المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طلب العلم. وواجب الوقت!



أهــل الحـديث
24-06-2012, 12:10 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله السميع البصير، العلي القدير، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المصير.
إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقيم الناس حياتهم على معاني التوحيد والخضوع والاستسلام لله تعالى.
والله سبحانه فصّل الشرائع، ووضّح الأحكام لكي تُطبّق على أرض الواقع، وتكون آية على كمال الله سبحانه، وكمال تدبيره، وحسن تشريعه، وسعة علمه وفضله، ودليلاً على مدى استجابة عباده لأحكامه وقيامهم بشرائعه.
إن الله سبحانه لم ينزل الشرائع والأحكام لتُقرأ وتكتب ثم تطوى في الصحف وتوضع على الأرفف دون عمل ولا تطبيق.
لو تأمّلنا إلى مراحل التشريع، فإننا نجد أنّ الله سبحانه لم يفرض على المسلمين كثيراً من الأحكام الشرعية في المرحلة المكّية، لأنه لم يكن للمسلمين في ذلك الوقت دولة ولا سلطة يستطيعون من خلالها تطبيق الأحكام الشرعية، كأحكام الحدود والجنايات وكثير من أحكام المعاملات.
لذلك نجد أنه اقتصر في الدعوة المكية على التوحيد والإيمان بالرسالة وباليوم الآخر، وبعض الأمور الشخصية التي يستطيع المسلم تجنبها والابتعاد عنها كتحريم الزنى والكذب والعقوق ونحوها.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج لكي يؤووه فيؤسس مجتمعاً مسلماً يكون نواة لبدء مرحلة جديدة من الدعوة تكون أكثر اتساعاً، وأيضاً لتكوين مجتمع مُهيّأ لاستقبال الأوامر الإلهية وتطبيقها عمليا على أرض الواقع.
وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وتولى أمر المسلمين، وصارت السلطة بيد المؤمنين، وكوّن مجتمعاً إسلامياً مهيأً لاستقبال وتطبيق الأحكام، تفضل الله سبحانه بإنزال الأحكام والشرائع وتفصيلها.
من هذا نستخلص أنّه يجب على المسلمين إيجاد وتهيئة البيئة المناسبة لتطبيق شرائع الله، وعدم جواز الركون إلى الدنيا والرضى بغير حكم الله، والخضوع للحكام الذين بدّلوا دين الله تعالى.
كما أنه لا فائدة من تعلم العلم الشرعي ومعرفة الأحكام الشرعية دون العمل بها وتطبيقها، فإنّ الله سبحانه لم ينزل أحكامه لمجرد القراءة والتسلية وتوسيع الثقافة، إنما أنزلها لتكون واقعاً عملياً ملموساً محسوساً.
والعلم أنما هو الوسيلة الشرعية لمعرفة أحكام الله وإقامتها، وليس المقصود من العلم مجرد المعرفة دون العمل.
وكل الأدلة التي جاءت في مدح العلماء وتفضيلهم إنما المقصود منها العلماء العاملون، وليس العلماء الحافطون فقط من دون تطبيق.
قال تعالى:{ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء}.
فمن أكسبه علمه الخشية والعمل فهو العالم الحق، ومن لم يكسبه علمه خشية ولا عملاً فذلك مَثَلُه في قوله تعالى:{مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً..}.
ومن جعل علمه وسيلة للحصول على أغراض الدنيا وفتاتها فمَثَلُه في قوله تعالى:{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ*َلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
وعندما نتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، نجد أن بلاد المسلمين يحكمها طواغيت بدّلوا شرائع الإسلام وأحكامه، وأقاموا حكم الجاهلية، وصرفوا المسلمين عن دينهم، وبثّوا في مجتمعاتنا الثقافات الغربية النتنة.
ومع كل هذا نجد أنّ العلماء موجودون والمدارس والجامعات متوافرة، والمسلمون يدرسون أحكام الشريعة ولكن لا يسعون إلى إقامة حكم الله في الأرض.
لقد أصبح الدين عند كثير من الناس هو فقط أن تدرس وتحفظ في المساجد والجامعات ثم تخرج وتتعايش مع الجاهلية كأنها جزء ومنك وأنت جزء منها دون تغيير ولا جهاد.
قال الحسن البصري رحمه الله :" أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً.
وقال الْفُضَيْل بن عياض رحمه الله : إِنَّمَا نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلا ، قَالَ : قِيلَ كَيْفَ الْعَمَلُ بِهِ ؟ ، قَالَ : أَيْ لِيُحِلُّوا حَلالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ ، وَيَأْتَمِرُوا بِأَوَامِرِهِ ، وَيَنْتَهُوا عَنْ نَوَاهِيهِ ، وَيَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ.
وهذا هو واقعنا اليوم، فالعلم الذي نزل للعمل والتطبيق، اتخذ كثير من العلماء وطلبة العلم مجرد حفظه وأملائه عملا، وتغافلوا أن طلب العلم أنما هو وسيلة للعمل، والعمل هو الأصل، وأنه لا فائدة بعلم بلا عمل.
إن كان طلبنا للعلم لأجل الله، وكنّا حريصين على تطبيقه فلابد أن نزيل جميع الحواجز التي تقف مانعاً أمام تطبيق أحكام الله وشرائعه، ولابد أن نسعى بكل الوسائل الشرعية لإقامة شرع الله، وبذلك يكون للعلم فائدته وثمرته.
إنّ الأمة اليوم ليست بحاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية والتفرغ لطلب العلم، فإن كتاب الله وسنته بين أيدينا والعلماء متوافرون، ولكن الأمة اليوم بحاجة إلى إيجاد بيئة تطبق فيها ما تعلمته.
فكم هم العلماء وطلبة العلم الذين يتعلمون ويحفظون أحكام الشرع في المعاملات والحدود والجنايات وغيرها، ولكن هل يستطيعون تطبيق ما تعلموه في ظل حكم الطواغيت المحاربين لدين الله؟!
إنّ شرع الله يحتم ويفرض علينا الخروج على الطواغيت الذين هم عقبة أمام إقامة دين الله، وبغير إزالتهم لا يمكن أن نطبق شرع الله كاملاً.
وما نراه اليوم من المنتسبين للعلم والدعوة من موالاة للطواغيت والركون إليهم، هو خيانة وخذلان لدين الله وشرعه.
وما نسمعه منهم من دعوى حرصهم على تطبيق شرع الله يكذّبه ميلهم وركونهم إلى الطواغيت الذين هم عقبة أمام تطبيق شرع الله.
وإذا كنا نعلم أن تطبيق شرع الله واجب وفرض، فإن القاعدة: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعليه فإنّ تطبيق شرع الله واجب ولا يمكن إلا بإزالة حكم الطواغيت، ولا يمكن إزالة حكم الطواغيت إلا بالخروج عليهم وجهادهم، إذاً فجهاد الطواغيت والخروج عليهم واجب وفرض.
وبدل أن ندعوا الناس إلى طلب علم لا يتمكنون من تطبيقه، علينا أن ندعوهم إلى الجهاد الذي من خلاله يمكننا تطبيق شرع الله، وعند ذلك يكون لطلب العلم فائدته المرجوّة.
واعلم أنّ كل من يسلك طريقاً غير طريق الجهاد والمفاصلة فإنه لن يتمكن من أقامة حكم الله وشرعه كاملاً.
فصناديق الانتخابات، والمجالس التشريعية، والقسم على احترام الدستور، ليس هو الوسيلة الشرعية لإقامة دين الله، وكل من سلكه لم يرجع منه إلا بخفي حنين.
فالجهاد هو الوسيلة الوحيدة والصحيحة لأقامة حكم الله في مثل الواقع الذي نعيشه اليوم.
قد يقول بعض الناس: إن الله تعالى قال في كتابه:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة لتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
وعلى هذا فلا يجب علينا الجهاد جميعاً، بل لابد من بقاء طائفة لطلب العلم.
فالجواب من وجوه:
الاول: أن المقصود هنا جهاد الطلب، وجهاد الطلب فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وجهادنا اليوم هو جهاد دفع والنبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة أحد والأحزاب وكانتا جهاد دفع فلم يستبق أحداً في المدينة.
الثاني: أن الآية نزلت في أناس أقاموا شرع الله بينهم، ثم خرجوا لدعوة الناس وجهادهم، وأما نحن فلم نُقم شرع الله بيننا فعلينا أولاً أن نقيم شرع الله، فإذا أقمناه بيننا ثم خرج المجاهدون استبقينا بعضهم لطلب العلم.
ولا يمكن أن نقيم شرع الله إلا بجهاد الطواغيت فوجب النفير العام الشامل حتى نزيل الطواغيت ونحكم بشرع الله.
الثالث: أنّ الله تعالى أمر باستبقاء طائفة وهم قليل، والباقون يخرجون للجهاد وهم الأغلب والأكثر، ولم يأمر الجميع بالبقاء ولا يخرج للجهاد إلا القليل! فهذا عكس الآية تماماً.
وعلى هذا فإنّ الجهاد والخروج على الحكام المرتدين المبدلين لشرع الله هو أوجب واجب وأعظم فرض في وقتنا الحاضر، لأنه لا يمكن تحقيق التوحيد وتطبيق الإسلام إلا بخلعهم وأقامة خليفة يحكم فينا بشرع الله كاملاً.
نسأل الله أن يُبصرنا بديننا ويرزقنا العمل به.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.