المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق الى الحكمة



أهــل الحـديث
27-06-2012, 12:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



الطريق إلى الحكمة

المتأمل لواقع العالم الإسلامي في القرن الخامس عشر الهجري، يتولّد لديه قناعة راسخة أن ما يعانيه من تخلّف وتخبط وتعثّر في النهوض أمام القوى العالمية ،ليس بسبب قلة الموارد الاقتصادية أو ندرتها ، أو بسبب ضعف التحصيل العلمي، أو هجر اللغات العالمية ، أو بسبب الاستبداد الاجتماعي والهيمنة على السلطة . إنما بسبب غياب الحكمة وفشل التخطيط وسوء التدبير .

لقد قرن الله تعالى الحكمة بالخير الكثير كما قال سبحانه : "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً " ( البقرة : 269 ) . والمراد بالحكمة : عصارة التجارب الحياتية ، والتمييز بين الحوادث والنوازل، واستخلاص الدروس والعبر منها .

والحكمة هي تلقيح للأفهام، ونتيجة لتخطيط الأذهان بعد توفيق الله وعونه . وقد تكون الحكمة هبة من الله لمن يشاء من خلقه ، كما في قصة لقمان الذي آتاه الله الحكمة ، فشرح الله صدره لمراقبة الحوادث وملاحظة الناس وتتبع مكامن الخير حتى عُدّ من الحكماء الصالحين . وقد تكون الحكمة مكتسبة بسبب التجارب الحياتية الطويلة ،ومعرفة طبائع الناس وأحوال الكون ، والاختلاط بأهل الرأي السديد والعقل الراجح .
من المؤسف أن المدارس والمعاهد والجامعات في البلاد العربية تعتمد على التلقين والاستظهار، ولا تولي عناية فائقة بالسبر والتحليل والتجربة والنقد والتأمل في المسائل والعلوم التي تحتمل هذا الاتجاه . وبسبب ذلك قلّ الإبداع والاختراع ، وبات أبناؤنا يهتمون بالكرة واللهو الفارغ ، ولا يتنافسون فيما سواهما . وعلة ذلك أن الهمة هي محرك الإرادة ، وهي سبيل للتيه والضياع ،أو للمعرفة والرشاد . وقد رُوي في بعض الآثار : العامة تقول قيمة كل امرئ ما يحسن ، والخاصة تقول : قيمة كل امرئ ما يطلب . والهمة لا تخرج عن قسمين : همة ارتبطت بمن فوق العرش ، وهمة تطلب ما يذهب إلى الحش !! :

قـلـبـي يحدثـنـي ألا يـلـيـق بــه رضا بجهل ذليل اللب يرضيه
قد ثار ثائر نفسي عزّ مطلبها وطـار طائـر لـبّ فـي مـراقيه
كالنّسر لا حاجب للشمس يحرقه ولا الصواعق والأرواح تثنيه
إن لم أنل منه ما أروي الغليل به قد يحمد المرء ماء ليس يرويه
والقانعون بما قد دان عيشهم موتى فـإن هدوء القـلـب يـرديه
يا قلب يهنيك نبض كله حرق إلى الـغـرائب مـما عـزّ سـاميه

إن مجالات الحكمة واسعة لا يمكن حصرها في التعليم أو الاقتصاد أو السياسة ،أو العلاقات الدولية التي تنظم مسالك الأمم ، أو التعايش الأسري والفردي . والفِطر السليمة التي لم تتلوث بوسخ الحياة، يسهل عليها أن تهتدي إلى الحكمة ومسالكها بلا أدنى مشقة أو تكلّف لقول الله تعالى : "ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم" ( ال عمران : 101 ) .
ومن الوسائل المعينة على الحكمة : الدعاء ، والتضرع الى الله ، والسفر ، والصبر ، والبيع والشراء ، والحج والعمرة ، والقراءة في التأريخ ، وتأمل أحوال أهل الصحة ، وأحوال أهل السقم ، والتأمل في ملكوت الله ، وغيرها من الوسائل التي يمكن تحصيلها بالاستقراء .

يجب على القائمين على التعليم بكافة فئاته ،اصطفاء نخبة مؤهلة لغرس ورعاية الحكمة بكل صورها وأشكالها في عقول وقلوب الشباب ، ويستعان على ذلك بمصادر الحكمة الموثقة بنور الوحي والعقل والتأريخ والتجارب الحياتية الموافقة للشرع ، لأن رأس الحكمة هو مخافة الله . واذا غابت الحكمة بان الاضطراب والاختلال والفساد ، وقد وقعت بين العرب قديما حرب دامت اربعين سنة بسبب ناقة !،ونزفت فيها دماء لا يعلمها الا الله . فسبحان من يدبر الأمر من السماء الى الأرض .والمتأمل لتاريخ العرب فيالأندلس، وضياع هيبته وعزه بعد ثمانية قرون
من القوة والتمكين ، يتبين له معنى الحكمه ، فقد سقط الجزءالغربى من مملكة غرناطة، ثم تلاه
الجزء الشرقى ضمن معارك ضارية، وأرسل ملكأسبانيا "فرناندو" رسوله إلى قادة
غرناطة يطالبهم بتسليم المدينة، فرفضوا وكان يتزعم المقاتلين العرب القائد
العسكرى" موسى أبو الغسّان" . نزلت جيوش الأسبان إلىمزارع وبساتين غرناطة
وأخذت تخربها، حتى لا يجد المسلمون ما يأكلونه، ثم أرسلتملكة أسبانيا "إيزابيلا"
جيشاً آخر يقاتل المسلمين المتحصنين فى القلاع، وبنواأمام غرناطة مدينة أخرى
أسموها "سان تسى"، أى الإيمان المقدّس، لتكون قاعدةللانطلاق منها عسكرياُ. اجتمعً
القادة المسلمون فى قصر الحمراء، واتفقوا على تسليم المدينة، وانتهتبتوقيع معاهدةٍ
طويلة . وهي أطول معاهدة بين المسلمينوالأوروبيين .
وكان من أهم بنودها، عدم المساس بمساجد المسلمين ، وأن يبقىالمسلمون
فى أرضهم. خرج بعدها الملك "أبو عبد الإله ابن أبو الحسن "من قصر الحمراء
الفاخر فى غرناطة ،حاملاً مفاتيح مدينته، فسلمها إلى" إيزابيلا وفرناندو"،
ملك أسبانيا الموحدة من دولتى قشتالة وأراغون، سلّم مفاتيح المدينة
وهويبكي، فلما رأته أمه يبكى،قالت له:

ابكى مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثلالرجال

وكان "عبد الإله" آخر ملوك العرب فى الأندلس، وقد تحالف معالأسبان لقتال عمّه
"عبد الله الزغل"، حتى يصير ملك غرناطة له، فقتل بسبب ذلكآلاف الرجال الذين
كانوا قادرين على منع اندثار مُلك المسلمين بتلك البلاد، أما"عبد الله الزغل"، فقد
سلّم الأجزاء الشرقية لغرناطة مقابل أموال، بعد أن تخلىقواده عنه، وقصد المغرب،
فقام سلطان المغرب" مُحَمّد الشيخ "بسجنه ومصادرةأمواله جزاءا لما فعل، منذ ذلك
التاريخ لم يصّم المسلمون رمضان تحت حكم عربى،كما تعودوا مدة ثمانمئة سنة .

إن الاعتماد على العقول المريضة الضالة لزعزعة ارادات الناس الراسخة لهو أيسر طريقٍ لهدم المجتمعات وزلزلة كيانها ، ومن المؤلم أن بعض من امتلأت بهم المصحات النفسية ، أو زُج بهم في غياهب السُجون ،أو فقدوا عروشهم وسلطانهم ، كانوا عقلاء راشدين ، لكن تقطعت بهم السبل ، إما برأيٍ مسموم، أو بفكر خبيث ، أو بشبهةٍ لم تجد من يدفعها من أهل البصيرة والنجابة . ولما قلّ أو ندُر ملازمة الشباب للكبار من أهل الحكمة والتجربة ، بان الخللُ في كثير من أخلاقهم وسلوكهم ، وقد كان الطلبة قديماً يلازمون كبارهم عشرين سنة أو أكثر لا يفارقونهم في سفرٍ أو حضر ، وهذه سنةٌ اندثرت اليوم بسبب المدنية الحديثة . والله الهادي وهو حسبنا ونعم الوكيل
.
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الامن الخاصة .
http://lojainiat.com/main/*******/ (http://lojainiat.com/main/*******/الطريقإلىالحكمة)