المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( 3) هل نحن معظمون لله ؟



أهــل الحـديث
30-06-2012, 05:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا

أما بعد

أيها الأحبة هذا هو الجزء الثالث والأخير من مقالة شيخنا أبي عبد الله النائلي حفظه الله عن تعظيم الله عز وجل والتي نشرها في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك راجيا من الله أن يرزقنا تعظيمه كما ينبغي له أن يعظم ويغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا عن أداء حقوقه



بسم الله الرحمن الرحيم



( 3) هل نحن معظمون لله ؟

لقد ذم الله تعالى من لم يُعظمه حق عظمته ،ولا عرَفه حق معرفته و لا وصفَه حق وصفه، حيث قال تعالى ( مالكم لا ترجون لله وقارا ) [ النوح : 13]
قال ابن عباس –رضي الله عنهما- : " لا ترجون لله عظمة ". تفسير الطبري (29/94) و قال سعيد بن جبير - رحمه الله- : (ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته ). تفسير الطبري ( 29/95)
قال ابن القيم - رحمه الله -:"وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم لو عظموا الله وعرفوا حق عظمته وحدوه وأطاعوه وشكروه " .الفوائد (ص 187)
فهل نحن أيها الأحبة معظمون لله تعالى؟

للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن ننظر إلى حالنا عند الإقدام على فعل الطاعات، لنسأل أنفسنا كيف نؤديها ؟ هل رغبة ورهبة من الله ، وخوفاً منه سبحانه وطمعاً لما عنده؟ أم أن الطاعة عندنا أصبحت عادة تتكرر منا كل يوم دون التلذذ بها و الإحساس بثمارها؟! هل نستشعر عند معصيتنا لله أن فوقنا جبل يكاد يسقط علينا أم كذبابة وقعت على أنف أحدنا فقال بها هكذا ؟ قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه و إن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا ،وأشار الراوي ( بيده فوق أنفه)" . رواه البخاري ( 5949)

فإذا أجبنا عن هذه التساؤلات بكل تجرد فسنعرف يقيناً قدر أنفسنا وهل عظمنا خالقنا أم لا؟

أيها الكرام لقد كان سلفنا الصالح (رحمهم الله) من أشد الناس تعظيماً لله؛ وهذا بسبب حرصهم على طاعته وبعدهم عن معصيته،قال الشيخ الصديق حسن خان-رحمه الله- : "وهم ـ أي السلف الصالح ـ أشد تعظيماً لله وتنزيهاً له عما لا يليق بحاله". قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر ( ص48)
ولا عجب! من ذلك إذا نظرنا في حالهم عند الإقبال على العبادة ، قال مجاهــد - رحمه الله -: " كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء، أو أن يلتفت أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسياً ما دام في صلاته". تعظيم قدر الصلاة للمروزي ( ص188)

وكان شــيخ الإسلام ابن تيميـة - رحمه الله - إذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة. الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار ( ص36)
أيها الأحبة إن تعظيمنا لله عز وجل يجعلنا نخضع له ونطيعه فتسهل علينا أوامره فننفذها مع القبول و المحبة ونبتعد عن نواهيه مع الإنشراح و السرور بذلك ، فبالتالي لذة العبادة
لا تفارقنا في الحالتين و لله الحمد

قد تتساءلون بعد إجابتكم على السؤال الذي طرحناه! عن بعض الأسباب التي قد تعيننا و إياكم بإذن الله على تعظيم خالقنا سبحانه و تعالى في نفوسنا ؟

فالجواب :
1 – الدعاء ، وذلك بأن نسأل الله أن يغرس في قلوبنا تعظيمه وتوقيره في السر و العلانية فهو أكرم الأكرمين قد أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة حيث قال جل و علا ( ادعوني أستجب لكم ) [غافر :60]، فالدعاء من أقوى الأسباب و أفيدها إذا توفرت الشروط كصدق النية و انتفت الموانع كارتكاب المحرمات .

2 – أن نجتنب المعاصي مهما كان حجمها،ونستحضر عند ارتكابها عظم من نعصي، فالمعاصي سبب في ضعف تعظيم الرب جل و علا في القلوب، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-:"ومن عقوباتها -أي المعاصي- أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعيف وقاره في قلب العبد ولابد ،شاء أم أبى ،ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه، وربما اغتر المغتر وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء، وطمعي في عفوه، لا ضعف عظمته في قلبي، وهذا من مغالطة النفس، فإن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب، والمتجرئون على معاصيه ما قدروه حق قدره وكيف يقدره حق قدره أو يعظمه أو يكبره أو يرجو وقاره ويجله من يهون عليه أمره ونهيه هذا من أمحل المحال وأبين الباطل وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ويهون عليه". الجواب الكافي(ص 46)

3 - أن نتفكر في خلق الله ، كيف أحسن الله كل شيء صنعا ، فالتفكر من أهم الأسباب المعينة على تعظيم الله الباري سبحانه وتعالى وتوقيره ولهذا أثنى الله على من يتفكر في مخلوقاته، قال تعالى{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار } [آل عمران: 190- 191]

وإن من أنواع التفكر التي ينبغي دائما أن نستحضرها النظر في حال من غبر، فلقد عاش على هذه الأرض أقوام أعطاهم الله بسطة في الجسم وقوة في البدن لم يعطها لأمة من الأمم ولكنهم كفروا بالله وكذبوا بالرسل؛ فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يعملون؛ فها هم قوم عاد الذين قالوا: من أشد منا قوة؟! أهلكهم الله {بريح صرصر عاتية (6) سخرها عليهم سبع ليل وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية } [الحاقة: 6 - 7]، وها هم ثمود الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين أهلكهم الله بالصيحة {فأصبحوا في ديارهم جاثمين} [هود: 67]، فما بالنا نحن الأضعف والأقـل منهم قـوة وبطشاً لا نخشى أن يصيبنا مثل ما أصاب أولئك؟! قيل للفضيل بن عياض – رحمه الله- ما أعجب الأشياء ؟ فقال :" قلب عرف الله عز وجل ثم عصاه " . أدب الدنيا و الدين للماوردي ( ص117)

وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله- :" من أعجب الأشياء أن تعرفه – أي الله عز وجل- ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه و الإنابة إليه وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب".الفوائد (ص47)

4- أن نستعين على تعظيم الباري سبحانه وتعالى بتدبر كتابه العزيز وتفهم معانيه،قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-:"ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهامهم،وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر،وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه ويتدبر كلامه".مختصر منهج القاصدين (ص46)

والحذر كل الحذر أيها الأحبة أن يكون هدفنا فقط قراءة حروفه وحفظه، دون الغوص في كنوزه و معانيه ، فقد عاب الله على المنافقين لما أعرضوا عن تدبر كتابه العزيز، فقال سبحانه (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )[النساء :82] ، قال القرطبي -رحمه الله - : "عاب المنافقين بالإعراض عن التدبر في القرآن و التفكر فيه و في معانيه ".تفسير القرطبي ( 5/290)


قال ابن القيم – رحمه الله -:"فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن وهذه كانت عادة السلف يردد احدهم الآية إلى الصباح وقد ثبت عن النبي انه قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)[المائدة :118] فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب". مفتاح دار السعادة ( 1/187)


وفي ختام هذه التذكرة أيها الأحبة فالله أسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها،وأن يرزقنا و إياكم تعظيمه والخوف منه في السر والعلانية وأن يمن علينا وعليكم بتوبة صادقة تُعيننا على طاعته واجتناب معصيته،فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير .


وصلي اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله النايلي