المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجلس العسكر وخراب مصر انظروا الي هذا المشهد التاريخي العبثي المليء بالعبر المضحكة و



أسواق
22-06-2012, 11:40 AM
مجلس العسكر وخراب مصر


انظروا الي


هذا المشهد التاريخي العبثي المليء بالعبر المضحكة والمبكية في آنٍ واحد يتكرر اليوم على أرض مصر مرة أخرى؛ ليثبت المصريون للعالم كله أنهم شعب لا نظير له في التاريخ، متفرِّد في كل شيء، مبهر في عزمه، ومبهر في إقدامه، ومبهر أيضًا في إدباره!!



فلو أردنا أن نضع عنوانًا لهذه المرحلة الانتقالية للسلطة في مصر، لم نجد أفضل من وصف "الفوضى السياسية"، فلا يستطيع أحد أن يوصف الحالة السياسية في مصر بغير ذلك؛ ذلك لأن المجلس العسكري المتولي لزمام السلطة في مصر قد اعتمد نظامًا سياسيًّا هجينًا، استورد فيه العديد من تجارب الدول العربية والأجنبية في مواجهة الثورات العربية واحتوائها بل وإجهاضها؛ فجزء من باكستان وجزء من تركيا وجزء من رومانيا وجزء من الجزائر وجزء من اليمن وجزء من سوريا، واستحضر من ذاكرة الحكم العسكري المصري الطويل بعض الأساليب في الهيمنة والسيطرة على الأوضاع السياسية في البلاد، خصوصًا تجربة حكم محمد نجيب مع مجلس قيادة الثورة وهو ما عُرف بتجربة 54، لنصل في النهاية لهذا المشهد السياسي العبثي شديد الضبابية والعتامة.



المجلس العسكري في مصر نال شرعيته في الأصل بصورة غير شرعية، فشرعيته أعطيت له في غضون 37 ثانية فقط ممن لا يحق له قانونيًّا ودستوريًّا وشعبيًّا وثوريًّا أن يعطيه هذا الحق، الـ 37 ثانية هي مدة خطاب اللواء عمر سليمان الذي أعلن فيه تنحي مبارك أولاً، ثم تفويض العسكر ثانيًا في إدارة شئون البلاد، فشرعية العسكر تشبه لحد كبير شرعية المتغلب بقوة الأمر الواقع على البلاد.
ولعلم المجلس العسكري أن شرعيته ليست شرعية، والحالة الثورية ما زالت على أشدها، والملايين في الميادين، فقد قرر أن يتبع أخبث الوسائل وأعقدها في تكريس هيمنته على البلاد وبقائه لأطول فترة ممكنة؛ من أجل حماية مصالحه ونطاقاته الاقتصادية والإستراتيجية؛ فالأداء السياسي السيئ للقوى الإسلامية ومناكفة القوى الليبرالية والعلمانية لهم والدور الكبير الذي لعبته مراكز القوى القديمة ومؤسسات الدولة العميقة لمبارك في تعويق الانتقال الديمقراطي..


كل هذه الأمور رفعت سقف طموحات العسكر من حماية مصالحهم وأوضاعهم المميزة، والمحافظة على نطاقاتهم المحجوزة، إلى الطمع في الحكم كله وبصورة مباشرة وصريحة.



العسكر قرر اتباع طريقة الفوضى البيروقراطية، بإدخال البلاد في حالة لا تنتهي من المزالق والتعقيدات الدستورية والقانونية، وهذا الأمر لم يكن ليتحصل عليه إلا من خلال مشروع التعديلات الدستورية، والتي كانت الموافقة عليها خطيئة سياسية كبرى؛ إذ إنها أعطت العسكر صلاحية للهيمنة والسيطرة والاستحواذ حتى الآن وإلى مدى لا يعلمه إلا الله عز وجل، فالموافقة على التعديلات أعطت العسكر حق إصدار التشريعات، فأصدر المجلس إعلانًا دستوريًّا مليئًا بالألغام والفخاخ القانونية والدستورية والنصوص المائعة والمبهمة حمَّالة الأوجه والتفسيرات..



وهي النصوص والمواد التي ما زال العسكر يتكئ عليها لتبرير بقائه وسيطرته على الحكم في مصر، وبالاتكاء على بعض مؤسسات الدولة العميقة لنظام مبارك وبالأخص السلطة القضائية، استطاع العسكر أن يوفروا لأنفسهم غطاءً قانونيًّا من كهنة وشيوخ القانون الوضعي في نظام مبارك، الذين قدموا خدمات جليلة للمخلوع، وها هم الآن يقدمون خدمات أعظم منها للعسكر.





ومن أجل جعل بيروقراطية السياسة أحد أهم أسلحة الثورة المضادة، اعتمد العسكر على فكرة إدخال المسارات المختلفة في بعضها البعض، فأدخل المسار السياسي في المسار الدستوري في المسار القانوني في المسار الأمني في المسار الاقتصادي، وربط أطراف كل هذه المسارات في بعضها البعض، ثم أمسك بجميع الأطراف في يده، ليصبح المشهد السياسي بعدها بالغ التعقيد، ممتد التأثير على كل المسارات، يصعب جدًّا على من سيتولى منصب الرئاسة أن يقوم بفك هذه المسارات عن بعضها البعض، وكلما اقترب موعد تسليم السلطة في مصر لرئيس مدني منتخب، تسارعت خطوات العسكر من أجل تعقيد المشهد السياسي بتكريس المزيد من الفوضى البيروقراطية السياسية، وإدخال المزيد من المسارات الجديدة في العملية السياسية.



من هذا الأساس نستطيع أن نفهم ما أقدم عليه العسكر خلال الأسبوع الماضي من قرارات مؤثرة وجوهرية في حاضر البلاد ومستقبلها، وهو ما أغضب الجميع في الداخل والخارج؛ ففي حين رفضته كل القوى السياسية والثورية في مصر واعتبرته انقلابًا عسكريًّا فجًّا على الحكم، اعتبرته الدوائر الخارجية تطورًا دراميًّا في مسار الحياة السياسية في مصر يرقى لمستوى الانقلاب، فقد قالت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية: إن الإعلان الدستوري المكمل هو محاولة واضحة من قبل المجلس العسكري لحماية نفسه بعدما أصبح فوز مرشح جماعة الإخوان أمرًا حتميًّا، وأضافت: أن الإعلان الدستوري يعد الأحدث في سلسلة الخطوات السريعة التي اتخذها المجلس العسكري لتشديد قبضته على السلطة، ونقلت الصحيفة عن "ناثان براون" خبير الشئون المصرية في جامعة "جورج تاون" الأمريكية قوله: إن الإعلان الدستوري المكمل جاء ليتمم الانقلاب العسكري بشكل واضح، حيث أعاد الأحكام العرفية ومنح الجيش حصانة من الرقابة البرلمانية والرئاسية، وعزّز هيمنة الجنرالات على النظام السياسي.



المجلس العسكري الآن يجهض -ولحد كبير- لبّ المكتسبات الثورية، ويجهض آمال المصريين في حرية الاختيار وتحديد المصير، المجلس العسكري يجهض الآن مكتسبات الثورة وكل مؤسسات النظام الجديد، فقد حلَّ مجلس الشعب المنتخب ديمقراطيًّا وشعبيًّا بصورة نزيهة وحرة، واستولى على مهامه التشريعية، وفرَّغ منصب الرئاسة من معناه ومضمونه، فجعل الرئيس المقبل بلا صلاحيات حقيقية، وسَطَا على معظم هذه الصلاحيات لنفسه، ليؤكد المجلس العسكري على انتصاره للدولة العميقة ومؤسسات النظام القديم.



وإذا كانت السيادة في الإسلام لله وحده بلا شريك، فإن السلطان للأمة فهي مصدر السلطات، وهي تباشر تنفيذ الأحكام والقواعد التنظيمية للبلاد، وليست السلطة للعسكر ودباباته وآلياته ومراكز قوته، فهذا لم تعرفه الأمة الإسلامية إلا في عصور الضعف والانحطاط والتخلف الحضاري والسياسي، فإن هذا الوضع يفرض على القوى السياسية والشعبية والثورية عدة أمور، منها: التكاتف والاصطفاف الوطني الذي ترتفع فيه كافة الأطماع وتغيب عنه سائر الأجندات السياسية والحزبية والأيدلوجية أيضًا، ومنها الحذر والانتباه بشدة لكل القرارات والإجراءات. فعلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم الممثل الوحيد المنظم للشعب المصري والثورة المباركة أن ينتبهوا جيدًا جدًّا خلال هذه المرحلة لكافة قراراتهم وخطواتهم، فالخطأ في هذه المرحلة ولو كان بحسن نية أو عدم قصد يعدّ خطيئة وجريمة لا تغتفر، والإخوان هم الكيان السياسي الوحيد القادر والمؤهل لمواجهة خطط العسكري ومؤسسات الدولة العميقة، والاصطفاف خلفهم واجب الوقت..


ومنها أيضًا عدم الرضوخ للابتزاز السياسي الفج من غلاة العلمانيين والليبراليين واليساريين، وضرورة تنقية الصف الوطني من الدخلاء والمتلونين والمتحولين وجواسيس العسكري الذين انكشف أمرهم في الأحداث الأخيرة، فالقادم أشد تعقيدًا واحتقانًا من ذي قبل، فما مضى من صراع سياسي بين العسكر والقوى السياسية يعتبر نزهة مقارنة بما هو قادم، فالصراع قد بدأ للتوّ، والشعب هو مصدر السلطات، وسيظل مصدر السلطات دومًا إذا أردنا رقيًّا وتقدمًا وتحضرًا وديمقراطية، أمّا إذا أردنا غير ذلك فالدبابة هي الحل.



المصدر: موقع مفكرة الإسلام (http://islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2012/06/19/151858.html).
موضوعات ذات صلة:
بالله وحده نستغيث (http://islamstory.com/ar/node/34532)
قال التاريخ عن حكم العسكر (http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B9%D9%86-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1)
لماذا هدم العسكري المعبد ؟! (http://islamstory.com/ar/node/34706)
مجلس العسكر وخراب مالطا !! (http://islamstory.com/ar/node/34732)
موقعة العباسية واستبسال العسكر ! (http://islamstory.com/ar/node/27126)
استبداد العسكر وصدمة الشعوب !! (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1-%D9%88%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D9%88%D8%A8)
الإخوان والعسكر ومعركة الفصل الأخير ! (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%8A%D8%B1)
الإخوان والعسكر .. الخبرة في مواجهة القوة (http://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A8%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9)