المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 3 . هل حسن الخلق جبلي أم مكتسب



أهــل الحـديث
18-06-2012, 11:40 PM
أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد

هذا هو الجزء الثالث والأخير من سلسلة مقالات عن حسن الخلق التي نشرها شيخنا أبو عبد الله النائلي الجزائري حفظه الله في جريدة الشرق القطرية أنقلها إلى هذا الملتقى المبارك حتى تعم الفائدة



(3) - هل حسن الخلق جبلي أو مكتسب

إن بعض الناس أيها الأحبة يظن أن الأخلاق كلها فطرية و أن ليس للإنسان من خصال إلا ما جبله عليه الكبير المتعال .
وهذه الحجة لا تستوي على ساق لمعارضتها لسنة الخلاق ، فإن الله يدعو إلى تزكية النفوس فيقول ( قد أفلح من زكاها) [ ا لشمس:9]
قال الإمام ابن كثير : "يحتمل أن يكون قد أفلح من زكى نفسه أي : بطاعة الله كما قال قتادة و طهرها من الأخلاق الدنيئة و الرذائل " . تفسير ابن كثير ( 7/579)
ولمعارضتها لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في دعوته إلى تهذيب الأخلاق في قوله : " اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت و اصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ". جزء من حديث علي –رضي الله عنه- رواه الترمذي (3422) و أبو داود ( 760) وصححه العلامة الألباني –رحمه الله-
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس –رضي الله عنه- : "إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم و الأناة " ، قال : يا رسول الله ، أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما ؟، قال :" بل جبلك الله عليهما " فقال : (الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله ) أبو داود (5220) من حديث أبي سعيد الخدري ( رضي الله عنه) و أخرج مسلم (17) شطره الأول .
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله- :" فدل على أن من الخلق ما هو طبيعة وجبلَّة وما هو مكتسب " . مدارج السالكين ( 3/315)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعا وتكون تطبُّعًا ، ولكن – بلا شك- الطبع أحسن من التطبع ، لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعيا صار سجية للإنسان وطبيعة له ، لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة ، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء ، ومن حرم هذا – أي من حرم الخلق عن سبيل الطبع- فإنه يمكنه أن يناله عن السبيل التطبع " . مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين ( ص13)
فلو كان الأمر كما يزعمون أن الخلق كله جبلي لتركت المجاهدة واستغني عن الوصايا و المواعظ ! ، ولذا قال ابن القيم: "فإن قلت: هل يمكن أن يقع الخُلق كسبيا أو هو أمر خارج عن الكسب؟ قلت: يمكن أن يقع كسبيا بالتخلق والتكلُّف حتى يصير له سجيةً وملكة". مدارج السالكين ( 3/315)
وقد يرد علينا سؤال في هذا المقام ، فيقال :عندنا رجل جبل على خلق حميد، ورجل آخر يجاهد نفسه على التخلق به فأيهما أعلى منزلة من الآخر ؟
يجيبنا الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- فيقول :
"إنه لا شك أن الرجل الذي جُبل على الخلق الحسن أكمل من حيث تخلُّقه بذلك ، أو من حيث وجود هذا الخلق الحسن فيه ، لأنه لا يحتاج إلى عناء ولا إلى مشقة في استدعائه ، ولا يفوته في بعض الأماكن و المواطن ، إذ أن حسن الخلق فيه سجية وطبع ، ففي أي وقت تلقاه تجده حَسَن الخلق ، وفي أي مكان تلقاه تجده حَسَن الخلق وعلى أي حال تلقاه تجده حَسَن الخلق ، فهو من هذه الناحية أكمل بلا شك .
و أما الآخر الذي يجاهد نفسه ويروضها على حسن الخلق ، فلا شك أنه يؤجر على ذلك من جهة مجاهدة نفسه وهو أفضل من هذه الجهة ، لكن من حيث كمال الخلق أنقص بكثير من الرجل الأول ، فإذا رزق الإنسان الخلقين جميعا طبعا وتطبعا،كان ذلك أكمل، و الأقسام أربعة :
- من حُرم حسن الخلق طبعا وتطبعا .
- من حُرمه طبعا لا تطبعا .
- من رُزقه طبعا و تطبعا .
- من رُزقه طبعا لا تطبعا .
ولا شك أن القسم الثالث هو أفضل الأقسام ، لأنه جمع بين الطبع و التطبع في حسن الخلق ". مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين ( ص14-15)
فالأخلاق الفاضلة أيها الكرام يمكن كسبها ، بغرس الفضائل في النفوس وسقيها بماء النصح ،وهذه بعض السبل التي تعيننا على كسبها و التحلي بها بإذن الله :
بالإيمان بالله والقرب منه،فهذا منبع الخلق الحسن،و به تزكو النفوس وتهذب السلوك .
دعاء الله أن يرزقنا محاسن الأخلاق ويصرف عنا سيئها ، فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ما نقوله في هذا الباب : "اللم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها...."، مع أنه صلى الله عليه وسلم له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقد قال تعالى فيه ( و إنك لعلى خلق عظيم) [ القلم : 4]
مجالسة و مصاحبة من عرفوا بحسن الخلق ، قال صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يُخالل " . رواه الترمذي ( 2378) ، و أبو داود ( 4833) ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (927)
يستحضر الإنسان دائما صورة خلق النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يعامل أصحابه بالتواضع لهم و الحلم عليهم و العفو عنهم ،قال الله تعالى فيه (وإنك لعلى خلق عظيم)[القلم :4]،ولقد سئلت أم المؤمنين عائشة– رضي الله عنها-عن خلقه صلى الله عليه وسلم فقالت:"كان خلقه القرآن".مسلم (476)
يتأمل عاقبة سوء الخلق وما يترتب عليه من كره الناس له و بعدهم عن مجالسته فبالتالي يبتعد عنه و يتحلى بمكارم الأخلاق ، لأن حسن الخلق أيها الكرام يوجب التحاب و التآلف وسوء الخلق يثمر التباغض و التحاسد ، و العياذ بالله
قراءة تراجم سلفنا الصالح لمعرفة ما كانوا عليه من حسن الأخلاق و كريم الأفعال وبعد ذلك نعقد مقارنة بين حالهم وحالنا! لنرى البون الشاسع بيننا و بينهم! ، و الله المستعان.
وينبغي أن نعلم أيها الأحبة أنه كما لا يُقبل من أحد أن يَلتزم بأخلاق السلف و يترك معتقدهم ، فكذلك لا يسوغ فهم معتقدهم دون الالتزام بسلوكهم و أخلاقهم ، فلهذا كان منهج سلفنا الصالح –رضوان الله عليهم- متكاملا ،حيث جمعوا بين سلامة المعتقد وحسن الأخلاق، فعلينا التأسي بهم و اقتفاء آثارهم ، لنصل إلى ما وصلوا إليه بإذن الله، رزقنا الله و إياكم أيها الأحبة محاسن الأخلاق و أبعد عنا مساوئها ، وغفر الله لنا ولكم ولوالدينا أجمعين .
وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله النايلي