المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرة نقدية فيما يخص كتب مصطلح الحديث



أهــل الحـديث
28-06-2012, 10:00 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم





بسم الله الرحمن الرحيم



إنَّ ممَّا يُعْلَم يُقَال



بقلم زكريَّا شعبان حنش

الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على النَّبيِّ محمد -صلى الله عليه وسلم-(1 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_edn1)) ، وعلى الآل والأصحاب ، وعلى المحدِّثين والفقهاء ،وأهل العلم أجمعين ، آمين .
أمَّا بعدُ :
فهذه كلمات سطَّرتها على عجالة ؛ نصيحة لطلبة العلم عموماً ، وطلبة الحديث خصوصاً ، وإنِّي أعلم أنِّي لست أهلاً للنَّصيحة ، ولكنَّ حديث الدِّين النَّصيحة ألزمني الحجة ، فلم أستطع أنْ أنصرف عنه حتَّى قيَّدت هذه الكلمات القليلة ، ولعل الله ينفع بها ، فربَّ عملٍ صغير تكبِّره النيَّة، وربَّ عملٍ كبير تصغِّيره النيَّة ، وفي المتابعة والإخلاص الخلاص ، نسأل الله الإخلاص في القول والعمل .
إنَّ ممَّا يحزن القلب ، ويدمع العين ، ويجعل الحليم حيراناً ، المبالغة في التَّألف والتَّصنيف في العلوم الاصطلاحية ، سواءٌ كان في علم مصطلح الحديث أو علم أصول الفقه ، أو خلافات النَّحْويين ، وهلمَّ جراً .
وإنِّي رجلٌ متعصِّبٌ لعلم الحديث فأحببت أنْ أخصَّه بالذِّكر ، فإليك يا طالب الحديث هذه النَّصيحة ، خذها وتدبَّرها واسأل ربَّك التَّوفيق ، فليس العلم بكثرة الرواية ولكنه نورٌ يقذفه الله في القلب وشرطه الاتباع كما قال الذهبي.
إنَّ كثرة التَّأليف والتصنيف في العلوم الأصليَّة - عموماً- ليس من هدي سلفنا الصالح فما بالك بـ (علم مصطلح الحديث) ، إنَّ ما نشاهده في زماننا هذا والزمان الذي قبْله مبالغة في التَّأليف-أعني في علم مصطلح الحديث- وهذه ظاهرةٌ غير محمودةٍ ، ولا مرضيةٍ ، بل هي ظاهرةٌ سيئة صدَّت طلبة العلم عن كتب الصِّحاح والسنن والمسانيد وغيرها من الكتب الاصول المعتمدة ، فنجد طالب علم الحديث اليوم يعكف ويعقد عقداً من غير إمساكٍ بمعروف ولا تسريحٍ بإحسانٍ على نزهة النَّظر للحافظ ابن حجر ، فينتقل من شرح إلى آخر ، ومن نظم إلى تنكيت ، إلى أن تعاجله المنيَّة... ثمَّ منهم من يكون أحسن حالاً في الطَّلب فينتقل من النَّزهة ونظمها ومختصراتها إلى الموقظة وشروحها، ثمَّ إلى الألفية ثمَّ إلى شروح الألفية والنَّكت الوفية و و و وكل ما يصدر كتابٌ في المصطلح يرتضيه ويقتنيه ويسعد ويطير به فرحاً ، وإلى آراءه شوقاً ، والله المستعان!!
ما هكذا طلب العلم يا أخوتي ، وما هكذا يكون التأليف يا أساتيذي!!
إنَّ ما نشاهده اليوم من كثرة المؤلفات في علم المصطلح له دورٌ كبيرٌ في ازدياد الجهل وبعد النَّاس عن ما يقصدونه ويطمحون إليه، ولننظر إلى حال المتقدمين من أهل العلم ونقتدي بهم في التَّأليف ، فهذا البخاري -رحمه الله- يصنف كتابه الجامع الصحيح ، وهو أصح كتاب على وجه الأرض بعد القرآن الكريم ، يصنِّفه البخاري ، ولا يقدِّم له أي مقدمة ولا أي مدخل إليه ، وهذه تلميذه مسلم بن الحجاج يصنِّف كتابه الصحيح، ويقدِّم له بمقدمة في ورقات محدودةٍ ، وأقوالٍ معدودةٍ ، أثنى عليها النَّاس وتطايروا بها فرحاً ، وهي مقدِّمة ليس فيها ما يشفي العليل ، وهذا الترمذي يؤلِّف كتابه الجامع الكبير ويضع في آخره كتاب العلل الصغير ، يوضح فيه بعض المسائل ، وهكذا حال المتقدمين ، ما كانوا يبالغون في كتابة المقدمات والمصطلحات ، فإنَّ ما يرى اليوم أمرٌ لا بدَّ من التَّحذير منه ، فإنَّ كثرة المؤلفات التي تبثُّها دور النَّشر لها أثرٌ سيء على طلبة علم الحديث ، فأصبحت عدد كتب المصطلح عددٌ مبالغ فيه ، ولو بعث فينا المتقدمون لجلدونا بالسِّياط على هذه المبالغات التي لا داعي لها والله!!
ونجد كل يوم دروس تفرَّغ وصفحات تسوَّد في تعريف الحديث الصحيح والحسن!! ، وكأنَّ علم الحديث مصطلحات تحفظ في صدور طالبيها ، لا والله ما هكذا يكون الطلب يا إخوتي!!.
بل نجد بعض الرسائل العلمية ، تتكلم عن منهج مؤلفٍ في كتابه ، الكتاب الأصلي مثلاً يحتوي على 200ورقة ، فيأتي هذا المسيكين ويتكلم عن منهج المؤلف في 1000 ورقة ، والله المستعان.
بل إنَّ منهم من ألَّف في منهج الإمام النَّسائي في خمسة مجلدات ، وكتاب النَّسائي يقع في مجلد ، وثلاثة ، وأربعة ، على حسب اختلاف الطَّبعات ، ولعلي استطرد في الذكر أنَّ حال هولاء كحال الذي ألَّف في علو الهمَّة ، ألَّف كتاب في علو الهمَّة في خمسة مجلدات أو أكثر، فإين الهمَّة حتى نقرأ في كتاب علو الهمة؟!!.
فنقول إنِّ من يقصد أنْ يكتب في علو الهمَّة عليه أنْ يؤلِّف كراسة صغيرة حتى ترتقي لدى الناظر فيها الهمة في طلب العلم .

وبعد هذه المقدمة المتواضعة أضع منهجاً لمن يقصد أن يشتغل بعلم الحديث :
أن يقرأ كتاب أو كتابين أو ثلاثة في علم مصطلح الحديث:
- (اختصار علوم الحديث) ؛ لابن كثير ، مع تعليق أحمد شاكر ،
- و(نزهة النظر) ؛ لابن حجر.
- ومن ثمَّ ينتقل إلى (النكت على كتاب ابن الصلاح) ؛ لابن حجر أيضاً .
- ثم يقرأ (شرح علل الترمذي) ؛ لابن رجب الحنبلي مع التتمة.
- ويقرأ كتاب (المحرر) ؛ للجديع ، فهو من أنفس كتب المعاصرين في علم مصطلح الحديث، مع تحرير مسائل ، وشرح غوامض ، وتأصيل قواعد ، فهو كتابٌ نفيس في بابه .
- ثم يقرأ كتاب التمييز -وهو مختصر- للإمام مسلم ، ومع الاعتناء بشرح عبد الله السعد ، بل عليه أن يسمع كل أشرطه عبد الله السعد ، فإنَّ فيها من الخير الكثير ، وعند سماعه لأشرطة عبد الله السعد ، سوف يحصل على المنهج الصحيح في طلب الحديث على منهج المتقدمين ؛ حيث أن الشيخ هو حامل رايته في هذا العصر ، ولا نعلم أنَّ هناك من هو أحفظ منه إلا ما قد يكون من الطَّريفي(2 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_edn2)).
- ثم يقرأ كتاب (الجامع في العلل والفوائد) ؛ للفحل ، فهو كتاب لم يصنَّف مثله ، حوى على تأصيل وتقعيد لقواعد المتقدمين ، مع كثرة الفوائد والحواشي التي يُرحل من أجلها ، فهو كتاب جامعٌ ماتعٌ ، يعلِّم الناظر فيه التَّخريج والتَّحقيق والتَّأصيل ، ويعلِّمه الحكم على الحديث على منهج المتقدمين الأوائل ، فليس فيه عبارات المتأخرين : هذا الجزء من الحديث يشهد له كذا وهذا يشهد له كذا!! بل هو فرع لشجرة الأوائل .
- ويقرأ في مناهج المحدثين كتاب (مناهج المحدثين) ؛ للحميد ، ثم ينتقل إلى ما شاء من كتب متون الحديث وكتب الرجال وبعد يصبح أهلاً للبحث والتَّمحيص والتحقيق ...وهكذا مع الاعتناء ببحوث حاتم العوني واجتهاداته ، وعليه أن يأخذها بحذر ، فإنَّ بعض اجتهاداته فيها نظر -كما قالوا ، ولايفته المحافظة على سماع دروس عبد الكريم الخضير وغيرهم من العلماء الربانيين .وقبل كلِّ شيء عليه بملازمة أهل العلم الربانيين ، ومصاحبة الحذَّاق من طلبة العلم قال النووي في النهاج : ((أنَّ المراد من علم الحديث تحقيق معاني المتون وتحقيق علم الاسناد والمعلل ، والعلة عبارة عن معنى في الحديث خفي يقتضي ضعف الحديث مع أنَّ ظاهرة السَّلامة منها ، وتكون العلة تارة في المتن وتارة في الاسناد ، وليس المراد من هذا العلم مجرد السماع ولا الاسماع ولا الكتابة بل الاعتناء بتحقيقه والبحث عن خفي معاني المتون والاسانيد والفكر في ذلك ودوام الاعتناء به ومراجعة أهل المعرفة به ، ومطالعة كتب أهل التحقيق فيه ، وتقييد ما حصل من نفائسه وغيرها ، فيحفظها الطالب بقلبه ويقيدها بالكتابة ، ثم يديم مطالعة ما كتبه ويتحرى التحقيق فيما يكتبه ويتثبت فيه ؛ فانه فيما بعد ذلك يصير معتمداً عليه ، ويذاكر بمحفوظاته من ذلك من يشتغل بهذا الفن ، سواء كان مثله في المرتبة أو فوقه أو تحته ؛ فان بالمذاكرة يثبت المحفوظ ويتحرر ويتأكد ويتقرر ويزداد بحسب كثرة المذاكرة ، ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياماً ، وليكن في مذاكراته متحرياً الانصاف قاصداً الاستفادة أو الافادة ، غير مترفع على صاحبه بقلبه ولا بكلامه ولا بغير ذلك من حاله ، مخاطباً له بالعبارة الجميلة اللينة ، فبهذا ينمو علمه وتزكو محفوظاته) ثم لا يكتفي بذلك حتى يتقي ربه ويدع الناس من شره .


وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


(1) ورسم جملة ((صلى الله عليه وسلم)) أرى أنْ ترسم على هذه الهيكلية ، وليس كما يرسمها البعض برمز الاختصار؛ وذلك لكي لا تدغم وتذهب بركتُها وأجرها عند التَّلفُّظ بها . هذا ، ومن جميل الكلام ما قاله النووي -رحمه الله- حيث قال : ((يستحب لكاتب الحديث ، اذا مرَّ بذكر الله عز وجل أنْ يكتب (عز وجل) ، أو (تعالى) ، أو (سبحانه وتعالى) ، أو (تبارك وتعالى) ...أو ما أشبه ذلك ، وكذلك يكتب عند ذكر النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بكمالهما لا رمزاً اليهما ولا مقتصراً على أحدهما ، وكذلك يقول في الصَّحابي (رضى الله عنه) فان كان صحابياً ابن صحابي قال (رضى الله عنهما) ، وكذلك يترضَّى ويترحَّم على سائر العلماء والأخيار...ومن أغفل هذا حُرم خيراً عظيماً ، وفوتْ فضْلاً جسيماً)).(( المنهاج)) ؛ للنووي 1/39.

(2) وقد التقيت أنا شخصيَّاً برجلٍ يحفظ الكتب التسعة مع معاجم الطبراني سنداً ومتناً وغيرها من كتب السنة أخشى أن أذكرها حتى لا يقال بالغت ، ويحفظ المغني لابن قدامة ، وغير ذلك من أمهات الكتب ، وقال : أنا بفضل الله ، أحفظ الحديث سنداً ومتناً من أول مرة ، وقال : حفظت المغني لابن قدامة في تسع سنين . وهو أعجوبة في الحفظ ، عاملاً بعلمه ، زاهداً في الدنيا ، مغموراً لا يعرفه إلا النزر القليل .