المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تلخيص بحث "أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا دِرَاسةٌ نَقْديةٌ" للشيخ علي الصياح



أهــل الحـديث
27-06-2012, 12:00 AM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذا تلخيصٌ لبحث الشيخ الدكتور / علي الصياح (( أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا دِرَاسةٌ نَقْديةٌ ))
لختصها بدايةً لنفسي ثم رأيت نشرها لإخواني نفع الله بها وجزى كاتب البحث خيراً ولا شك أن هذا التلخيص لا يغني عن الأصل
فالبحث في الحقيقة مليء بالتعليقات النفيسة والفوائد العزيزة وفيه من قرائن الإعلال والكلام في أحوال الرجال ما ليس في غيره .


تلخيص بحث (( أحَاديثُ تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا دِرَاسةٌ نَقْديةٌ ))
حَدِيثِ أنس بنِ مَالِك رضي الله عنه
أخرجه: ابنُ أبي الدّنيا في الصمت وابنُ عديّ في الكامل –ومن طريقه ابن الجَوزيّ في الموضوعات-. والبيهقيّ في شُعب الإيمان والأصبهانيّ في الترغيبِ والترهيبِ من طريق أبي مجاهد عبد الله بنِ كيسان، عَنْ ثابت البُناني، عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الرّبَا وعظّم شأنه فَقَالَ:((إنّ الرجُلَ يصيبُ مِنْ الرّبَا أعظمُ عَنْدَ الله في الخطيئةِ مِنْ ستٍ وَثلاثين زَنْية يزنيها الرجُل، وإنَّ أربى الرّبَا عرضُ الرجُلِ المسلم)). قَالَ البيهقيُّ:((تفرد به أبو مجاهد عبدُ الله بنُ كيسان المروزيّ، عَنْ ثابت، وهو منكر الحَدِيث)).
قَالَ البخاري عن أبي مجاهد:((منكر الحَدِيث)) وَقَالَ أبوحاتم:((ضعيفُ الحَدِيث)) وزيادة على ضعفه فقد تفرد به عَنْ ثابت البناني مما يزيد الحَدِيث وهناً، فأين أصحابُ ثابت البناني لم يرووا هذا الأثر عَنْه!!.
وروي عن أنس من طريق آخر أخرجه ابنُ الجَوزيّ في الموضوعات من طريق الدَّارقُطني-ولم أقف عليه في السنن، فلعله في الغرائب والأفراد- عن طلحة بن زيد عَنْ الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الرّبَا سبعون باباً أهون باب منه الذي يأتي أمَّهُ في الإسلام وهو يعرفها، وإنَّ أربى الرّبَا خَرْقُ المرء عِرْضَ أخيه المسلم، و خَرْقُ عرضه يقول فيه ما يكره من مَسَاوِئِهِ، والبُهتان أن يقول فيه ما ليس فيه)).
وَقَالَ الدَّارقُطني –كَمَا في أطرافِ الغرائب والأفراد-:((غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ يحيى عَنْه، وَغَريبٌ مِنْ حَدِيث الأوزاعيّ، عَنْ يحيى، تفرّدَ بهِ طلحةُ بنُ زيد عَنْ الأوزاعي، وتفرد به عَنْه محمدُ بنُ يزيد بن سنان)).
وطلحة بن زيد هو:القرشي أبو مسكين أو أبو محمد الرقي متروكُ الحَدِيث، قَالَ أحمدُ بنُ حنبل، وعلي بنُ المديني، وأبو داود: كَانَ يضعُ الحَدِيث ,وقد ذَكَرَ ابنُ عديّ لطلحةَ بنِ زيد حديثاً من طريق أبي فروة يزيد بن محمد بن سنان قَالَ: حَدَّثنَا أبي قَالَ: حَدَّثنَا طلحة بن زيد الرقي عَنْ الأوزاعي عَنْ يحيى بن أبي كثير عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مَنْ تَكلم بالفارسيةِ زادت في خُبْثِه، ونقصت مِنْ مروءتِهِ))، فَقَالَ:((وهذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل، وبهذا الإسناد أحاديث)).
وَقَالَ ابنُ الجَوزيّ:((تفرد به طلحةُ بنُ زيد، قَالَ البخاريّ: منكرُ الحَدِيث، وَقَالَ النسائيّ: متروكُ الحَدِيثِ)).
فهذا الإسنادُ باطلٌ لأمرين: أنّ طلحةَ بنَ زيد متروكُ الحَدِيث بل رُمي بالوضع كما تقدم. ولتفرد طلحة بالحديث عَنْ الأوزاعي مما يؤكد بطلان هذه الرواية، فالأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه، فأين أصحابُ الأوزاعي لم يرووا هذا الأثر عَنْه!.
فخُلاصةُ الكلامِ عَلى حَدِيثِ أنس بنِ مالك أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات فالطريق الأوَّل لا أصلَ له، والثاني باطل.

حَدِيث الْبَرَاء بنِ عازب رضي الله عنه
أخرجه: ابنُ أبي شيبة في مسنده –كما في المطالب العالية - وابنُ أبي حَاتم في المراسيل عن عُمَر بن رَاشِد اليمامي عن يحيى بن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الرّبَا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجُل أمه وأربا الرّبَا استطالة الرجُل في عرض أخيه)).
وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط عن عُمَر بن رَاشِد عن يحيى بن أبي كثير، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة-والد يحيى بن إسحاق-، عن البراء بن عازب مرفوعاً:((الرّبَا اثنان وسبعون باباً، أدناها…)). وَقَالَ:((لم يرو هذا الحَدِيث عن يحيى بن أبي كثير إلاّ عُمَر بن رَاشِد، ولا رَوَاهُ عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد إلاّ معاوية بن هشام، ولا يُرْوى عن البراء إلاّ بهذا الإسناد)).
وَقَالَ ابن أبي حاتم:((وسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ الفِرْيابِيُّ، عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد، عَنْ يَحْيَى بنِ إِسْحَاقَ بن عَبْد اللّه بنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ الْبَرَاء، عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرّبَا اثنان وسَبْعُون، أدناها مِثْلَ إتيان الرجُل أُمَّهُ"، قَالَ أَبِي: هُوَ مُرْسل، لَمْ يُدْرِكْ يَحْيَى بنُ إِسْحَاق الْبَرَاء، وَ لا أَدْرَكَ والدُهُ الْبَرَاء)).
وعمر بن رَاشِد هو: أبو حفص اليَمَامي، ضعيف، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير، قَالَ أحمد:((لا يساوي حديثه شيئاً)) ، وقال أيضاً:((حديثه ضعيف ليس بمستقيم، حدَّث عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير))، وقال ابن معين:((ليس بشيء)) وقَالَ البخاريُّ:((يضطرب في حديثه عن يحيى)) ، وَقَالَ ابن حبان:((كان من يروي الأشياء الموضوعات عن ثقات أئمة، لا يحل ذكره في الكتب إلاّ على سبيل القدح فيه، ولا كتابة حديثه إلاّ على جهة التعجب)).وقالَ ابنُ عَديّ- بعدما ساق عدداً من منكراته عن يحيى بن أبي كثير وغيره -: ((ولعمر بن رَاشِد غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه وخاصة عن يحيى بن أبي كثير لا يوافقه الثقات عليه، وينفرد عن يحيى بأحاديثٍ عِدادٍ، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق))
فهذا الإسناد ضعيفٌ جداً: فعُمَرُ بنُ رَاشِد متفقٌ عَلى ضعفهِ، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير ، ويضطرب في هذا الحَدِيث على أوجه:
الأوَّل: يرويه عن يحيى بن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب عن النبي مرفوعاً.
الثاني: يرويه عن يحيى بن أبي كثير، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب مرفوعاً.
الثالث: يرويه عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار مرفوعاً، أخرجه عبدالرزاق في المصنف قَالَ: أخبرنا عُمَر بن رَاشِد، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الرّبَا أحد وسبعون، أو قَالَ:ثلاثة وسبعون حوباً، أدناها…)).
وهذا الاضطرابُ علةٌ أخرى للحديث يزدادُ به وهناً، ويؤكد نكارة رواية عُمَر عن يحيى بن أبي كثير.كما أن تفرد عُمَر بالحديث عن يحيى بن أبي كثير دليل على شدة نكارة هذه الرواية فأين أصحابُ يحيى بنِ أبي كثير -وهو الإمام المشهور الذي عُني المحدثون بجمعِ حَدِيثهِ - عن هذا الحديث المرفوع حتى يتفرد به راو متفق على ضعفه.!.********
ويضاف إلى هذا كله ما في السند أيضاً من انقطاعٌ بين يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة والبراء بن عازب، وكذلك والده إسحاق لم يدرك البراء كما بين ذلك أبو حاتم.
فالحديث ضعيفٌ جداً لا يصلح للشواهد والمتابعات.

حَدِيث عبدِ الله بنِ سَلاَم رضي الله عنه
رُوي الحَدِيث عن عبدِ الله بنِ سَلاَم من عدة طُرُق: منها ما رواه الطبرانيُّ في المعجمِ الكبير قَالَ: حَدَّثنَا المقدام بنُ داود، قَالَ: حَدَّثنَا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، قَالَ: حَدَّثنَا ابن لهيعة، عَنْ أبي عيسى الخراساني سليمان بن كيسان، عَنْ عطاء الخراساني، عَنْ عبدالله بن سَلاَم، عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الدّرهمُ يُصيبهُ الرجُل من الرّبَا أعظمُ عِنْدَ اللهِ من ثلاثة وثلاثين زَنْية يزنيها في الإسلام)). وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إنّ أبوابَ الرّبَا اثنان وسبعون حوباً، أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام)).
وهذا الإسناد ضعيفٌ جداً لعلل كثيرة:
1- ضعفُ المقدام بنِ داود. قَالَ ابن أبي حاتم:((سمعتُ منه بمصر،وتكلموا فيه)) ،قَالَ النسائي: ((ليس بثقة)) ، وَقَالَ الدَّارقُطني:((ضعيف))
2- ضعفُ عبد الله بنِ لَهِيعة. قَالَ ابن معين-في رواية ابن محرز-:((ابن لهيعة في حديثه كله ليس بشيء)) ، وَقَالَ ابن أبي حاتم:((سُئل أبو زرعة عَنْ ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فَقَالَ: آخره وأوله سواء، إلاّ أنّ ابن المبارك، وابن وهب يتتبعان أصوله فيكتبان منه، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه)) ، وَقَالَ ابن أبي حاتم أيضاً:((قلتُ لأبي: إذا كان من يروي عَنْ ابن لهيعة مثل ابن المبارك، وابن وهب يحتج به؟ قَالَ: لا))، وَقَالَ الذهبيُّ:((العمل على تضعيف حديثه)).
3- جهالةُ حالِ سليمان بنِ كيسان. ذَكَرَهُ ابنُ حبان في الثقات، وَقَالَ ابنُ القطان:((مجهول))، وَقَالَ:((لا تعرف حاله)) ، وكذلك قَالَ ابن حزم، قَالَ الذهبيّ:((ذا ثقة، روى عنه: حيوة بن شريح وسعيد بن أبي أيوب وابن لهيعة و جماعة، سكن مصر، ووثقه ابنُ حبان)) ، وَقَالَ ابن حجر:((مقبول)) ، قلتُ: الأصل أنّ مثل هذا مجهول الحال، إذ إنه لم يوثق توثيقاً معتبراً، وابنُ حبان معلوم تساهله في كتابه الثقات.
4- عدمُ سماعِ عطاء مِنْ عبدِ الله بنِ سَلاَم. قَالَ ابنُ أبي حَاتم:((عطاءُ الخراساني...قَالَ أحمد بن حنبل: عطاء الخراساني لم يسمع من ابن عَبَّاس شيئاً، وقد رأى عطاء ابنَ عُمَر ولم يسمع منه شيئاً. ذكر أبي عَنْ إسحاق بن منصور عَنْ يحيى بن معين أنه قيل له: عطاء الخراساني لقي أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: لا أعلمه. قَالَ أبو زرعة: عطاء الخراساني عَنْ عثمان مرسل، سئل أبو زرعة عَنْ عطاء الخراساني: هل سمع من أنس؟ قَالَ: لم يسمع من أنس. سمعتُ أبي يقول: عطاء الخراساني لم يدرك ابن عُمَر رضي الله عنهما)). وقد ذَكَرَ الطبرانيُّ رواية عطاء ضمن "المراسيل عَنْ عبد الله بن سَلاَم".
5- أنّ مَعْمَر بنَ رَاشِد خَالفَ سليمانَ بنَ كيسان فرواه موقوفاً على عبد الله بن سَلاَم أخرجه: عبد الرزاق في المصنف - ومن طريقهِ رواه البَيهقيّ في شُعَب الإيمان - قَالَ: أخبرنا مَعْمَر عَنْ عطاء الخرساني أّنَّ عبدَ اللهِ بنَ سَلاَم قَالَ:((الرّبَا اثنان وسبعون حوباً، أصغرُها حوباً كمن أتى أمَّه في الإسلام، ودرهم من الرّبَا أشد من بضع وثلاثين زَنْية، قَالَ: ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إلا لآكل الرّبَا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)).
فتحصل من هذا أنّ الصوابَ أنّ هذا الأثر موقوف على عبدالله بن سَلاَم بسندٍ ضعيف للانقطاع بين عطاء الخرساني وعبدالله بنِ سَلاَم.
ومما تقدم يُعلم أنّ قولَ ابن حجر كما في القول المسدد:((وأخرجه الطبراني أيضا من طريق عطاء الخراساني عَنْ عبد الله بن سلام مرفوعاً، وعطاء لم يسمع من ابن سلام، وهو شاهدٌٌ قوي)). وقولَ السّخاويّ (الأجوبة المرضية):((ومنها شاهدٌ قويّ عَنْ عبدالله بن سَلاَم، رفعه:..أخرجه الطبراني في الكبير من حَدِيث عطاء الخرساني عنه، و عطاء لم يسمع منه)).
غير قوي ففي الإسنادِ خمسُ عِلل تدلُ دِلالةً قويةً على نكارة الحَدِيث بهذا الإسناد.

وروي الحديث عن عبد الله بن سلام موقوفاً عليه كذلك من طريقٍ آخر أخرجه البَيهقيّ في شُعَب الإيمان عن الزُّبيديُّ -محمد بن الوليد- عَنْ زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلاَم أنه قَالَ:((الرّبَا اثنان وسبعون حوبا، وأدنى فجرة مثل أن يقع الرجُل على أمه، أو مثل أن يضطجع الرجُل على أمه، وأكبر من ذلك - أظنّه - عرض الرجُل المسلم بغير حق)).
وإسناده جيدٌ غيرَ أنه وقع خلافٌ على زيدِ بنِ أسلم فرواه هشامُ بنُ سعد عَنْ زيد بن أسلم، أنّ عبد الله بن سَلاَم فلم يذكر عطاء بن يسار، أخرجه البَيهقيّ في شُعَب الإيمان
وهشامُ بن سعد فيه لين، وفي روايته عن الزهري مناكير، إلاّ أنه أثبت الناس في زيد بن أسلم: قَالَ ابن المديني:((صالح، ولم يكن بالقوي)) وَقَالَ أحمد بن حنبل ((ليس بمحكم للحديث)) ، وَقَالَ ابن معين، والنسائي-في رواية عنهما-، وابن سعد وغيرهم:((ضعيف)) قَالَ الآجري عَنْ أبي داود:((هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم))، واعتمد مسلم روايته في الأصول خاصة عَنْ زيد بن أسلم
والذي يظهر -والله أعلم- أنّ كلا الوجهين محفوظان عَنْ زيد بن أسلم فتارةً يسنده فيذكر عطاء بن يسار، وتارةً يرسله فيحذف عطاء، وسبب هذا الترجيح ثلاثة أمور:
الأوَّل: أنّ زيد بن أسلم معروف بالإرسال فهو تارةً يسمي الواسطة، وتارةً يحذفه، ومما وقع له من ذلك ما قاله ابن حجر-عند كلامه على حديثٍ لابن سلام-:((ولحديث ابن سلام شاهد رواه ابن سعد في الطبقات من طريق زيد بن أسلم قَالَ: بلغنا أنَّ عبدالله بن سلام كان يقول: فذكره، والظاهر أنَّ الواسطة بينه وبينه هو: عطاء بن يسار لأنَّ زيدا من المكثرين عنه)).
الثاني: أنّ هشام بن سعد أثبتُ الناس في زيد بن أسلم كما قَالَ أبو داود، فلا ينبغي تخطئته مع إمكانية الجمع بدون تعسف.
الثالث: أنّ الزُّبيديّ ثقة ثبت، فلا يصح أن يقدم عليه هشام مع إمكانية الجمع.
وعلى ما تقدم يكون هذا الأثر - بهذا الإسناد - صحيحا من كلام عبد الله بن سَلاَم.

وروي كذلك من طريقٍ ثالث عن عبد الله بن سلام موقوفاً عليه أخرجه العقيليُّ في الضعفاء عَنْ عكرمة بن عمار، عَنْ يحيى بن أبي كثير، عَنْ أبي سلمة، عَنْ عبد الله بن سَلاَم قَالَ:((الرّبَا سبعون بابا أصغرها كالذي ينكح أمه)).
وهذا الإسناد معلول من وجهين:
الأوَّل: أنَّ رواية عكرمة بن عمار عَنْ يحيى بن أبي كثير مضطربة قَالَ البخاريّ:((مضطرب في حَدِيث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب)) ، وكذلك قَالَ أحمد بن حنبل، وابن المديني، وأبو داود، وأبو حاتم، والنسائي وغيرهم، وَقَالَ الذهبيُّ:((ثقة إلاَّ في يحيى بن أبي كثير فمضطرب))، وهو في هذه الرواية بعينها يضطرب فيها فقد رواه عَنْ يحيى بن أبي كَثير، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أبي هريرة، مرفوعاً، وسيأتي بيان ذلك عند ذكر حَدِيث أبي هريرة-إنْ شاء الله تعالى-.
الثاني: أنَّ الأوزاعيّ - وهو أوثق من عكرمة بدرجات - خالف عكرمة بن عمار، فرواه عَنْ يحيى بن أبي كثير، عَنْ ابن عَبَّاس –موقوفاً عليه-، كما قَالَ ابن أبي حاتم:((قَالَ أبي: رَوَاهُ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِير، عَنْ ابن عَبَّاس قولَهُ:"إنَّ الرّبَا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً"، قَالَ أَبِي: هَذَا أَشْبَهُ، واللَهُ أَعْلَم)).
فتحصل من هذا أنّ الصواب أنّ الأثر موقوف على عبدالله بن سَلاَم بسندٍ صحيح من طريق: زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلاَم وقد رجح المنذريُّ وقفَ الحَدِيث على عبد الله بن سلاَم فَقَالَ: ((رَوَاهُ الطبرانيّ في الكبير مِنْ طريقِ عطاء الخراساني عَنْ عبدالله ولم يسمع منه، وَرَوَاهُ ابنُ أبي الدّنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً على عبد الله، وهو الصحيح))

حَدِيث عبدِ الله بنِ عَبَّاس رضي الله عنهما
روى الحديث طاووس بن كيسان وعكرمة وعمرو بن دينار ثلاثتهم عن ابن عباس مرفوعاً ,ورواه الأوزاعيُّ، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن ابن عَبَّاس –موقوفاً عليه-.
فأما رواية طاووس فقد أخرجها البيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن رافع، قَالَ: أخبرنا إبراهيم بن عُمَر أبو إسحاق الصنعانيّ قَالَ: سمعت النعمان يقول: إنه سمع طاوسا يقول: ابن عَبَّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:((إنّ الرّبَا نيف وسبعون باباً أهونهن بابا من الرّبَا مثل مَنْ أتى أمه فِي الإِسْلاَم، ودِرْهمُ ربا أشدّ مِنْ خمسٍ وثلاثين زَنْية، وأخبث الرّبَا انتهاك عرض المسلم وانتهاك حرمته)).
وَقَالَ ابن أبي حاتم في العلل: ((وسُئِلَ أبوزُرْعَةَ عَنْ حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بنُ رَافِعٍ النيَّسابُوريّ، عَنْ إِبْرَاهِيم بن عُمَر الصنعانيّ عن النعمان- يعني ابن الزبير-، عَنْ طَاوُوس عَنْ ابن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الرّبَا نَيّفٌ وسَبْعُون بَابَا، أهونُ بَابٍ مِنْ الرّبَا مِثل مَنْ أتى أمه فِي الإِسْلاَم، ودِرْهمُ ربا أشدّ مِنْ خمسٍ وثلاثين زَنْية، وأشدُّ الرّبَا – أو أربى الرّبَا، أو أخبث الرّبَا- انتهاك عِرْضِ المُسْلِم، أو انتهاك حرمته. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: هَذَا حَدِيث مُنْكَر)).
فالحَدِيثُ بهذا الإسناد منكر: فإبراهيمَ بن عُمَر لا تعرف حاله. فهو مجهول الحال، قَالَ ابن حجر:((مستور)) ، روى له أبو داود حديثاً واحداً في الأشربة قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن رافع النيسابوري قَالَ: حَدَّثنَا إبراهيم بن عُمَر الصنعاني قَالَ سمعت النعمان يقول عن طاوس عن ابن عَبَّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((كلّ مخمر خمر ...)). قَالَ أَبُو زُرْعَةَ:((هَذَا حَدِيث مُنْكَر)).
ثم إنّ سلسلة "طاووس عن ابن عَبَّاس" من السلاسل المشهورة فكيف يتفرد مجهول-أعني: إبراهيم بن عُمَر- بها!، ومن القرائن عند المحدثين على بطلان الرواية أنْ يتفرد غير المعروف بحديث من طريقٍ مشهور... ومما يزيد الريبة في هذا الإسناد أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!.

وأما رواية عكرمة عن ابن عباس فأخرجها الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد –ومن طريقه ابن الجَوزيّ في العلل المتناهية - عن إبراهيم بن زياد القرشي، عن خُصيف بن عبد الرحمن، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ:((مَنْ أعان على باطل ليُدْحِض بباطله حقا فقد بريء من ذمة الله وذمة رسوله، ومن مشى إلى سلطان الله في الأرض ليذله أذل الله رقبته يوم القيامة- أو قَالَ إلى يوم القيامة -، مع ما يدخر له من خزي يوم القيامة، وسلطان الله في الأرض كتاب الله وسنة نبيه، ومن استعمل رجلا وهو يجد غيره خيرا منه وأعلم منه بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين، ومن ولي من أمر المسلمين شيئا لم ينظر الله له في حاجة حتى ينظر في حاجاتهم، ويؤدي إليهم حقوقهم، ومن أكل درهم ربا كان عليه مثل إثم ست وثلاثين زنية في الإسلام، ومن نبت لحمه من سُحْت فالنار أولى به)).
وهذا إسناد ضعيف جداً: فإبراهيم بن زياد لا يُعرف قاله ابن معين، والذهبيّ، وَقَالَ العقيلي:((هذا شيخٌ يحدث عن الزهري، وعن هشام بن عروة، فيحمل حَدِيث الزهري عن هشام بن عروة، وحديث هشام بن عروة عن الزهري، ويأتي أيضا مع هذا عنهما بما لا يحفظ، وهذا رواه الناس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة)) ، وهذا نقدٌ مُفسّر، وَقَالَ الخطيب:((في حديثه نُكرة))
وخصيف بن عبدالرحمن ضعيفٌ يعتبر به. فجمهور النقاد -كيحيى القطان، وأحمد بن حنبل، وأبي حاتم وغيرهم- على ضعفه ، وقَالَ الدَّارقُطني " يعتبر به يهم" .
ثم إنّ سلسلة "عكرمة عن ابن عَبَّاس" من السلاسل المشهورة فكيف يتفرد مجهول وضعيف بها!. ومما يزيد الإسناد وهناً أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!.

وروي عن عكرمة من طريقٍ آخر أخرجه ابن حبان في المجروحين ،و البيهقي في شعب الإيمان ، وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق حنش الرَّحبي، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((من أعان باطلا ليدحض بباطله حقا قد بريء من ذمة الله وذمة رسوله، ومن ولي وليا من المسلمين شيئا من أمور المسلمين وهو يعلم أن في المسلمين من هو خير للمسلمين منه وأعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد خان الله ورسوله وخان جماعة المسلمين، ومن ولي شيئا من أمور المؤمنين لم ينظر الله له في شيء من أموره حتى يقوم بأمورهم ويقضي حوائجهم، ومن أكل درهما من ربا فهو كإثم ستة وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به)). وهذا لفظ ابن عساكر تاماً، ولفظ ابن حبان والبيهقي مختصراً:((من أكل درهماً...)).
وأخرجه: العقيلي في الضعفاء ، والطبرانيّ في المعجم الكبير ، وابن عدي في الكامل ، والحاكم في المستدرك ، والهرويُّ في ذم الكلام وابن عساكر في تاريخ دمشق: من طريق حنش الرَّحبي، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس عن النبي صلى الله عليه وسلم مطولاً ومختصراً ولم يُذكر الشاهد:((ومن أكل درهما من ربا فهو كإثم ستة وثلاثين زنية)).
وهذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل من أجل حنش لقب الحسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي وهو متفق على تركه،ورمي بالكذب , وقد ذكر الحَدِيثَ العقيليُّ، وابن حبان، وابنُ عدي، والذهبيّ في ترجمة حنش ضمن منكراته، وَقَالَ الهيثميُّ:((وفي إسناد الكبير: حنش وهو متروك))

وروي عن عكرمة من طريقٍ ثالث أخرجه ابن حبان في المجروحين, والطبرانيّ في المعجم الأوسط و الصغير وفي مسند الشاميين وأبو نعيم في الحلية وفي تاريخ أصبهان والهرويُّ في ذم الكلام وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق سعيد بن رحمة المصيصيّ، عن محمد بن حِمْير، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عكرمة، عن ابن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ومن أكل درهما من ربا فهو مثل ثلاث وثلاثين زنية ومن نبت لحمه من السحت فالنار أولى به)).
وَقَالَ الطبراني: ((لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة- واسم أبي عبلة: شمر، وقدْ قيل: طرخان، والصواب: شمر -، إلا محمد بن حمير، تفرد بهِ سعيد بن رحمة)))). وَقَالَ أبو نعيم:((غريب من حَدِيث إبراهيم، تفرد به محمد بن حِمْير)).
وهذا إسناد ضعيف جداً: فسعيد بن رحمة لا يجوز الاحتجاج به، وخاصة عن محمد بن حِمْير. قَالَ عنه ابن حبان:((يروي عن محمد بن حِمْير ما لم يتابع عليه، روى عنه أهل الشام، لا يجوز الاحتجاج به لمخالفته الأثبات في الروايات))
ثم إنّ سلسلة "عكرمة عن ابن عَبَّاس" من السلاسل المشهورة فكيف يتفرد بها سعيد!. ومما يقوي الريبة في هذا الإسناد أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!.وقد ذكر الحَدِيث ابن حبان، والذهبيّ في ترجمة سعيد بن رحمة ضمن منكراته، وَقَالَ الهيثميُّ:((رواه الطبرانيّ في الصغير والأوسط، وفيه: سعيد بن رحمة، وهو ضعيف))

وأما رواية عمرو بن دينار عن ابن عباس فأخرجها الطبرانيّ في المعجم الكبير عن أبي محمد الجزري - وهو حمزة النصيبي - عن عَمْرو بن دينار عن ابن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من أعان بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله، وذمة رسوله. ومن مشى إلى سلطان الله ليذله، أذله الله مع ما يدخر له من الخزي يوم القيامة، سلطان الله: كتاب الله وسنة نبيه. ومن تولى من أمراء المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ومن ترك حوائج الناس لم ينظر الله في حاجته حتى يقضي حوائجهم ويؤدي إليهم بحقهم، ومن أكل درهم ربا فهوَ ثلاث وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى بهِ)).
هذا الحَدِيث بهذا الإسناد ضعيف جداً: فأبو محمد الجزري متفق على أنه متروك، ورماه ابن عدي وغيرهُ بوضع الحَدِيث. قَالَ ابن عدي:((يضع الحَدِيث.. وكل ما يرويه أو عامته مناكير موضوعة والبلاء منه)) وتفرده عن عَمْرو بن دينار مما يزيد روايته وهناً على وهنها. فأين أصحاب عمرو عن هذه الرواية! حتى يتفرد بها متروك!.

أما رواية الأوزاعيُّ، عن يحيى بنِ أبي كثير، عن ابن عَبَّاس –موقوفاً عليه-. فقد قَالَ ابن أبي حاتم في العلل:((وسَألتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِير، عَنْ عَبْد اللَهُ بنِ زَيْد عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الرّبَا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً، قَالَ أبي: رَوَاهُ الأَوْزَاعِيّ عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِير، عَنْ ابن عَبَّاس قولَهُ:إنَّ الرّبَا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً، قَالَ أَبِي: هَذَا أَشْبَهُ، واللَهُ أَعْلَم)). ولم أجد من أخرج هذا الوجه.
فخُلاصة الكلام على حَدِيث ابن عَبَّاس أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات فجميع طرقه تدور على ضعفاء ومتروكين وكذابين، وأوجه معلولة، وغرائب عن أئمة مشاهير يُجمع حديثهم.


حَدِيث عبدِ الله بنِ عُمَر رضي الله عنهما
أخرجه ابنُ عديّ في الكامل قَالَ: حَدَّثنَا يحيى بن صاعد، قَالَ: حَدَّثنَا الجهم بن مسعدة الفزاري بالمدينة، قَالَ: أخبرني أبي، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عُمَر قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الرّبَا اثنان وسبعون باباً، أيسر باب فيها أخفى من دبيب الذر على الصفاء)).
هذا الحَدِيث بهذا الإسناد منكر جداً من عدة أوجه:
1- أنّ الجهم بن مسعدة الفزاري لا يعرف. قَالَ الذهبيّ:((جهم بن مسعدة الفزاري عن أبيه عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عُمَر بخبرين منكرين رواهما عنه ابن صاعد))
2- أنّ مسعدة الفزاري والد الجهم لا يعرف. قَالَ ابنُ عديّ:((مسعدةُ الفَزَاريّ، لم ينسب، مدنيّ، حَدَّثنَا يحيى بن صاعد قَالَ: حَدَّثنَا الجهم بن مسعدة الفزاري بالمدينة قَالَ: أخبرني أبي عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عُمَر قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا تبغضوا العرب ولا تسبوا قريشا وتذلوا الموالي، وبإسناده قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:الرّبَا اثنان وسبعون بابا أيسر باب فيها أخفى من دبيب الذر على الصفا قَالَ الشيخ: وهذان الحديثان عن ابن أبي ذئب لا يرويهما بهذا الإسناد غير مسعدة الفزاري هذا، ولا أعرفُ له شيئا آخر)) قَالَ الذهبيُّ:((مسعدة الفزاري، عن ابن أبي ذئب بخبرين منكرين، وعنه ابنه: الجهم شيخ لابن صاعد، وهو مدني مذكور في الكامل، ولا يكاد يُعرف))
3- أنّ مسعدة الفزاري تفرد بالحديث عن ابن أبي ذئب، وابن أبي ذئب من الجلالة بحيث يبعد أنْ يتفرد عنه رجل لا يعرف، وتقدم أنّ من القرائن عند المحدثين على بطلان الرواية أنْ يتفرد غير المعروف بحديث من طريقٍ مشهور.
4- أنّ سلسلة نافع عن ابن عُمَر من الجلالة والمكانة بحيث لا يمكن أنْ تروى بمثل هذا الإسناد المظلم.

حَدِيث عبدِ الله بنِ مسعود رضي الله عنه
أخرجه: الحاكم في المستدرك - وعنه البيهقي في شعب الإيمان - قَالَ الحاكم: حَدَّثنَا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالويه قالا أنبأ محمد بن غالب، قَالَ: حَدَّثنَا عَمْرو بن علي، قَالَ: حَدَّثنَا ابن أبي عدي، قَالَ: حَدَّثنَا شُعْبَة بن الحجاج، عن زُبيد بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجُل أمه، وإنّ أربى الرّبَا عرض الرجُل المسلم)).
قَالَ الحاكم:((هذا حَدِيث صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه)). وَقَالَ البيهقيُّ:((هذا إسنادٌ صحيحٌ، والمتنُ منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلاّ وهماً، وكأنه دَخَل لبعض رواة الإسناد في إسناده)).
هذا الحَدِيث فيه علتان: العلةُ الأولى: تتعلق بمتن الخبر.
وهي أنَّ زيادة:((أيسرها مثل أنْ ينكحَ الرجُل أمه، وإنّ أربى الرّبَا عرض الرجُل المسلم)) شاذةٌ؛ شذّ بها محمد بن غالب يدل على هذا ثلاثة أمور:
الأوَّل: أنّ ثلاثةً من الرواة رووا الأثر عن عَمْرو بنِ علي -وفيهم أئمة- فلم يذكروا هذه الزيادة وهم: ابن ماجه في سننه والبزار في مسنده وعبد الله بن بُندار الباطرقاني رواه عنه أبو نُعيم في أخبار أصبهان ثلاثتهم ابن ماجه والبزار وعبدالله عن عمرو بن علي به. وَقَالَ البزار:((وهذا الحَدِيث لم نسمع أحداً أسنده بهذا الإسناد إلاّ عَمْرو بن علي)).
الثاني: أنَّ المتقنين من أصحاب شعبة -كمحمد بن جعفر، والنضر بن شميل-لم يذكروا هذه الزيادة وسيأتي ذكر رواياتهم.
الثالث: أنّ محمد بنَ غالب وقعت له أوهام من جنس هذا الوهم الذي وقع له في هذا الحَدِيث (انظر: حديثاً آخر وهم فيه محمد بن غالب فأدخل حديثا في حديث في السلسلة الضعيفة للألباني (2/346رقم943) ) وهذا يدل على أنَّ كتابه وقعت فيه بعض الأوهام من دخول حَدِيث في حَدِيث وبين ذلك الدَّارقُطني في قولِهِ عن محمد بن غالب تمتام :(( ثقة مأمون إلاّ إنّه كان يخطئ، وكان وهم في أحاديث منها... )) ثم ذكر مثالاً على حديثٍ وهم فيه .
الرابع: أنَّ الحَدِيث بهذا الإسناد والمتن لا يعرف عن ابن مسعود إلا من طريق محمد بن غالب، كما قَالَ البزار:((وهذا الحَدِيث لم نسمع أحداً أسنده بهذا الإسناد إلاّ عَمْرو بن علي))، قَالَ المعلمي:((في سنده: محمد بن غالب التمتام، وهو صاحب أوهام ولم أر الخبر عن ابن مسعود إلا من طريقه)) ، وهذه -في الحقيقة- لفتة دقيقة وإشارة لطيفة من المعلمي لموطن العلة، ولو تتبع المعلمي أسانيد الخبر لتأكد له أنَّ الوهم من محمد بن غالب التمتام خاصةً مع مخالفته لثلاثة من الرواة وفيهم كبار الأئمة. ولقد كان الإمامُ البيهقيُّ دقيقاً في قوله:((هذا إسنادٌ صحيحٌ، والمتنُ منكر بهذا الإسناد، ولا أعلمه إلاّ وهماً، وكأنه دَخَل لبعض رواة الإسناد في إسناده))، وهذا مما يدل على براعة الإمام البيهقي، وعمق نظره للمتون.
العلة الثانية: الاختلافُ على شُعْبَة في رفع الحَدِيث ووقفه.
وقد اختلف عنه على وجهين: الوجه الأوَّل: رواه ابنُ أبي عدي-وحدَهُ-، عن شُعْبَة بنِ الحجاج، عن زُبيد بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وتقدم تخريجها.
الوجه الثاني: رواه النضر بن شُميل (أخرجه المروزي في السنة)، ومحمد بن جعفر (أخرجه الخلال في السنة) كلاهما عن شُعْبَة، عن زُبيد، عن إبراهيم، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قَالَ:((الرّبَا ثلاثة وسبعون باباً، والشرك مثل ذلك)).
يظهر من خلال الموازنة بين الوجهين أنَّ الوجه الثاني أرجح لأمور:
الأوَّل: أنّ رواةَ هذا الوجه هُمْ مِنْ أصحابِ شُعْبَة المقدمين، فمحمدُ بنُ جعفر المعروف بغُنْدر ثقة صحيح الكتاب، وهو من أقوى أصحاب شُعْبَة إن لم يكن أقواهم. قَالَ أحمدُ- في رواية ابنِ هاني -: ((ما في أصحاب شُعْبَة أقل خطأ من محمد بن جعفر)). وَقَالَ الفضل بن زياد:((وسألتُ أبا عبد الله: من تقدم من أصحاب شعبة؟ فَقَالَ: أما في العدد والكثرة فغندر قَالَ: صحبته عشرين سنة، ولكن كان يحيى بن سعيد أثبت، وكان غندر صحيح الكتاب )) وَقَالَ عبدُ الله بنُ المبارك: ((إذا اختلف الناسُ في حَدِيث شُعْبَة فكتابُ غُنْدر حكم فيما بينهم)). وَقَالَ الفلاس: ((كان يحيى وعبد الرحمن ومعاذ وخالد وأصحابنا إذا اختلفوا في حَدِيث عن شُعْبَة رجعوا إلى كتاب غُنْدر فحكم عليهم)).
وكذلك النضر بن شميل - وهو ثقة ثبت-، من أروى الناس عن شُعْبَة، قَالَ العباسُ بنُ مصعب المروزي:((وكان أروى الناس عن شُعْبَة)).
الثاني: أنّ نقاد الحَدِيث أنكروا على ابن أبي عدي رفع أحاديث عن شُعْبَة، قَالَ أبو داود:((سمعت أحمد يقول: ابن أبي عدي روى عن شُعْبَة أحاديث يرفعها ننكرها عليه))، فهذا مما يقوي أنّ ابن أبي عدي وهم في رفع هذا الحَدِيث.
الثالث: أنّ شُعْبَة توبع على رواية الوقف: تابعه سفيان الثوري، وكذلك تابع أبو الضحى مسلم بنُ صبيح إبراهيمَ النخعيَّ، وكذلك أصحاب ابن مسعود رووا الأثر موقوفاً على ابن مسعود.
متابعة سفيان الثوريّ لشعبة على هذه الرواية الموقوفة، أخرجها: عبدالرزاق في المصنف والمروزيُّ في السنة من طريق عبد الرحمن بن مهدي. والخلاّل في السنة من طريق وكيع بن الجراح، وعبدالرحمن بن مهدي. والطبرانيُّ في المعجم الكبير من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين.
جميعهم عن الثوري عن زُبيد بن الحارث اليامي، عن إبراهيم النخعي، عن مسروق بن الأجدع، عن عبد الله بن مسعود، قَالَ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). وهذا الإسناد من أصح الأسانيد وأرفعها.
متابعة أبي الضحى مسلم بنُ صبيح لإبراهيم النخعيّ على الرواية الموقوفة، أخرجها: عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة والمروزيُّ في السنة والخلاّل في السنة من طرق عن سفيان الثوري. وأخرج: المروزيُّ في السنة والخلاّل في السنة عن شُعْبَة. كلاهما (سفيان الثوري، وشُعْبَة) عن سلمة بن كُهيل، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قَالَ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). وهذا الإسناد من أصح الأسانيد وأرفعها.
رواية أصحاب ابن مسعود الأثر عن ابن مسعود موقوفاً عليه:
1-رواية عبدالرحمن بن يزيد النخعي ، أخرجها: عبدالرزاق في المصنف وأخرجها عبد الله ابن الإمام أحمد،والخلاّل كلاهما في السنة، من طريق عبد الرحمن بن مهدي. كلاهما (عبدالرزاق، و عبد الرحمن بن مهدي) عن الثوري. وأخرجها ابن أبي شيبة في المصنف قَالَ حَدَّثنَا ابن فضيل -وهو محمد بن فضيل -. كلاهما (الثوري،و محمد بن فضيل) عن الأعمش، عن عمارة بن عُمير، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبد الله قَالَ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)) وهذا لفظ محمد بن فضيل، والثوري -في رواية عبدالرحمن بن مهدي -. وأمّا رواية عبدالرزاق عن الثوري ففيها زيادة وهي:((أهونها كمن أتى أمه في الإسلام)).
وإسناد الأثر - بدون هذه الزيادة - صحيح، وأمّا الزيادة فلا تصح لأمور:
الأوَّل: أنّ عبد الرحمن بن مهدي وهو من أتقن أصحاب الثوري لم يذكرها. قَالَ ابنُ أبي خيثمة: سمعتُ يحيى بنَ معين، وسئل عن أصحاب الثوري أيهم أثبت؟ فَقَالَ:((هم خمسة: يحيى بن سعيد، ووكيع بن الجراح، وعبدالله بن المبارك، وعبدالرحمن بن مهدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، فأمّا الفريابي،..وأبو أحمد الزبيري، وعبدالرزاق وطبقتهم، فهم كلهم في سفيان بعضهم قريب من بعض، وهم ثقات كلهم دون أولئك في الضبط والمعرفة)).
الثاني: أنَّ محمد بن فضيل لم يذكر هذه الزيادة في روايته عن الأعمش، فوافقت روايته رواية عبدالرحمن بن مهدي عن الثوري.
الثالث: أنّ عبد الرزاق تكلم في روايته عن الثوري قَالَ أحمد بن حنبل:((سماع عبد الرزاق من سفيان بمكة مضطرب، فأما سماعه باليمن الذي أملى عليهم فذاك صحيح جداً، كان القاضي يكتب، فكانوا يصححون)). فلعل هذا الأثر مما سمعه عبد الرزاق من سفيان بمكة لذا وهم فيه وخالف عبدالرحمن بن مهدي.
الرابع: رواية مسروق عن ابن مسعود المتقدمة تؤيد شذوذ هذه الزيادة، فليس في روايته هذه الزيادة، والله أعلم.
2-رواية وائل بن ربيعة أخرجها: الخلاّل في السنة قَالَ:حَدَّثنَا أبو بكر - هو:المروذي - قَالَ:حَدَّثنَا أبو عبد الله - هو:أحمد بن حنبل - قَالَ:حَدَّثنَا حجاج، قَالَ:حَدَّثنَا شريك، عن عاصم، عن وائل، عن عبدالله قَالَ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)). وهذا الإسناد لا بأس به.
تنبيه: أخرج عبدُالرزاق في المصنّف قَالَ: أخبرنا معمر، عن عطاء الخراسانيّ، عن رجل، عن عبد الله بنِ مسعود قَالَ:((الرّبَا ثلاث وسبعون حوباً، أدناها حوباً كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الرّبَا كبضع وثلاثين زنية))، وهذا إسنادٌ ضعيف جداً لإبهام الراوي عن ابن مسعود، ولمخالفته أصحاب ابن مسعود المتقنين.
وخلاصة ما تقدم: أنّ حَدِيث ابن مسعود مرفوعاً لا يصح. وأنّ الصحيح أنه موقوف على ابن مسعود بلفظ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك))، والله أعلم.

حَدِيث أبي هُرَيرة رضي الله عنه
رُوي الحَدِيث عن أبي هُرَيرة من عدة طُرُق:
الطريقُ الأوَّلُ: طريقُ أبي سلمةَ عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه مَرْفوعاً.
أخرجه: البخاريّ في التاريخ الكبير - ومن طريقه ابن عدي في الكامل - والعقيليُّ في الضعفاء الكبير - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات - وابن الجارود في المنتقى والبيهقي في شعب الإيمان والبغويُّ في التفسير والدينوري في المجالسة من طرق عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سلمة عن أبي هُرَيرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الربا سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمه)).
وهذا الإسناد معلول من وجهين: الأوَّل: أنَّ رواية عكرمة بن عمار عَنْ يحيى بن أبي كثير مضطربة كما تقدم، وهو في هذه الرواية بعينها يضطرب فقد روى الحَدِيث عَنْ يحيى بن أبي كَثير، عَنْ عبدالله بن سَلاَم مَوقوفاً عليه، وتقدم بيان ذلك عند ذكر حَدِيث عبد الله بن سَلاَم.
الثاني: أنَّ الأوزاعيّ - وهو أوثق من عكرمة بدرجات - خالف عكرمة بن عمار، فرواه عَنْ يحيى بن أبي كثير، عَنْ ابن عباس –مَوقوفاً عليه-، كما قَالَ ابن أبي حَاتِم:((قَالَ أبي: رَوَاهُ الأَوْزَاعِيّ، عَنْ يَحْيَى بن أَبِي كَثِير، عَنْ ابن عَبَّاس قولَهُ:"إنَّ الرّبا بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَابَاً"، قَالَ أَبِي: هَذَا أَشْبَهُ، واللَهُ أَعْلَم)) وتقدم بيان ذلك عند ذكر حَدِيث عبد الله بن عباس.
-الطريق الثاني: طريق سعيد المقبريّ،، عن أبي هُرَيرة مَرْفوعاً، ورواه عن سعيد اثنان:
الأول : أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن السندي، أخرجه: ابن ماجه في سننه والمروزيُّ في السنة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هُرَيرة قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه))، زاد المروزي، والبيهقيُّ:((وأربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه)). وفي رواية المروزيّ:((عن أبي هُرَيرة قَالَ: الربا..)) مَوقوفاً عليه، ويبدو أنّ هذا من اضطراب أبي معشر بالحديث. وَقَالَ البيهقي:((أبو معشر، وابنه غير قويين)). وهذا الإسناد معلول وذلك لضعف أبي معشر السندي، قَالَ البوصيري:((هذا إسنادٌ ضعيف، أبو معشر هو نجيح بن عبدالرحمن، متفق على ضعفه)).
ولتفرده بالحديث عن سعيد المقبري، فأين أصحاب سعيد المقبري لم يرووا هذا الأثر عنه!!. قَالَ ابنُ رَجَب:((أصحابُ سعيد بنِ أبي سعيد المقبري: قَالَ عبد الله بن أحمد: قَالَ أبي: أصح الناس حديثاً عن سعيد المقبري، ليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر يقدم في سعيد، وَقَالَ يحيى بن سعيد: ابن عجلان لم يقف على حَدِيث سعيد المقبري ما كان عن أبيه عن أبي هُرَيرة، وما روى هو عن أبي هُرَيرة. أضعفهم عنه – يعني عن المقبري – حديثاً أبو معشر... ))
الثاني : عبد الله بن سعيد المقبري، أخرجه: ابنُ أبي شيبةَ وهنادُ بنُ السري في الزهد وابنُ أبي الدنيا في الصمت وآداب اللسان والأصبهاني في الترغيب والترهيب جميعهم عن: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، زاد الأصبهانيُّ: أبا معاوية محمد بن خازم الضرير. كلاهما عن عبدالله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هُرَيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الربا سبعون حوباً، أيسرها نكاح الرجل أمه، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض الرجل المسلم)). ووقع في رواية ابن أبي الدنيا: عن عبدالله بن سعيد المقبري عن أبيه، وهذا وهم والصواب " عن جده" كذا رواه ابن أبي شيبة، وهناد بن السري، وسليمان بن داود عن ابن أبي زائدة. وخالفهم سويد بن سعيد الحدثاني فراوه عن ابن أبي زائدة، عن عبدالله بن سعيد عن أبيه عن أبي هُرَيرة به، وسويد بن سعيد قَالَ عنه ابن حجر:((صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول))
هذا الإسناد باطل من وجهين: عبدالله بن سعيد المقبري متفق على تركه، قَالَ البخاريّ:((تركوه)) ولتفرد عبدالله بن سعيد بالحديث، فأين أصحاب سعيد المقبري لم يرووا هذا الأثر عنه!!
الطريق الثالث: طريق أبي سعيد كيسان المقبريّ،، عن أبي هُرَيرة، مَوقوفاً عليه. أخرجه: الطبراني في مسند الشاميين قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بن جمهور التنيسي، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن مصفى، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن ثوبان، قَالَ: حدثني مَنْ سمع سعيد المقبري، يُحدث عن أبيه، عن أبي هُرَيرة قَالَ:((الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها كالذي يأتي أمه …)).
وهذا الإسناد ضعيف: لإبهام الراوي عن سعيد المقبري. ثم أين أصحاب سعيد المقبري لم يرووا هذا الأثر عنه!!. وتفرد الشاميين بهذا الإسناد مع أنّ مخرج الحَدِيث مدنيّ يدعو للريبة مع العلل المتقدمة. على أنَّ الخبر موقوف على أبي هُرَيرة رضي الله عنه.
وفي الإسناد موسى بن جمهور بن زريق البغدادي ثم التنيسي السمسار، ذكره الخطيب، وابن عساكر في تاريخيهما ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا
الطريق الرابع: طريق زياد أبي المغيرة، عن أبي هُرَيرة مَوقوفاً عليه.
لم أقف على من أخرج هذا الطريق، وقد ذكره ابنُ أبي حَاتِم معلقاً:((سَمِعْتُ أَبِي وذَكَرَ حَدِيثاً رَوَاهُ فُضَيلُ بنُ عِيَاض، عَنْ لَيْث، عَنْ الْمُغِيرَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ:الْرِّبَا سَبْعُونَ بَابَا، أدناها أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، قَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ لَيْث، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة واسمه: زياد، عَنْ أَبِي هُرَيرة)).
وزياد هذا اختلف في اسمه فَقَالَ البخاريُّ:((زياد بن أبي المغيرة، عن أبي هُرَيرة، روى عنه ليث بن أبي سُليم، وَقَالَ ابن طهمان، عن ليث، عن زياد بن الحارث…))، وتابعه على ذلك ابنُ حبان. وَقَالَ ابن أبي حَاتِم:((زياد بن المغيرة، أبو المغيرة)) وكذلك وقع في الكنى للدولابيّ.
وهذا الإسناد معلول من أوجه:
الأوَّل: ضعف ليث بن أبي سليم فقد ضعفه جمهور المحدثين منهم: يحيى القطان، وابن معين، وأحمد وغيرهم، قَالَ ابن أبي حَاتِم:((سمعتُ أبي، وأبا زرعة يقولان: ليث لا يُشتغل به، هو مضطرب الحَدِيث)) ومع ضعف ليث فقد اضطرب في اسم الراوي مما يدل على عدم ضبط الحَدِيث قَالَ الشيخ المعلميّ اليماني في تعليقه على ((الجرح والتعديل)):((والظاهر أنّ ليثاً كان يضطربُ في هذا الاسم تارةً يقول: زياد بن المغيرة، وتارةً: زياد بن أبي المغيرة، وتارةً: زياد أبو المغيرة، وتارةً: زياد بن الحارث)).
والثاني: جهالة زياد أبو المغيرة جهالة عين وحال.
الثالث: أنّ أحداً من أصحاب أبي هُرَيرة لم يرو هذا الأثر عنه، فأين هم عنه!!.
الطريق الخامس: طريق يحيى بن المتوكل، عن أبي عباد (كذا وقع في عمدة القاري، وفي القند "ابن عباد"، فلعل كنيته أبوعباد) ، عن أبيه، عن جده، عن أبي هُرَيرة مَرْفوعاً. أخرجه: محمد بن أسلم السمرقندي في كتاب الربا -كما في عمدة القاري ومن طريقه رواه النسفي في القند في ذكر علماء سمرقند -قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن إسحاق قَالَ: أخبرنا يحيى بن المتوكل قَالَ: حَدَّثَنَا عن أبي عباد، عن أبيه عباد، عن جده،عن أبي هُرَيرة يرفعه:((الربا اثنان وسبعون حوبا، أدناها بابا بمنزلة الناكح أمه)).
وهذا الإسناد لا يصح فيه يحيى بن المتوكل يظهر لي أنه: أبو عَقيل - بالفتح - المدني، صاحب بُهَية - بالموحدة مصغر - وهو متفق على ضعفه، قَالَ أحمد بن حنبل:((يروي عن قومٍ لا أعرف منهم أحداً، ولم يُحْمَلْ عنهم)). وَقَالَ ابنُ حبان:((منكر الحَدِيث، ينفرد بأشياء ليس لها أصول من حَدِيث النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمعها الممعن في الصناعة إلا لم يرتب أنها معمولة، مات سنة سبع وستين ومائة)). وبقية رجال الإسناد لم أقف على تراجمهم ويبدو أنّهم يدخلون في قول أحمد المتقدم.
كما أنّ أحداً من أصحاب أبي هُرَيرة لم يرو هذا الأثر عنه، فأين هم عنه!!. مع تفرد محمد بن أسلم السمرقندي بإخراج الحَدِيث دون أصحاب الكتب المشهورة مما يدعو للريبة والتوقف.
فتلخص مما تقدم أنّ طُرُق حَدِيث أبي هُرَيرة تدور على ضعفاء، ومتروكين، وروايات معلولة، وتفردات غير مقبولة.

حَدِيث وَهْبِ بنِ الأسود أو الأسود بن وَهْب -عَلَى خلافٍ في ذلك-
أخرجه: ابنُ قانع في مُعجم الصحابةِ عن صدقة السّمين، عن أبي معيد حفص بن غيلان، أن وهب بن الأسود حدثه عن أبيه الأسود بن وهب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ألا أنبئك بالذي عسى أن ينفعك الله به))، قلتُ: بلى بأبي وأمي علمني مما علمك الله تعالى، قال:((إنّ أدنى الربا عدل سبعين حوباً، أدناها فجرة اضطجاع الرجل أمه، وإنّ أربا الربا اعتباط المرء المسلم في عرض أخيه المسلم بغير حق)).
وقال ابنُ أبي حَاتِم:((الأسود بن وهب، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا سبعون حوبا، روى أبو معيد حفص بن غيلان عن وهب بن الأسود بن وهب عن أبيه))
هذا الإسناد ضعيفٌ جداً لعدة علل:
1- ضعفُ صدقة السمين، فجمهور النقاد على أنه ضعيف الحديث، قال أحمد بن حنبل:((ما كان من حديثه مرفوعا فهو منكر، وما كان من حديثه مرسل عن مكحول فهو أسهل، وهو ضعيف جدا))، وهذا الحديث مرفوع فهو داخل في كلام أحمد, وقال الدارقطني:((متروك)).
2- تفرد صدقة السمين بالحديث.
3- اضطراب صدقة السمين بالحديث كما سيتضح من خلال عرض بقية الطرق.
4- ضعف ابن قانع مؤلف الكتاب.وهو: عبد الباقي بن قانع متكلم فيه وفي كثرة ما وقع له من الأوهام في معجمه هذا قال ابن حجر:((وقال ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب": لم أر أحدا ممن ينسب إلى الحفظ أكثر أوهاما منه، ولا أظلم أسانيد، ولا أنكر متوناً، وعلى ذلك فقد روى عنه الجلة، ووصفوه بالحفظ منهم أبو الحسن الدَّارقُطني فمن دونه، قال: وكنتُ سألت الفقيه أبا يعلى - يعني الصّدفي - في قراءة معجمة عليه فقال لي: فيه أوهام كثيرة فإن تفرغت إلى التنبيه عليها فافعل قال: فخرّجت ذلك وسميته "الأعلام والتعريف مما لابن قانع في معجمه من الأوهام والتصحيف"))، وقال الذهبيّ:((عبد الباقي بن قانع الحافظ قال الدَّارقُطني: كان يحفظ لكنه كان يخطئ ويصر، وقال البرقاني: هو عندي ضعيف، ورأيت البغداديين يوثقونه، وقال أبو الحسن بن الفرات: حدث بعد اختلاطه قبل موته بسنتين)).
5- ومما يزيد الإسناد وهناً على وهنه أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!.

وأخرجه: ابن مندة – ذكر ذلك ابنُ حجر في الإصابة- وأبو نعيم في معرفة الصحابة عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود، عن أبيه الأسود بن وهب، خال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أربى الربا اعتباط المرء في عرض أخيه بغير حقه)) هذا لفظ أبي نعيم. وفي رواية ابن منده: " عمرو بن أبي سلمة عن صدقة السمين عن أبي معيد".
وقد بينت رواية ابن منده أنّ عمرو بن أبي سلمة أخذ الحديث من صدقة السمين، ومعنى هذا أنَّ هذه الرواية ترجع إلى الرواية السابقة، وما فيها من عللٍ تقدّم الكلام عليها من: ضعفُ صدقة السمين، وتفرده بالحديث، واضطرابه فيه. ومما يزيد هذا الإسناد ريبةً أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!.
و عمرو بن أبي سلمة :((صدوق له أوهام)) كما قال ابن حجر، وغلط في أحاديث صدقة جعلها عن زهير بن محمد، قال أبو بكر الطائي: سمعُت أبا عبد الله أحمد بن حنبل - ذكر رواية أبي حفص التنيسي عن زهير بن محمد - فقال: أراه سمعها من صدقة بن عبد الله أبي معاوية فغلط بها نقلها عن زهير بن محمد، قلتُ له: وصدقة بن عبد الله هذا بهذا المنزلة؟ فقال: ذاك منكر الحديث جدا،وقال أيضاً:((روى عن زهير أحاديث بواطيل كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله فغلط فقلبها عن زهير))، وله عددٌ من الأوهام قال العقيلي:((في حديثه وهم))
وأخرجه: ابن قانع أيضاً في معجم الصحابة وأبو نعيم في معرفة الصحابة (معلقاً) عن أبي حفص عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن الهيثم بن حميد، عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود ابن خال النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ألا أنبئك بشيء من الربا))، قلتُ: بلى، قال:((الربا سبعون باباً، أدناها فجرة كاضطجاع الرجل مع أمه)).
والذي يظهر لي أنّ هذا الإسناد من الأسانيد التي وهم فيها عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وأنَّ هذه الرواية ترجع في الأصل إلى رواية صدقة السمين فالحديث يعرف به كما تقدم، وقد رواه عمرو في إحدى الروايات عنه.وتقدم أنّ عمرو اختلط عليه حديث زهير بن محمد مع حديثه عن صدقة السمين، فلا يبعد كذلك أن يختلط عليه هذا الحديث بدلالة اضطرابه فيه فتارةً يرويه عن الهيثم بن حميد، عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود ابن خال النبيّ صلى الله عليه وسلم مرفوعاً. وتارةً عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود، عن أبيه الأسود بن وهب، خال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً. وتارةً عن صدقة السمين عن أبي معيد.
فتبين مما سبق أنّ أصل الحديث يرجع إلى صدقة السمين وهو يضطرب في هذا الحديث اضطراباً شديداً كما يظهر من سياق الأسانيد، فتارةً يرويه عن وهب بن الأسود عن أبيه الأسود بن وهب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتارةً عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود ابن خال النبيّ صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتارةً عن زيد بن أسلم، عن وهب بن الأسود، عن أبيه الأسود بن وهب، خال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واضطرابه هذا جعل المؤلفين في معرفة الصحابة يضطربون في تحديد شخص الأسود هل هو: الأسود بن وهب أو وهب بن الأسود قال أبو نعيم: ((وهب بن الأسود القرشي، وقيل: الأسود بن وهب ابن خال النبي صلى الله عليه وسلم مختلفٌ في صحبته)). وقال ابنُ الأثير:((وهب بن الأسود…لا تصح له صحبة، وقيل فيه: الأسود بن وهب)). وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ الأسود بن وهب خال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح منها شيء . ومن العجيب أنّ أحداً من المتقدمين ممن ألف في الرجال - وذكر معهم الصحابة - لم يذكر الأسود بن وهب أو وهب بن الأسود: كابن سعد، وخليفة بن خياط، والبخاري، وابن حبان وغيرهم، حتى ابن أبي حَاتِم لمّا ترجم له لم يذكر ما يدل على صحبته كما هي عادته في الصحابة كأن يقول:له صحبة ونحو ذلك. وأقدم من ذكره في الصحابة ابن قانع في كتابه "معجم الصحابة" وتقدم أنه متكلم فيه وفي كثرة ما وقع له من الأوهام في معجمه هذا.
وخلاصة الكلام على الحديث أنه لا يصح، فمداره على صدقة السمين وهو ضعيف، وتفرد بالحديث، واضطرب فيه.

حَدِيث عائشة رضي الله عنها، وَحَدِيث عبد الله بنِ حنظلة رضي الله عنهما، وقول كعب الأحبار - رحمه الله –
تعمدتُ الكلام عليها في موطنٍ واحد لأنها جميعاً تدور على راوٍ واحد اختلف عليه في الرواية، فمدار هذه الأحاديث على ابنِ أبي مُلَيكة واختلف عنه على خمسة أوجه:
الوجه الأوَّل: رواه بكار اليمانيّ (أخرجها عبدالرزاق)، وابن جريج (أخرجها العُقيلي)، وعبدالعزيز بن رفيع (أخرجها عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد في المسند -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، وابن الجوزي في الموضوعات -. وأخرجها البغويّ في معجم الصحابة -و من طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق - والدارقطنيُّ في سننه والبيهقي في شعب الإيمان) ثلاثتهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب أنه قال:((لأن أزني ثلاثة وثلاثين زنية أحب إلي من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته وهو ربا)). ولفظ ابن جريج :((ربا درهم يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعز عليه في الإثم يوم القيامة من ست وثلاثين زنية)).
وإسناد هذه الرواية صحيح فرجالها ثقات، وقد سمع بعضهم من بعض. وهي موقوفة على كعب الأحبار من قوله.

الوجه الثاني: رواه عمران بن أنس، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عائشة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
أخرجه: البخاريُّ في التاريخ الكبير وأبو يعلى في مسنده والدولابيُّ في الكنى معلقاً والعقيليُّ في الضعفاء الكبير وابنُ أبي حَاتِم في تفسيره وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى واللألكائي في اعتقاد أهل السنة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمران بن أنس أبو أنس عن ابن أبى مُلَيكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لدرهم ربا أشدّ جرماً عند الله من سبعة وثلاثين زنية، قال: ثم قال: باربا الربا قالوا: الله ورسوله، قال: أعظمُ الربا استحلالُ عرض الرجل المسلم ثمّ قَرَأَ:{ الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا })) هذا لفظُ الدولابيّ، وأبي أحمد الحاكم. ورواية العقيلي، والبيهقي فيها تعظيم الربا على الزنا فقط، والبقية ذكروا استحلال عرض الرجل المسلم فقط.
هذا الحديث بهذا الإسناد منكر جداً لأمور:
1- أنَّ عمران بن أنس متفق على ضعفه. قال البخاريّ:((منكر الحديث)) ، وقال العقيليّ: ((لايتابع على حديثه)) ، وقال أبو أحمد الحاكم:((حديثه ليس بمعروف)) ، وقال ابن حجر:((ضعيف)).
2- ومع ضعفه تفرد بالحديث عن ابن أبي مُلَيكة، فأين أصحاب ابن أبي مُلَيكة لم يرووا هذا الحديث عنه!!.
3- أنّ عمرانَ خولف في هذا الإسناد فقد خالفه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبدالعزيز بن رفيع فرووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه كما تقدم، فهؤلاء أكثر عدداً وأوثق.
4- أنّ عمران بن أنس سلك في هذا الحديث الجادة، وتقدم أنّ الضعفاء عند التحديث من الحفظ يسبق الوهم إلى الغالب المشهور.
5- أنّ كبار الأئمة النقاد على إعلال هذا الوجه: قال ابن أبي حَاتِم:((وسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ زَيْدُ بنُ الحُبَاب عَنْ عِمْرَانَ بنِ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ أَبِي مُلَيكة يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تقولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الدّرهمَ مِنْ رِبَاً أعْظمُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ سَبْعٍ وثلاثين زَنْيَة، قَالَ أَبِي: هَذَا خطأ رَوَاهُ الْثَّورِيّ، وَغَيْرهُ عَنْ عَبْدِالْعَزِيز بنِ رُفِيع، عَنْ ابنِ أَبِي مُلَيكة، عَنْ عَبْدِ اللّه بنِ حَنْظَلةَ، عَنْ كَعْبٍ قَوْلُهُ)). وقال العقيليّ:((وهذا يُروى من غير هذا الوجه مرسلاً، والإسناد فيه من طريق لينة))، وقد قال في صدر ترجمة عمران:((لا يتابع على حديثه)). وقال أبو أحمد الحاكم:((هذا حَدِيث منكر))، ونقل عن البخاري أنه قال:((لا يتابع عليه)).

الوجه الثالث:رواه أيوب السختياني، وليث بن أبي سُليم-عنه: عبيد الله بن عمرو الرّقي- عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
رواية أيوب السختياني، أخرجها: أحمد بن حنبل - ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والضياء في المختارة - والبزار في مسنده والدارقطنيُّ في سننه - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات - والطبراني في المعجم الكبير –قاله الزَّبيديُّ كما في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، ومن طريقه الضياء في المختارة - عن الحسين بن محمد قال: حَدَّثَنَا جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((درهم ربا يأكله الرجل، وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)).
وهذا الإسناد رجاله ثقات وهو أقوى طريق يروى للحديث، وكثيرٌ من أهل العلم-وخاصةً المعاصرين منهم- ممن قوّى الحديث قواه بناءً على ظاهر هذا الإسناد، وهذا الإسناد معلول فقد رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج-وهو من أتقن أصحاب ابن أبي مُلَيكة-، وعبدالعزيز بن رفيع فرووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه ورجح هذه الرواية كبار النقاد: فقال أبو القاسم البغوي:((روى هذا الحديث جرير بن حازم، عن أيوب، وعبيد الله بن عمرو، عن ليث جميعاً عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهما عندي وَهْم. وحدّث سفيان الثوريُّ، عن عبدالعزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُلَيكة على الصواب؛ حدثنيه جديّ، أخبرنا أبو أحمد الزبيريُّ، أخبرنا سفيان، عن عبدالعزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب قال: درهم ربا…وذكر الحديث)). والعقيليُّ، فقد قال:((حَدِيث ابن جريج أولى)). وقال الدَّارقُطني بعد روايته الحديث:((رواه عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة فجعله عن كعب ولم يرفعه..ثم رواه بسنده وقال:- هذا أصح من المرفوع)). وقال البيهقيُّ:((ورواه عبدالعزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قولُهُ، وهو أصح)).
وقد أشار الإمام أحمد إلى تعليل الحديث عندما أخرج هذا الطريق من حَدِيث عبدالله بن حنظلة في مسنده ثم أتبعه برواية الحديث موقوفاً على كعب الأحبار في مسند عبدالله بن حنظلة مشيراً إلى إعلال الرواية المرفوعة بالموقوفة، وقد نبه على ذلك الشيخ المعلمي اليماني في تعليقه على الفوائد المجموعة.
ويبعد جداً أن يكون الوهم من أيوب السختياني لما عرف عنه من الإتقان وقوة الضبط، ولا يوجد قرينة تدل على أنّ الوهم منه. فبقي الأمر يدور بين الحسين بن محمد وجرير بن حازم؛ فأمّا الحسين فيبعد عندي تحميله الوهم فهو لم يُتكلم فيه أولاً، ثم لا توجد قرينة تدل على وهمه في هذه الرواية. فالأظهر أنَّ الوهم من جرير بن حازم وهو ظاهر كلام ابن حجر إذ يقول في القول المسدد:((وأورده العقيليّ من طريق ابن جريج حدثني ابن أبي مُلَيكة أنه سمع عبد الله بن حنظلة بن الراهب يحدث عن كعب الأحبار فذكر مثل السياق المرفوع، ونقل عن الدَّارقُطني أنّ هذا أصح من المرفوع، قلتُ: ولا يلزم من كونه أصح أن يكون مقابله موضوعاً فإن ابن جريج أحفظ من جرير بن حازم وأعلم بحديث ابن أبي مُلَيكة منه...)).
وقرائن ترجيح رواية بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبدالعزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة على رواية جرير بن حازم، عن أيوب، عن ابن أبي مُلَيكة، و أنّ الوهم من جرير بن حازم قوية وظاهرة منها : قرينة "العدد والكثرة" فهم ثلاثة, وقرينة "الحفظ والإتقان والضبط " فهولاء أوثق من جرير بن حازم, وكذلك قرينة " الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه" فابن جريج مقدم في ابن أبي مُلَيكة على غيره، قال عمرو بن على: سمعتُ يحيى بن سعيد القطان يقول: أحاديث ابن جريج عن ابن أبى مُلَيكة كلها صحاح، وجعل يحدثني بها ويقول: حَدَّثَنَا ابن جريج قال: حدثني ابن أبى مُلَيكة، فقال في واحدٍ منها: عن ابن أبى مُلَيكة، فقلتُ: قل حدثني، قال: كلها صحاح، وقد اعتمد البخاري في حَدِيث ابن أبى مُلَيكة على رواية ابن جريج عنه غالباً ، وكثيراً ما يرجح الدَّارقُطني في العلل رواية ابن جريج عن ابن أبى مُلَيكة عند الاختلاف.
ومن القرائن المهمة أن في ضبط جرير - عموماً - خللاً، وله أوهام إذا حدث من حفظه، قال ابن حجر:(( ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ..)) وهذا يقوي من احتمال وهمه عند الاختلاف، وعند وجود النُّكْرة في رواياته. و يروي عن أيوب عجائب كما قال أحمد بن حنبل:((جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب)) كيف وقد تفرد جرير بهذه الرواية عن أصحاب أيوب السختياني، فأين هم عن هذه الرواية المرفوعة!!.

أما رواية ليث بن أبي سُليم، فأخرجها: ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والبغويّ في معجم الصحابة وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني في المعجم الأوسط ، وفي المعجم الكبير –كما في مجمع الزوائد - والدارقطنيُّ في سننه - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات ، وابن عساكر في تاريخ دمشق - وابن عبد البر في الاستيعاب جميعهم من طُرُق عن عبيد الله بن عمرو الرّقي عن ليث بن أبي سُليم عن عبد الله بن أبي مُلَيكة عن عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ستة وثلاثين زنية في الخطيئة)). وقال:((لم يرو هذا الحديث عن ليث إلاّ عبيد الله)).
وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف: لضعف ليث بن أبي سُليم. ولأنَّ ليث بن أبي سُليم خالف كبار تلاميذ ابن أبي مُلَيكة وهم بكار اليمانيّ، وابن جريج-وهو من أتقن أصحاب ابن أبي مُلَيكة-، وعبدالعزيز بن رفيع حيث رووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه. ويظهر أنّ ليث بن أبي سُليم يضطرب في الحديث فقد قال ابنُ أبي حَاتِم:((سَمِعْتُ أَبِي وذَكَرَ حَدِيثاً رَوَاهُ فُضَيلُ بنُ عِيَاض، عَنْ لَيْث، عَنْ الْمُغِيرَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ:الْرِّبَا سَبْعُونَ بَابَا، أدناها أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، قَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ لَيْث، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة واسمه: زياد، عَنْ أَبِي هُرَيرة))، وتقدم الكلام عليها.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف قال: حَدَّثَنَا ابن فضيل عن ليث عن الحكم عن علي قال:((لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية)). وليث هذا هو ابن أبي سليم، وعليه تكون هذه علة ثالثة تعل بها هذه الرواية.

الوجه الرابع: رواهُ ليثُ بنُ أبي سُليم-عنه: أبو جعفر الرازي- عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة موقوفاً عليه. أخرجه:الحارث بن أبي أسامة في مسنده – كما في بغية الباحث ، وإتحاف الخيرة - عن أبي جعفر الرازي، عن ليث بن أبي سُليم، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة قال::((الدرهم من الربا أعظم عند الله خطيئة من ست وثلاثين زنية)).
وهذا الأثر بهذا الإسناد منكر جداً: لضعف ليث بن أبي سُليم كما تقدم. وضعف أبي جعفر الرازي عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان فجمهور النقاد على أنه سيء الحفظ. كما أنّ ليث خولف في هذا الإسناد فقد خالفه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبدالعزيز بن رفيع فرووه عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه كما تقدم، فهؤلاء أكثر عدداً وأوثق بدرجات من ليث.

الوجه الخامس: ورواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبدالله بن حنظلة.
ذَكَرَ هذا الوجه البزار في مسنده معلقاً فقال:((وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلاّ عن عبدالله بن حنظلة عنه، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مُلَيكة، عن رجل، عن عبدالله بن حنظلة)) ، ولم أقف على من أخرجه للنظر في رجاله.
ملخص النظر في الأوجه: الحديث اختلف فيه عن ابن أبي مُلَيكة على خمسة أوجه والوجه الأول الذي رواه بكار اليمانيّ، وابن جريج، وعبدالعزيز بن رفيع عن ابن أبي مُلَيكة، عن عبدالله بن حنظلة، عن كعب موقوفاً عليه. أرجح لعدة قرائن:
الأولى: قرينة "العدد والكثرة" فهم ثلاثة.
الثانية: قرينة "الحفظ والإتقان والضبط " فهؤلاء أوثق من المخالفين لهم.
الثالثة: قرينة " الترجيح بالنظر إلى أصحاب الراوي المقدمين فيه" فابن جريج مقدم في ابن أبي مُلَيكة على غيره، وتقدم بيان ذلك.
الرابعة: أنّ بقية الوجوه لا تخلو من علة أو علل وتقدم بيانها.
الخامسة: أنّ كبار الأئمة النقاد على ترجيح الوجه الأوَّل، وهم: أبو حَاتِم الرازي.وأبو القاسم البغوي.وأبو جعفر العقيليُّ.وأبو الحسن الدَّارقُطني. وأبو بكر البيهقيُّ. وتقدم نقل كلامهم.
فالحديث من الوجه الراجح موقوف على كعب الأحبار وسنده صحيحٌ إليه.

 وللحديث عن عائشة طريق آخر تالف،أخرجه: أبو نعيم في الحلية - ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات-: عن سوّار بن مصعب، عن ليث وخلف بن حوشب، عن مجاهد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إنّ الربا بضع وسبعون باباً، أصغرها كالواقع على أمه، والدرهم من الربا أعظم عند الله من ستة وثلاثين زنية)). وقال أبو نعيم:((غريب من حَدِيث خلف، لم نكتبه إلاّ من هذا الوجه)).
هذا الحديثُ بهذا الإسناد لا أصل : فسوّار بن مصعب متفق على ضعفه وترك حديثه، قال أحمد بن حنبل والنسائي:((متروك الحديث))، وقال أبوحَاتِم:((متروك الحديث لا يكتب حديثه ذاهب الحديث)). ثم إنّ تفرد سوّار دليل على شدة نكارة هذا الطريق!. ومما يزيد الإسناد وهناً أنَّ أحداً من أصحاب الكتب المشهورة لم يروه!. وكذلك سماع مجاهد من عائشة فيه نظر، فأئمة أهل النقل أنكروا سماعه منه، منهم: شعبة ويحيى القطان ويحيى بن معين وأبو حَاتِم وغيرهم

أثر عثمان بن عفان رضي الله عنه
أخرجه ابنُ عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن مروان الفزاري عن المغيرة بن مسلم عن عمرو بن نباتة عن سعيد بن عثمان قال: قال عثمان:((الربا سبعون باباً، أهونها مثل نكاح الرجل أمه)).
ومروان الفزاري ثقة حافظ، كثير الرواية عن المجاهيل، ويدلس أسماء الشيوخ قال علي بن المديني:((ثقة فيما روى عن المعروفين وضعفه فيما روى عن المجهولين)) وقال أبو حَاتِم: ((صدوق لا يدفع عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين)) ، وقال العجلي:((ثقة ثبت، ما حدث عن المعروفين فصحيح، وما حدث عن المجهولين ففيه ما فيه وليس بشيء)) وشيخه في هذا الحديث المغيرة بن مسلم صدوق .
وعندي توقف في هذا الإسناد الغريب حتى أجد ترجمة لعمرو بن نباتة فلم أقف له على ترجمة، وأخشى أن يكون عمرو هذا ضعيفاً أو متروكاً، ويكون مروان الفزاري دلسه فله تحايل في هذا الباب كما قال ابن معين:((والله ما رأيتُ أحيل للتدليس منه))، والمدلس ربما دلس شيخه وشيخ شيخه.

أثر علي بنِ أبي طالب رضي الله عنه
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف قال: حَدَّثَنَا ابن فضيل عن ليث عن الحكم عن علي قال:((لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية)).
هذا الأثر ضعيف جداً لأمور: ضعف ليث بن أبي سُلَيم.واضطراب ليث بالخبر فتارةً يرويه عن عبد الله بن أبي مُلَيكة عن عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم، وتارةً عَنْ الْمُغِيرَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة، وتارةً عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ أَبِي هُرَيرة.
كما أن الحكم بن عتيبة لم يدرك علي بن أبي طالب فضلاً عن أن يسمع منه قال البيهقي-بعد روايته حديثا من طريق الحكم عن علي بن أبي طالب-:((هذا منقطع الحكم لم يدرك عليا)) ، وقال ابن حزم:((روينا من طريق عبد الرزاق عن المعتمر بن سليمان التيمى عن ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة أنَّ علي بن أبي طالب قال: لا يأخذ منها فوق ما أعطاها، وهذا لا يصح عن علي لأنه منقطع وفيه ليث))

وأُجملُ الرأي الراجح، وخُلاصة الكلام على الأحاديث في نقاط:
الأولى:
لم يصح شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا.
الثانية:
ثبت تعظيم الربا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم:
- الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، فقد ثبت عنه من طريق: زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلاَم أنه قَالَ:((الرّبَا اثنان وسبعون حوبا، وأدنى فجرة مثل أن يقع الرجُل على أمه، أو مثل أن يضطجع الرجُل على أمه، وأكثر من ذلك أظن عرض الرجُل المسلم بغير حق)).
- والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار، فقد ثبت عنه من طريق بكار اليمانيّ وعبدالعزيز بن رفيع، عن ابن أبى ملكية، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قال:((لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحب إلى من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا)).ولفظ ابن جريج عن ابن أبي مليكة:((ربا درهم يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعز عليه في الإثم يوم القيامة من ست وثلاثين زنية)).
والسر في ذلك - والله أعلم - أنّ بني إسرائيل فشا فيهم الربا بل وأصبح الربا متأصلاً في نفوسهم، بل وفيهم من يزعم أنّ الدين يأمر بأكل أموال من غيرهم الناس ولو بالباطل، ولذا كان من صفاتهم العريقة التي بينها القرآن البخل والتواصي به والأمر والحث عليه، وأكل السحت والمسارعة إليه، والجشع والشح، وعدم الإنفاق في الخير. بخلاف الزنا فلم يكن فاشياً كفشو الربا، لأنه كان مستقراً عندهم شدة قبح الزنا وكثرة مفاسدة, فكان من المناسب تَعْظيمِ خطورة الرّبا على الزنا- بالنسبة لحالهم وواقعهم- وبيان قبحه وشدة خطره، وكثرة مفاسده.

الثالثة:
أنّ تعداد الربا صح عن ابن مسعود-رضي الله عنه- بلفظ:((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)).
الرابعة:
أنّ ضعف أحَاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا ناشيء من جهتين:
1- من جهة الإسناد فجميع الطرق تدور على المتروكين، والوضّاعين، ومن ضعفه شديد، وفيها طرق معلولة وغرائب تستنكر، وجميعها لا تصلح للشواهد والمتابعات.
وممن ضعف الحديث بجميع طرقه المعلمي اليماني، فَقَالَ بعد نقده بعض طرق الحديثِ:((والذي يظهر لي أنّ الخبر لا يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ألبته)).
2- من جهة المتن وقد قرره ابنُ الجوزي رحمه الله وقد أطال النّفس في بيان طرق الحديث ونقدها في كتاب "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات" وهو أوسعُ من تكلم على الحديثِ وطرقه مجتمعةً -حَسَب علمي-، وضَعَّفه سنداً ثم قال مبيناً ضعفه مِنْ جهةِ المتن :((واعلم أنّ مما يردّ صحة هذه الأحاديث، أنّ المعاصي إنما تُعلم مقاديرها بتأثيراتها، والزنى يُفسد الأنساب، ويصرف الميراث إلى غير مستحقه، ويؤثّر في القبائح ما لا يؤثره أكل لُقمة لا يتعدّى ارتكاب نهي، فلا وجه لصحة هذا)).
وما قاله ابن الجوزي ظاهر ففي الزنا من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلاّ الله؛ وقد سماه الله - تعالى - فاحشة وساء سبيلا، ونهى عن الاقتراب منه كما قال - تعالى -:  وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً  (الإسراء: 32)، وحرمت الشريعة الطرق المفضية إليه، وسدت الذرائع الموصلة له، وفيه خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها وأسرتها، ويؤدي إلى فساد الأخلاق وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، وفشو الأمراض، وحصول الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسبة ابن زوجته الزانية وملاعنتها على ذلك، وربما حصل عنده شك في أولاده من زوجته قبل زناها إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي استوجبت أن يكون حد الزناة المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت، وحد غير المحصنين الجلد والتغريب، ورد شهادتهم ووصفهم بالفسق إلا أن يتوبوا، ومصيرهم في البرزخ إلى تنور مسجور تشوي فيه أجسادهم. فهل يعقل بعد ذلك أن يكون درهم واحد أعظم من ست وثلاثين زنية!، وأشدّ من ذلك نكارةً تعظيم الربا على الزنا بالأم.
وعلى ما تقدم - من ضعف جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب - أرى أنه لا ينبغي أبداً التكلف بتقرير تَعْظيمِ الرّبا على الزنا، فالآيات الكريمة، والسنة الصحيحة موضحةٌ أنّ الزنا أشدّ خطراً وأعظم مفسدة من الربا.
والله أعلم, وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين