المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 1)أوقاتكم أعماركم يا عباد الله



أهــل الحـديث
22-06-2012, 06:30 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
من نظر بعين التأمل إلى ما مضى من دهور وقرون وأشغل فكره في ما طوته الأيام من دروس وعبر تبين له أن هذه الدنيا لا يغتر به إلا مغفل أحمق
فالعبد في سيره إلى الله بين إحدى اثنتين إما سعيد وإما شقي سواء كان غينيا ملكه مد بصره أو فقيرا يفترش الأرض ويلتحف السماء والعبرة في مآل العاقبة
فيا عبد الله الغنيمة الغنيمة لأوقاتك قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله

هذه مقالة لشيخنا أبي عبد الله النائلي الجزائري نشرها في عاموده الأسبوعي في جريدة الشرق القطرية وهي عن أهمية الوقت قسمها في ثلاثة أجزاء أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة


بسم الله الرحمن الرحيم

(1)أوقاتكم أعماركم يا عباد الله
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
إن كل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي من حياة الإنسان يُهدمُ فيها جُزء من عُمره, ويَبعُد عن دنياه ويَقرُب من أُخراه،فكل دقيقة ذهبت من وقته فلن تعود إليه أبدا ولن تعوض، ولو أنفق أموال الدنيا أجمع ،قال الحسن البصري-رحمه الله-: "ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول : يا أيها الناس إني يوم جديد ، وأنا على ما يُعمل فيَّ شهيد ، وإني لو غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة ". الزهد لابن أبي الدنيا(1/426)
قال ابن القيم –رحمه الله- : "وقتُ الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، كان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته" .الجواب الكافي(ص 109)
ولعظم الوقت وأهميته عند الباري سبحانه ، نجد أنه أقسم به في سور عديدة من كتابه العزيز ، فتارة يقسم بالوقت كله كقوله سبحانه ( و العصر إن الإنسان لفي خسر ) [ العصر:1] ، وتارة بجزء منه كقوله تعالى (والفجر (1) وليال عشر)[الفجر: 1-2]، وقوله سبحانه (والليل إِذا يغشى (1) والنهار إِذا تجلى)[الليل: 1-2]، وقال تعالى: (والضحى (1) والليل إذا سجى)[الضحى: 1-2].
قال ابن القيم – رحمه الله -:" وإقسامه – سبحانه- ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته " . التبيان في أيمان القرآن (ص 5)
فالوقت أيها الأحبة هو حياة المرء ورأس ماله، فعليه أن ينظر أين ينفقه؟ وكيف يقضيه؟هل في طاعة ربه سبحانه ومرضاته ؟ أو في ملذات نفسه وشهواته؟.
ولهذا كان الموفق من استغل فراغه وعمَّر ساعاته فيما يُحب ربُه سبحانه ، سواء كان نفعه في دنياه أو آخرته، قال صلى الله عليه وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» رواه البخاري (6049) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-
قال ابن حجر –رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث : " أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «كثير من الناس» إلى أن الذي يوفق لذلك قليل" . فتح الباري ( 11/230)
و قال أيضا –رحمه الله- :"من لا يستعملهما –أي النعمتين- فيما ينبغي فقد غُبن لكونه باعهما ببخس". فتح الباري ( 11/230)
قال ابن الجوزي– رحمه الله -: «قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا، لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استغل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط،ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم». فتح الباري لابن حجر ( 11/230)
وقال ابن القيم – رحمه الله –:"السَنةُ شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجداد – أوان قطع ثمر النخل - يوم المعاد فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرها، والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة،وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك".الفوائد (ص164)
أيها الكرام إن الله - عز وجل – لم يخلقنا لحاجة منه لنا ، بل هو غني عنا سبحانه ،قال تعالى(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين)[العنكبوت :6]،بل أوجد عباده لأمر عظيم وغاية حميدة،ألا وهي عبادته سبحانه وحده لا شريك،وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه،قال تعالى(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون(57)إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين(58)[الذاريات:56-58]
قال الإمام النووي -رحمه الله-:"وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة فإنها دار نفاد لا محل إخلاد ومركب عبور لا منزل حبور ومشروع انفصام لا موطن دوام فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد وأعقل الناس فيها هم الزهاد رياض الصالحين(ص3)
قال ابن القيم- رحمه الله-:"فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم ولا ليربح عليهم لكن خلقهم جودا وإحسانا ليعبدوه فيربحوا هم عليه كل الأرباح".طريق الهجرتين ( ص222)
فينبغي للعاقل بعد أن عرف الغاية التي من أجلها خلق أن يعمل لآخرته ،ويسعى لها،و يتزود من كل ساعة بل من كل لحظة من دنياه لأخراه ، لا يترك شيئا من وقته يمر هباء دون أن يغتنمه في مرضات ربه وطاعته،قال بشر بن الحارث-رحمه الله-: "مررت برجل من العُبَّاد بالبصرة ،وهو يبكي . فقلت:ما يُبكيك ؟ فقال:أبكي على ما فرطت من عمري ، وعلى يومٍ مضى من أجلي لم يتبين فيه عملي".المجالسة وجواهر العلم للدينوري(1/37)
وقال ابن الجوزي –رحمه الله-:"رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ،إن طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر،وإن طال النهار فبالنوم،وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق،فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم، وما عندهم خبر،ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود،فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل،إلا أنهم يتفاوتون وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة، فالمتيقظون منهم يتطلعون إلى الأخبار بالنافق هناك،فيستكثرون منه فيزيد ربحهم، والغافلون منهم يحملون ما اتفق،وربما خرجوا لا مع خفير،فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً،فالله الله في مواسم العمر،والبدار البدار قبل الفوات".صيد الخاطر (ص46)
أيها الأحبة لقد ضرب سلفنا الصالح من الصحابة (رضوان الله عليهم أجمعين)والتابعين أروع الأمثلة في المحافظة على الأوقات واستغلال الدقائق والساعات بطاعة رب البريات وزيادة أرصدتهم من الحسنات .
وقد تتساءلون رعاكم الله عن قيمة الوقت عندهم ؟ولماذا كانوا مهتمين به؟هذا ما سنجيبكم عنه في تتمة المقال ،سائلين الله رب الأرض والسماوات لنا ولكم العون و السداد و البركة في الأوقات.


وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .



أبو عبد الله النايلي