع إلى الحكام القيام بهده المسؤولية.
وإذا لم يقم الحاكم بمسؤوليته، وتهاون في إقامة الدين وحفظ حدوده، فإنّ عليه وزره ووزر كل خروج عن طاعة الله وفساد ناتج عن تقصيره وتفريطه.
والحاكم الذي يضيع فرائض الدين وحدوده وثوابته، ويصوغ نظاماً مخالفاً لشرع الله، يجب الخروج عليه وعزله، لأن بقاءه يعتبر حاجزاً ومانعاً وعقبة أمام تطبيق شرع الله وحكمه.
وكل من يقف في صف الحاكم المبدل لشرائع الإسلام، ويؤيده، ويصدّ المسلمين عن القيام عليه وخلعه، هو مشترك في الإثم والجرم.
إنّ انتشار الشرك والكفر والزندقة والسخرية من الدين، وشيوع الفاحشة، والربا، وغيرها من المعاصي والفساد إنما هو بسبب الحاكم الذي ضيع حكم الله واستبدله بغيره.
وبقاء الحاكم سبب في بقاء الفساد وانتشاره.
وعلى هذا، فالعلماء والدعاة وطلبة العلم الذين يؤيدون الطواغيت ويناصرونهم، هم مشتركون في الإثم ويتحملون ثقل ووزر الفساد الذي كانوا سبباً في بقائه وانتشاره.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال : رسول الله صل الله عليه وسلم { من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا}.
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتسبب إلى الهدى بدعوته له من الأجر مثل أجر من اهتدى به ، وكذلك المتسبب إلى الضلالة عليه من الوزر مثل وزر من ضل به.
ووقوف العلماء والدعاة في صف الطواغيت ونصرتهم لهم سبب في بقائهم، وبقاؤهم سبب في شيوع الشرك والكفر والفساد، ومن تسبب في شيوع الكفر والشرك والفساد فعليه وزره ووزر من تسبب في فسادهم إلى يوم القيامة.
نعوذ بالله من الخذلان ومن غضب الرحمن.
فيا علماء المسلمين ودعاتهم ارفقوا بأنفسكم، وخففوا كواهلكم من الأوزار، فإن الحساب عسير، يؤخذ فيه بالنقير والقطمير.
فلا تكونوا عونا للباطل وأهله، وسارعوا إلى التوبة، وموالاة الموحدين والبراءة من الكافرين.
ولا تأخذكم العزة بالإثم، ولا تتكبروا عن قبول الحق، واعلموا أن العزة في توحيد الله وموالاته، والتواضع للحق رفعة لصاحبه في الدنيا الآخرة، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
نسأل الله أن يردنا إلى الحق ردّاً جميلا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.